روح فيلم البوسطجى

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام
محمد محمد مستجاب يرحل الانسان الى البلاد و المدن ،  بحثا عن الرزق او الحب أو هروبا من ثأر ، ويرحل القروى الى المدينة ، وتصبح هذه المدن ، عدو او حبيب ، قد تغلق أبوابها فى وجهه او ان تعتصره فيصبح مثلها . ولكن النفى و الطرد ، فهذا امر اخر وأبطال هذا الفيلم -  ثلاثة أشياء - تحدد مصير الأنسان أو رحلته ، التخلف  و الحب ورسالة بريد . ونرحل نحن مع البطل عباس ، لنشاهد البشر و الخير والحب و الجمال و الخوف و النور و الجهل ، و لكن فى النهاية سنصل لشىء ما .

يبدأ الفليم بمجموعة من اللقطات لقطار الصعيد المشهور ، مع نزول التتر ، القطار يتحرك ببطء متلويا  زاعقا متألما من رحلته الخالده ، وسط النجوع و الكفور و الجبال و القرى ، يشق كل ذلك زاعقا ، وداخل عربة القطار الدرجة الثالثة ، تحتوى العربة المزدحمة على العمال و الشغيلة العائدين الى قراهم بعد العمل و الاغتراب ،فى شوق وحنين يحتضن أحدهم ” طبلة ” يدق عليها ، بينما الباقى يرددون الشوق و الحنين و يصاحبونه فى الموال ، عربة القطار اصبحت دنيا اخرى ، و فى وسطها يجلس عباس البوسطجى متأففا  شكله نشاز بالبدله المكوية و الطربوش ، بينما تناثرت حوله القفف و الفؤوس و هلاهيل و حزم و أقفاص البط و الدواجن ، أنه غير هذا المجتمع ، انه منفى ومطرود  لاحدى قرى الصعيد ، يحاول جاهدا أن يحتفظ بأناقتة و سط هذه الفوضى و القذارة ،  يطل بنظره من النافذة على المناظر التى يمر بها القطار ،  فالحقول و الاشجار و المزارع وهامات النخيل و انبساط النجيل ،  يريح العين و القلب ،  ويملئه بالطمأنينه ،  وفى اسفله علم مرعب شرس خشن .

يصل القطار الى محطة كوم النخل ،  وهى قرية مثل باقى قرى صعيد مصر فى عام 1935،  يتسرب العائدون وينزل عباس ، حاملا حقيبته متجهم كأنه كان يريد أن ينتظره رئيس البوستة ذاته ، لايوجد على المحطة غير ناظر المحطة و الحمار ، أستقبال حافل يليق به ،  يقبل ناحية ناظر المحطة الذى يتأمله و ينظر اليه ببرود وفضول ، يسأله عن البلد ، يشير اليه الناظر بطرف اصبعة ، ” ويقول البلد عندك تحت التل هناك ” ،  وكأن اسفل التل ،  العفريت الاحمر و الجن و أمنا الغوله و الجنية  و المصير المجهول ، خاصة عندما يسأله عباس عن المسافة  فيقول له ” اثنين كيلو بس ” ينظر عباس على التل المنحدر ، بأنزعاج وقلق و هو يحمل حقيبته و يبدا فى الهبوط بينما ناظر المحطة ،  يشيعه بنظرات لمصيره المجهول و نهبط معه .

ونحمل همومنا و نرحل و نهبط ونصعد مع عباس ، طابور من الفلاحين العائدين تتقدمهم المواشى ، و التراب يعلو و عباس مازال ينحدر و يهبط لنراه فى المؤخرة و هو متهالك يحمل الحقيبة و قد فتح ازرار الجاكته وياقه القميص،  وبيده الاخرى يحمل الجريده يحاول أن يبعد بها التراب و يواصل الهبوط و النزول و السير الى مصيره .

البلد – القرية –  المجهول ، بيوت واطئة متراصة متزاحمة متلاحقة و اكوام من الحطب و القش ، كأنها قبيله من الهمج ، شوارع ضيقة و منعطفات سريعة الانحناء و الفلاحون يتسربون بسرعة ،  الكل يعرف جحره و مسكن ، ما عدا عباس التائه ، يبدوا مترددا لا يعرف الى اين يتجة يتوقف وهو يحمل حقيبته ، يحمل قلقه وخوفه من المجهول  القادم .

الابواب التى يعبر بها  أما مغلقة او مواربة و لايظهر خلفها الا فوهة مظلمة مرعبة ، خلف أحد الابواب يطل من ورائه وجه فتاة تتفرج على عباس ،  يتجه ناحية الباب ليسأل الفتاة التى  تغلق الباب فى وجهه بفزع، يتراجع غاضبا ، يرتاب من الابواب المغلقة ، كأنه فى فخ أو كابوس ، فجأة ترتفع أصوات أقدام مهروله وصياح أطفال ، يتنبه ، تندفع جاموسة مطارده من العطفة فجاة ، تكاد تدهمه ،  يتفادها و يتراجع بظهره ، و تسقط حقيبته من يده ، ويسقط الحلم ، ويمر أصحاب الجاموسة  يطاردونها  الرجال و النساء ،  و الاطفال  يصيحون ” الجاموسة جالها جنان ” ،  يتماسك مزهولا و يحمل الحقيبة و يمد يده بسرعة و يمسك بطفل مندفع خلف الجاموسة ،  الطفل يصيح خائفا و عباس يهدى من روعه و يسأله عن دار العمدة ، و الطفل بنوع من الاطمئنان يقفز مبتعدا ويشير بيده ” دار العمدة غادى هناك – امش كده و اصل تلجاه فى خشمك ”  ويختفى بينما يظل عباس يحدق بذهول خلفه .

 ننتقل الى حديقة دار المعلم سلامة  ، حيث  العمدة و الشيخ سلامه  ، أعمدة القرية و كبراء البلد ،  يصل اليهم دسوقى الغفير ، ويبلغ العمدة بقدوم ناظر البوستة الجديد ، يغادر الجمع الحديقة ، و فى وسعاية او سويقة القرية نرى رجل يعلن وينادى و التجمهر حوله عن افتتاح مدرسة لتعليم البنات مجانا فى اسيوط ، ها هو النور و التعليم يحاول ان يتسلل الى ارجاء القرية ، ولكن العمدة  حافظ التقاليد و الرجعية ، بغيظ ينادى على الرجل الذى ينادى فى بلدته بدون استئذان ، الرجل يعطى له الاعلان ثم يتركه و يرحل مناديا فى انحاء القرية ،  المعلم سلامه وقد اهتم بأمر المدرسة و العمدة يندهش منه ، ويقول له ”  عاتودى بتك المدرسة يا سلامه – يا راجل بلاش مسخرة بتك بجت صبيه – على اخر الزمن يا سلامة عاتمشى ورا البدع – خليك بعجلك يا راجل – وخلى بتك فى دارها متصانه ” ها هو العمدة كبير البلد وحارسها و حارس الرجعية و التخلف و الجهل ،  و كأن تعليم البنت بدعه او ضرب من الجنون .

يذهب العمدة لعباس المنتظر فى داره ، يرحب به و بدهاء عجوز ماكر ، يفاجاء عباس بمشكله عدم وجود سكن ، و يتضح ان العمدة سياسى ماهر ، و يقع عباس فى حيرة من امر السكن ، و فى النهاية يخبره العمدة  بأنه سوف يؤجر له داره القديمة ، يستريح عباس لهذا الحل ،  و كأنه النجدة ، حل مؤقت للفخ الذى و قع فيه ..

وفى هذه اثناء ، فى منزل المعلم سلامه ، يتناول الغذاء بينما الزوجة و اقفه على خدمته و تلبى طلباته قبل ان ينطق بها ، يخبرها وهو يفترس الفاكهة ، بذهاب ابنتهم جميلة المدرسة فى اسيوط تفاجأ و يصبها الوجوم ، تدخل الخادمة مريم تحمل ابريق الغسيل و الطشت و ينهمك المعلم سلامه فى غسل يديه بينما ينظر الى ساقى الخادمة اللدنه و يطيل غسيل يديه ويسأل الزوجة ، ” قلت ايه ؟  الزوجة  تشاهده وهو ينظر الى ساقى الخادمة ، بغضب ترد ” ماليش قول بعدك يا معلم – بس عاتروح الصبية اسيوط و تيجى كل يوم ؟ ، يخبرها بانها مدرسه داخليه و سوف تظل فيها ، الزوجة تلاحظ نظرات زوجها المختلسة لساقى الخادمة فترفع الاطباق فى غضب و تنظر له نظرات خبيثة خائفه ،  ها هو كبير الدار و موجهه و الحامى و القائد ،  انه يرتدى ثوب الحمل الوديع الخائف على التقاليد و العادات ، بيما الجميع فى الخائف يحاول ان يظهر توحشة و جهله و قبحه ،  يستتر القبح خلف رداء من الورع و الكبرياء ،  الخادمة تتجه وتدخل غرفه جميله و تخبرها بذهابها الى المدرسة ،  جميلة الجميله تندهش و ترد ” اسيوووط ”  وتفف امام المرأة و كأنها على اعتاب الخروج – السفر –  الحرية ..

يذهب العمدة و شيخ الخفر و دسوقى الغفير و عباس الى دار العمدة ، البيت قديم مهجور ،  و ان كان مميز لانه مسكن العمدة وكبير القرية ، البيت قديم مهجور فى الخلاء و كأنه بيت الشيطان وامنا الغوله ، نرى كلب يتبول امام الدار،  يفتح الباب على حوش نازل عن الارض و تحت الباب عتبة عباس ينظر مندهشا ، ها هو الباب يفتح و ها هو البيت المهجور بيت العفاريت و الغول ، يرحب به تستعرض الكاميرا المنزل من وجهه نظر عباس نرى بيتا مهجورا مهملا ، الصدمه على وجهه  ، وشيخ الخفر يخبره ان هذه دار العمده زمان قبل ما ياخذ العمدية و يبنى داره الجديدة و انها احسن دار و مبنية بالطوب ، العمدة لعباس فى سخريه ” مش برضك يا عباس افندى تفك عوزه ..؟ ” عباس يرد بيأس و انه فى احتياج لها ويوقع على العقد بعد ان فاض به الضيق و الغيظ من هولاء الناس و الدار و البلد كلها ،  استقبال ريفى شرس بقائد قادم لتغير الكون .

بسلمون او يهنئونه على الدار الجديدة و ينصرفون و يصبح عباس وحيدا ،  يتهاوى جالسا فى يأس فوق حقيبة احلامه و هو يعرف ان الفخ او المصيدة وهو فى وسطها ، ثم يهبط الظلام .

من مشهد 61

الخروج-   الهروب – ها هو السجان و الد جميلة بائع العسل ، العسل المر ، يتقدمهم  العامل ومعه الاقفاص و خلفة المعلم سلامه وخلفهم جميلة فى عباءة الصعيد السوداء ، المعلم سلامة حارسها سجانها يمرون بصاحب المراجيح و هو يفكها ، بينما الاطفال يقفون حوله فى صمت و حسرة وحزن – انتهى العيد ، وفى الناحية الاخرى يجلس عباس خلف نافذة مكتب البريد ، فى سجنه ينظر الى صاحب المراجيح وهو يفكها بوجوم ، و يظهر بوضوح  شارته على كتفه ، و كانها توكد لنا انه سجين وهذا رقمه فى السجن ، ياتى اليه حسنى افندى ضابط النقطة ، يرحب به حسنى و يجلس معه فى المكتب ويتضح ان العمدة قد قدم بلاغ فى عباس لأخلاء الدار ، وانه قد تم ضبط الغازية ناعسة لديه فى الدار ، يثور عباس ، بينما حسنى ضابط النقطة يهدى روعه وهو خلف النافذة ، ويظهر بوضوح السجين و السجان ، ولكن يتضح من خبرة حسنى بالبلدة ، انه هو الاخر مسجون ولكنه صابر عليها ، يستضيف عباس حسنى افندى فى مكتبه ، بعد ان صرخ فى رشدى الفراش الجالس فى احد الاركان يبحلق فيه وكأنه يتوعده ،  لكى يذهب الى المحطة لاستقبال بوستة الوارد ، يجلس حسنى و عباس و يأتى الفلاح الذى يدخر النقود فى دفتر البريد ، فيضحك حسنى ويقول له ” انت لسه بتحط فى ريالات يابن هيلانه –  مش توفرهم على روحك احسن يا وله ”  فيجب الفلاح ”  والدم عايبجى ميه يا حضرة الضابط ”  يأخذ عباس النقود من الفلاح ويقيدها فى الدفتر وينصرف الفلاح ، ويحكى حسنى حكاية ذلك الفلاح الذى يجمع النقود لشراء سلاح للاخذ بالثار ، يندهش عباس ويقول ” وساكتين على كده ” ،  بينما حسنى بلا مبالاة ”  حانعمل ايه ؟؟ – جناية تار و حاتحصل زى ما حصلت قبلها الوف من جنايات التار ، و حاروح اسأل و أحقق ولن اصل الى شىء – أهل القتيل يدارو على القاتل عشان يأخذو تارهم بأيديهم –  حلقة من الجهل و الغدر وفى الاخر تلاقى الكل بيصعب عليك ، ماهم معذورين – عايشين فى كهوف و جحور – حايجلهم النور منين ؟!

يندهش عباس عندما يعلم ان حسنى ممثل القانون عاجز وغريب مثله فى تلك البلدة ، و فى النخيلة حيث جميله الهاربة من سجن التقاليد فى دار عمتها ،  تفتح نافذة الغرفة فتصدمنا الشمس بحراراتها و حريتها ، وبأصرار تجبر جميلة عمتها على زيارة صديقتها سهير ، وتذهب جميلة لزيارة سهير ومنزلها و أمها وحبيبها ، وتخرج جميلة مع سهير لرؤية البلدة ، و يأتى خليل ويقع نظرة على جميلة من هول المفاجأة فيرتبك ويتدارى وجهه خجلا ، ويتبادلون النظرات و ضربات قلبهم تهز الكون الصامد المتخلف تريد التحرر و اثبات شهادة ميلاد ذلك الحب ، و تخرج جميلة وسهير الى منطقة اثرية ، جميلة تحلق كالمسحورة ، بينما يطل خليل ، ويقول لهم ” هل شاهدتم الاثار فتقول جميلة شوية حجر مكسر –  مافهماش منهم حاجة –  يقول لهم ده كان مكان قصر كبير ويحكى حكايه القصر عن ابنه الملك التى احبت احد الرعايا و عندما علم والدها بنى هذا القصر وقد حبسها فيه و فى النهايه كانت البنت ترسل الى حبيبها الجوابات من الاحجار ، ثم هربت الفتاة مع حبيبها وراحوا مملكة تانية ؟؟ ويقترح ان يلعبون الاستغماية وتقع سهير فى المساكة و تختفى جميلة وخليل بين الاطلال وفى جزء مهجور يقترب خليل من جميلة و يشعر الاثنان بجسدهما يلتحمان و يلتصق خليل بها أكثر ويحاول تقبيلها و يحضنها ويغيبان .

وفى الليل يأتى خليل الى جميلة فى دار عمتها .. وهو يلوح لها بخطاب العمل ، تتسحب جميلة وتخرج تقابله تحت ضوء القمر و يخبرها بالسفر فى الصباح ، وتلتصق به بخوف لاتريد ان تفقده ، يحضنها ويؤكد لها ان العمل سوف يعطيه القوة للتقدم لها و خطبتها ، بينما تقول هى أنا فى عرضك أوعاك تسيبنى ، ويعطها العنوان فى الاسكندرية ويرحل خليل للعمل بعيدا عن البلدة ، وفى كوم النحل نرى رجلان يسيران وقد وضح انهم يعتزمان امرا ، ويتجهون ويدخلون منزل المعلم سلامه و الزوجة حلمية تنظر لهم من النافذة ، ويتضحانهم أهل الخادمة مريم و التى حملت سفحا من المعلم سلامة ، وقد وشت بها ولا تريدها فى الدار، بينما يريد الرجلان معرفة من الذى فعل هذا ، وبهدوء وحزم تخبرهم الزوجة  .. أنا ماعرفاش ، البلد اهى بتجول و المعلم مالوش صالح فى حاجات من دى .. الزوجة المخدوعة تدارى على زوجها الاثم .. الذى يحمى التقاليد و الشرف .. مجتمع يأخذ حقه بقانونه الخاص  وتخرج الفتاة وترى خالها و أخيها فتعرف انها وشت بها .. وتقول لخا انا ماليش ذنب .. حرام عليكم .. فتقول لها الزوجة .. عايجوزوكى بتزعطى ليه ؟ بخوف مميت تقول الفتاة منك لله .. انت عارفة انى مابيديش حاجة .. وتخرج الفتاة من سجن المعلم سلامة للمصير المميت وقد تركت دعائها لقانون السماء.

وتمر الايام على عباس بكأبتها وكسلها .. يذهب عباس للمحطة فيصل له مظروف كبير ويظهر على وجهه السعادة و يعود للبلدة وهو يحمل ظرف الاحلام و الاوهام ، وتعود جميلة مع والدها ترتدى السواد وجهه مكدود ، فى الطريق يفتح عباس الظرف فيرى المجلات و عليها بنات جميلات عرايا ، فى المكتب ينهمك عباس مع بعض الفلاحين يسألون عن خطاباتهم و يستغل رشدى انشغال عباس و يسرق احدى المجلات بدافع الفضول و يلإاجا بالنساء العرايا فيدس المجلة فى صدرة و يهب عباس و يخرج لتوزيع الخطابات ويأخذ معه الظرف الكبير ، بينما رشدى بعد أن يتأكد من ابتعاد عباس يخرج المجلة و ينظر فى صفاحاتها فى متعة صامتة تعبر عن انفعالاتة الداخلية ، وينادى رشدى على بعض الفلاحين ، ويجلسون يشاهدون المجلات و الفتيات العارية و تنطلق التعليقات ، بوجوة محملقة محدقة وأفواة مفتوحة فى بلاهة .، وفى الليل فى منزل عباس ، ياتى بزجاجة الخمر و يشرب كأسا ويخرج احد المجلات من الظرف الكبير ، ويندس فى الفراش و يشرب ويتصفح المجلة العارية و يخلق لنفسة عالما من الوهم ، فى الفارش يرتجف و يتلوى من ةاللذة المصطنعة ، وفى النهاية ، يلقة الكأس فى جوفه بقرف ، و يقذفه على الجدار فيتحطم ويلقى المجلة ويهب ينظر اليها بغيظ و كأن هذا العالم الوهمى الذى صنعة قد ضايقة أكثر مما اراحه ، وتبدأ جميلة فى كتابه الخطابات الى حبيبها خليل ، و تعطيها الى ام احمد الدلاله ، وهى التى معها السر و تضع أم احمد الخطاب فى الصندوق ليلا ، وفى الصباح يظهر عباس و هو شديد الاهاق و الزهق و متعب ويطل بعض الفلاحين الذين شاهدوا المجلات مع رشدى الفراش ، ويبدون فى النميمة و الضحك و السخرية من عباس بزهق يزعق فيهم و يسبهم ، و يجلس وحيدا فى سجنة ويطل علية عزيز ناظر المحطة ويجدة حزين فيضحك ويقول له ياخويا ما انت تحت يدك اسرار البلد كلتها اهى .. مصالحا و فضايحها فى الجوابات الا رايحة و جاية تحت يدك كل يوم ” تصادف كلمات الناظر هوى عقله ينهض وينظر الى الخطابات بزهق ويلقى بها ثم يجمعها ويحاصرها و يتوعدها ويهجم على الخطابات و كانه يمسك بخناقتها ويمسك مجموعة ويقول ياولاد الايه وقعتم فى ايدى ” من هنا ورايح ولا خطوة حاتعملوهخا من غير ما اعرفها .. حادخل تحت جلودكم وكل حاجة حاشوفها واعرفها ، بفرح ينتقى خمس خطابات ويضعها فى جيبة و يضحك شامتا وفى المنزل يجهز ” العدة ” وادوات فتح الخطابات ويدء اللعبة الجديدة ولكى دقات على باب الدار اوقفته عن لعبته فياتى دسوقى الخفير و معه شيخ الخفر وياخذون الكلوب الذى يضىء الدار حيث انه خاص بالعمدة ويتركونة فى الظلام مع الخطابات .

وفى مكتب الوستة تانى ام احمد وتأسله على خطابات لها فيتأملها وينظر ليجد احد الخحطابات بخط جميل لها فيقول لها لايوجد و ياخذ الخطاب ويضعه فى جيبة وفى المنزل يكتشف عباس امر هام انه خطاب من حبيب لمحبوبتة ، يجن ، ويتذكر ام احمد يجن اكثر هل معقول ان ترسل تلك الكلمات لهذه المراة و يضحك والدهشة تعلو كلما استمر فى القراءة وفى الصباح يشاهد خطاب صادر علية اسم خليل و عنوانه فى الاسكندرية و لكن رشدى الواقفعلى رأسة لا خذ الصادر لا يعطيه فرصة اخذ الخطاب فيعطيه خطابات الصادر ويرحل رشدى وينتظر عباس ام احمد و التى تاتى ويتفحصها مندهشا وهوي قول لها رجاء التوقيع فتقول له ان معها الختم ويفطن عباس الى انها لا تعرف الكتابة و القراءة ، ويعرف ام احمد تعمل بوسته خاصة ، وتسمتر الايام والاخطابات بين خليل و ام احمد وعباس و جميلة و يلهو مع تلك اللعبة التى اخذته من وحدته و زهقهة من البلدة ..

وياتى خليل لخطبة جميلة وتحلق جميلة فى السعادة و لكنها تهبط على ارض خشنة رافضة لهذه الزيجة ، و يضربها والدها و تصرخ وتفأجا الام بالابنةى التى امسكت بطنها ويبدا الاثنان فى الصراخ و تبدا السماء فى الانتقادم للخادمة مريم ويرحل خليل وهو مصم على الزظواج من جميلة ..

ونفاجأ بعباس وهو مريض ومعه خطاب قد ” غمه ” ولكنه يتاخر فى تسليم الخطاب وكان ابتعاد خليل اتعب عباس ويعرف عباس ان جميلة حامل و لكنه لا يعرفها و يتجول عباس بين نساء القرية باحثا عن جميلة بدون جدوى ويأتى خطاب من خليل يخبرها بانتقاله للعمل فى القاهرة ويأتى الفلاح الذى يدخر النقود لشراء السلاح للاخذ بالتار ويطلب من عباس المبلغ الذى فى الدفتر ويخبرة عباس ان المبلغ اكثر من عشرة جنيها ويجب اخذ موافقه العموم فى مصر ويثور الفلاح الغبى ويثور عباس على الفلاح الجاهل ووسط ثورته يقوم بخبط الختم على خطاب خليل المفتوح وتقع الفاس فى الراس و يحاول عباس ليلا اصلاح الخطاب بدون جدوى وفى زهق يقوم باشعال الخطاب وتاتى ام احمد تساله عن خطابات ويحاول ان يبحث امامها فى وسط الخطابات وهو يعلم بان خطاب انتقال خليل لم يصل الى جميلة فقد احرقه وان خطابات جميلة مازالت ترسل الى الاسكندرية بينما خليل انتقل الى مصر ، وتعاود ام احمد السؤال بدون ملل وعباس يعلم الحقيقة و يرحل صانع العسل المعلم سلامة لاسيوط بعد ان يتوعد الام بعدم خروج جميلة من الدار ، ويصل خطاب من خليل الى جميلة ولكن ام احمد لم تعد تاتى يحاول البحث عنها وان يقترب من بعض النساء فى الطريق يسالهم عن ام احمد فيهربون منه ويراه شيخ الخفر ويحكى للعمكدة الذى يبلغ النقطة بالواقع التحرش بنساء البلدة ويحضر حسنى ضابط النقطة عباس ويواجهه بالتهام ولكن عباس المرهق يهذى و ينهار ويمرض و ميقع ومعه خطاب خليل و ياتى المعلم سلامة و يدخل الدار وتقع عينه على جميلة و التى تفاجا بوابدها امامها فتضع يدها على بطنهات ويخدق المعلم سلامة فى بطنها ويبدو جهه وكانه شاخ فجأة وتناتى الام لتفجا بما يحدث ويشهق وتفر جميلة الى غرفتها وكانها قد وقعت فى المصيدة تصرخ وتمسك ورقة و تكتب الحقنى يا خليل وعباس فى منزله يهذى و يحاول النهوض وهو يعلم حجم المصيبة التى فى يده وفى الخطاب .. يهذى فى مرضة امام درويش السقا الاخرس وهو يمثلا الزمن الرتيب و الذى يأتى كل يوم لكى يخط بالطباشير على باب دار عباس ويقول له عم جميله التى لايعرفها ويبحث عنها .. البت تموت .. حايقتلوها .. دول همج وانا عارفهم و المصيبة انه لايعرفها ولا يعرف كيف يصل اليها لوقتلت سوف يصبح هو الاسبب ..

وفى مشهد من اجمل مشاهد الفيلم حيث الصاله خالية فى منزل المعلم سلامة  ولا يوجد غير البطيخة التى تنتظر السكين بينما نسمع جميلة من غرفتها وهى تطرق الباب بشهده للهروب وسلامة لا يعيرها اى اهتمام ، وتقفز جميلة من نافذة غرفتها ويلمحا المعلم سلامة وفى يدة السكين وتهرول فى شوارع وحوارى القرية ويهرول خلفها وتجرى جميلة فى هلع وتصرخ .. خليل الحقنى ومن الناحية الاخرى يهرول سلامة ليلتقيان و يلتحمان ويغرز سلامة الوالد السكين فى قلب ابنته جميلة وهى تصرخ صرخة مروعة لخليلللل.. ويسقط الحب و الجمال و الحرية امام الرجعية و التخلف و القبح و يتجمع الفلاحين ويحمل سلامة ابنته و يخترق بها دروب القرية فى موكب جنائزى حزين ويزاد اعد الفلاحين و المعزين و كانها جنازة مهيبة مهولة للحرية و الحب و الجمال و يتقدم الموكب الجنائزى ليصل الى عباس وينظر الى القتيلة وهو يخشى ان تكون تلك الحبيبة التى يبحث عنها وياتى صوت الام وهو تنادى جميلة وبتى ضناى ويتاكد عباس من الاسم ويمد يده فى جيبة ليخرج الخطاب الانقاذ للحبيع المنقولة على نعش الرجعية و الخلف و القر .

ويتركون عباس مذهولا شاردا ويبدا عباس فى اخراج الخطابات من الحقيبة و يمزقها ويلقى بها فى الهواء .. بينما ياتى صوت خليل المجسم وهو يقول مملكة تانية مملكة تاااانية مملكة تااااانية .

وينتهى الفيلم و يفضحنا و يعرنى احوالنا و يتركنا فى العراء لكى نبحث للحب و الجمال و الحرية عن مملكة اخرى ليست فى النخيلة و لا الدولة او قارة اخرى .. ولكن هذا هو الحال .. الجميع فى الفيلم متهم و الجميع يأخذ ثأرة بيده و لايوجد قانون .. نحن الذى نضنع القانون و الشرع و العرف و نعدله لكى يملىء رغباتنا و اهوائنا .

اجمل مافى هذا الفيلم الذى انتج عام 1968 ان جميع الذى عملوا فيه شباب حيث ياتى فى المقدمة النص القوى لكاتب جميل رقيق مبدعنا يحيى حقى ثم شابين هما صبرى موسى ودنيا الباب لكى يعيا ذلك النص و تكتمل الصورة بمخرج شاب واعى وكان حلمهم ان يقدموا سينما مختلفة على ارض صلبة واقعية ، ونال الفيلم تسع جوائز فى الانتاج و الاخراج و التصوير و التمثيل و القصة و السيناريو و الحوار و المونتاج و الديكور.

 

 

مقالات من نفس القسم