ساق وحيدة ترصد شلل الجميع: كوميديا العجز!

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 102
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عفاف عبدالمعطى

بدأ القاص حسن عبدالموجود نشر قصصه متفرقة منذ عام 2001، ثم جمع عدداً منها فى مجموعة قصصية تعحت عنوان «ساق وحيدة» لتصدر فى طبعتها الأولى هذا العام.

خمس عشرة قصة حملتها المجموعة فى أربع وستين صفحة لذلك يظهر أن عبدالموجود قد جنح إلى الكتابة القصيرة جداً فى القصص التى تتيح ذكر الفعل ورد الفعل فى حفنة من الكلمات تندرج قصص المجموعة كلها تحت محاولة كشف تيمات العجز ـ القهر ـ الفقد والاتكاء على الحزن كى تعبر فى النهاية عن حالات إنسانية متباينة، تتحقق بوساطة ضمير المتكلم على المستوى السردى الذى يحققه الراوى الذاتى، والتنوع من حيث المكان المبهم فى حل اقصص المجموعة، وللمزيد من المراوغة فالزمن القصصى ـ إلى حد ما ـ مفتقد.

استخدام القاص حسن عبدالموجود ضمير المتكلم فى السرد، فالراوى هو السارد عن نفسه، وفى استخدام ضمير المتكلم ميزة مهمة على مستوى القص، حيث يبيح للراوى إفراد حرية كبيرة ووصفا سديداً مفصلاً للحدث المروى، نجد ذلك فى «قصة ساق» وحيدة المعنونة بها المجموعة، فالراوى فى القصة يرى العجز بائنا فى الجميع منذ التسجيل الأول عبر الجملة الأولى فى القصة «حتى سائق المترو الأبله فى نوبة التغيير بمحطة الدمرداش كان يسير على ساق وحيدة”، وعين الراوى المراقبة اللاقطة بدقة لكل ما يحيط بها تعرى عجز الجميع فى المترو والشارع مجسداً فى ساق واحدة يسير بها كل فرد من الجميع بداية من الزوجة مروراً بالأبنة وبائعة اللبن وانتهاء بالجميع انتبهت إلى صفير قطار المترو المميز حينما فتح أبوابه، عشرات من البشر يقفزون منه وإليه، كل واحد يجرى على ساق وحيدة، وهى دلالة على عدم القدرة على الفعل من جانب وشلل الجميع من جانب آخر، فالسير القويم يعنى ممارسة الحركة والفعل معاً، بينما افتقاد إحدى الساقين الذى هو يعد إسقاطاً على حالة فقد شىء مهم عامة يمثل عجزاً صريحاً، وتكرار الجملة الناقصة «ساق وحيدة» يدل على تأكيد معنى العجز المطلق نفسه.

وامتداداً لدقة الراوى بضمير المتكلم توجد تيمة أخرى فى المجموعة هى تيمة القهر، فعين الراوى اللاقطة فى قصة «وسن» هى التى تكشف واقعة عمل عمال البلدية الذين يحملون القمامة من أمام فيلته، ومن خلال هذه العين اللاقطة يتطرق الراوى إلى علاقته الشائكة غير الإيجابية مع زوجته، ثم للمزيد من إعمال العقل فى المطقق تتراءى للراوى أفعال زوجته كأنها حقيقة غير قابلة للجدال «زوجتى دائما تريد أن تجرب” وعبر الرمز لبعض الأسماء والأفعال يذكر الراوى ما يؤكد قهر هذه الزوجة وخللها فى جانب آخر أو هكذا يهيئ خيال السارد له «زوجتى قادرة على إطلاق عشرات المسميات» «ج» الذى لا يفهم شيئا فى الطهى جعلته رئيساً للطباخين «س» لا يفعل شيئاً إلا أن يقرأ لها طالعها ويجلس مستمتعا بالشمس طول اليوم فوق السطوح فهذا هو سمت الزوجة كما تراه عين الزوج/ الراوى وهى العين نفسها التى تهيئ لها أوهامها خيانة الزوجة مع شاب من عمال البلدية وقتله له تحت ستار المحافظة على الشرف، ثم فى حالة من عود على بدء تعود مخيلة ا لراوى ـ الواقع تحت أوهامه والمعاناة من الفراغ ـ إلى ملاحظة عمال البلدية مرة أخرى وقد أفاض السرد بوساطة الراوى فى ذكر تفاصيل وقائع لكنها التفاصيل التى تتهيأ كلها فى جمل قليلة ذات تعابير كثيفة إن دلت على شىء فإنها تدل على أوهام الراوى الذى يعانى الفراغ فيصور له خياله ما ليس حقيقيًا.

وبين «الحلم الناقص وتخطيط الحلم والكابوس» هى عناوين لثلاث قصص تقع أحداث متباينة، ففى قصة الحلم الناقص يظهر السارد بضمير المتكلم هذه المرة لقص كيفية قهر الجماعة له ومن ثم عدم انصهاره فيها، فالرفاق ـ وقد أحسن السرد فى تسميتهم لأن الأصدقاء تعنى الصدق أكثر مما تعنى الانتقاد الدائم مثلما يفعل رفاق الراوى معه ـ دائمو الانتقاد له لعدم إجادته ممارسة ألعابهم والسخرية منه، وعندما حلم بهم اكتفى بأن أعطاهم درساً بليغاً فى كيفية مخاطبة شخص، وقد ظهرت لغة الراوى متسقة مع حُسن الصورة التشبيهية فى وصف تطوير وطواعية الحلم.

“اكتسبت قدرة بمرور الوقت على تطويع أحلامى أكثر، إذا أعجبنى حلم ـ مثلاً أظل أكرره مع استطاعتى إدخال بعض التعديلات عليه” فالحلم هذا هنا ما هو إلا أوهام هذا السارد المسالم الذى لا يمتلك مجابهة الأصدقاء الساخرين فعلياً، فأدى إلى الحلم ـ بوساطة العصا المنسون ـ ما لم يستطعه أمام قهر الواقع، هذا ليس كل شىء فحسب، بل إنه يتطرق بحلمه الطيع إلى آخرين مثل جارته البدينة العانس التى يتوهم أنها تصر على مضايقته على الرغم من اعترافه ضمن ثناياً القصة أنها «بجملها القصيرة السريعة تسألنى عن أحوالى وتدعو لى بالهداية والفهم».

وإذا كان الراوى المشوش قد استخدم العصا المسنون لمعاقبة الرفاق، فإن ذلك قد تأبّى عليه مع الجارة، ولشدة ارتباطه بالحلم الذى ينجز فيه ما لم يستطعه فى الواقع ولأن سخرية الرفاق دائمة بدأ السارد الحلم بشروطه الجديدة وهو ما يدل على ضرورة الحلم بالنسبة للرواى لتحقيق القدرة على الفعل لهذا الراوى.

ويختلف الراوى مفتول العضلات الذى يتعمد تغيير هيئته ليستر التشوش والاضطراب الذين يعانى منهما ـ قى قصة «الكابوس» عنه فى قصة «تخطيط الحلم» على الرغم من توافر أركان القصتين نفسهما متمثلة فى علاقة شائكة ـ أخرى ـ مع فتاة وعلاقة مرتبكة تشعره بعزلة عن الجيران «مواء قطة، ضحكات أطفال خلف الجدار الذى يفصلنى عن الجيران، أصوات لحوار جاد بين رجل وامرأة يبدو أنه لجيران آخرين. إنها المرحلة الفاصلة بين الواقع والحلم” فالعزلة التى يشعر بها الراوى عن العالم وفى الآن نفسه على عدم تواؤمه مع الفتاة تجعله يقرن عدم الاستيقاظ من النوم بالموت «التصميم على عدم الاستيقاظ لا يعنى سوى الموت»، وقد أحكم الراوى ـ الواقع تحت أسر الحلم ـ كيفية وصف الخنوع لهذا الحلم الذى يهرب به من الواقع، بأن قرر أن يركن إليه  كاملًا إضافة إلى إدخال بعض التعديلات على الحلم “عندها قررت أن أشرك الكائنات والأشياء التى تربطنا بها علاقات ما والتفكير فى طريقة أخرى يمكن أن تحكم العلاقة فى الحلم”.

ولقد أرادت معظم نصوص المجموعة أن تؤكد بوساطة الارتكاز على تيمات العجز القهر ـ اللا جدوى، أن تجسد ـ تفصيلاً، أحياناً أو إجمالاً ـ واقعاً بشرياً متكاملاً يعانى القهر وإلى جانب تجسيد مجموعة قصص «ساق وحيدة» للقاص حسن عبدالموجود لمعاناة حالات إنسانية كثيرة ومتباينة، يظهر فيها بجلاء رصد الكاتب لتشظى الواقع وفساده لذا تقع عينه اللاقطة تحت أسره.

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون