سن تقاعد الكاتب.. هل يحكمها الحفاظ على التجارب اللاحقة أم على قراء عشاق لإبداعه؟

سن تقاعد الكاتب.. هل يحكمها الحفاظ على التجارب اللاحقة أم على قراء عشاق لإبداعه؟
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

خلود الفلاح

هل يهجر الكاتب الكتابة؟ هل يمكن للكاتب ان يتوقف في سن معينة عن الكتابة  كما يحدث في الدوائر الحكومية.  ويكتفي بانتقاد اعماله السابقة ويتفرغ للقراءة وأحيانا استكمال ما بدأه من مشاريع في الكتابة والحياة. هل تشيخ الكتابة؟ تقول إيزابيل الليندي انها في السبعين من عمرها ومازالت تعتبر قدرتها على الكتابة متدفقة وإن كانت تُصدر الان في العام الواحد رواية واحدة. ويقول الروائي السوداني أمين تاج السر الكاتب أسوة بأي كائن بشري، له طفولته، ومراهقته وصباه، وسنّ حكمته، ثم شيخوخة لابد منها لتكتمل دورة الحياة العادية، وإذا طَبَّقْنا هذا المبدأ على المسألة الإبداعية، والتي تشكل الذاكرة جزءاً كبيراً وحيوياً منها، نجد بالفعل مراهقة إبداعية، وصبا وفتونة، وعمراً ناضجاً متوهجاً، ثم عمراً آخر يتَّسم بالنسيان. وبالتالي كل ما ينتج فيه إما إعادة لما كتبه المبدع من قبل أيام أن كان متوهجاً، وإما كتابات بدائية، ينقصها كثير من التحليق، وكثير من خيال الكتابة الحقة. 

 

ويضيف تاج السر في تاريخ الكتابة الطويل، توقف كثيرون عن الإبداع بمحض إرادتهم، بمجرد بلوغهم سنّاً معينة، وكان هذا في رأيي خوفاً من خوض تجارب جديدة لا ترقى لمستوى تجاربهم السابقة، بينما استمر آخرون في الدرب، غير عابئين بما قد تحدثه تجاربهم الجديدة، في أذهان عشاق عرفوهم من قبل وأحبّوهم كثيراً، بالنسبة للكولومبي الأعظم في تاريخ الكتابة، غابرييل جارثيا ماركيز، كان الأمر مختلفاً، فماركيز الذي أنتج: “في ساعة نحس” وهو صبي، و”مئة عام من العزلة”، وهو في سن الشباب، و”الحب في زمن الكوليرا”، وهو في سن النضج العظيمة، كتب بعد ذلك “ذكرى غانياتي الحزينات”، تأثراً برواية الياباني ياسوناري كواباتا “الجميلات النائمات”، كما هو معروف، وكما ذكر ذلك هو نفسه، وإذا كانت رواية “كواباتا”، هي الأصل وهي الطازجة والناضجة جداً، فـ “ذكرى غانياتي الحزينات”، لم تكن أكثر من كتابة (شيخة)، لروائي عظيم، كان من الممكن أن لا يكتبها، ويظل التاريخ الإبداعي الذي يحمله نظيفاً من خدوش فكرة لم تكن فكرته، ومعالجة لم تكن كمعالجاته السابقة.

 

شهوة الكتابة

ويسأل القاص الليبي عمر بالقاسم الككلي هل التوقف عن الكتابة يكون بقرار؟ مثلما يقرر رياضي أو مغنٍ أو ممثل الاعتزال. أو هو أمر يشبه التقاعد الوظيفي.ويضيف الككليشهوة الكتابة والإبداع  تظل متدفقة باستمرار عند المبدع ولا تعترف بعمر معين. المسألة تتوقف فقط على احتفاظه بقدراته الذهنية والجسدية.

 

 صعوبة المزاج الكتابي

ويعترف الناقد التونسي رياض خليف لا عمر محدد تسكت فيه أقلام الكتاب عن الكلام والإبداع… لكن هذا لا يحجب علينا سؤالا خطيرا وهي أن ثمة لحظات خطيرة عند الكاتب يعلن فيها توقف مداده…ليست مرتبطة بسن. فعدد هام من الكُتاب بدءوا الكتابة في سن متأخرة وآخرون واصلوا حتى الرمق الاخير لكن الامر يتعلق بمسائل أخرى. ويضيف خليف: اشعر شخصيا اني اصبحت مقلا في الكتابة واختفى الكثير من الحماس والنشاط الذي كان لسنوات عديدة….ربما هو التعقل ولكنها الصدمات التي يتعرض لها الكاتب في مجتمعات لا تبالي بالفكر ومؤسسات تبتزه وتستغله ومناخات مقرفة. ذلك ما يجعل الكاتب يتوقف عن رحلته طوعا أو يفسد مزاج كتابته وتقل شهوة معانقة القلم والورق.

 

المبدع يزداد توهجا بمرور الزمن

تقول الشاعرة التونسية فوزية العكرمي في اعتقادي ليس للمبدع سنّ معيّنة توجب عليه التوقف عن الكتابة إذا ما اتفقنا أنّ الكتابة هي أكسيجين الحياة وقلبها النابض بها يحيا الكاتب ولأجلها يوقف حياته. وأضافت العكرمي: الكتابة فعل دائم ونحت خلّاق للوجود وإعادة تشكيله. والمبدع يزداد توهّجا ويشتد عنفوان ابداعه كلّما تقدّم في السنّ ولنا في التاريخ والواقع أمثلة عديدة لأنّ عاملي التجربة والخبرة يثريان الأدب ويدعمان مواقف الكاتب ورؤاه. وتوضح العكرمي أنّ أداة الكتابة ألا وهي اللغة خاصة تزداد عنفوانا وبريقا مع مرّ السنين وتصير في غاية الاتقان والنقاء والسلاسة تصل أحيانا إلى درجة قد تصبح أمارة دالّة عليه وسمة مميزة له ولنا دليل على ذلك في كتابات المبدع المصري نجيب محفوظ وأسلوب طه حسين وغيرهما. إنّنا أحيانا بمجرّد الشروع في قراءة نصّ ما نتعرّف على صاحبه. ضف إلى ذلك أنّ المبدع الحقيقي هو الذي لا يتأثر بفعل السنّ ولا ينهزم لعامل الزمن ومثلما نجد الاستمرار في الكتابة ومواصلتها لدى أغلب المبدعين هنالك أيضا من يتوقف عن الكتابة في سنّ معيّنة إمّا لسبب ذاتي أو لاكتمال رؤاه وتوقّف حاسة المبدع لديه فينتهي كمبدع في سنّ مبكّرة.

مقالات من نفس القسم