بيض .. بيض .. بيض

بيض .. بيض .. بيض
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حينما أقف وحيدة

على الجليد

يكون واضحا للغاية

أنني ساعة

وإلا

فيم وجود الخلود هكذا

من حولي

هذه قصيدة من ديوان صدر عام 1962، لشاعرة دنماركية تدعى إنجر كريستنسن ونُشرت ترجمتها إلى الإنجليزية في عدد مايو 2009 من مجلة شعر الأمريكية.

في إيجاز يذكرنا بالهايكو، وأفق بداخل القصيدة لا يبعدنا أيضا عن الهايكو، كتبت إنجر كريستنسن قصيدتها هذه، ولكنها في قصائد أخرى تبدو أكثر حفاظا على مكانة وسطى بين تجريد الهايكو إن جاز لنا القول بما فيه من تأمل كثيرا ما ينزع إلى البرود ورصد شبه محايد للعالم من ناحية، وسخونة الواقع والتجربة البشرية في الحياة اليومية من ناحية أخرى.

إنجر كريستنسن شاعرة دنماركية ولدت عام 1935 وتوفيت في عام 2009، وكانت ـ بحسب تعريف مجلة شعر الأمريكية لها ـ من رائدات الشعر في أوربا. كتبت الشعر والرواية والمسرح والمقال. وحصلت على العديد من الجوائز المهمة في أوربا التي لن نضيف إليكم الكثير إن نحن عددناها.

تقول مترجمتها إلى الإنجليزية سوزانا نييد إنها ـ أي إنجر كريستنسن ـ أصدرت ستة دواوين فقط، كان أولها بعنوان “ضوء”، ومنه القصيدة السابقة، ومنه أيضا قصيدتان أخريان نقدمهما في ما يلي.

ضوء هو الديوان الأول للشاعرة، نشرته وعمرها سبعة وعشرون عاما. تبدو نبرتها في القصائد أكبر من شاعرة في السابعة والعشرين. فقد كانت في عمرها ذلك قادرة أو حريصة على ألا تتعلم في قرائها أو تجرب فيهم، بل تقدم لهم قصائد صالحة للترجمة والقراءة والإمتاع بعد عقود من كتابتها.

***

طالما حسبت الواقع شيئا

نصير إياه

حينما نكبر.

في الميدان تقف “فاتا مورجانا

تبدو منهكةً وهي تصيح

جريدة الصباح .. جريدة الصباح.

***

هكذا، برهافة شديدة، تنبئنا إنجر كريستنسن أن “فاتا مورجانا” طفلة صغيرة، فالواقع هو ما نصير إياه حينما نكبر، وأنها قضت الليل تعمل، أو هي استيقظت مبكرة للغاية، ففاتا تنادي على بضاعة اسمها جريدة الصباح، ولكنها تبدو منهكة، هذا يعني أنها عملت لوقت طويل، أو أنها لم تأخذ كفايتها من النوم. هناك أبيات كثيرة أخرى علينا نحن أن نكملها، أبيات عن العدل الاجتماعي مثلا، عن توزيع الثروة، عن دور الدولة في توفير الرعاية والتعليم، عن اختراع اسمه الرحمة أو التكافل في رواية أخرى.

ثمة سهم إلى الجاني المسئول عن تعاسة فاتا ودخولها الواقع قبل الأوان، ولكنه سهم لا توجهه القصيدة إلى أحد، فقط تضعه بين أيدينا، تحملنا مسئولية أن نوجهه نحن إلى قوة ما علينا نحن أن نحددها، كل حسب ما يهديه إدراكه.

***

ما أغرب هذا

البيض في كل مكان

لا بد أن هناك خطأ ما

البيض قريب جدا من بعضه البعض

لا يبدو أن لنا مكانا

مستحيل أن نقرِّبَ البيض أكثر

من بعضه البعض

علينا نحن أن نقترب من بعضنا البعض

ولكن الحب ما سيحدث بيننا

والبيضُ هكذا في كل مكان

ما الذي سوف يحدث في كل مكان

لنا

لا بد أن هناك خطأ ما

قد تبدو هذه القصيدة للوهلة الأولى باردة أكثر مما ينبغي، وبخيلة، لا تكاد تستخدم من كلمات البشر الشيء الكثير، فقط “البيض” و”في كل مكان” و”نحن” و”التقارب”، تلك كلمات تتكرر بنفس ترتيبها تقريبا، وهذا ما يجعلها تبدو صامتة، خاصة وأنها تبدو منقطعة الصلة مع أية حالة واقعية نعرفها، فالبيض لا ينتشر على هذا النحو في حياتنا إلا في رفوف الثلاجات والأسواق.

ولكن، علينا أن نرى هشاشة البيض لا البيض، ونرى أنه ـ على هشاشته ـ حينما تكاثر أوقع الخوف في قلوب البشر، الخوفَ على وجودهم ومكانهم من الكوكب. القصيدة تقول إن هناك عدوا ما لنا، وإننا نخشى عليه بقدر ما نخشاه. ألا يشبه هذا إحساسنا تجاه أبنائنا، هل فكر أحد من قبل في أننا ننجب منافسينا، ونتعهدهم بالرعاية والحنان، إعدادا لهم كي يحلوا محلنا؟ إذا لم يكن أحد فكر بهذه الطريقة فيحسن ألا يفكر أحد هكذا. وهذا على كل حال استطراد لا أكثر.

إذن، استحال أن نفسح لنا مكانا بتقريب البيض من بعضه البعض، فالبيض في الأصل متقارب إلى أقصى حد ممكن. ليس أمامنا إذن ـ بحسب ما تقترح القصيدة ـ إلا  أن نتقارب نحن من بعضنا بعضا، ولكن الحب هكذا هو ما سيحدث بيننا. لا يفصلنا إذن عن الحب إلا أن نتقارب. ما أسهل هذا! أن نقيم جسورا على الأنهار، ونرسل سفنا وطائرات تقطع المسافات، ونتبادل الحديث عبر الإنترنت. حسن، هذا ما نفعله، ولكننا لا نتقارب ولا نتحاب، بل نتصارع على ملكية الجسور وطرق السماء والماء. وإذن، ما الذي سوف يحدث لنا؟ وفي كل مكان؟

مقالات من نفس القسم