سيد الوكيل يرسم عالمه في “لمح البصر”

الروائي الكبير سيد الوكيل ..ملف خاص
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

د. مصطفى الضبع

سيد الوكيل قاص وروائي وناقد مصري  تضعه تجربته في الطبقة الأولى من كتاب الرواية خاصة والمبدعين عامة (الطبقة التي يقرأ مبدعوها أكثر مما يبدعون فتأتي أعمالها متميزة، خلافا لطبقة تقرأ قدر ما تكتب فتاتي أعمالها مذبذبة المستوى، وطبقة أخرى تكتب أكثر مما تقرأ فتأتي أعمالها ضعيفة لا يعول عليها ولا تحقق حياة )، يجمع سيد الوكيل بين وعيين أساسيين تقوم عليهما تجربته: وعي المبدع صاحب التجربة، ووعي الناقد صاحب الرؤية وهو ما تؤكده قائمة أعماله التي جاءت استجابة لتجربة عميقة تقوم على أساس من الفن الجميل وليس مجرد البحث عن كتابة سهلة إعلامية الطابع، سطحية المستوى، ضعيفة التأثير:

له أربع مجموعات قصصية تضعه في مكانة تليق به بين كتاب القصة القصيرة ممن حرصوا على كتابتها :

– أيام هند – نصوص 90 – القاهرة 1990.

–  للروح غناها – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 1997.

–  مثل واحد آخر – طبعة خاصة – القاهرة 2004.

– لمح البصر – روافد للنشر والتوزيع  – القاهرة 2014.

وله روايتان ضمنتا له موقعا متميزا بين كتاب الرواية من أبناء جيله :

  • فوق الحياة قليلا – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة 1997.
  • شارع بسادة – الدار للنشر – القاهرة 2008.

وله كتابان نقديان تحددان رؤيته النقدية وتكشفان عن مجال عمله في مقاربة النصوص:

  • مدارات في الأدب والنقد – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة 2002.
  • أفضية الذات، قراءة في اتجاهات السرد القصصي – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة 2006.

وله عمل يجمع بين السرد القصصي والسيرة الذاتية:

  • الحالة دايت (متتالية في سيرة الموت والكتابة – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة 2011.

ينتمي الوكيل للكتاب الذين وقفت أعمالهم الأولى أعتاب الألفية الثالثة، بدأ الكتابة في الثمانينيات وتحقق له الانتشار في التسعينيات وتأكد نضج مشروعه بداية الألفية الثالثة، والذين ينتمون لهذه المرحلة ومرت أعمالهم بالمراحل نفسها يمثلون جيلا يحقق تفرده من تجاوزه أيديولجية الجيل السابق ومشكلاتها فلا هو جيل اليسار الذي عاني من تعقيداته ولا هو جيل الانفتاح الذي عانى مشكلاته، ولأن الوكيل يعد نموذجا لهذا الجيل  الذي  قرأ السابقين بعمق واستوعب تجربة المشهد الروائي مخلصا لتلمذته لنجيب محفوظ محتفظا بمسافة تخص الكتابة وتتحقق عبر قراءة محفوظ لا ادعاء تلمذته بالاقتراب منه أو منح النفس صك الحديث عنه أو باسمه.

يقول تعبيرا عن رؤيته للكتابة “فالكتابة هكذا، ليست تعبيرا عن الحياة.. بل هى طريقة من طرائق عيشها. ليست ردا لفعل ما، بل هي الفعل نفسه”(سيد الوكيل: الحالة دايت )، وهو ما يجعل من نصوصه مجالا للحياة.

إذا كانت مجموعته القصصية الأولى ” أيام هند ” تكشف عن  موهبة الكاتب، فإن المجموعة الثانية ” للروح غناها ” تكشف عن نضج الموهبة، وظهور طاقات دلالية تتناسب ونضج الكاتب، فيما تؤكد المجموعة الثالثة “مثل واحد آخر ” عمق التجربة وقدرتها على تقديم كاتب حريص على خدمة مشروعه عبر العناية بتفاصيل التجربة ومن قبلها العناية بالخلفية المعرفية للتجربة عبر مشروع قراءة واسع المجال يقوم على عمادين أساسيين: قراءة السرد ومكاشفة نماذجه العليا، وقراءة السينما عبر مقاربة نماذجها ومتابعة مراحل تطورها ، وتأتي المجموعة الرابعة لتقف بمشروع الكاتب عند منعطف تجربة جديدة لا تشي بالقدرة على التشكيل فحسب وإنما تقدم نموذجها الخاصة بالقدرة على التخييل عبر التقاط تفاصيل يدرك المتلقي واقعيتها غير أنه لا يخطئ التعامل معها فنيا ممررة بوعي كاتب يعرف كيف يشكل نصه معتمدا طرائق خاصة في رسم النص.

تتآلف إلى حد كبير نصوص المجموعة القصصية عند سيد الوكيل مما يجعلها مجموعة من التوائم المتقاربة،   تبدو للوهلة الأولى متبعة طريقة / طرائق محدودة فى إنتاج دلالتها ، ولكن سيد الوكيل يعمد للتنويع فى مجالات القص عبر المجموعة الواحدة، وهى أولى علامات الحرص على إبقاء المتلقي على درجة اهتمامه إلى ما بعد نهاية القراءة التي ليس معناها نهاية التلقي بالطبع، وهو ما يتكشف عبر نصوص المجموعة الرابعة ذات الطابع الخاص من بين مجموعات الكاتب.

تضم مجموعته الجامعة بين تقنيات السرد القصصي وطريقة سرد الأحلام ” لمح البصر ” تسعة وثلاثين نصا قصصيا تميل جميعها للقصر(كثير منها لا يتجاوز نصف الصفحة ) ، معبرة عن عنوانها الأخير الذي تصدر المجموعة ” لمح البصر “، ذلك التعبير الذي يجعلها تقارب مساحات مكانية في لحظات زمنية سريعة تناسب سياق الحلم وطرائقه وتجعل من النصوص لحظات تتجاوز الوعي بالزمن إلى الوعي بالحدث من حيث هو مخزن استراتيجي للرمز أولا ولإنتاج الدلالة النصية ثانيا ودليلا على منجز السارد وقدرته على تقديم حدث شيق، جذاب، دال ثالثا.

فعناوين النصوص بوصفها عتبات لا تحيل إلى النص بقدر ما يحيل إلى العالم خارجه وخاصة تلك العناوين التي تتشكل من معان مجردة في معظمها : لمح البصر – اللعبة – شغف الطريق – قلق الأربعين – ساعة العمر – حق العودة – الدليل.

في قصته “خالص العزاء ” رغم أن النص يقوم على مشهد عزاء “زوجة وزير الداخلية ” فإن صيغة العنوان لا تقف عند حصار النص فيها أو لا تكون مجرد نقطة عبور إلى المتن بقدر ماهي عبور للعالم الذي جاء العزاء تمثيلا (رامزا) له، فخالص العزاء ليس للفقيدة أو فيها وغنما لعالم تكاد تفاصيله تكون مبثوثة في النصوص جميعها، حيث العالم يتشكل من شخصيتين (السارد وصديقه ) بوصفهما شاهدين على العالم غير مشاركين في صنعه أحيانا كثيرة، وبوصفهما نموذجا للعلاقة القائمة بين اثنين في مواجهة العالم المضاد:

لذا تأتي القصة عابرة للمشهد المرسوم وقافزة عليه: ” انتصب سرادق العزاء مهيباً أمام مسجد عمر مكرم، وفي مقدمته صورة كبيرة للمرحومة زوجة وزير الداخلية، كان وكيل الوزارة يتلقى العزاء في مقدمة صف طويل من موظفي الوزارة، فيما وقف مدير مكتبه يوزع بطاقات خضراء على المعزين، إذ عليهم أن يسجلوا فيها اسم السورة التى يرغبون سماعها من المقريء.

رأيت المقريء في نهاية السرادق، يتربع على كرسي مذهّب مكسو بالحرير الأخضر، وأمامه عدد من تلك البطاقات الخضراء، ثم رأيتُ خادم السرادق في قفطان أبيض نظيف يتجه ناحيتى، أخذ بطاقتي وأشار لي أن اتبعه، فمضيتُ خلفه صامتاً بما يليق بجلال الموت.

 قادني إلى المقعد المخصص لي وأمرني بالجلوس فقلت له أننى لم اكتب في بطاقتي شيئاً بعد.

 يبدو أنه لم يسمعني فكررت كلامي بصوت أعلى، لكنه لم يرد، فقط مضى في اتجاه المقريء ووضع بطاقتي بجوار البطاقات الأخرى.

 وقفتُ لحظة مندهشاً ومحتجاً، حتى أحاطتني نظرات المعزين مستنكرة ارتفاع صوتي، فجلست صاغراً على المقعد المخصص لي، عندئذ التفت إليّ جاري وهمس:

ـ ألم تلاحظ أن المقرئ كفيف؟؟”

النصوص في مجملها تمثل مجموعة من الروافد التي تغذي نهرا متدفقا ليس من صنع السارد وإنما هو من صنع القدر ويكون دور كل سارد أن يقدم روافده لخدمة هذا النهر الكبير

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized
ترقينات نقدية
د. مصطفى الضبع

تناغم (22)