سبع قصص قصيرة جداً

عبد اللطيف النيلة
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

  عبد اللطيف النيلة

رحيل

من فَرْطِ ما رأى الشاعر دم الأبرياء يُسْفَحُ على وجه الأرض، بوتيرة تزداد يوما بعد آخر، كَفَّ الماءُ عن الانبثاق من شعره. إذ كلما تمخض عن قصيدة، نبع الرمل من أبياته، حتى تشكلت صحراء ما فتئت تأكل الأخضر وتزحف.

وعندما لم تعد روحه تحتمل..، ترك كل شيء خلف ظهره وأسلم خطوه لرحمة.. تلك الصحراء.

  

الحائـط

تمضي أيام وتأتي أيام، والحائط القديم المشروخ المتقشر الطلاء على حاله.

يسند عليه متعطل ظهره ليزجي وقتا ثقيلا ضاغطا على الصدر، أو يرسم عليه مراهق لواعج قلبه، أو يتبول عليه طفل أو سكير…

اليوم فقط، التفتوا إليه.

على متن سيارات فارهة جاؤوا. ترجلوا منها ليشرفوا على مسح خربشات الحائط، وكنس الساحة المترامية عند قدميه، والتمويه على رائحة البول، وتبييض وجهه بالجير.

ثم.. علقوا ملصقا صقيلا من حجم كبير. في قلب الملصق وجه مكتنز مورد، لم ينس أن يرسم على شفتيه اببتسامة، وتحت ذقنه:

“صوتوا جميعا لمرشحكم ال……”.

 

احتلال

إلى سمعي تناهت صيحاتهم الوحشية، وبعينيَّ المذهولتين المرعوبتين رأيتُ أقدامهم وهي تدوس كل شيء. ولأني أغلقت فمي بالأقفال، فقد اختنق صوتي داخل حنجرتي. إثر ذلك احتلوا مني الإحساس. فلم تفارق خيالي، لحظةً، صيحاتُهم الوحشية وهي تزلزل طبلتيْ أذني، وآثارُ أقدامهم وهي تدوس.. روحي.

 

سقراط

حين حلت روحها في الجسد، نسيتْ ما كانت تعرفه. على روحها أملى الجسد الجهل، فاعتقدتْ أنها تعرف كل شيء. ضاجعتُها، فحبلتْ. ولما تمخضتْ، وضعتْ وليدا، سميناه المعرفة. لم تدم سعادتي إلا قليلا. لقد شب بين الروح والجسد شجار عنيف، ولم يستطع أحد إخماده.

وبعد يأس، اتجهت الأنظار إليّ:

 – أعدموا هذا المثير للفتنة!

 كانوا أنصار جهل، ولم يكونوا يعرفون أنهم لا يعرفون شيئا. وبينما كان سم جهلهم يسري في جسدي، عرفتُ أني طلقتها بالثلاث، وتزوجتُ الحقيقة.

 

عنكبوت

في سكونِ الشقة، امرأةُ تغزل الوحشة. شبحُ طيشٍ قديمٍ يتقافز فوق حجرها. هواء لزج مُرّ يشيخ في غرفة نومها، يتبعها كظلها في الممر الموصل إلى المطبخ وإلى المرحاض.

في ذاكرتها يتسكع رجلٌ ركلتْ قلبه إثر خيانة. يتراقص أمامها بعتاب الانكسار، وبصفاء الوجه الْيَحرسه الماء.

على رفوف الحِداد تُرتب بقايا وجودها، وتسقي رغبة النسيان. النافذة مشرعة على الندم، تنحني عليها، تُسْلم قامتها للترقب، وتلمح الوهم يمتزج بأفق الشارع.

فكرةٌ ساخنةٌ تقطر مع دمع العينين:

  – الهاجِرُ لا يلتفت خلفه!

جمرةٌ كاويةٌ في الأحشاء تنمو. تعض على شفة روحها حتى تدميها، وتغزل سُكونَ الشقةِ صحراء.

 

مسرحية

سئم الممثلون الانتظار حتى أشرفوا على اليأس.

شُرعتْ أبوابُ المسرح في وجوههم، أخيرا، واستقبلهم المخرج بحفاوة. صعدوا الخشبة، فألجمت الدهشة ألسنتهم، حين اكتشفوا أنهم مجرد كومبارس في مسرحية بطلها المخرج نفسه.

 

إشهار

تقادم العهد بتلفازي، وحجم شاشته لم يعد يرضيني. منذ فترة وأنا أحلم بتبديله. كنت حائرا أفكر في نوع الماركة التي يستحسن اقتناؤها عندما صادفت ذلك الإعلان يردد بصوت رخيم عذب:

   – تعالى إلى حيث متعة الفرجة! أبهج عينيك بالألوان الرائقة، واستمتع مع ماركتنا بالجودة العالية!

تضغط امرأة الإعلان الشقراء الجميلة على زر الحاكوم، فيشتعل التلفاز متدفقا بمشاهدَ طبيعية بألوان صافية متألقة ساحرة. المرأة تنتشي بالفرجة مسترخية على أريكة وثيرة. من غير أن أشعر أصيح:

   – هذه هي الماركة وإلا فلا!

وأكاد أقذف تلفازي بفردة حذائي.

على شاشة تلفازي أرى المرأة تتفرج على تلفازها، وأحسدها. تلفازها ذو الجودة العالية يتفجر بالألوان الزاهية والصور المشرقة فوق شاشة تلفازي القديم ذي الماركة الرديئة الذي أحلم بتبديله!

 

مقالات من نفس القسم

تراب الحكايات
موقع الكتابة

خلخال