“زهرة”.. الهامش كتعرية عامة.. الشرق كتعرية خاصة

زهرة ميسلون فاخر
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أكرم محمد

تسعى رواية “زهرة” للكاتبة العراقية ميسلون فاخر، والصادرة عن دار “سطور”، لاستقراء للهامش، لتحويله لمركز فني، ومركز للخطاب الاجتماعي والفلسفي للنص.

يتحول الهامش في الرواية لهوية تشارك خطاب النص الفلسفي، ذلك المتسائل عن المعنى العام لمفهوم الهوية، وهو المفهوم الفلسفي المطروح بالنص منذ افتتاحيته، كما نتلمسه في بنية شخصية شريك “زهرة” حيث يتجلى الجزء الأول من الثنائية، العربي والأوروبي؛ ويصفه الصوت السردي أنه يشبه الفايكينج.  تقدم الكاتبة بفعل الترميز مفهوماً عاما لمعنى إنساني هام هو الهوية، ومن ذلك السؤال يبدأ تفكيك الواقع، واستنطاق ذات الكاتب الضمني صاحب الصوت السردي المنحازة للأقلية العربية المهاجرة، الممثلة هامشًا.

يفكك النص مفهوم الاغتراب والهوية، وما يرتبط بهما من قدرية وتيه، فيُفتتح البناء الدرامي من نهاية علاقة “زهرة” ب”أندش”، بثنائية أخرى إلى جانب رجل ومرأة، وهي شرقي/غربي، وعند فراقهما يظهر طرح آخر لمفهوم الهوية، حيث يصف الصوت السردي المخلوق بضمير الأنا، والمعبر عن “زهرة” “أندش بأنه: «لم أعد أشعر معه بالانتماء إليه، وكانت دوامة غربتي تكبر كل يوم، حتى تقاطيع وجهه تحولت فجأة إلى وديان من الجليد»، هنا يظهر تعريف مغاير للانتماء وللهوية، مرتبط بالعشق. وبهذه الطريقة تقدم الراوية هوية الذاكرة، وتفكك فعلها، كعنصر فني يقدم تخييلا وترميزا للواقع بصورة، وكتفكيك نفسي للشخصية، وكطرح لعلاقة الإنسان بالذاكرة والماضي.

يتمركز الفضاء المكاني بالنص كعنصر يضفي مفهوماً آخر للهوية، يطرح ثنائية الصحراء والغابات، شرق/غرب، ويقدم تعرية اجتماعية وفلسفية عبر طرحه في فضاء شاعري، وليس كمسرح للبنية الدرامية؛ بل كجغرافيا فلسفية تحمل أسئلة الكاتب الضمني المنحازة للهامش، فيكون فعل الانتماء والهوية، وما يقترن بهما من مفاهيم إنسانية أخرى تتكئ على تعريف الهوية، أحد أهم سمات بناء النص.

هنا يمارس الفن دوره كمعرف للشخصيات، كدافع لها، وكعنصر له دلالته الخاصة، عبر طرح أسئلة فلسفية واجتماعية تقترن بمفاهيم العنصرية والانتماء والهوية.

كما تمثل المباشرة كمفردة كلاسيكية جزءا مهما من البنية الروائية للنص، مستندة إلى واقعية ثنائية الشرق/ الغرب، ومفهوم الهامش، وطرح مفاهيم كالانتماء والهوية، لكن تلك المباشرة، التي تتحول أحياناً لتقريرية، لا تنفي فعل الترميز، المرتبط كليا بتخييل شاعري يتكئ على عنصر فني يخلق محورين وهو جدوى الفن في النص؛ فالفن في النص له دور دلالي يخلق بنية للشخصية، فيظهر الترميز مع بدايات النص في مشكلة الراوي مع الشعر “الراستا” الأفريقي، وألمها المنبثق منه، بعد بداية انتهاء علاقتها مع “أندش”، ليمثل عنصرين رمزيين وإنسانيين، أولهما علاقة الإنسان بالفقد والفراق، حيث تتخلص من كل آثار الحبيب السابق، وثانيهما كترميز على الجزء الأول من الثنائية المطروحة كعنصر يبعث الأسئلة الفلسفية والاجتماعية الكبرى بعده وهي الشرق والغرب، فهنا تتخلص الشخصية من آثار أفريقيا، الهامش، ذلك الكائن بالنص في هامشه ومحوره، فالبطلة نفسها محض هامش تحول للمركزية بشكل ما، بعد تبني أسرة سويدية لها، على النقيض من شخصية هامشية عراقية تقابلها البطلة، وهي محض هامش ظل هامشا، حتى في بناء النص، فتكون الشخصيات الهامشية تلك ممثلة لنص موازي للنص الأول، وخالقا لطبقة سردية جديدة، طبقة “دون كشويتيه” لها إيقاعها الخاص وشاعريتها الخاصة، كنص “بيكاريسك” موازي للسردية الأولى، سردية الفقد والفقر، والشرق والغرب، والعشق، والثنائية المطروح بها تلك الأسئلة والقضايا، وهي الخاص والعام.. هذه القضايا الخاصة ينبثق منها طريق جديد للقضايا العامة، كسؤال النص الأول عن الهوية والانتماء، وما هو خاص به من الشرق والوطن عامة، وما هو عام به من مفهوم الهوية والانتماء، ككل.

كذلك تتجلى السيميائية في النص كترميز يقترن بفعل التخييل والتعرية الفلسفية والاجتماعية، على طول النص منذ ولوج الافتتاحية، ويبدأ طرح السيمائية عند تقديم فعل التعرية الخاص بالمجتمع، وبالتالي بالإنسانية والمعنى العام للهامش، وثنائية الهامش والمركز، فتظهر إشارات للدول العربية، ومن تلك النقطة، يبدأ الترميز دوره في فعل التعرية في البنية الروائية، كما نرى في النص الموازي “البيكاريسك”.

مقالات من نفس القسم