سوزان عليوان وشمسها المؤقتة (مدخل لقراءة النص في أسطوريته)*

موقع الكتابة الثقافي writers 2
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

د. مصطفى الضبع

على سبيل التمهيد :

لقد كان تعاملى مع ” شمس مؤقتة ” منطلقا من فكرة أؤمن بها كثيرا : أتمثل جودة النص في قدرته على منح الناقد أبعادا لنظرة نقدية مغايرة ، من هنا نجحت شمس مؤقتة أن تقدم من أضوائها ما جعلنى أطرح فكرة النص الجديد بوصفه أسطورة العالم الجديد ، وقد تلبستنى الفكرة حتى نضجت تماما فكانت هذه السطور التي لا تدعى تقديم كل ما رأسى عن القضية وإنما هي ملاحظات يجد القارئ العزيز تفصيلها في كتاب سيصدر قريبا .

مع النص الجديد أنت في حاجة لثقافة متجددة ، لوعى جديد ، فإذا دخلت بوعيك القديم فلن ترى ما يكمن هناك في العمق ، لن ترى العالم في صورته الأكثر حدة ، ولا الإنسان في أقوى حالات مهانته .

خاسر أنت إذن لو دخلت بوعى يملى عليك : أن الشاعر يفسر لك الأشياء ، ويكشف لك مناطق الجمال ، ويجعلك ترى عيون حبيبتك أجمل مما هي عليه في الواقع ، ويؤهلك أن ترى الجمال في وجه السلطان ،و الحسن في وجه الأمير وأن الصباح الأغر يستعير من السلطان جماله ( [20]) ، وأن القصيدة تجعلك قادرا على تحمل أعباء حياتك العائلية ، وأن الشعر أداة لهذا كله .

خاسر بالتأكيد لو كانت معرفتك بالشعر متوقفة عند أمير الشعراء ، وقاصرة على أن الشعر : كلام موزون مقفي ، وأن أصدق الشعر أكذبه ، وأن الشعر يحسن القبيح .

ومع شاعرة من مثل سوزان عليوان أنت على موعد مع الإنسان في النص قبل الإنسان في سوزان عليوان ، أنت على موعد مع وعى جديد يتيح لك أن ترى نفسك ، وتدرك أين موقعك من الكون ، وتتعرف على إنسان عليوانى النزعة إنسان يشغلك بالإنسانية بوصفها تناسب المثقف في وعيه الجديد .

لم ألتقها، حتى كتابة هذه السطور ، ولم أتعرف عليها عبر لقاء مباشر ، و لكنى على يقين من أنني أعرفها منذ قرأت ديوانها ” مخبأ الملائكة ” ، أعرفها معرفتى بالشاعر لأنني منذ رأيت العالم عبر نصوص العظيم أمل دنقل آليت على نفسى ألا أرى رؤية الوطن لأبنائه ،رؤية تجعلهم يصرخون   :

……………………

فاذكرينى كما تذكرين المهرب .. والمطرب العاطفي …

وكاب العقيد … وزينة رأس السنة

أذكرينى إذا نسيتنى شهود العيان

ومضبطة البرلمان

وقائمة التهم المعلنة ( [21]) .

أعرف سوزان عليوان كما يعرف العربي أخاه ، وبما يكفي لأن يعرف إنسان نفسه وقد وجدها في قصيدة كتبت على مبعدة آلاف الأميال ، فيغريه ذلك ، أو يدفعه لاكتشاف الإنسان داخله ، وفي عمق العالم ، بما يكفي لأن يشعر الإنسان بإخوة له في الدم ، وأشقاء له في القهر ، وأصدقاء له في الهموم ( وكلنا في الهم شرق ) و بالطبع فات أمير الشعراء أن يقول (وكلنا في الشرق هم ).

أعرفها كما يعرف الناقد نصا جيدا يطبق عليه معيار/ معايير الجودة وقد نصصت عليها في قانون أرتضيه : كل نص لا يغير كيميائى لا يعول عليه ، وكل نص لا يجعلك قادرا على إعادة النظر في القضايا الفنية القديمة أو لا يطرح عليك قضايا جديدة لا يعتد به .

عرفتها كما عرفت البياض ، وعازف الجيتار ،وشمسها المؤقتة ، والفراشات حول مصباحها الكفيف ، وقوس قزحها المنطلق في آفاق الكون ، ولوحاتها بخطوطها البسيطة بساطة خيال الأمير الصغير .  

 

 

تجربة قراءة :

الليل عادل

لا يفرق بين بحر وسماء

بين عصفور غريب عن الشرفة

وإنسان غريب عن البلاد

الليل عادل في السواد

نجحت هذه الكلمات (وقد كانت الأولى التي قرأتها للشاعرة ) في أن ترسم صورة دالة على صاحبتها، الشاعرة اللبنانية والدا و مولدا، العراقية والدة ، العربية أصالة ، الإنسانية انتماءا سوزان عليوان ، لم يكن نص ” عدل ” الأول في ديوانها ” مخبأ الملائكة ” ولكنه كان أول ما وقعت عليه عيناى ، هكذا بصورة قدرية كان لى أن أستكشف صوتا جديدا عبر نص قصير سيكون دالا في تجربتى الخاصة لقراءة الشاعرة ، كما سيلعب دوره المؤثر في التأسيس لقضايا نقدية وموضوعية لها حضورها في تجربة الشاعرة وفي علاقتى بالقصيدة الجديدة المعروفة بقصيدة النثر ( [22])، سيكون دالا من حيث هو قادر على تقديم الكثير من الملامح الكاشفة للنص على مستواه الفنى وعلى صاحبته على المستوى الإنساني ، تتمثل في وشاية النص بملامح الغربة ، ومفردة الليل بوصفها ملمحا من ملامح الصراع الإنساني مع الزمن ، ورؤية الشاعر العربي لليل كما تجلت أبعاده في القصيدة العربية على مدار التراث الشعرى العربي ، كما أسس النص واحدا من معايير الجودة الفنية : النص الجيد ذلك القادر على أن يثير قضايا فنية إلى جانب ما يثيره من قضايا موضوعية ، وضعنى النص أمام مفردة الطائر في صورة تشكل استراتيجية الحنين والشكوى في القصيدة العربية ( [23] ) صورة استثمرها النص العربي حتى باتت علامة عليه ، تكررت زمانا ومكانا ، من طائر عنترة بن شداد (شبه الجزيرة ) :

يا طائر البان قد هيجت أشجاني   وزدتني طربا يا طائر البان

ان كنت تندب إلفا قد فجعت به   فقد شجاك الذي بالبين أشجاني

إلى ورقاء المعرى (بغداد):

سأبكي إذا غنى ابن ورقاء بهجة   وان كان ما يعنيه ضد الذي أعني

و ورقاء ابن خفاجة (الأندلس ) :

يهفو كما هفت الأراكة لوعة   ويرن طورا رنة الورقاء

وحين استثمرتها الشاعرة طورت مفرداتها لتناسب العصر والسياق النصي ، ولتجعل من الألم موحدا بين الشعراء على اختلاف عصورهم وهمومهم، لتعلن أن الألم صناعة عربية في المقام الأول ” نحن الآن أكثر قدرة على استيعاب قسوتهم ” .

ولكنها لم تشتك كما اشتكى عنترة ، ولم تعد بالبكاء كما المعرى ، وإنما جعلت من نفسها قوة تؤسس لقوة الجماعة في مواجهتها للآخرين ، راسمة حالة الصراع بين قطبيه (نحن) ( هم ) ، ولم تستسلم لهذه القسوة ولكنها تعول كثيرا على الاستيعاب ، المعرفة التي تفتح للإنسان الطريق لرؤية العالم .

من يرى البحر؟ :

مع شاعرة من طراز سوزان عليوان لا تخطئ مطلقا التعامل مع ذات ترى العالم بعمق ، قد تكون فكرة الذات بوصفها متابعة العالم في القصيدة تقليدية لدرجة لا يتطلب الأمر جدالا جديدا ، أو توثيقا يؤكدها ، فالشاعر يرى العالم ممررا عبر ذاته ، خلافا للقاص الذى يرى ذاته عبر العالم ، الشاعر يجعلك تعيد النظر في الأشياء ليكون لك فهمك الخاص ، والقاص يجعلك على يقين من أن ما يقوله قد حدث بالفعل ، الشاعر يطلق صوته لا لتصدقه ، ولكن لتصدق ألم العالم الذى يتفجر في الكلمات وعليك أن تعرف كيف تتألم لأن هذا معناه أنك ستعرف كيف ترى الآخرين يتألمون عندها ستكون شريكا في الألم ليس لشيئ إلا لأن إنسانيتك تفرض عليك هذا الواجب وتحتم عليك أن تحقق شروط هذه الإنسانية أن تتألم .

صوت الشاعرة يتحرك عبر محورين أساسيين :

  • الذات المعبرة عن نفسها .
  • الذات التي تحل في العالم عبر أصوات أخرى ، وخاصة ضمير المتكلمين المهيمن في “شمس مؤقتة” .

والتعبير عن النفس ليس معناه الانغماس فيها بالصورة التي تجعل من النص إعلانا عن الذات ، وإنما تكون الذات كاشفا عن العالم ومشاركا الآخرين أشجانهم ، وليس ثمة نص يطرح الذات بمفردها :

بحر

ذلك البحر الممتد

من جرحك البعيد

إلى دمع عيوني

تراه يبكى

في الليل

مثلنا                 ( مخبأ الملائكة )

يبدأ النص بصوت الذات المفترضة ، الذات الكامنة في الخطاب الاستهلالى، المبتدأ بالصيغة النحوية (ذلك البحر الممتد ) ، حيث تتضافر الإشارة للبعيد ، ومساحة البحر وصفته ( الممتد ) ،والمساحة القائمة بين الحرفين ( من … إلى ) تتضافر كلها لتوسيع مدى المساحة التي يتحرك فيها صوت الذات ، موحية بالوحدة التي تجبر الذات على أن تتوحد بالأشياء ، أو تبحث عن روح تتكئ على جرحها ، لذا تعود لمن تخاطبه ، مدخلة إياه في مجال الصورة ( جرحك ) ، مستثمرة الخطاب للقريب في دلالته على الالتصاق ، وتماهي الحدود الفاصلة ، لتجتمع مفردات الصورة ( أنا – أنت – البحر ) مع تغييب الآخرين من البشر لتقتصر الصورة على مجموعة من العناصر الاختزالية ، العناصر الفاعلة بغياب الآخرين ، أو بتغييبهم ، ليبقى العالم مقتصرا على عناصره الثلاثة :

الدموع / الذات : حيث تكون الدموع مؤشرا على الذات المعبر عنها بالخطاب الافتراضى + الدموع .

الجرح /الآخر : فالآخر يتحول لجرح بعيد لا يخطئ التأويل إمكانية النص في طرح الذات بوصفها الجرح البعيد ، فاتساع المساحة بين المخاطب والمخاطب تحدث جرحا مقيما ، هنا تكون العناصر ( جرحك – دمع عيوني ) عناصر مقيمة توحى ببقاء الألم ، يؤكد ذلك اعتماد النص على الجملة الاسمية المفرغة من الزمن ([24] ) مما يوحى باستمرار الجرح ودوام الدموع في (عيوني ) ،   في مقابل دخول الحركة الحادثة ، الطارئة على الصورة ،أعنى الفعلين ( تراه – يبكى ) مسندين إلى قوتين غير الذات ، فإذا أدخلنا عنصر الاحتمالية الكائنة في كون الجملة خبرية تحتمل الصدق أو الكذب ( والفعلان من ناحية أخرى يمثلان خبرا للمبتدأ (ذلك ) ) تكشفت طاقة الصراع بين المقيم والمتغير ، بين جرحك المقيم ودموعى الدائمة ، وبين أن ترى أو لا ترى البحر يبكى .

البحر . يمثل البحر واحدا من عناصر الكون في النص السوزانى ، وليس دوره فقط أنه يتولى البكاء عن الذات ، أو كونه بديلا عن العنصر البشرى ، ولكنه يمثل واحدا من عناصر التشكيل ، لا ترسم سوزان عليوان صورة له بقدر ما ترسم به ، إذ يتجاوز كونه موضوعا إلى كونه تقنية لرسم الصورة ، تكاد تراه في نصوصها جميعها في حلوله المباشر أو غير المباشر ، في بعده الأسطوريأيضا (وسنعاود التوقف لديه لاحقا )   .

هنا علينا أن نتجاوز الطرح الضيق للخطاب ، ذلك الطرح المعتمد على إبراز ذات تخاطب محبوبها ،علينا أن نخرج من صورة خاصة ضيقة الأفق لا تناسب النص الجديد بشكل عام ولا تتماشى مع نص سوزان عليوان بشكل خاص ، صورة ليس المتلقي في حاجة ليتعرف الشاعرة على المستوى الإنساني المباشر ليتوصل إليها ، فقط هو في حاجة ليخرج من أفقه الضيق وتفسيراته الجاهزة ليصل لدرجة من الكشف النصي ، فسوزان عليوان لا تكتب عن حبيبها ذلك الرجل الذى تتوسل إليه أن يرضى عن محبوبته وأن يرحم دموعها وقد بللت وسادتها الخالية ( على طريقة السينما المصرية في العهد الغابر ، أو على طريقة الأغاني العربية الآن) .

إن العالم ( المحبوب ) لدى الشاعرة يجعل انتماء قصيدتها للإنسان أكبر من انتمائها لذات واحدة ، علينا فقط أن نعود لعازف الجيتار أو غيره من نصوص ديوانها “شمس مؤقتة “، ومن قبله “مخبأ الملائكة” ، أو لنصوصها الجديدة المعبرة عن رؤيتها لحرب الخليج أو غيرها من قضايا شديدة الإنسانية أخلصت لها ) ([25] ) ، كما أن ثقافتها ، وطبيعتها، ورؤيتها للشعر من قبل تتيح لها أن ترى الإنسان متجاوزة مأزق الذات : ” …. كى ترى الآخر ” كإنسان ، كشيئ كمكان ” بوضوح يجب أن تكون قد تجاوزت نفسك ، الطفل يشعر أن العالم يدور حوله .. أما الإنسان الواعى فهو مدرك بأنه نقطة صغيرة في لوحة شاسعة ” ( [26]) هنا عليك أن تدرك أنك أمام شاعرة تكتب بالناس ولهم ، للإنسان في كل منهم ، تكتب بك بوصفك إنسانا ، ولك مادمت مدركا لهذا الجانب الإنساني ، وأن تدرك أن الأداة التي يمكنها أن تفتح لك مغاليق النص السوزانى هي فقط الإنسانية بكل ما تحمله من معان :

” حين يكتب الشاعر للناس.. للإنسان في كل واحد منهم ليس هنالك تنازل أينما نشر. ما دام الشاعر يرى القارئ وجها في مرآته ما دام القارئ شبيهه لا خوف عليه، الخطر يبدأ حين ينظر الشاعر إلى القارئ على أنه شبح إنسان يجلس على مقعد في أمسية مزدحمة وملامحه غير واضحة لكثرة الأضواء! سقطة كبيرة للشاعر أن يعتقد أنه شاعر مشهور. وثروة الشاعر الحقيقية في أن يكون مقروءا ومحبوبا وقادرا على
الوصول إلى الناس لأنه يكتبهم في قصيدته. هذا هو المجد الشعري أن يقول لك إنسان )إنسان واحد): وجدت نفسي في قصيدتك.” ( [27]) .

تأسيسا على ذلك الطرح نحن أمام رؤية أعمق للنص في عناصره المشكلة للنسيج الدلالى فيه ، رؤية نتجاوز فيها المستوى السابق للتأويل بوصفه مستوى أوليا ،مستوى ليس وحيدا ، ليس عميقا ، سطحيا بمعنى من المعاني ، نافذين إلى مستوى دلالى آخر ، رؤية لا يكون المخاطب ذاتا بعينها ينحصر فيها العالم ويتوجه إليها الخطاب ، وإنما تعلى من قيمة النمذجة ، أن يكون المخاطب في النص هو ذلك النموذج الإنساني بما له من وعى وبما يحمل من سمات إنسانية لها طبيعتها في إثراء الرمز ، ولها قدراتها في توسيع الأفق الدلالى للنص دون إغلاق أفقه بالتفسير الأحادى المباشر .

وكما وسعنا مجال النظر للنص أمام القارئ بإدخال مقولات الشاعرة نتوسع في الفضاء النصي بإدخال العنوان ” بحر ” مستفيدين من دلالاته ، وما يرمز غليه وما يطرحه الوعى الإنساني له ، عندها علينا أن نتجاوز أيضا البحر بمعناه الضيق ، مستثمرين ارتضاء الشاعرة أن يكون العنوان نكرة ليست محددة ، عامة تمنح المتلقي فرصة للتأويل أو أن يستريح لبحره هو أو لما يعرفه عن البحر وما يطرحه عليه وعيه بفعل النص ، هنا يسير النص حسب واحد من الطرحين / التأويلين :

  • أن تتعامل مع البحر بوصفه مفردة مستقرة في كيانك بما له من مرجعية ذات معروفة قبلا ، عندها أنت أمام معان للخصوبة والتطهر ، والحياة في تجددها ، والخوف من قوة البحر والجرأة في التعامل معه ، كلها معان تتكئ على معرفة البشرية بالبحر ، وقدرتها على أن تعى علاقة الإنسان عبر الزمن مع البحر بوصفه شاهدا على التاريخ الإنساني ، ومانحا الإنسان الحياة تماما كما يمنحه قدرا من المعرفة ، هذا البحر بكل ما يملك من مظاهر القوة والاتساع التي تجعله قادرا على أن يحتمل أكثر من احتمالنا نحن البشر ، ليس بإمكانه أن يحتمل قسوة العالم ومآسيه لذا فإنه يبكى مثلنا ، لك أن ترى جانبا من رؤية الرومانسى للأشياء ، وهو يحتمى بمفردات العالم ، ويتوحد بالأشياء ليكون أكثر قدرة على أن يحتمل الألم ، ويمكنك أن ترى البحر مياها تجمعت من دموع الذات الراوية بوصفها المنبع الوحيد لها ، حيث بكاء البحر تال لدموع الذات مما يجعل البحر جدولا من دموع الذات التي تمثل رافدا من روافد البحر ( [28]).
  • أن تتجاوز معارفك بالبحر المتعين متجها للبحر الافتراضى ، مبتعدا عن بحرك مقتربا من بحر النص بما يحمله من تصورات ، مما يعنى أن تمارس فعل البحر التطهيرى ، بأن تتطهر من معارفك القديمة التي قد تحصرك في معنى أكثر ضيقا ، وتجعلك متسائلا عن تبرير وجود البحر هنا ، عليك أن ترى البحر كما يراه النص ، خالقا معنى جديدا يجعلك تتساءل عن قيمة البحر لا عن سببية وجوده، عن البحر ماذا يعنى ؟ ، لا عن البحر ماذا تأوله السابقون ؟. عن البحر ماذا يقدم من معرفة جديدة لا عن البحر ماذا تتذكر عنه ؟ .

إنها قصيدة النثر( [29]) كما تراها سوزان عليوان ، قصيدة تقدم معرفتها الخاصة بعالمها ، تطرح إشكالاتها الخاصة التي تدعوك للتفكير لا تقديم الحلول الجاهزة والمعدة سلفا ، إنها ترفض الطعام الذى فات أوانه ، ولا تقبل أبدا الحلول الوسط ، إنها تهيئ متلقيها لأن يضم صوته إلى صوت الجماعة لتشكيل موقف إنسانى أقوى .

من هنا كان اتكاء النص على ضمير المتكلمين أو الصوت الجمعى المتفرد ، الموجه للآخر / الآخرين ، في منظومة الأصوات المعتمدة في أعمال الشاعرة :

  • عصفور المقهي 1994: ضمير المخاطب.
  • مخبأ الملائكة 1995: ضمير المخاطب.
  • لا أشبه أحدا 1996 : ضمير المتكلم .
  • شمس مؤقتة 1998: ضمير المتكلمين.
  • ما من يد1999 : ضمير المتكلم .
  • كائن اسمه الحب 2001: ضمير الغائبين ( ذوات متعددة تتحرك عبر مساحة النصوص ).
  • مصباح كفيف 2002: ضمير المتكلم.

وهو ما يؤكد ما ذهبنا إليه ، ففي شمس مؤقتة لسنا أمام صوت جماعى يعبر عن نفسه ، فالحقيقة أننا أمام جماعة ضد جماعة أو قوة جمعية ضد نظيرتها ” نحن الآن أكثر قدرة على استيعاب قسوتهم ” ( [30]) هنا نحن إزاء قوتين تنتظمان الديوان عبر مقاطعه ، لا ينفلت من ذلك غير المقطع العشرين حيث تختفي الجماعية بهذا المعنى لتحل جماعية أخرى ( الذات في مطالعتها للعالم ” أطل ورؤوس الصغار ……… لا معطف أدس فيه جيوبى ص 25) .

عبر الصوت الجماعى ، لا تكتب سوزان عليوان عن نفسها ، وإنما تكتب عن الآخرين وبهم ، وفي غمرة انتباهك لانشغالها الظاهر بذاتها ، فهناك الآخر الفرد أو الجماعة حاضر بعمق ، حضور تعنيه الشاعرة ” أنا الآن في النصوص التي أكتبها بعد ” شمس مؤقتة ” أكتب عن الآخرين !

كى تطرح سؤال الإنسان في العالم ، ينبغى أن تفرغ مأزق ذاتك أولا ، إنه سلم يبدأ بالذات ويصعد إلى الأشكال الأخرى ، الأكثر اتساعا ” ( [31]) ، وهي النقطة التي تفسر ما سنطرحه لاحقا عن أسطورة النص الجديد .

شمس مؤقتة و الأسطورة الجديدة

تشكل قصيدة النثر أسطورة العالم المعاصر ، قد تستمد بعض جذورها من الأسطورة القديمة أو قد نكون في حاجة لبعض علامات الأسطورة القديمة لتنسيق أطر الأسطورة في صياغتها الجديدة ،قد يصلح أن نستند على مقولات تؤكد هذا الطرح :

  • ” كل شيئ يمكن أن يصبح أسطورة ” .
  • ” الأسطورة نظام اتصال ، أى أنها رسالة ( إبلاغ ) ، وهذا يتيح لنا أن ندرك بأن الأسطورة لا يمكن أن تكون موضوعا، أو مفهوما، أو فكرة إنها نمط من العلامة والدلالة ، هي شكل ما ” ( [32]) .

فإذا ما أحالتنا المقولة السابقة للأسطورة بشكل مباشر ، فإن المقولة التالية تتأرجح بين موقعين ، الإحالة للنص الجديد ، أو الإحالة للأسطورة من حيث هي أداة ، ليست مقصودة لذاتها :

  • ” هي دائما ، إما تقدم تأويلات ما مباشرة للكائنات الحية والشخصيات ، أو تتحدث عن الحى بطريقة يغدو معها ممكنا رؤية وجهة نظرها الموحية منذ البدء ” ( [33]) ، ولكنها أداة ذات قدرات خاصة تجعل منها شكلا من أشكال التفكير الهادف لسبر أغوار العالم ، أو لفهم وقائعه ، وما أكثرها اليوم ، فإذا كانت الأسطورة القديمة تعد شكلا من أشكال فهم الوجود ، أو مجابهة قضايا العالم وما أقلها حينها ، فإن إنسان اليوم – عبر السماوات المفتوحة – يتفتح وعيه على نطاق أوسع بكثير مما كان عليه الأمر في الماضي ، إنسان اليوم مساحة شاسعة من الوعى تدخلها آلاف الخطوط من الأسلاك التي تنتهي بمكبرات للصوت ، ويجد نفسه مدفوعا أو مضطرا – لما تفرضه عليه وقائع حياته أن يستوعب أو يحاول استيعاب ما يقيم شخصيته وما يناسب عالمه ، ولا يخفي أن الفارق العددى بين الأمس يتطلب مساحات واسعة من الوعى بأمور لم تكن بهذا التعقيد في الماضي .

يكتسب ديوان “شمس مؤقتة ” أهميته في مشوار سوزان عليوان من كونه يمثل مرحلة ، أو منعطفا في رحلتها الشعرية ، و لأنه واسطة العقد في مجموعاتها الشعرية (يسبقه ثلاث مجموعات شعرية ويتلوه ثلاث مجموعات ) كما أنه يؤسس للنص الجديد بوصفه أسطورة العالم المعاصر ، تلك المسئولة بدرجة كبرى عن الوظائف التي كانت الأسطورة تؤديها أولا ، وتتحمل عبء تقديم صورة معقدة إلى حد ما لهذا العالم .

ومقاربتنا للديوان عبر الأسطورة ، بغية الوقوف على صيغة / صيغ التفسير الجديدة للعالم تجعلنا بداية نتوقف عند مجموعة من العناصر التي من شأنها الكشف عن الجوانب الأسطورية ليس عند سوزان عليوان وحدها وإنما عند كتاب هذا النوع من النصوص ( قصيدة النثر ) ، وهي عناصر تقف في منطقة وسطى بين الأسطورة القديمة والصيغة الجديدة ، إذ ليس بإمكان الإنسان المعاصر أن يتخلص تماما من ظلال الأسطورة القديمة بحيث أصبح متاحا للشعراء إعادة إنتاج الأسطورة وتوظيفها : ” هي في عصر المعرفة العالمية حيث وسائل الاتصال والنشر لا تقف أمامها حواجز ، أساطير القدماء هذه أصبحت متاحة ، بل مباحة لكل من يطلبها في هذا العصر ، ومع أن أية أسطورة ( إذا ما وضعت تحت مجهر العقل الحديث ) قادرة على أن تفجر أفكارا ورؤى وصورا بديعة ” ( [34]) مع الوضع في الاعتبار أن الأسطورة الجديدة تفارق القديمة بحيث نكاد نلمح مساحة شاسعة تفصل بين الأسطورتين ، فمادامت الحياة مستمرة فالإنسان في حاجة للتفسير ، ومواجهة عالمه الذى يزداد تعقيدا مما يجعل إنسان اليوم في حاجة أشد لتفسير عالم أبسط ما يوصف به الغموض ، فإذا كانت الأسطورة القديمة قد ولدت من رحم الجماعة البشرية فقد كان على الأسطورة الجديدة أن تتخلى عن هذه السمة إذ لم يعد من المقبول الحفاظ على سمة التأليف الجماعى هذه ، ومن ثم أصبح مباحا لكل نص أن يؤسس ، أو أن يضع لبنة لصيغة جديدة من الأسطورة لتكون قادرة على أن تعمل على الواقع المتغير بين لحظة وأخرى .

يضعنا” شمس مؤقتة” أمام صيغ تكشف عن أفعال ثلاثة تطرح حركات متدرجة :

  • إعادة طرح الأسطورة القديمة عبر ظلالها التي يفسح لها مكانا يمنحها الفرصة للفعل .
  • ضرب الأسطورة القديمة بوصفها نتاجا للحظة تاريخية بائدة ، يعمل على تسكينها في زمنها .
  • طرح ملامح الأسطورة البديلة .

تتشابه الصورة التي تحمل عبء الإشارة للأسطورة بمعناها القديم مع الحدث الأسطوري، الخارق من حيث هو نواة للأسطورة، هنا تتوارث الصورة الجديدة جينات الحدث القديم ، فتضعنا في مواجهة خلل ينتظم العالم وعلينا أن نمعن النظر في الصورة وصولا للتفسير ، تقول سوزان عليوان :

              

يغادرنا المكان

مربعات الأسمنت أولا ، ثم المقاعد في إثرها .

الفراغ المباغت

يفرض تأثيث الأرواح.([35] )

يأخذ شمس مؤقتة شكل القنبلة العنقودية ، لا تتوقف عند الانفجار الأول ، ما إن تتفاعل مع المقطع الأول فأنت أمام مجموعة من التفاعلات / المقاطع ، وعددها خمسة وثلاثون مقطعا ، أو خمسة وثلاثون مربعا إسمنتيا عليك أن تمر بها قبل أن تقع في شرك الإدراك المؤلم ، أن العالم ينسحب مخلفا الفراغ المباغت .

يستثمر النص الطاقة الدلالية في الرقم صفر ، الذى لو لم يوجد ما كنا لننتبه لوجود الأرقام التي ستكون مؤشرا خارجيا فقط ، تقف على حافة النص دون المشاركة في إنتاج الدلالة ، والأرقام بدورها لم توضع لتكون مجرد علامات أو روابط لحدث درامى يتصاعد ، وإنما أنت أمام رؤية أفقية ، مربعات أسمنتية تمر فوقها ، وقد لعب الصفر عدة وظائف دلالية :

  • طرحه لمعنى العدم : لا شيء .
  • تأكيده الفراغ و الخواء ( [36]) ، واضعا العالم في حالة ولادة جديدة ، أو عليه أن يفعل ذلك حين تنسحب منه معالم الحياة ، المربعات بوصفها علامة على النظام الذى أخرج الأرض من كونها قفرا لا استواء فيه إلى حالة الاستواء وبداية التاريخ ، وحركة الإنسان ، ثم المقاعد بوصفها علامة على نشاط إنسانى تمثل في صنعها ، وفي مكابدة إنسانية تتطلب استخدامها .
  • يؤشر لبداية الترتيب ، لحركة التخلق الكونى القادمة ، للمنازل الكونية المتتالية ، لحركات التفجر المتوالية .
  • يرسم دائرة محكمة توحى بمأزق الإنسان حبيس عالمه ، ولا يفوتنا ملاحظة مساحة البياض / الفراغ (الذى يمكن الحياة فيه ) مقارنة بالسواد ( السور المحكم ) ، والدائرة الآخذة في الضيق مع مرور الزمن ( [37]) فإذا كان العدم قرين الصفر في معناه ، فالقهر والحبس قرينه في صورته .

يحمل المقطع الصفرى نواة التفجيرات الدلالية للمقاطع المتوالية ، حيث ينطلق منه الفراغ / الخواء ليحل في المقاطع كلها فارضا كيمياء التفاعل الانفجارى الأول ، ويطرح معجما للفراغ ( الفراغ- الخواء ) يتكرر في المقاطع ( 2- 15- 19-22- 25-26-27-30 ) ، كما يشى بضربة قدرية غير معروفة مسبقا ( المباغت ) ، هو القدر فقط الذى يباغتنا دون إعداد مسبق نتوقاه عبر الخوف ، ولكننا أبدا لا نستطيع مجابهته ، مما يسهل مهمته في إنجاز فعله الدال على الخلل الحادث فيما قبل بداية النص ، فأنت مع النص الجديد تشعر أنك تدخل مسرح الأحداث متأخرا ، وأنه عليك أن تكون على وعى بما حدث قبل دخولك ، ولأنه (النص الجديد ) لا يهتم بالأحداث قدر اهتمامه بالنتائج ، إذ يختزل أزمنة الحدث الثلاثة ( ما قبل – أثناء – ما بعد ) في التوقف عند الما بعد ( الأثر ) ، إنه يقف عند العمل لا الفعل ( [38]) ، ومن ثم يكون عليك أن تستكشف أسباب الحركة الإنفجارية هذه ، لماذا يغادرنا المكان؟ ، إن الحركة المباغتة ليست وقفا على حلول الفراغ ، وإنما في استثمار الشاعرة للغة في أقصى طاقاتها الدلالية ، حيث تمهد لحركة المباغتة و تؤكدها عبر تحريك فاعل ليس من سماته الحركة ( المكان ) ، الممهد لحركة إجبارية ، تكشف عن تحريك جديد (الفراغ … يفرض تأثيث الأرواح ) فالفراغ في حقيقة الأمر فراغ الروح ، أو هو الفراغ الذى حل بالمكان فسرى للروح ، فباتت في حاجة للتأثيث ، لإعادة الشحن .

أسلوبيا يتكون المقطع من جملتين متناغمتين:

  • جملة طويلة( فعلية ) تتضمن إجمالا ( فعل + مفعول به + فاعل ) ، وتفصيلا ( مربعات الإسمنت – المقاعد ) يتصدرها فعل المغادرة المستدعى خيانة ما ( الغدر ) ، ذلك الفعل الذى لم يكن المكان بمفرده مسئولا عنه ، فالفعل ( على وزن فاعل ) يستثمر دلالة المشاركة ، مشاركة الفاعل والمفعول في أداء الفعل ، ثم تتأكد المسئولية في قبول المغادرين ( بالفتح ) للفعل دونما حركة واحدة كانت هناك مساحة لأدائها ، مساحة يطرحها حرف العطف ثم في دلالته على الترتيب والتراخى .
  • جملة أقصر( اسمية) يتصدرها الفراغ بوصفه نتيجة لفعل المغادرة ،والفراغ موصوف بالمباغت ، دلالة على استمرار المباغتة فكل فراغ مباغت ، والأصل في الروح امتلاؤها لا فراغها .

لقد انحصر الأمر بين فعلين متراتبين متعديين يناسبان حالة القهر ، ويؤسسان لأسطورة تؤكد ها المقاطع التالية للمقطع الصفرى .

أسطورة جديدة لنص مغاير

تنطلق الأسطورة في” شمس مؤقتة ” من تجاوزها للأسطورة القديمة في محاولة لخلق أسطورتها الجديدة ، تلك الأسطورة التي تعد بمثابة الطرح الجديد لقصيدة النثر ، ذلك الطرح الذى يؤسس بداية لمجموعة من العلامات والملامح الخاصة بالنص الجديد ( القصيدة المعاصرة ) ([39] ) ، وهي ملامح تتضح عبر المقارنة بالنص القديم .

إن التغيرالذى تمظهر في القصيدة الجديدة – بداية من الشكل – يكشف عن تطور شكلى مرت به القصيدة العربية يتكشف عبر ملمح من أهم ملامحها الشكلية:

  • القصيدة القديمة ، البيت وحدة القصيدة ( [40]) وفي مرحلة الكلاسيكية البارودية ( [41])، أو الشوقية ( [42]) ومن تلاهما بدأ الإرهاص بالتماسك العضوى عبر عنوان القصيدة بوصفه عنصرا لم يكن موجودا من قبل .
  • قصيدة التفعيلة ( الشعر الحر ) النص وحدة القصيدة ، وقد بدا النص أكثر تماسكا من الناحية العضوية ، كما تعد هذه المرحلة إرهاصا بوحدة الديوان التي تحققت في المرحلة اللاحقة وذلك عبر طرح عنوان للديوان .
  • القصيدة الجديدة ، الديوان أو المجموعة الشعرية وحدة القصيدة ، حيث تحققت الوحدة في الديوان ، وأخذ الديوان ينحو منحى النص الواحد مما يؤذن بزوال القصيدة بمعناها القديم من حيث هي وحدة قائمة بذاتها أولا وتصلح للدخول في سياق يجعلها تشكل مع غيرها ديوانا يطرح رؤية صاحبه.

عند هذه النقطة تلتقى القصيدة الجديدة بالأسطورة ذات الشكل الملحمى ، إذ تتطلب الأسطورة – حتى تحقق أغراضها – بمساحة متسعة من القول توازيها مساحة من الوعى حتى يتاح لها أن تحقق أهدافها وتخلق رموزها التي تستنبتها في النفس الإنسانية، ومن ثم فإننا هنا إزاء سمات عابرة من الملحمة والأسطورة إلى النص المعاصر يجعلنا نختبر مجموعة من الفرضيات :

  • إذا كنا لا نستطيع الوصول لمغزى الأسطورة دون إدراكها في كليتها إذ ليس من الممكن اجتزاء بعضها ليمنح دلالتها الكلية ، فإلى أى حد يكون الديوان الجديد خيطا أسطوريا ليس بإمكانك أن تجتزئ منه ما يمنحك دلالته الكلية .
  • إلى أى مدى يحل الشكل الملحمى القديم في النص المعاصر متفتتا فيه تحت تأثير عوامل العصر ( السرعة – الإيقاع العصرى اللاهث ) .
  • هل يمكن رؤية أعمال الشاعر ، أى شاعر بوصفها حالة نصية تقف فيها أعمال الشاعر متكاتفة لإنتاج موضوعة شعرية لا تكتمل إلا بالأعمال جميعها ؟ وهو ما يمكن رصده عبر مجموعة من الشعراء الذين خلقوا الحالة النصية هذه ، ومنهم مظفر النواب ، و أحمد مطر ، و أمل دنقل الذى اشتهر بتيمة الرفض وأصبحت علامة عليه .
  • إذا كانت الأسطورة في مجملها نصا هجينا يجمع بين الحكاية والملحمة والتاريخ والفلسفة وغيرها، فإلى أى مدى يمكن رؤية النص المعاصر بوصفه نصا مستفيدا من الفنون المختلفة بالمعنى الواسع لفكرة الاستفادة .

عند هذا الحد من مقاربة الأسطورة علينا أن ننقل مركز الثقل من توظيف الأسطورة القديمة في النص الجديد إلى مقاربة الأسطورة المنتجة عبر النص الجديد .

إن الاستناد على فكرة التطور الكامنة في النشاط الإنساني بعامة ، والأدب بخاصة تفرض علينا وعيا جديدا بالمتغيرات الفكرية التي ينطلق منها الشعراء والمفكرون ، فهل قضايا المتنبى والبحترى ، ومن بعدهما البارودى وشوقى هي القضايا التي على سوزان عليوان أو غيرها من شعراء القصيدة المعاصرة أن ينشغلوا بها ، وهل بإمكاننا أن نطالبهم بذلك ، وإذا كنا نؤمن يقينا بأن النص ومن ورائه الفكر الإنساني في حالة تجدد فإننا أمام طرح جديد يمكننا رصده ، والوعى به عبر الاتكاء على المعطيات القديمة للأسطورة في محاولة للكشف عن هذا الطرح الجديد.

قديما كان العالم أكثر تعقيدا موازاة بالوعى الإنساني الذى لا يمتلك من العلم ما يفسر به الواقع المعقد أو ما يواجه به تعقيد العالم أو الكون بوصفه كتلة من الغموض ، اليوم بات العالم أكثر بساطة أمام الوعى الإنساني فقد نجح العلم في تقديم التفسير الذى كانت تطرحه الأسطورة قديما ، ولكن مركز الثقل قد انتقل من صراع الإنسان ضد الطبيعة إلى صراعه مع نفسه وبنى جنسه ، فعندما نجح العلم في تطويع الطبيعة للإنسان اتجه الإنسان لنوع جديد من الحروب الحروب مع الآخر مما يجعل الإنسان يخرج من غموض الكون الخارجى ليدخل إلى غموض الكون الداخلى ، ويجعله متجاوزا الأساطير في كليتها أو في عموميتها التي تتشابه ، وتصلح للتفعيل في ثقافات مختلفة إلى أساطير جزئية لها خصوصيتها ليس على مستوى الأمم فحسب وإنما على مستوى الأفراد : ” إن عصر الأسطورة من حيث هي طريقة في محاولة فهم الإنسان لذاته ، وللعالم ، والكون ، وظاهراته وشعوره بلغز الوجود والمصير ، حيث تحاول الأسطورة أن تكون تفسيرا أو تعليلا أو ضربا من الحدس بهذه الجوانب .. يؤدى للتسليم (نظريا) بأن لكل أمة أساطيرها إذ الأسطورة تبتدع لمطالب الوجود الإنساني ذاته ، وشعوره بالعجز عن السيطرة على واقعه ، وعلى المظاهر الكونية ” ([43] )   .

إن المنجز العلمى للألفية الثالثة، وقد نجح بما حققه من وسائل الاتصال ( الأقمار الصناعية – شبكة الانترنت – الهاتف المحمول ) في تحويل العالم لقرية كونية صغيرة نجحت بدورها في توسيع الوعى الإنساني للدرجة التي جعلت الإنسان في صراعه يتحول من محاولة ابتكار هذه الأدوات إلى انتاجها ثم إلى الصراع على توظيفها ، ومن ثم انتقلت هذه المنتجات من كونها غاية إلى كونها وسيلة للصراع للسيطرة على أكبر مساحة من العالم ، وتقدم الكمبيوتر في مرحلة ما بعد الحداثة ” كبديل للوعى أو امتداد للوعى ” ( [44]) .

فإذا كانت الأسطورة القديمة وليدة الحاجة لفهم الإنسان ما يجهل من أمور يشترك البشر جميعا في البحث عنها ومحاولة فهمها ، إذ لم يكن هناك صفوة (علماء ، أو خبراء، أو شعراء مثلا ) لتفسيرها أو كشف النقاب عنها ، في القديم كان الجهل بأمور الكون عاما ، خلافا للحديث حي تكشفت أمور الكون بعضها وبقيت أمور اقتصر الجهل بها على العلماء والفلاسفة فلم تتح المعرفة البشرية على اتساعها أن يحيط الإنسان علما بكل أسرار الكون ، وما كشف الإنسان عن عوالم الفضاء الخارجى إلا زيادة في الأسئلة الخاصة بالكون كما وكيفا ، مع بقاء الأسئلة القديمة وإن تغيرت بعض توجهاتها ومناحى التفكير فيها .

هنا يجد الشاعر نفسه مطالبا بفهم العالم أو تقديم فهم للعالم ينتظره الآخرون الذين يرون وظيفته ووجوده مختزلين في تقديم هذا الفهم خاصة بعد أن تحول ما كان في الغيب إلى صورة مرئية جعلت الوعى الإنساني يتجه لخلق أسطورته أو الصورة المفتتة من الأسطورة القديمة ، أسطورته التي لم تكن معنية بتفسير ما يفسر بقدر ما هي معنية برصد ما لا يفسر تمشيا مع واحد من القوانين الجديدة للإبداع : إن الأدب لا يقدم حلولا بقدر ما يضع أيدينا على الخلل ومواضعه ، كما أن القصيدة المعاصرة ليس من مهامها أن تتمسك بالوعى القديم ، بالأسطورة القديمة – على الأقل – بصيغتها وبما تطرحه من وعى قديم أو من وظيفة مستعادة وإنما هي تنتج أسطورتها الخاصة المساهمة في تفسير العالم أو بالأحرى تقديم صورة تساعد على تفسيره ، وربما لن يمر وقت طويل قبل أن يترك النقاد الحديث عن التناص بين الأسطورة القديمة والنص المعاصر .

من أين تبدأ أسطورة النص المعاصر ؟ في الوقت الذى كانت فيه الأسطورة القديمة تبدأ من نقطة التحول ، تلك النقطة الفاصلة بين لحظتي استقرار ( ما قبل التحول – ما بعده ) ، تستمد بيجماليون أسطوريتها من نقطة تدخل الآلهة في نطاق الحدث الممتد في مساحته الزمنية ، تأتى الأسطورة الجديدة مغايرة في نقطة بزوغها إذ فقد النص المعاصر امتداده الزمنى ولم يعد معتمدا على إبراز ما قبل ، وأثناء ، وما بعد ، وإنما يجعلك تشعر أنك تدخل مسرح الأحداث متأخرا ، ولهذا تنطرح الأسطورة عبر مفردات ليس منها تدخل الآلهة أو نقطة التحول حيث أصبح النص معنيا بما بعد ، منحازا لرصد صورة ترتبت على أسباب سابقة ( ما قبل ) كانت لها فاعليتها ( أثناء ) لتقف هي عند النتائج السلبية ( ما بعد ) .

هل يمكننا طرح السؤال عن حاجتنا لآليات تفسير لا توجد إلا في الأسطورة ، وأن العالم في حاجة مازال – رغم تقدمه وظن الكثيرين أن الأسطورة وليدة العالم القديم – إلى الأسطورة ، بوصفها دليلا حاسما على أن العالم لم يكشف أسراره بعد ، فإذا كانت الأسطورة مفسرة لغموض العالم القديم ، فهل يعنى ذلك أن الإنسان قد توصل لأسرار الحياة كلها ، إن هذا يعنى أن الحياة مادامت أباحت بكل غوامضها فقد فقدت مبرر وجودها ، وأنها ليست في حاجة لإنسان يبحث عن جديد فيها ، عند إدراكنا هذا الجانب فنحن على يقين من أننا في حاجة دائمة للأسطورة تقوم بوظائف تنضاف لما قامت به منذ القدم .

البحث بوصفه أساسا أسطوريا

يعد البحث العنصر الأساس في الأسطورة والعصب الفاعل في بنائها حتى عدت أسطورة البحث الأساس لغيرها من الأساطير ، فهي توابع لها ، ، يرى نورثروب فراى:” البحث بأنه البناء الأسطوريالمسيطر المحورى للأدب ، ويؤكد فلاديمير بروب vladimir prop أن البحث يشكل بناء أصليا لكافة الحكايات الشعبية الروسية تقريبا ، وعند تطبيق أدوات تحليله على نصوص متباينة تماما ، أشار آخرون إلى أن هذه النظرية تنطبق على كل سرد ” ([45] ).

، يخرج البطل باحثا عن أشياء في العالم الخارجى فيلاقى القوى المضادة ( غيبية كانت أو غير ذلك ) فيعود بعد صراعه في صورة متغيرة لابد عما كان عليه في حال الخروج ( [46]) وهي الحركة التي تتطابق مع حركة الشاعر ذاته في بحثه الفاحص للعالم والأشياء من حوله ، والتطابق يؤكد فكرة الذاتية المتحققة في النص الشعرى .

وإذا كان من اختلاف عند الشاعر فإن الشاعر يتحرك حركتين ، أو نصيب القصيدة من الحركة تتنوع عبر شكلين أساسيين :

  • حركة عامة خارج النص ، حركة عبر الزمن ، حركة النص في الزمن كلية ، وهي حركة تتكىء بالأساس على حركة الشاعر نفسه عبر بحثه في آفاق العالم .
  • حركة خاصة ، داخل النص حيث تبدو حركة البحث عبر أشخاص أو قيم يطرحها النص لتكون بمثابة العناصر التي يتكىء عليها المتلقي في رحلة بحثه هو الآخر .

في”شمس مؤقتة ” تتحقق الحركتان ، ولأنهما تتطابقان أو تبدوان كذلك فإننا عندما نقارب الثانية فنحن نتابعهما معا بالأساس ، ويمكن تحديد الحركة الباحثة أولا عبر مراحلها الثلاثة وما يترتب عليها من نتائج ، وهي مراحل تكشف الكثير مما يختزله النص السوزانى من معطيات :

  • الخروج للعالم ، واستكشافه .
  • مجابهة المعرفة ، حيث التوصل لعناصر جديدة للكون .
  • العودة بمفاهيم تفسر العالم وما يتحرك فيه .

1- الخروج / البحث

تخرج الذات الواعية / الفاعلة إلى الحياة محملة بوعيها ، محاولة الانعتاق من حالة العدم المطروحة منذ المقطع الأول :

” يغادرنا المكان

مربعات الأسمنت أولا ، ثم المقاعد في إثرها

الفراغ المباغت

يفرض تأثيث الأرواح ” ([47] )

عندها لا يكون أمام الذات إلا محاولة رأب الصدع ، أو تأثيث الفراغ الروحى ، الذى يكون بمثابة الدافع للخروج ، خروج الذات ، وخروج الجماعة ، وخروج المتلقي نفسه من حالة عليه أن يتمرد عليها للوقوف على الحالة المغايرة ، وكلها حالات تدفع للبحث عن معرفة جديدة للكون ، فإن لم تكن أنت قادرا على أن تتحرك عبر المكان فإن المكان نفسه سيسعى للتغيير .

والخروج ههنا ليس خاصا بالذات النصية ، وإنما يخص المتلقي أيضا حيث تتم العملية بصورة تبادلية ، الذات داخل النص تعبر العالم وصولا للنص ( بوصفه خلاصة تجربتها ) ، والمتلقي يعبر النص وصولا للعالم حيث تجد عالمها قائما في النص .

فإذا ما تحركنا قليلا خارج النص لأمكننا أن نرى حالة شمس مؤقتة ذاتها محاولة من الشاعرة للخروج من المألوف ، من حالة تأسست على أعمال سابقة لتجعل من شمس مؤقتة حالة فاصلة بين ما سبقها وما تلاها ، وليكون الفصل عاملا له دلالته في الطرح الجديد ، أو في طرح حالة البحث في أسطوريتها ، لذا تضعنا قراءة المقاطع التالية إزاء محاولة التمهيد للبحث ، وتطهر الروح عبر رؤية الماضي للوصول للحالة المؤهلة :

  • طرح ما يجب أن يكون :

                 ” كان علينا أن نكون أكثر صلابة وبياضا ” ( [48] ) .

  • الاعتراف بحالة العجز الماضية :

         ” لم نكن نشعر بخشونة البرد

           أو بالخفافيش العالقة بصوف معاطفنا

           كنا نسير كالتماثيل

           مقنعين بأحجار من كهوفهم   ” ( [49]) .

لذا تكون حالة الاعتراف واسعة المساحة ( المقطع من أطول المقاطع مساحة ) ، كما يتميز بطرح سؤال الوجود ، أو سؤال البداية ، بداية محاولة الانعتاق والإعلان عن الدخول في التيه بسمته الأسطوري:

“من أين نبدأ

في مثل هذا الخواء الشاسع ؟

وإلى أى هاوية

سيقودنا الأسف ؟ ” ( [50])

لينتهي المقطع بحالة سيزيفية واضحة :

” العيون لاغية

الأقدام أمطار تتساقط بانتظام مدهش ” ( [51]).

تمثل الحركة الأولى شكلا من أشكال الرفض ، فالخروج يتأسس على الرفض، رفض السائد ومحاولة البحث عن البديل أو الأكثر صلاحية ، لذا يمثل الرفض واحدا من أهم ملامح النص يمكن رصده عبر أهم ملامحه : النفي .

يمثل النفي شكلا من أشكال الرفض ، نفي / رفض الذات للعالم بناء على إدراكها الأسباب الكامنة هناك للرفض ، أونفي العالم ( عبر قواه المختلفة للذات ) مما يعنى رفض الذات لهذه لصيغة النفي هذه .

وتحدد أدوات النفي المتكررة الصيغة الدالة لهذا الجانب ،حيث تتولى أدوات النفي المعروفة طرح مفهوم النفي / الرفض الذى من الأداة ( لم – لن – لا – ليس ) ونتوقف عند نموذج منها :

  • لن : وتطرح صيغة تكاد تكون مباشرة للرفض ، فإذا ما لاحظنا ترددها في استهلالات النصوص فإننا ندرك مدى الصرامة التي تطرحها على الوعى أولا لذا يكون علينا أن ننصت لصوت النفي عبر تكراره فقط في الجملة الأولى من النص للتأكيد عليه بوصفه العمدة أو المفتاح الذى يمنحه النص للمتلقى وعليه أن يكون حريصا عليه حرصه على إدراك النص نفسه ، في المقطع (9) :

” لن نألف الضغينة التي تجمعنا

وأقدامنا المثبتة في دائرة

لن تطأ هذه العتمة ثانية ” ( [52])

تنفي الأداة الأولى فعل الآخرين ، أو الفعل المستقر ( الضغينة ، الجمود في دائرة محكمة) مما يستدعى رفضه ويترتب عليه وجوب فعل دال على العزم والإصرار ، حيث تخرج الأقدام من جمودها ، وتصلح أخطاءها بعدم الوقوع في الخطأ ثانية .

فإذا ما اجتمعت عناصر النفي بمعناه ودلالته على المستقبل، و الصوت الجماعى، استقرت معانى قوة النفي / الرفض ، مع العزم على التغيير والإلحاح عليه ([53] ) .

وفي المقطع ( 18) يطرح النفي صورة أخرى تمثل وجها آخر للرفض :

” لن يصحبنا أحد إلى تلك الحجرات المخنوقة المتربة، حيث لا مفاتيح ضوء ولا نوافذ نواربها ” ([54] ) .

هنا ينتج النفي شكلين من أشكال الرفض ، رفض الآخرين المصاحبة ، أو رفض الجماعة الفعل نفسه استنادا لمحاولة الخروج من الوصاية ، وتأتى علامة المستقبل في الفعل ( السين ) كاشفة عن الفعل البديل ، فعل الأمهات الدال على التنبؤ ( ستكون الأمهات مشغولات ) ، وفعل الجماعة:

” سنذهب وحيدين إذن ترافقنا الأجساد لحين ثم تنسل ببطء خيوطا لا تلحظها الستائر . تماما كالأرواح التي غادرتنا ” ( [55]) .

لم تكن قوة الجماعة بقادرة على أن تقف في وجه الموت ، فيذهب الجميع ( ؟! ) وحيدين ، ويكون الموت الجماعى طارحا بعدا آخر غير مكشوف مباشرة ، فالطرح المعهود عبر الثقافة المعتادة أن الإنسان يموت وحيدا ، ولكن النص في طرحه للموت الجماعى يجعل الحياة تفقد الجماعة الواعية ، تتخلص الأرض – في تواطؤ من الجميع – من أصحاب الوعى ، فالأمهات مشغولات بإخوتنا ، والأصدقاء ” ربما يتركون لنا بعض وردات على عتبات أبواب لن تفتح ” ، هنا نكون أمام علامة أخرى على النفي تكشف نوعا آخر من التواطؤ ، فالفعل المبنى للمجهول يطرح فاعلا خفيا يجعل عدم فتح الأبواب أمرا غير عادى ، يستمد رفضه من حالة الرفض المزدوجة ، رفض الجماعة الذاهبة للموت أو رفض القوى المتشاركة في التواطؤ .

وفي المقطع (21 ) يتكرر النفي ، مغايرا بعض الشيئ :

” لن أذرف أقنعتى على الطاولة أمامهم

سأدلق براميل من الألوان والبيرة

موهمة أصدقائى بالبهجة

غناء خلف أبواب الحمامات ” ( [56]) .

فالصوت في حالة إفراده يمثل قوة وحيدة قادرة على الفعل / الرفض موحية عبر المجاز ( أذرف أقنعتى ) ، طارحة الفعل البديل ( سأدلق ) في دلالته على القوة ، قوة الذات المستمدة من وعيها الخاص .

  • المعرفة الجديدة واكتشاف عناصر الكون

لأن عملية الخروج لم تكن مجانية فالاشتباك مع العالم ومجابهة المعرفة به تضع الذات أمام معرفة بالعناصر المشكلة للعالم أو مادة العالم التي يترتب عليها أن تعيد الذات حساباتها مع الكون عبر معرفتها الجديدة وإدراكها عناصره.

يتشكل عالم ” شمس مؤقتة ” من مجموعة من العناصر المادية : الخشب – الألوان ( البياض – الأزرق – الأسود ) – الفراشات – الشمس – المقهي – المطر- الليل – الشجرة – العصافير وغيرها من العناصر التي تتردد على مستويات مختلفة ، وعبر مساحات متغايرة ، وتتعدد أدوار هذه العناصر ، هي علامات تجعل المتلقي على معرفة مؤقتة بالأشياء ،والمتلقيعلى معرفة بدرجة ما بهذه العناصر بوصفها علامات على واقع يعيشه ، ولكونها تشكل معرفته السطحية بعالمه خارج النص ، ثم يتكفل النص بتقديم معرفة جديدة ووظائف مغايرة تجعله ( المتلقي ) مستكشفا العالم بصورة أعمق ، ثم هي مفردات لغوية لها طابعها في خلق النظام اللغوى للنص ، وفي تشكيل الصورة / اللوحة الفنية التي يقيمها النص .

ومع تعدد المداخل التي يمكن عبرها استكشاف فعل هذه العناصر ، نتوقف عند واحد منها ، حركتها في سياق الجملة/ النص / اللوحة ، فالخشب يتحرك حركة يأخذ فيها وضع المجرور – غالبا – مؤسسا صيغا تتأسس على دلالات السياق:

  • ” ومشينا نحلم بخشب التوابيت يخضر ” ص 5.
  • ” كلما أحنينا على الخشب ظهورنا ” ص 8.
  • ” ولأن أعضاءنا ناقصة سيئن الخشب في المفاصل ” ص 9.
  • ” فيما الذين صلبوا طاقتنا على خشب النماذج ” ص 14.
  • ” افتقاد خشب الأسرة لجذورنا ” ص 20.
  • ” أسقط خشبا على خديعة ” ص 30.
  • ” ثمة يد مجهولة نزعت صورة المغنى عن جدارها وألقت بخشب غيتاره في المدفأة ” ص 39.
  • في خشبه نفخت روحها ” ص 43.
  • ” الباب الخشبى الخشن ” ص 45.

تتأسس دلالات الخشب على التبدلات القائمة بين جملة وأخرى ، بين معنى وآخر ، فالتبدلات بين حالات الرفع والنصب والجر على مستوى الجملة ، وما يفضى إليه المعنى عبر التركيب يطرح الكثير من الدلالات ، منها الصلابة المطلوبة بوصفها أساسا لازما من أسس الكون والتي تتضح بالعودة للمقطع ( 1) حيث القانون / الهدف الذى تؤسسه الذات الواعية ليكون معيارا لإدراك العالم :

” كان علينا أن نكون أكثر صلابة وبياضا

كأننا الحوائط التي تكون الزوايا

وتسند السقف والظلال ” ( [57])

ولأننا لم نكن هكذا فقد ترتب على ذلك الخسارة أو حلولنا في أوضاع علينا أن نغيرها لنكون أكثر صلابة ، ووعيا .

ومنها الوقوف عند الأوضاع المتغيرة للخشب بوصفه الرمز الدال على الإنسان وأطوار عالمه المتغيرة ، وبوصفه طارحا معنى المادة الخام الممكن تشكيلها ، والمانح شخصية لما يؤسسه من مكان ، وهو ما يناسب الفراغ المطلوب تأثيثه ، يؤثث الخشب مجموعة من الجمل المفصلية في النص يترتب عليها تأثيث الأرواح الفارغة :

              ” الفراغ المباغت

                             يفرض تأثيث الأرواح ” ( [58])

إن العناصر التي تؤثث الكون / الروح تنطلق من كونها العناصر

3- العودة / الخبرة

تعود الذات / الروح من رحلة البحث مكتسبة خبرة تقدمها لنفسها أولا وللآخرين ثانيا ، وتتمثل الخبرة في مجموعة الأحكام / القوانين التي تكشف عن طبيعة العالم وتصاغ في قناعات / رؤى تطرحها الذات عبر النص بوصفها خلاصة الخبرة المكتسبة الكاشفة عن سمات العالم بكل ما فيه أو بكل ما تراه الذات فيه ، ومفسرة الكثير من غموض العالم ، والتفسير هنا ليس مباشرا يمكن للمتلقى التقاطه بسهولة وإنما هو معنى ما ورائى ، غير مباشر ، ويمكننا أن نستشرف هذه الرؤى في مواضع متعددة من ” شمس مؤقتة ” :

  • ” لا غربة أشد من أصواتهم في النزاع ” ([59] ).
  • ” من الدخان نولد وليس من أرحام الأمهات “( [60]).
  • ” كل منا حائط وظل ولوحة خاصة بحالته ” ( [61]).

حتى نصل للمقطع الأخير الذى يمثل في مجمله القناعة الأخيرة ، ويكشف المحطة الأخيرة في رحلة البحث، وتطرح الألم المطهر لأدران الإنسان :

  • ” أرجح الاحتمالات الطيبة لكل السوء الذى حدث .

       المحبة خدعة

               والحنان مشبوه

             لكننى – رغم حدة الألم – سأستمر في تصديق ما لا أراه ” ([62] ).

عندها يكون على المتلقي أن يتنبه لأسئلة النص ، عن الكيفية والسببية ، والنتائج ، مؤكدا على سببية المعنى في الجملتين الخبريتين ( المحبة خدعة – الحنان مشبوه ) .

كما يلعب المقطع الأخير(بسطوره الستة الشبيهة وبحالته الصوفية) دور الموشح المختزل للرحلة إذ يكون رحلة مصغرة موازية أو مشابهة للرحلة كلها ، رحلة داخل الروح / الذات ( يلاحظ أن مفردات المقطع جميعها لا تحيل لعنصر من العناصر السابق الإشارة إليها ، بل هي مفردات معنوية لا يمكنك إحالتها لأى عنصر مادى السوء – المحبة – الحنان – الألم ) مما يرفع من كونها رحلة روحية لا تتم عبر العالم الخارجى بسماته المادية .

يلعب السطر الأول ( المطلع ) دور المبتدأ لحالة كائنة ، حالة آخذة في التشكل ، ثم تأتى الجملتان الخبريتان (المحبة خدعة – الحنان مشبوه ) ليكونا الغصن في الموشح ، واصفتين حالة الكون عبر الرحلة ، وتنتهي الرحلة بالقفل ( السطر الأخير) فالألم كائن مستقر ، حاد والروح تجابه حدته وتستدرك العالم فعليها أن تستمر في تصديق ما لا تراه ، وما لاتراه هذا يطرح دلالتين : دلالة الاكتمال ، ودلالة الحذف ، في الأولى يكون التركيب محيلا لما لم أكتشفه بعد أو هو غائب عن إدراكى ومن ثم ستستمر الرحلة لأن هناك ما لم يدرك بعد ، والثانية قائمة على حذف الحال (ما لا أراه مناسبا أو صالحا ، أو ما أراه سيئا ) وعندها تتكشف دلالة القناعة بسوء العالم أو حسنه ، صلاحيته للحياة أو العكس ، قدرته على الإحاطة بالروح أو العكس.

تكامل النص / النصوص

تتكامل النصوص الجديدة عبر ترابطها لتدخل عبر لعبة الاتصال / الانفصال، هي قادرة على انتاج الدلالة في ذاتها ، ولكنها بدخولها في سياق جديد مع غيرها من النصوص تكون أكثر قدرة على إنتاج دلالة أعلى أو قيمة أكثر سموا على المستوى العام ، ويمكننا عبر الوقوف عند تقاطعات النصوص رصد مجموعة الأشكال الدالة في هذا السياق :

  • تقاطعات جزئية : حيث يدخل النص في علاقة مع نصوص بعينها عبر مجموعة من العلامات النصية ( مفردة متكررة – معنى ملح عليه- جمل متشابهة الصيغة – إطار نصى جامع ) .
  • تقاطعات كلية : حيث النص يتقاطع مع نصوص المجموعة الشعرية ليكون له مكانه بين النصوص في حركتها الدالة .

تتواشج المقاطع الأربعة ( 13- 14-32) من “شمس مؤقتة” بالاستهلال الرابط :

13- ” العازف الذى يستخدم علبة جيتاره تابوتا ” ص 18.

14- ” الهيكل العظمى في مختبر المدرسة ” ص 19.

29- ” الشجرة التي حدثتنى عنها مرارا

       التي تسقط أوراقها الصفراء

كمن ينفض عن معطفه بعض الغبار

لم تعد أمى ” ص 40.

32- ” الباب المعدنى الأخضر

       ذو القضبان العديدة والحارس الأوحد ” ص 44.

تتعدد الروابط السردية بين المقاطع ، أولها التراتب السردى حيث المقاطع فصول لنص واحد متعدد الزوايا يشهد على ذلك مجموعة العناصر السردية الحاكمة نذكر منها :

الشخصية: بالموت يغيب العازف في المقطع 13 ليظهر في المقطع التالى 14هيكلا عظميا في مختبر المدرسة ، ومع مرور الزمن ( المساحة الفاصلة بين المقطعين 14 ، 29 ) يتسرب العازف ليبقى الموت ماثلا عبر الشجرة التي تسقط أوراقها الصفراء ، والتي تشكل صورة لها بعدها الأسطوري، فالحياة شجرة ، والبشر أوراقها، ومن يقض أجله تسقط ورقته الصفراء ،الحياة هنا رمز للتجربة الإنسانية ، والمقطع يقدم يقينا يمثل خلاصة التجربة ، والمقطع أصغر المقاطع مساحة كما أن غياب الأفعال المسندة للصوت النصي ( [63]) يجعلنا أمام توقف صامت من الذات في لحظة للتأمل الواعى الممهد للمقطع ( 32) حيث نصل للمرحلة الأخيرة ، لنتيجة رحلة البحث ، للون الأخضر الذى افتقدناه في شجرة المقطع السابق ،المقطع يفتح الباب للحياة بعد التطهر بالتجربة ، وما” الباب المعدنى الأخضر” إلا علامة واضحة على الولادة الجديدة ،العودة من التجربة ،   الدخول للحياة الجديدة ، حياة ما بعد التجربة ، فالدخول قبل التجربة غيره بعدها ، والمقطع يؤكد ذلك عبر حالتين :

– حالة الماضي (قبل ) ، وتمثله الصورة :

“كنا ندخله ركضا والحقائب الصغيرة تقفز على ظهورنا مثل ضفادع تبعتنا من النهر البعيد ” ( [64]).

– حالة الحاضر ( بعد ) وتمثله الصورة :

” الباب – عتبة الجنة في الخروج – مغلق على طفولتنا ” ( [65]).

  • اللغة ما بعد المجازية: للأسطورة لغتها الخاصة، ليس من جدال في ذلك ، ولكن علينا النظر للأمر من زاوية خاصة ، أو ضيقة بعض الشيء ، عبر طرح سؤال مغاير : ما العلامات اللغوية التي يمكننا خلالها أن نفرق بين أسطورة بيجماليون ونص من المقامات مثلا ، إن نظرة للنصين يضعنا أمام حكايتين قديمتين ، يختلفان في الصيغة ، ويتمايزان بسمات فارقة لانتمائهما لفنين مغايرين ،وبعيدا عن تحقق شروط الأسطورة في نص ما تبقى الحكاية عنصرا رابطا ، ويكون علينا عندها إن نستكشف العناصر اللغوية التي تمنح حكاية منهما بعدها الأسطوري، إن نقطة التصعيد التي تصاغ بلغة ذات طبيعة خاصة هي التي تقوم بهذه الوظيفة (يمكن مراجعة أى من الأساطير ورصد نقطة تحول في أى أسطورة للوقوف عند جمل التصعيد هذه ) .

وعندما تطالعك شمس مؤقتة بتعبيرات من مثل :

  • بأحقاد البكتريا ص 31.
  • قلبى فرد آنية من عفونة الأزهار المتحللة إلى حشرات

تتنامى على غبار الكومودينو الأسود ص 32 .

  • أسقط خشبا على خديعة ص 30.
  • المحبة خدعة ص 47.

هل يمكن إسناد التعبير للمجاز فتقول إنه استعارة أو تشبيه لا أظن الأمر هكذا إن الفاعل هنا أساس النظام الأسطوري، لك أن تراه بيت القصيد ، أو ، ماذا لو غيرت الفاعل هل تصبح أمام لغة خاصة بالأسطورة هنا نحن أمام لغة ما بعد مجازية ، لغة أسطورية بالأساس ، لغة تحتاج لإعادة النظر في أحد المجالين : لغة المجاز المتعارف عليها والتي استهلكناها بحثا ، أو لغة الأسطورة التي لم نبحثها بعد .

……………

هوامش وإشارات:

[1] – صورة الممدوح ( الحاكم ) مشبها به صورة متكررة في التراث الشعرى العربي منها قول الشاعر الأندلسى ابن فركون :

كأن طلوع البدر عند   تمامه    محيا ابن نصر والكواكب جنده

كأن الضحى وجه الخليفة يوسف   وما أحمر فيه من سنا الفجر بنده

[2] – أمل دنقل : قصيدة سفر الخروج ( أغنية الكعكة الحجرية ) ، ديوان العهد الآتى .

انظر الأعمال الكاملة ، هيئة قصور الثقافة ، 1998،ص 295.

[3] – يثير مصطلح قصيدة النثر ، إشكالية تتأسس على الجمع بين: قصيدة ( بما تطرحه من مرجعية معرفية في التراث العربي ) ، والنثر بوصفه مغايرا للقصيدة ، ولأن الوعى العربي بالقصيدة الشعرية يتمترس عند حدود المصطلح فقد ظهرت القضية غير المحسومة ، ومن ثم نتحفظ على المصطلح برمته ، ونرى أن النص الجديد بوصفه تطورا طبيعيا عن القصيدة العربية التي تخلصت من ملامح النص القديم تدريجيا ( الشكل العمودى ، ثم القافية ، ثم الوزن ) نص شعرى من حيث هو يمنحنا طبيعة شعرية جديدة ، ويضعنا أمام مفهوم جديد للتعبير الشعرى ، والقضية في أكثر جوانبها تأثيرا ترجع لطبيعتين لم يتوازيا في التطور : النص والمتلقي ، ففي الوقت الذى تطور فيه النص ، ظل المتلقي متوقفا عند المفاهيم القديمة للإبداع دون محاولة الخروج من الأطر المعرفية البائدة للتعبير ، وهو ما يشير للكثير من العوامل المتداخلة في هذا الإطار .

[4] – تشكل صورة الورقاء – الحمامة – العصفور واحدة من الصور ذات المرجعية التاريخية والاجتماعية في التراث العربي ، كما تعد قاسما مشتركا في القصيدة المعبرة عن الذات الإنسانية في حالة الغربة ، وتطرح على الباحث في تطور القصيدة العربية مؤشرات للتطور ، وآليات إنتاج الدلالة في النص الشعرى العربي .

انظر : مصطفي الضبع : الصورة الشعرية بين المرجعية والتأويل ، دراسة مخطوطة .

[5] – إذا كان الفعل حدثا مقترنا بزمن ، فالاسم حدث مفرغ من الزمن ، ومن ثم تكون دلالة الاسم على الزمن المستمر أقوى من دلالة الفعل فالمقترن بالشئ يسرى عليه ما يسرى على قرينه ، والزمن بوصفه عنصرا متحركا ، ممتدا يكون عرضة للتغيير مقابل ثبات الحدث الذى لا يسرى عليه التغيير أو التطور .

[6] – يمكن متابعة النصوص المشار إليها عبر موقع الشاعرة :

http://www.suzanne-alaywan.net/

[7] – الشاعرة في حوارها مع على المسعودى ، المختلف ، العدد 94 مايو 1994

[8] – الشاعرة في حوارها مع عبد الله الحسنى ، جريدة اليوم 30/12/2002.

[9] – للصورة مرجعيتها في التراث العربي الشعرى ، حيث ربط الشعراء بين مصادر المياه (البحر- النهر ) ، والدموع جاعلين كل منهما مصدرا للآخر ، فمرة تكون الدموع مصدرا للمسطح المائى ، يقول البارودى :

وما زاد ماء النيل إلا لأنني   وقفت به أبكي فراق الحبائب

ومرة يكون البحر مصدرا للدموع ، يقول صريع الغوانى :

بكيت فما تفنى الدموع ولا البكا   كأن دموع العين تغرف من بحر

[10] – أستخدم المصطلح نفسه لسببين : أولا لأنه بات من المتعارف عليه وأصبح ساريا بين الكثيرين ، و ثانيا لأننا ربما في حاجة لنعرف البديل قبل رفض الراهن .

[11] – سوزان عليوان : شمس مؤقتة ، القاهرة ط 1 ، 1998، ص 8.

[12] – الشاعرة في حوارها مع على المسعودى ، المختلف ، العدد 94 مايو 1994.

[13] – رولان بارت : الأسطورة اليوم ، ضمن : سحر الرمز مختارات في الرمزية والأسطورة ، مقاربة وترجمة : د. عبد الهادى عبد الرحمن ، دار الحوار ، اللاذقية ، ط1، 1994، ص 59.

[14] – أليكسى لوسيف : فلسفة الأسطورة ، ترجمة : د. منذر حلوم ، دار الحوار ، اللاذقية ، ط1 ، 2000، ص 113.

[15] – د. محمد حسن عبد الله : أساطير عابرة الحضارات ، الأسطورة والتشكيل ، دار قباء  

             للطباعة والنشر والتوزيع ، القاهرة 2000، ص 11.

[16] – شمس مؤقتة ص 3 .

[17] – ورد في لسان العرب : والصفر والصفر والصفر: الشيء الخالي وكذلك الجمع والواحد

         والمذكر والمؤنث سواء.

   انظر : لسان العرب : مادة : صفر .

[18] – الكتابة القديمة للصفر أوردته على هيئة دائرة متسعة قليلا O مع ملاحظة الفارق بين الصورة القديمة وما آلت إليه الصورة الجديدة            .

[19] – نعنى بالفعل ما يؤدى من حركة لإنجاز الشيء ، والعمل ما يتحقق من أثر للفعل .

  

* – فصل أول من دراسة موسعة عن الشاعرة وقصيدة النثر .

[20] – صورة الممدوح ( الحاكم ) مشبها به صورة متكررة في التراث الشعرى العربي منها قول الشاعر الأندلسى ابن فركون :

كأن طلوع البدر عند   تمامه    محيا ابن نصر والكواكب جنده

كأن الضحى وجه الخليفة يوسف   وما أحمر فيه من سنا الفجر بنده

[21] – أمل دنقل : قصيدة سفر الخروج ( أغنية الكعكة الحجرية ) ، ديوان العهد الآتى .

انظر الأعمال الكاملة ، هيئة قصور الثقافة ، 1998،ص 295.

[22] – يثير مصطلح قصيدة النثر ، إشكالية تتأسس على الجمع بين: قصيدة ( بما تطرحه من مرجعية معرفية في التراث العربي ) ، والنثر بوصفه مغايرا للقصيدة ، ولأن الوعى العربي بالقصيدة الشعرية يتمترس عند حدود المصطلح فقد ظهرت القضية غير المحسومة ، ومن ثم نتحفظ على المصطلح برمته ، ونرى أن النص الجديد بوصفه تطورا طبيعيا عن القصيدة العربية التي تخلصت من ملامح النص القديم تدريجيا ( الشكل العمودى ، ثم القافية ، ثم الوزن ) نص شعرى من حيث هو يمنحنا طبيعة شعرية جديدة ، ويضعنا أمام مفهوم جديد للتعبير الشعرى ، والقضية في أكثر جوانبها تأثيرا ترجع لطبيعتين لم يتوازيا في التطور : النص والمتلقي ، ففي الوقت الذى تطور فيه النص ، ظل المتلقي متوقفا عند المفاهيم القديمة للإبداع دون محاولة الخروج من الأطر المعرفية البائدة للتعبير ، وهو ما يشير للكثير من العوامل المتداخلة في هذا الإطار .

[23] – تشكل صورة الورقاء – الحمامة – العصفور واحدة من الصور ذات المرجعية التاريخية والاجتماعية في التراث العربي ، كما تعد قاسما مشتركا في القصيدة المعبرة عن الذات الإنسانية في حالة الغربة ، وتطرح على الباحث في تطور القصيدة العربية مؤشرات للتطور ، وآليات إنتاج الدلالة في النص الشعرى العربي .

انظر : مصطفي الضبع : الصورة الشعرية بين المرجعية والتأويل ، دراسة مخطوطة .

[24] – إذا كان الفعل حدثا مقترنا بزمن ، فالاسم حدث مفرغ من الزمن ، ومن ثم تكون دلالة الاسم على الزمن المستمر أقوى من دلالة الفعل فالمقترن بالشئ يسرى عليه ما يسرى على قرينه ، والزمن بوصفه عنصرا متحركا ، ممتدا يكون عرضة للتغيير مقابل ثبات الحدث الذى لا يسرى عليه التغيير أو التطور .

[25] – يمكن متابعة النصوص المشار إليها عبر موقع الشاعرة :

http://www.suzanne-alaywan.net/

[26] – الشاعرة في حوارها مع على المسعودى ، المختلف ، العدد 94 مايو 1994

[27] – الشاعرة في حوارها مع عبد الله الحسنى ، جريدة اليوم 30/12/2002.

[28] – للصورة مرجعيتها في التراث العربي الشعرى ، حيث ربط الشعراء بين مصادر المياه (البحر- النهر ) ، والدموع جاعلين كل منهما مصدرا للآخر ، فمرة تكون الدموع مصدرا للمسطح المائى ، يقول البارودى :

وما زاد ماء النيل إلا لأنني   وقفت به أبكي فراق الحبائب

ومرة يكون البحر مصدرا للدموع ، يقول صريع الغوانى :

بكيت فما تفنى الدموع ولا البكا   كأن دموع العين تغرف من بحر

[29] – أستخدم المصطلح نفسه لسببين : أولا لأنه بات من المتعارف عليه وأصبح ساريا بين الكثيرين ، و ثانيا لأننا ربما في حاجة لنعرف البديل قبل رفض الراهن .

[30] – سوزان عليوان : شمس مؤقتة ، القاهرة ط 1 ، 1998، ص 8.

[31] – الشاعرة في حوارها مع على المسعودى ، المختلف ، العدد 94 مايو 1994.

[32] – رولان بارت : الأسطورة اليوم ، ضمن : سحر الرمز مختارات في الرمزية والأسطورة ، مقاربة وترجمة : د. عبد الهادى عبد الرحمن ، دار الحوار ، اللاذقية ، ط1، 1994، ص 59.

[33] – أليكسى لوسيف : فلسفة الأسطورة ، ترجمة : د. منذر حلوم ، دار الحوار ، اللاذقية ، ط1 ، 2000، ص 113.

[34] – د. محمد حسن عبد الله : أساطير عابرة الحضارات ، الأسطورة والتشكيل ، دار قباء  

             للطباعة والنشر والتوزيع ، القاهرة 2000، ص 11.

[35] – شمس مؤقتة ص 3 .

[36] – ورد في لسان العرب : والصفر والصفر والصفر: الشيء الخالي وكذلك الجمع والواحد

        والمذكر والمؤنث سواء.

   انظر : لسان العرب : مادة : صفر .

[37] – الكتابة القديمة للصفر أوردته على هيئة دائرة متسعة قليلا O مع ملاحظة الفارق بين الصورة القديمة وما آلت إليه الصورة الجديدة            .

[38] – نعنى بالفعل ما يؤدى من حركة لإنجاز الشيء ، والعمل ما يتحقق من أثر للفعل .

  

[39] – القصيدة المعاصرة مصطلح إجرائى نحاول عبره تجنب اللجوء لمصطلح ” قصيدة النثر” وقد سجلنا اعتراضنا عليه فيما سبق ، كما أننا لم نستخدم مصطلح ” القصيدة الجديدة ” لكون المصطلح أكثر اتساعا من القصيدة المعاصرة .

[40] – رغم اعتراضنا على مقولة الوحدة العضوية غير المتحققة في القصيدة العربية القديمة فإن القصيدة العربية قد تميزت بصيغة شكلية يمكن من خلالها أن يكون للبيت وجوده خارج السياق النصي ، متميزا بصيغة الانفصال والاتصال ، وهو ما يلاحظ في نصوص الحكمة ، وغيرها من النصوص التي يحقق فيها مجموعة من الأبيات وجودها خارج سياق النص .

[41] – نسبة لمحمود سامى البارودى ( محمود سامي باشا بن حسن حسين بن عبد الله البارودي المصري. 1255 – 1322 هـ / 1839 – 1904 م) رائد الإحياء للشعر العربي .

[42] – نسبة لأمير الشعراء أحمد شوقى (أحمد بن علي بن أحمد شوقي 1285 – 1351 هـ / 1868 – 1932 م ) .

[43] – د. محمد حسن عبد الله : أساطير عابرة الحضارات ، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع ، القاهرة 2000 ص 35.

[44] – انظر مقارنة بين الحداثة وما بعد الحداثة ضمن : د. حسام الخطيب و د. رمضان بسطاويسى : آفاق الإبداع ومرجعيته في عصر المعلوماتية ، دار الفكر المعاصر ، بيروت ط 1، 2001 ص 115 وما بعدها

[45] – بول . ب. ديكسون : الأسطورة والحداثة ، ترجمة : خليل كلفت ، المجلس الأعلى للثقافة ، القاهرة ، 1998 ص 37 .

وتمثل رحلة السندباد في ألف ليلة وليلة النموذج الأكثر تأكيدا لفكرة الخروج في التراث القديم ، كما يعد تحريك الشخصيات في المكان في الرواية الحديثة ، وانتقالهم من حيز إلى آخر صورة متجددة للفكرة ذاتها مع الوضع في الاعتبار أن النص الجديد يضيف حركة في الخيال أو حركة في الذاكرة عبر تقنية الفلاش باك ، والرابط الذى يجمع الأشكال المختلفة من الحركة البحث عن المعرفة عبر المكان أو عبر الزمن .

[46] – يحدد كامبل ثلاث مراحل أساسية لأسطورة البحث :

– الخروج spartion.

– العبور initiation .

– العودة return .

انظر : الأسطورة والحداثة .ص 37.

[47] – شمس مؤقتة ص3 .

[48] – شمس مؤقتة ص 4.

[49] – شمس مؤقتة ص 5.

[50] – شمس مؤقتة ص 6.

[51] – شمس مؤقتة ص 6.

[52] – شمس مؤقتة ص 13.

[53] – يتميز الحرف ( لن ) بدلالته على ” النفي بغير دوام ولا تأبيد إلا بقرينة خارجة عنه ، فإذا دخل على المضارع نفي معناه في الزمن المستقبل المحض – غالبا – نفيا مؤقتا يطول أو يقصر من غير أن يدوم ويستمر” .

– عباس حسن : النحو الوافي ، دار المعارف ، القاهرة ، ج 4 ، ط 9 ، ص 299.

[54]شمس مؤقتة ص 23.

[55] – شمس مؤقتة ص 23.

[56] شمس مؤقتة ص 27.

[57] – شمس مؤقتة ص 4.

[58] – شمس مؤقتة ص 3 .

[59] – شمس مؤقتة ص 9.

[60] – شمس مؤقتة ص 10.

[61]شمس مؤقتة ص 17.

[62] – شمس مؤقتة ص 47.

[63] – نعنى بالصوت النصي ذلك الصوت الظاهر في النص ، والذى تجتمع في يده خيوط تقديم العالم المطروح عبر التفاصيل النصية ( وسنعود لفكرة الفعل النصي لاحقا ) .

[64] – شمس مؤقتة ص 44.

[65] – شمس مؤقتة ص 44.

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized
ترقينات نقدية
د. مصطفى الضبع

تناغم (22)