خرافة عـابرة

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 مصطفى الشيمي

فتاة فقيرة لها عينا قطة، وروح قطة، غازلتني في طريق العودة وقالت "مياو!". التفت إليها وابتسمت. لم أعرف أنها تصطاد رجالها بهذه الطريقة ولم أهتمّ. كدت أتابع طريقي لولا أن رأيت هالة نورانية فوق وجهها فأشرت لها بيدي أن اقتربي، وأطاعتني كأية قطة مطيعة. قالت "نتفق الأول" فأجبتها “لن نختلف”. لكن نوايانا كانت مختلفة، هي تريد نقود الفراش وأنا عاجز تمامًا. مريضٌ بـ Writer's block ولن أقدر أن أهبها شيئًا. وبطلتي فتاة فقيرة. في وجهها مسحة حزن وعفرة الفقر، لكنها عنيدة. تعرف طرق التغنج. تلهو بي ولا تأتي إليّ. تقترب مرة وتبتعد عشرة. ألمح طيفها في الحسين وشارع المعز والغورية، تختبئ في أجسادِ الناس. كأنها عود هارب من العصر الفاطمي. لا أعرف ماذا تريد مني حتى اليوم. لم تهمس بسرٍّ عن حكايتها. كل ما في الأمر أنها تطل عليّ بوجهها من خلف جدار، أو من بين الوجوه، فقط لتهرب سريعًا قبل أن أمسكها بيديّ. سألتني الفتاة التي لها روح قطة عما أكون، وهي تنظر إليّ كأنني من سليل الآلهة والأساطير. لابد أنها رأتني وأنا أغادر بيت الشاعر. أخبرتها أنني روائيّ. فجلست أسفل قدميّ وهي تتأمل جدران وأثاث بيتي. لم يكن هناك ما يمكن أن يثيرها. أثاث قديم وجدران قسم الدهر ظهرها. أما أنا فأرتدي قميصًا وجينزًا وأدخن سيجارة كيلوباترا. لكن بالرغمِ من هذا لم تبهت نظرتها الجائعة إليّ. اقتربت إلى شفتَيَّ. انسالت في جسدي. قبلتني وقالت "اكتب عني قصة". فضحكتُ وقلت لها "وماذا أكتب فيها؟". فقالت "أي شيء. أنا أصلح لأكون بطلة". كان فوق وجهها هالة نورانية، كأن عهرها وهبها بركةَ الشهداء والقديسين. وكأنها رأت الجنة مرة ولم تسعد بالحياةِ في الأرضِ. شعرت بالغافي يصحو ويشتعل بالدمِ والنار. قبلاتها جائعة إلى شيء ما ورائحتها لها عبق من التاريخ. بدأت أذوق ما عندها وألحسها بلساني. تاريخها ينسال إليّ. أسرارها تصبح ملكي. وحين اقتحمتها أطلقت آهة واحدة وكتمتها. فصفعتها على مؤخرتها وبدأت تصرخ مرة أخرى. أريد أن أطلق لها العنان حتى تصير حرة وتتجلى فيّ. الأجساد لا تكذب أبدًا. ظللت داخلها، أرى كل شيء عنها، صور تتقاذف في كل اتجاه، بينما هي تصرخ، صرخاتها تشعلني أكثر، تصرخ، وكأنها تبكي. وقبل أن تكتمل ذروتها وجدتني قد انتهيت. ارتديت ملابسي سريعًا ونظرت إليها: كانت لا تزال عارية، تجلس أسفل قدمي، وقد ساحت رموشها، ولم أطل النظر إليها.. وضعت لها النقود على المنضدة فنهضت لترتدي عباءتها السوداء. تركتِ النقود في مكانها وعادت لتجلس أسفل قدميّ وتقول "لكنني لا أريد هذه النقود!"، نظرت إليها متعجبًا وقلت لها "لكننا اتفقنا!". فنظرت إليّ طويلا وقالت "فقط. اكتب عني قصة!". عريتها بعيني فلم أرَ فيها شيئًا مميزًا. اختفت هالتها النورانية المزيفة التي رأيتها. مجرد عاهرة فقيرة. لم أعرف ماذا أقول لها. لكنني قلت على أية حال معتذرًا "لكنكِ فارغة تمامًا" هزت رأسها متفهمة وفي عينيها دموع تجاهد لوأدها. مدت يدها إلى النقودِ ووضعتها في كيس بين نهديها. ومشت بخطوات ثقيلة حتى باب الشقة. ولمّا أغلقت الباب وراءها انفجر نحيبها.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قاص وروائي مصري

 من مجموعة "مصيدة الفراشات" الحائزة على المركز الأول في المسابقة المركزية لقصور الثقافة 2016






مقالات من نفس القسم

تشكيل
تراب الحكايات
موقع الكتابة

قلب

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون