رواية “كوزيما” .. سيرة روائية شيقة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 247
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

نهى جمال الدين

علي مدي عقود طويلة من تاريخ الأدب ، كانت دوما فكرة بلوغ عمل أدبي للعالمية هي الفكرة الأسمي، والتي يحلم بها العديد من الأدباء، فالأدب هو الصورة الأشمل للتعبيرعن الشعوب وهو جسر التواصل الفكري الذي ينجح دوما في سبر أغوار النفس البشرية ويكشف ملامح ثقافات بعيدة ويمنح تواصلا أدبيا بين الشعوب وبعضها وأبدية تُلازم كاتبها وتُخلد كلماته برغم مرور الأيام .

وقد نال العديد من الأدباء تلك المنزلة بترجمة أعمالهم إلي لغات عدة وأنتشرت قضاياهم بين شعوب أخري كانت تجهل ماهية عالمهم الا من خلال كتاباتهم

ومن بين هؤلاء الكُتاب الكاتبة الايطالية جراتسيا ديليدا الحائزة علي جائزة نوبل للأدب عام 1926. ولدت ديليدا وعاشت بجزيرة سردينيا وفي هذه البقعه من الأرض تعرفت علي ملامح الحياه الهادئة والبسيطة التي عاشتها، وامتزجت مشاعرها بتجارب المحيطين بها، فانتجت أعمالاً أدبية تعبر عن البسطاء والفلاحين، عاداتهم وتقاليدهم ، آمالهم وأحلامهم ، كانت عين علي تلك الشخصيات التي تحيط بها ونقلتها الي الورق بكلمات خالدة ومنحت العالم معرفة أقرب بسردنيا ومواطنيها

من بين تلك الأعمال التي تحدثت فيها بشكل وثيق عن عالمها ، كوزيما ، سيرة ذاتية كتبتها ووضعتها بين أوراقها، وتم العثور عليها بعد وفاتهاعام 1936

تقترب ديليدا في هذة السيرة الذاتية من نفسها و تكتب عن كل تلك الأحداث التي خلقت منها هذة الكاتبة و التي حازت فيما بعد علي جائزة نوبل في الادب . وأعتقد أن كتابة السيرة الذاتية لأي كاتب هي مرحلة شديدة الاهمية، حيث أنها تضئ الطريق لكاتبها ، وكفعل الكتابة ، فإن كتابة السيرة الذاتية هي حالة من حالات التحرر، يصل إليها الكاتب ليعيد النظرإلي ما كان و لكن بصورة أشمل وأكثر وضوحا حيث يري نسخته الأصغر، الأقل معرفة والأكثر حبا للحياة ،من خلالها يُسلط الضوء علي تلك القرارت التي شكلت حياته و يعيد خلق تلك الذكريات التي كانت أول اتصال وثيق له بهذا العالم.

تبدأ ديليدا كوزيما بالحديث عن البيت التي تنتمي إليه، وتصف بلغه سردية بديعة حال الأرض التي تعيش عليها ،والطبيعة التي تحيطها وتنقل القاريء من بين صفحات الكتب إلي مدينتها نورو شمال شرق سردينيا

“كانت همسات الغابة تغطيها كأنها أصوات أرغن والقمر بنسيجة الفضي .و كانت الفتيات ينمن علي هدهدة تلك الموسيقي التي لم يكن لها مثيل لأنها موسيقي الطفولة ،التي تُسمع مرة واحدة في الحياة “

وتسير ديليدا في سرد سيرتها الذاتيه بشكل مباشر و كأنها تحتفي بالقارئ وتروي له وجها لوجه ، دون أي استخدام لتقنيات سرد غير مباشرة .فتقترب من الشخصيات وتعبر عن كل منها ببساطة وتصور كل شخصية ببراعة شديدة وتمنح القارئ شعورا بالطمأنينة لحديثها المباشر

“كان السيد أنطونيو صالحا و عادلاً، وكان الجميع يحبونه .كان له – دون أن يرغب في ذلك ولا حتي أن يدركه – سحر خير علي كل من يقترب منه .كانت كلماتة بسيطة و بلا تنميق، ولكن كان رنين صوته يصعد من عمق نفسة المكونة من الحق والتسامح .”

ثم تمضي ديليدا في كشف مراحل شغفها بالقراءة والكتب و بداية مشوار الكتابة وتصف تلك الرحلة الشيقة التي يمر بها اي كاتب في بداية مسيرته ، ذلك الشغف ،والرغبة في التحرر، والسعادة التي يشعر بها الكاتب كأنها أبدية لا تنتهي عند تلقي ردود فعل القُراء علي كتاباته .

“أيضا هي ، كانت في كتابتها ، تذهب في لقاءات عاطفية ،إنها قصة ،قصتها ، حيث البطلة ،هي نفسها ،العالم هو عالمها و دماء الشخصيات وبراءتهم وجنونهم الساذج هي لها “

وتُكمل ديليدا عبر وصف مفصل لكل تلك الذكريات التي أحاطت بها من الصغر ، فتختبر كل التجارب الانسانية من الفقد والحب و المرض و الجنون وغيرها، وتقترب بشدة من المحيطين بها وتكشف كيف كانت تستمد أدبها من قصص اولئك المحيطين بها ومعاناتهم.وكأن قلمها رسول للعالم يهب حبره لمعاناة الاخرين و يدافع عنهم ويعكس ما يجول بخاطرهم .

عند الانتهاء من هذه السيرة يشعر القارئ أنه أمام عمل فريد ، يحمل من المشاعر والعاطفة مايحملة قلب فتاه صغيره حلمت بالحياة تحت مسمي روائية، سيرة شديدة البساطة ، شديدة الصدق ،شديدة القرب من الآخرين

الرواية إصدار دار الفراشة للنشروالتوزيع ، ترجمة د.أماني حبشي والتي أهدت إلى العربية هذه الترجمة المتفردة لتنقل لنا سيرة بديعة عن روائية من روائيات الأدب الايطالي والتي نحتاج بشدة لقراءة المزيد والمزيد عنه

جدير بالذكر أن د.أماني حبشي  حاصلة على الدكتوراة في الأدب الإيطالي، والجائزة الوطنية للترجمة عام 2005. وهي مقيمة في المملكة المتحدة، سبق أن ترجمت عدة أعمال منها: “بندول فوكو” لأمبرتو إيكو، “الفسكونت المشطور” لإيتالو كالفينو، “شجاعة طائر الحناء” لماوريتزيو ماجاني وغيرها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتبة مصرية

مقالات من نفس القسم