أيوب هياص
وُلِدتَ في فجرٍ ما،
بقليلٍ من الوجعِ،
بينَ قريتينِ قَصِيّتينِ
وتحت نفسِ السماء،
مِن فمك الصغير صرختَ صرختك الأولى،
مُحاربا
عِواء الذئابِ البعيدِ،
ولِكَي لا يُبَلِّلَكَ النّدَى
نزعت أُمّكَ الغطاء عن رأسها
وكَسَتْكَ بِهِ،
مَسَحَتْ وجهكَ بأكمامِ جلابيتَها،
فظهرت لها عيناكَ،
كُنت لا تزال تصرخُ،
حملتكَ بذراعينِ
وجسم مليء بالحُمّى،
وراحت بك خُطوة
تلو
خطوة،
فهدأتَ فجأةً هكذَا،
وهَكَذا كان صوتُ الخُطى
قد سَكَنكَ،
الخُطى!
لِبَقيّتِ حياتكَ ظللت عالقا في الخطى،
منذ ذلكَ الحين و أنت
تمشي
و تمشي
و تمشي،
كي تتجنبَ الصراخ!
*
لم تُحب النظر في المرايا،
لأن قطراتٍ من حليبِ أمكَ
ما تزالُ فوق شفتيكَ،
جافةً
بيضاءَ
وعَطِرة،
طوال السبع و العشرينِ عاماً،
لم تستطع مَسحها
و لا أحد آخر استطاع ذلك!
و لا حتى المرأة التي سحبتك يوما إلى أقربِ بابِ عمارةٍ، و قالتْ شيئا ذَهَبياً فوقَ شفتيكَ؛
” الريحُ..
تذكر
أنك
فارس
على الريح،
و فوقَ شفتيهِ قطرات من حليبِ أمه،
جافةً
بيضاء
و عطرة “
*
و لجأتَ إلى البَحرِ،
و لجأَ البحرُ
لكَ،
كانتِ الأيامُ تسبحُ إليكَ،
تشربُ منها
فتخنِقُكَ،
و كم قطعتَ من الأيام
و كم قطعتَ من بحرٍ!
بحثاً
عن مَركِبٍ ورقيٍ صغيرٍ،
كان يطفو نحوكَ حينَ تنامُ،
و يضيعُ مجددا
كل صباح..
الماءُ هُوَ الماءُ و لا شيء أكثرَ..
يُخيفُهُ الليل
والشتاءُ معا،
و أنت السّابِحُ لا أكثر،
ذِراعَاك أشرِعتكَ
ومَركِبُكَ الوَرَقِي الصغيرُ ضائع!
*
من بين كل شيء
كانَ الخيالُ
لُعبتكَ الأولى،
و حيوانكَ الأليفُ!
*
والحُبّ،
بُخوراً يملئُ صدركَ!
*
والوحدةُ؟
حديقةٌ
بلا طيور.
…………….
*شاعر من المغرب