سيرةُ حَيٍّ

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 22
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

البشير الأزمي

أضحى الحَيُّ يمضغ سيرتي..

اِشتعل الأسى في أوصالي وهتفتْ لي نفسي:

” لا عليك.. هكذا هُم أهلُ حَيِّكَ، كلما أزهرتْ في قلبك بقايا ذكريات لتعيد لك الحياة من جديد. سعوا إلى أن تصبح طيفاً من الماضي تمضغُ الهزائم وتجتر الخيبات”.

أضحتْ عيونُ بعضِ أهل حيي تعرض عن النظر إليَّ، وأخرى تمعن التحديق في وجهي وكأنهم يريدون التحقق من أن الوجه الذي أحمل وجهي وليس وجهاَ مستعاراَ. يطلون عليَّ كَشمس يَوْمٍ رطب ماطر يضغط على صدري ويخنقني. نظراتُهم تنهبُ وجهي وتوشك أن تترك عليه نُدوباً. لا أخشى نظراتِهم، ولتترك على وجهي ندوباً. فلن تكون أشد من تلك التي وشمت حياتي، من قبلُ، وجعلتني أقترب من حافة الضياع.

أحاول أن أستعيد فرحي قبل أن تشيخ أحلامي وتضيق بي الذاكرة. فتتحقق أمانيهم. فلأتركهم يمضغون لؤمهم.  سأسعى لأحتمي من شمس نظراتهم وأقوالهم بمظلة التغاضي. لن أحبس نفسي اليومَ كُلَّهُ في الدار متخفياً منهم هارباً من نضنضة أفاعي ألسنتهم. سأصُكُّ سمعي عن أصواتهم التي غدت كصوت مرجل يغلي وأُوشكُ أن أحترق بلظى ناره، فتشيخ أحلامي وتضيق ذاكرتي.

كيف تشيخ الأحلام؟ كيف تضيق الذاكرة؟

كلما راودني هذان السؤالان، وأنا أحدق في وجهي المطل عليَّ من المرآة وأحاول استرجاع صورٍ من الماضي القريب، تستجيب نفسي لرغبة جامحة في البكاء، أحاول أن أغالطها في تدريبها على النسيان فأفشل. كيف لي أن أنسى؟ وهم مستمرون في الانتشاء بلذة تحقيري واستصغاري.

 صارت الحياة، بالنسبة لي، رتيبة مملة تسير سير سلحفاة أدمت الجراحاتُ أطرافَها. عِيلَ صبري وتلاشت إمكانية إقناعهم أن الذنب ليس ذنبي. ما ذنبي إن كان أحدُهم زرع بذرة في رحم أمي وضاع في دروب ضبابية. ما ذنبي أنا. أصبح ملاذي الهادئ الوحيد هو الفرار من أعين تتربص بي. كلما دخل جدي إلى البيت ووجدني وحيداً هائماً ربت على ظهري ومسح على رأسي وابتسم، أحس أنه يخفي خلف ابتسامته امتعاضه. أرتق عواطفي التي وسوس بها لي قلبي الجريح فغدت خرقاً ممزقة.. كنت كلما أَوْغَلوا في جرحي أزدادُ امتعاضاً.. أرفع عينَيَّ إلى السماء،

أرى غيمة

شفافة تعبر..

تُشَكِّلُ وجوهاً أعرفها..

أمقتها.

أحدق فيه بقوة

تأخذ أشكالاً غريبة..

تتلاشى..

أبتسم..

أتابع سيري..

جسدي ينضح عرقاً ليس من حرارة الجو بل بفعل الألم الذي يسكنني.. الظلمة عاتية والسكون رتيب. من جديد أسأل نفسي والغيظ يأكل صدري:

” كيف تشيخ الأحلام؟ كيف تضيق الذاكرة؟

تموت أسئلتي تحت لساني.. أتدثر بالصمت، أُطِلُّ من النافذة.. أتابع أطفالاً يعدون مسرعين يطاردون الفراشات..

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون