فاشية

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 68
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حسن عبد الموجود

أحياناً كاتب واحد يشكّل جيتو فى حد ذاته. لا يرى ما يكتبه الآخرون، أو يراه ويرفضه، لأنه يُخالف طريقته فى الكتابة. لا داعى للتأكيد على (شرط توفر الحد الأدنى للتوافق على كتابة ما)، فكلنا نتفق على ذلك، والرداءة تظهر أحياناً من شكل الكِتاب. من (الفنط السميك)، من صورة الكاتب الذى ينظر إلى السماء، أو الذى يضع يده على خده، أو يصوّب إصبعه إلى رأسه كالمسدس. من الاقتباسات التى يضمّنها لكتّاب آخرين. من “لوجو” دار النشر، من لوحة الغلاف (هناك كاتب أصدر رواية تدور أحداثها فى الريف ووضع على غلافها لوحة امرأة فى بنزينة لإدوارد هوبر!!)، من أخطاء النحو المرعبة فى الغلاف الخلفى، من العنوان إذا كان يتضمّن كلمات، كالسلطعون أو القريدس أو النوارس. من تقديم الكاتب لنفسه، وحتى من صياغة الإهداء. ببساطة، وبدون شعور بالذنب، تخلص من أى عمل يحمل تلك الصفات بأسرع ما يمكنك

قال نجيب محفوظ إن كاتباً رديئاً قد يفاجئك بمشهد لا يستطيع أن يكتبه أديب عالمى، ولكنه كان يتحدث عن زمن آخر، فالأعمال تتم طباعتها حالياً فى الأفران البلدى، وتخرج مع الخبز، ولو أنك قرأت كل الأعمال الرديئة سيصبح رأسك ساحة للركاكة.. وحتى فى كرة القدم، أن تلعب فى مواجهة فريق عشوائى ستصبح عشوائياً، وأن تلعب مع الكبار، فستصبح كبيراً ولو خسرت.

ولكن أن ترفض الكاتب لأنه يكتب بطريقة أخرى. لأنه لا يشبهك، ولا يُشبه كتابتك، لأنه يؤمن بأفكار غير التى تؤمن بها، لأن نظرته إلى الحياة تختلف عن نظرتك، لأنه يسرد أو يكتب الشعر بطريقة مغايرة، فتلك فاشية!

الفاشى مُنغلق الأفق. الرفض مبدأه، تحرّكه فكرة أحادية، أنه النموذج والمثال، نظارته سوداء، ولا يعرف معنى التجاور، يمكنه أن يرفض كتّاباً عالميين كلاسيكيين لأنهم كلاسيكيون. يمكنه إلغاء محفوظ، أو درويش فى جملة، يمكنه التقليل من شأن الستينيين فى الرواية، أو السخرية من السبعينيين فى الشعر، وفى الأغلب يسخر من مجايليه، لأنه لا يرى إلا نفسه فى أى ورقة يطالعها. إنه المرجعية الأساسية، ولا مجال للانفتاح على آخرين.

فى الجيتو تكون مساحة الفاشية أكبر، حيث تُمارس المجموعة طقس النفى، والسخرية، وخلط العام بالخاص، والكتابى بالإنسانى، والتصوّرات بالحقائق. يسمح كل فرد فى المجموعة للآخرين بالشعور بأنه منهم، وبأن اختلافاتهم البسيطة لا تنسف انطلاقهم من أرضية مشتركة، وذائقة واحدة، وحتى لغتهم ذات قاموس ضيق، فالكلمة الواحدة تنتقل من فم إلى فم فى حواراتهم، إنهم يبدون أنبياء الأدب وحاملى رسالته، ستشعر بالاطمئنان على مستقبل الفن لو دمرت الحرب العالمية الثالثة الكوكب وتبقوا هم، لأنهم يعرفون كيف يمنحون الفن بدايته الجديدة!

فى كل جيل أدبى هناك أكثر من جيتو، يمارس كل منها دور المرجع، ونفى الآخر، وسحله إن أمكن، والمجموعة تصدق عضوها، لو أنه قلل من شأن رواية أو ديوان فلا داعى لقراءتهما، والأخطر أن الباقين سيتحدّثون عن العمل الذى لم يقرأوه بالطريقة ذاتها، التى تحدّث بها الزميل، كما أن كل جيتو ينصب نفسه حكماً، يحكم فى مباراة بدون لاعبين أو جمهور.

تلك الحال أصبحت جزءاً من مشاهد الصراع اليومى، الذى تُستخدم فيه الكلمات سلاحاً للقتل، مسرحيون ضد مسرحيين، وسينمائيون ضد سينمائيين، وروائيون ضد روائيين، ومطربون ضد مطربين، ورياضيون ضد رياضيين، وفى جميع الأحوال لو أنك شعرت برغبة فى الانعزال، فتلك بداية نزول الوحى، وتحوّلك إلى شخص آخر يمثل جيتو فى حد ذاته!!

 

نسخ:

ستشعر بالاطمئنان على مستقبل الفن لو دمرت الحرب العالمية الثالثة الكوكب وتبقوا هم، لأنهم يعرفون كيف يمنحون الفن بدايته الجديدة.

 

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم

محمد العنيزي
كتابة
موقع الكتابة

أمطار