بعد كل هذا العمر لم يتبق لي سوى ذكرى باهتة ورقعة الشطرنج، ووجهها الذي لم يفارقني لحظةً واحدة، قد تدعي أن هذا الوجه وجه مريم ولكنه وجهها بعد أن وطأه الزمن، ربما تخاف من المواجهة، من العتاب، من السؤال الأبديّ الذي لم أجد له إجابة .. لماذا رحلت؟؟ وكيف يكون الغياب مجرد موتٍ مؤقت في انتظار الاكتمال وتمام الخروج.
صارحتها بأنني نسيت الإساءة ونسيت ما عانيته .. كانت تنظر لي بذهولٍ ولكن كان في أعماق عينيها حنين .. وأكدت وهي تنظر إلى بعيد أنها “مري “.
لماذا يصر كل من في هذا العالم على الكذب وكأنه لا سبيل أمامنا للنجاة إلا بالكذب؟؟
تبعتها من بعيد، عرفت مسكنها، تأكدت أنها وحيدة، كما ينبغي لمقترف إثم الغياب المفاجئ أن يكون. لم أسأل أحداً، لم أواجه أحداً، يقيني الداخليّ أنها هي وليست “مريم “.
ربما أكون مجنوناً، ولكني لا أخطئ عين من عشقت .. هذه عيناها .. وتلك هي حيرتها الأبدية التي تنساب منها
وقالت لي بعد أن ضاقت .. :
–لا أعرف ماذا بك .. ولكن تأكد من أنني سأصعد الأمر إذا ما تماديت فيما تفعله .
–لا أريد سوى عودتك .. لنكمل معاً ما تبقى لنا على هذه الأرض .. لننس الماضي .
وكأنني أطلب المستحيل ..
ولكنها غادرتني، هي مشيتها .. وإطراقتها .. لا يمكن أن يكون التشابه صدفة .
أعود إلى وحدتي .. أحرك قطع الشطرنج وحدي .. أكون أنا الصديق والعدو، وأهزم نفسي .. ربما لا يكفيني ما حل بي من هزيمة .
سأمشي وراء يقيني .. لن أتركها .. فلأدعها تسمي نفسها من تشاء .. ولكنني لن أسمح لها أن تنفلت من بين أصابعي مرةً أخرى ..
ربما ما زلت قادراً على أن أهب لها حباً يُعيدها إليّ ..
أنا الموعود بها .. مريضها .. أسير ذكراها ..
ثم قالت مجدداً
–أنا “مريم” .. ألا تفهم .. م … ر … ي …. م .