– دورك
تابعت القطة وهي تعبر الشارع كأنها تنفذ وصف ياسر إلا أنها توقفتْ فجأة ونظرت ناحيتي ثم شدت مسرعة الدجاجة وتوارت خلف الباب. لم تكن أول مرة أرى مشهدا كهذا، لكن تعرف ياسر السريع عليه دون رؤيته جعلني أحس بوجود شيء في المشهد لم ألمحه ولم أسمعه من قبل.
ثقته وهو يصف لي كانت عكس تردده الدائم في تحريك قطع جيشه. لدرجة أنه كان يكرر طلبه بإعادة قطعة حركها مع وعد بأن يسمح لي بالمثل. وكنت أرفض في البداية لأطيل فترة تظاهري بالقوة وبأنني صرت أسبقه بخطوات. فهمت يومها بأنني لا أستطيع أن أكون مثل ياسر في التعرف على الشيء من صوته إلا إذا سكنت معه في شقته. وبما أن هذا مستحيل لم يعد أمامي سوى أن أرهف سمعي أثناء لعبنا الشطرنج محاولا تبين العلامة المميزة لكل صوت خاصة الأصوات التي تبدو متشابهة. لم أجده أبدا متفاخرا بهذه القدرة رغم أنه أثبتها أكثر من مرة ودائما كان صوته واثقا. نسمع صوت ركض في الشارع فيقول ” كلب الواد علي ” وأطل من الشباك فأجده هو بالفعل وليس كلبا آخر من كلاب الشارع. يعلو صوت إغلاق باب عربة فيقول ” الأستاذ حسين رجع بدري النهارده “. كان يتعامل مع قدرته هذه على أنها ليست شيئا غريبا ولم يكن ينتظر مني أي تأكيد وأنا أسرع نحو الشباك لأرى ما عرفه قبلي. ومن ناحيتي لم أظهر أي اندهاش، ولم أعلق بكلمة كلما نجح في التعرف على شيء دون أن يتحرك من مكانه أمام الشطرنج. وعندما أعود إلى مكاني وصوته يتعجلني لأستأنف اللعب أظل مشغولا بدقة تعرفه على الصوت، وعدم قدرتي على أن أكون مثله فأخطئ في تحريك جيشي. ومرة لم أنتبه إلى أنه نصب لي خطة نابليون فارتفع صوته:
– كش مات