موون دوك سو: خطوط .. خطوط .. خطوط

موون دوك سو: خطوط .. خطوط .. خطوط
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أحمد شافعى

ولد الشاعر "موون دوك سو" سنة 1927 في "هام آن" بـ كوريا. يعمل أستاذا للأدب الكوري، ويقيم في سول بكوريا الجنوبية مؤتمرا سنويا عالميا للشعراء. في سنة 1990، صدرت مختارات من أعماله الشعرية التي تبلغ نحو عشرة كتب. وقد صدرت هذه المختارات مترجمةً إلى اللغة الإنجليزية بعنوان "أفق خريفي". القصيدة التي نقدمها له هنا مأخوذة من أنطولجيا للشعر الكوري صدرت باللغة الإنجليزية بترجمة جيرمين دروجنبرودت ويشير موقع بوينت POINT  الشعري إلى أن القصيدة مكتوبة في ذكرى الفصل بين الكوريتين.

***

المجال الثالث

رسمتُ خطا مستقيما

فاصلا هذا الجانب عن ذاك.

في هذا الجانب يسقط الجليد الأبيض

بينما يسقط في الآخر

الجليدُ الأحمر.

والغريب

أن الجليد لا يحدث أن يذوب.

أرسم خطا منحنيا.

في جانبه هذا الجنوبُ وفي ذلك الشمال.

يستحيل الخط سلكا شائكا.

والغريب،

أن السلك الشائك لا يحدث أن يصدأ.

أرسم في الأرض خطا عميقا.

الفاكهة الخضراء تنضج في هذا الجانب.

الفاكهة الحمراء في الجانب الآخر.

الغريب أن من يأكلون من الفاكهة

وإن كانوا أشقاء

يصبحون أعداء إلى الأبد.

أرسم خطا كأنما بنصل سكين

وعلى هذا الخط يقوم جدار

ومن يجتازون الجدار يموتون.

والغريب أن البنادق والسيوف تحمي الجدار.

أرسم خطا، مستقيما أو منحيا

فلا تنقسم السماء فوق الجانبين

إنما هو مجال ثالث

تنمحي به الخطوط.

***

وهكذا لا أمل. والفردوس المفقود يبقى مفقودا، لا سبيل إلى تحققه على الأرض، ولا سبيل إلى انمحاء التقسيمات القائمة على الأرض، ولا سبيل غير السماء إلى وحدة بين البشر جميعا: الإخوة بالميلاد، وبالدم، وبالمصير النهائي لو يعلمون.

أعني لو نعلم.

قد يشير موقع بوينت إلى أن القصيدة مكتوبة في ذكرى انقسام بلد واحد إلى بلدين، ولكن ما من شيء في القصيدة نفسها يدعونا إلى اعتبارها قصيدة مناسبات يجدر تذكرها في يوم معين من كل عام.

ذلك أن الخطوط البشرية، خطوطَ إقصاء الناس للناس، مشاعٌ في كل صفحة من صفحات الأطلس. ذلك أن الحدود، لسوء الحظ بكل تأكيد، باتت رمزا عالميا لا يخطئ أحد التعرف إليه حين يراه.

ولكن خطا مرسوما بالقلم، بل خطوطا كثيرة مرسومة بأقلام من مختلف العصور وفي مختلف اللغات، تجعل السماء نفسها مقسمة بيننا، وخلف كل قسم يرى البعض منا ما يشاء.

تأملوا قليلا فيما يراه المسلم والمسيحي واليهودي حينما ينظر الواحد منهم إلى ما وراء السماء، تروا أنه ليس الشيء نفسه. وإذا اختلافنا في تصورنا عما وراء السماء، وفي ماهية خالقها وخالقنا ومن إليه أمرنا وأمرها في نهاية المطاف، إذا بهذا الاختلاف يصير مبررا لعداوة بين الأشقاء لا تنتهي. تذكروا كم من روح أزهقت باسم الدين، باسم الخلاف العقائدي والمذهبي على مدار التاريخ، تذكروا قرونا من الحروب الصليبية بين أوربا والشرق الأوسط، تعرفوا أن تصور السيد "مون دوك سو" عن السماء هو في مثل تصورات الأطفال براءةً أو سذاجة.

ولكن ثمة خطوطا كثيرة من صنع البشر توحّد بيننا نحن الإخوة المتحاربين منذ قابيل وهابيل وحتى أحدث مذبحة سمعتم بأمرها في نشرة الأخبار. وجربوا هذه الخطوط. جربوا أن تضعوا نوتة موسيقية أمام فرقتين موسيقيتين كل منهما في قارة، بل ربما كل منهما في زمن، وانظروا إلى نفس الموسيقى تقريبا يطرب لها العازفون وينتشون. جربوا أن تضعوا بعض خطوط والت ديزني أمام الأطفال من أي ثقافة ووسط أي نوع من أسلاك الحدود الشائكة وانظروا إلى نفس الدهشة البريئة والمتعة الطيبة ترتسم آياتها على وجوه الصفر والبيض والحمر والسود. جربوا هذا، وابحثوا في جوجل عن أكثر الشعراء مبيعا في الولايات المتحدة تروا أنه جلال الدين الرومي المسلم الصوفي، جربوا أن تقرأوا دون كيخوتة أو العجوز والبحر أو الجريمة والعقاب وحاولوا ألا تروا أنفسكم، وما أنتم بأسبان ولا روس ولا أمريكيين، في موضع الفارس أو الصياد أو الطالب المجرم.

تلك خطوط أخرى، وهي الأخرى من صنع البشر، وهي الأخرى غير قابلة للصدأ، ولكنها لا تقسم العالم، ذلك أنها ليست خطوطا ترمي إلى عزل الكنز إلا على أصحابه، بل هي تريد أن تشيع الكنز بين جميع أصحابه، بيننا جميعا.

مقالات من نفس القسم