في مقدمتها المطولة التي كتبها يولاندا مولينا غافيلان واندريا بيل، وهما من قاما بترجمتها من الإسبانية أن مؤلفها حاول تغطية عصور ما قبل التاريخ في رحلة خيالية الى أراض مجهولة، وهذا بطبيعة الحال يعتبر أوسع انتشارا من القص المبكر والرؤية الخيالية للأوديسا أو الليالي العربية، ومن الواضح أن الإلهام الحقيقي لهذه الرواية يمكن العثور عليه في رواية جول فيرن “80 يوم حول العالم” التي ترجمت الإحساس بروعة السفر واستكشاف العالم ولو بأسلوب كوميدي أحيانا.
هنا في رواية جاسبار سنتعرف بدايتها على مؤامرة يقودها دون جارسيا الذي يحاول إبعاد ابنة أخيه الشابة الغنية كلارا عن الضابط لويس الشاب الذي أحبته، وإرغامها على الزواج من ابنه الذي يعيش في نفس الوقت قصة حب مع وصيفتها وصديقتها خوانيتا، بغية الاستيلاء على ثروتها الطائلة التي تركها والدها لها، كلارا من جانبها تزدري أفعال عمها لما يحيكه من مؤامرات تجاه من تحب مع إحساسها بأنه قد يقدم على قتلهما في النهاية، إذا لم يستطع تحقيق حلمه بحملها الزواج من ابنه وإطفاء نار الغيرة التي تشتعل في صدره تجاه حبيبها، فراحت تسأل عن بنيامين صديق والدها وهو العالم باللغات والذي يمتلك مهارات عديدة قد يساعدها للخروج من أزمتها، فوجدته عاكفا على صنع سفينة خارقة للزمن تستطيع السفر من خلالها الى أزمان عديدة، كلارا أبدت رغبتها بتجربة السفر على متن السفينة هذه بالذهاب الى الصين التي سمعت من والدها أن الإمبراطورة الأخيرة الحاكمة لها من سلالة هان كانت تمتلك سر الخلود، لذا فهي ساعية للحصول على ذلك السر كي تستطيع وحبيبها الوقوف بوجه عمها لإفشال مؤامراته.
العالم بنيامين شرح لها كيف تعمل سفينته التي ستخترق حاجز الغلاف الجوي للأرض بوقت قياسي وبسهولة تامة، وهي تعمل بالطاقة الكهربائية التي تمكنها من أن تنتقل عبر التيارات الهوائية للعودة الى الماضي، كما أنه فسر لها كيف سيكون بإمكان السفينة الدوران في الاتجاه المعاكس لاتجاه دوران كوكب الأرض، وستنتقل بسرعة 175200 دورة خلال الأربع والعشرين ساعة التي تدورها الأرض فيها دورة واحدة ، وهذا معناه أن بمقدار سفينة الزمن أن تتراجع الى 480 سنة الى الوراء خلال تلك الفترة ، وسيكون بإمكان الجمهور الباريسي مثلا الذي يتناول وجبة الإفطار قبل الساعة السابعة في القرن التاسع عشر من مشاركة بطرس الأكبر الغداء عند الظهر في روسيا، وتناوله للطعام في القرن الخامس عشر مع ثيرفانتس في مدريد، وبين عشية وضحاها سيكون بإمكانهم النزول عند الفجر مع كولومبوس على الشواطئ الأمريكية العذراء، مع ملاحظة أن الشخص المسافر على متن السفينة سيتراجع نموه وسيكون أصغر سنا ثم يتلاشى في نهاية المطاف إلا إذا تعامل بعقلانية في تنقلاته الحالية تلك.
ومع أن رواية جاسبار حملت الكثير من المضامين العلمية إلا أنها في نفس الوقت وجهت الانتقادات الى المجتمعات المعاصرة آنذاك، وعلى نحو متزايد من السخرية قبل إقلاع السفينة وذلك حينما تقدمت مجموعة من المومسات وهن يعشن منتصف العمر للسفر بغية تحقيق أحلامهن بالعودة سنوات الى عشرينيات شبابهن، وعندما يجدن أنهن في النهاية قد عدن الى أعمارهن الحقيقية يأخذهن منطق الحق بالتخلي عن أحلامهن الكاذبة، هذا الفصل من الرواية من أطرف فصولها حيث صور المؤلف البغايا وكيف يودعن شيخوختهن تدريجيا ليتحولوا بعدها الى أعمار تتراوح بين العشرين سنة، التغيير شمل ملابسهن أيضا وشعرهن الذي عاد الى لونه الأشقر بعد أن شاب بفعل العمر، هنا نجدهن ومن فرط سعادتهن يعانقن بعضهن دون أن يدركن أن هناك مرحلة أخرى تنتظرهن هي مرحلة الطفولة، ومع أن السفينة غادرت الأرض بهن فقد حملت معها الضابط لويس مع عددا من جنوده وكلارا وخوانيتا، ليبدؤوا مغامرة كبيرة غير محسوبة العواقب، وعندما تنتقل بهم الى الصين يجدون أنفسهم عالقين وسط صراع على السلطة تقوده الإمبراطورة ضد من يحاول سلب سلطانها على العرش فيغادرون تلك الأرض على الفور لتأخذهم السفينة الى زمن نوح علهم يجدون سر الخلود هناك، لكنهم سرعان ما يعودوا أدراجهم الى الأرض بعد ان كادت أجسامهم تتلاشى ليواجهوا العم الشرير بقوة بعد أن أكسبتهم تلك الرحلة تجربة أن الدفاع خير لهم من الهزيمة.
رواية “سفينة الزمن” مع ما حفلت به من معلومات علمية قيمة عن هذا الكون البهيج تخللتها كذلك لحظات من الفكاهة والسخرية والمقالب، لكنها لم تتألق كواحدة من الروايات الأدبية الرصينة وبدا سردها تهريجي ومبتذل ، مع أنها يمكن أن تكون خير رفيق في السفر إذا كنت ممن يحاول قضاء ذلك الوقت بالقراءة، إضافة لما حوته من رسوم توضيحية جميلة أضافت لها سحرا آخرا أبدع في رسمها الفنان الكندي فرانسيس سولير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مايكل ديردا
ناقد أدبي – صحيفة: واشنطن بوست
20 – سبتمبر 2012
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحمد فاضل
ناقد ومترجم – العراق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خاص الكتابة