رضوى عاشور.. أنثى من سلالة شهر زاد

رضوى عاشور في ‘أثقل من رضوى’ سيرة الحياة وجماليات البوح والإفضاء
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

  د. نعيمة عاشور حامد

عن ابنة من هذا الزمان وجدة هذا العصر.. عن إبداع يمتزج بالتاريخ.. عن صوت حر مناضل.. تكتب رضوى عاشور وتحكي الحكايات فتترك منجزًا أدبيًّا ضخمًا ومشروعًا واسعًا.. تترك كل قطعة من حياتها داخل كل حكاية.. لقد تركت أكثر من اثني عشر عملاً إبداعيًّا، وأربعة كتب في النقد الأدبي وكتبت عشرات المقالات في الأدب والنقد العربي والأجنبي متخذة من الكتابة أقصى أفعال النضال والمقاومة فكانت على وعي تام بالعلاقة الخاصة بين السرد والتاريخ واهتمت بوجود الماضي في الحاضر وتأثيره أيضًا في المستقبل اهتمامًا يرتبط بحياة الناس وواقعهم وحياة الشعوب ومنظوراتها السياسية والثقافية والاجتماعية.   

ورضوى عاشور (1946-2014) هي روائية وناقدة وأستاذة جامعية مصرية، درست الأدب الإنجليزي في جامعة القاهرة، حصلت على الماجستير في الأدب المقارن عام 1972م، وعلى الدكتوراه في الأدب الأفريقي الأمريكي من جامعة ماساتشوستس عام 1975، تُرجمت أعمالها إلى الإنجليزية والإسبانية والإيطالية والإندونيسية، نالت العديد من الجوائز؛ كجائزة سلطان العويس للرواية والقصة عام 2012، وجائزة أحسن رواية من معرض القاهرة للكتاب عن “ثلاثية غرناطة” عام 1994، والجائزة الأولى للمعرض الأول لكتاب المرأة العربية عام 1995، ومن أعمالها الروائية: “سراج”، “ثلاثية غرناطة”، “أطياف”، “قطعة من أوروبا”، “فرج”، “الطنطورية”، و”أثقل من رضوى”، ومن دراستها النقدية “الحداثة الممكنة: الشدياق والساق على الساق”، و”الطريق إلى الخيمة الأخرى”، (عاشور، رضوى، في النقد التطبيقي (صيادو الذاكرة)، دار الشروق، الطبعة الثانية، 2017).

وسأبدأ برضوى التي هي “أثقل من رضوى” وأقتبس مقطعًا نصيًّا مطولاً من السيرة الذاتية “أثقل من رضوى” لما يثيره من قضايا إبداعية ونقدية تجمع فيه رضوى نمطًا من أنماط الخطاب خاصًّا بنظام خطاب واقعي، ويخضع أيديولوجيًّا لسيطرة علاقات السلطة، ويرصد المتغيرات والآثار الاجتماعية، تقول: «أصبحت منطقة كوبري الجامعة حيث تعبر المظاهرة من الجيزة إلى القاهرة، منطقة أمنية، يكاد وصول المظاهرات إليها يكون من المستحيلات. وإن جرت محاولات لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، لكسر هذا المحظور.

إذن كان التظاهر عند السفارة من المحظورات التي كسرتها ثورة يناير، وفي أول ذكرى للنكبة بعد الثورة أي في الخامس عشر من مايو 2011، وكنت في واشنطون لم يبقَ لي من جلسات السايبر نايف سوى جلستين، قرر الشباب أن يحيوا الذكرى بالتظاهر أمام السفارة، واجهتهم قوات الأمن والشرطة العسكرية ألقت عليهم القنابل المُسيّلة للدموع، ضربتهم بالهراوات، سبَّتهم ولعنت آباءهم وأمهاتهم، أوقعتهم على الأسفلت وسحلتهم، قبضت عليهم وساقتهم مُكبَّلين إلى سيارات الشرطة المغلقة، كررت: (كله ينزل على ركبه).

بعد ثلاثة أشهر من الواقعة نقلت وكالات الأنباء خبر استشهاد مُجنَّدين مصريين قصفتهما طائرة إسرائيلية، وسرعان ما تأكد أن عدد الشهداء ارتفع إلى خمسة، تلاحقت الأحداث وجرت في ثلاثة فصول موزَّعة على ثلاثة أسابيع، تحديدًا في 19 أغسطس (يوم استشهاد الجنود) إلى 9 سبتمبر الذي امتدت مجرياته حتى فجر اليوم التالي.

حدثت مقدِّمات الفصل الأول مساء الخميس، أي بعد ساعات من خبر مقتل المُجندين. حاصر الشباب القنصلية الإسرائيلية في الإسكندرية، وأنزلوا العلم المرفوع عليها. صباح الجمعة بدأت أفواج من المتظاهرين في القاهرة تعبر كوبري الجامعة أو تأتي من ناحية الدقي والمهندسين وإمبابة أو من ناحية الجيزة وما وراءها، وتحتشد عند السفارة: وراء الأسلاك الشائكة التي نصبها الحرَّاس أمامها. في الشارع الضيِّق أسفل الكوبري. فوق الكوبري المطل على الأسلاك الشائكة ورجال الأمن وزملائهم المتظاهرين. في الجانب المقابل من الطريق عند سور حديقة الأورمان. أمام بوابة حديقة الحيوان. حول تمثال نهضة مصر الذي يتوسطهما فاصلاً بين اتجاهي الشارع.

[جزء من الحكي لم يذكر]

 غدا التظاهر حالة شعبية كاملة العناصر: بياعو الشماريخ (رجال أو نساء) يُروِّجون لبضاعتهم بالنداء: (اضرب إسرائيل بخمسة جنيه)»([1]).

ارتكزت الكاتبة على جوانب تشكيل عناصر عمليات البناء الاجتماعي والخطابي التي تحدد الأيديولوجيا ومجموعة قوائم العلائق النصية، وإن الأبنية الاجتماعية تشكل وعاء مؤسسيًّا متعددًا ومعقدًا لسياق الخطاب الاستراتيجي والواقعي؛ لأن السياسة تدخلت في أربع مؤسسات، أولا: مؤسسات السلطة السياسية وهي الكتلة المهيمنة في الصراع الاجتماعي المسيطرة على جمهور الشباب في قوات الأمن والشرطة العسكرية، التي قامت بإلقاء القنابل المُسيِّلة للدموع عليهم، وضربهم بالهراوات، وقبضت عليهم وساقتهم مُكبَّلين إلى سيارات الشرطة المغلقة مع تكرارها: «كله ينزل على الأرض»، وحددت علائقيات الصورة والوصف والحركة والصوت أشكال الصراع الاجتماعي معًا لتشكيل هذا المستوى المؤسسي، ثانيًا: مستوى السفارة الإسرائيلية المحمية من القوة السلطوية والتي أصبح من المحظورات التقرُّب منها، والتي قامت بقصف طائرة من طائرتها أسفر عن استشهاد خمسة من الجنود المصريين، ثالثًا: مستوى أجهزة الإعلام الممثلة في وكالات الأنباء التي نقلت نبأً مهمًّا عن خبر قصف طائرة إسرائيلية لخمسة جنود مصريين يعدُّ موقعًا مؤسسيًّا للصراع السياسي من خلال تشكّل الخطاب لأيديولوجيا سياسية معينة وآثارها التي تتحكم فيه، حتى امتد الصراع لمستوى رابع يخصُّ جمهور الشباب المتظاهرين المشاركين في المظاهرة ويُقسِّم هذا المستوى الشباب إلى نوعين في التشكل الاجتماعي؛ الأول: هو مَن قامت الشرطة بسحلهم، ويحدد المستوى الموقفي إطارًا واضحًا لعملية الصراع بينهم التي اقتصرت في عملية التظاهر؛ أما الآخر: فيقوم بعملية بناء اجتماعي أخرى بواسطة أنظمة أخرى مختلفة تجسِّد صراعًا دائرًا من خلال ظهور فوج آخر من هؤلاء الشباب في كل أنحاء الجمهورية فظهر في الإسكندرية، حيث قاموا بمحاصرة القنصلية الإسرائيلية، وأنزلوا العلم المرفوع عليها، وخروج أفواج أخرى من ناحية الدقي والمهندسين وإمبابة أو من ناحية الجيزة أو الإسكندرية، واحتشادهم عند السفارة، وشكَّلت السخرية صراعًا أكثر شدة؛ حينما قرر بياعو الشماريج رجالاً ونساء الترويج لبضاعتهم بالنداء: (اضرب إسرائيل بخمسة جنيه). و(صيب العلم الإسرائيلي ووقّعهن بخمسة جنيه).

أما العمليات السياسية التي ينتمي إليها هذا الخطاب هي الصراع الداخلي للكاتبة، والداخلي والخارجي لجمهور الشباب المتظاهرين والأفواج الأخرى الغاضبة وللسلطة السياسية، وتعود أهمية هذه العمليات في عمليات الصراع الاجتماعي بين هذه المؤسسات لعرض رؤى أيديولوجية سياسية متنوعة، بهدف تغيير القوانين الاجتماعية الجائرة ووضع حلول لها عن طريق رصدها، بَنَتْهُ الكاتبة من الإحساس بالظلم، ومن خلال الاستعانة بأنظمة خطابية دعت إلى نظام خطاب معاصر قوي يدعو إلى التغيير والتجديد يتحقق بالتحام الجماعة وإنزال العلم الإسرائيلي وخروج الأفواج من كل أنحاء الجمهورية وتجمع الشباب المتظاهرين وخروجهم من الأماكن المختلفة كالدقي والمهندسين وإمبابة وغيرها لطلب الرفض يترتب على نوع معين من العلاقات، في إعادة بناء جديدة لخطاب الذات، وقد بذلت جهدًا كبيرًا في تغييره لتؤسس لعملية بناء اجتماعي جديدة تتشكل من الجماعة، وترسم بها ملامح الصراع التي شكلت أنظمة البناء الاجتماعي وأحدثت عملية التغير الاجتماعي أيضًا، ويعدُّ الخطاب ذا طاقة إبداعية على السيطرة الأيديولوجية على العلاقات الاجتماعية في حدود قدرته على إيجاد ارتباط خاص بين السلطة والمتظاهرين في علاقات الصراع الاجتماعي.

ومن زاوية أخرى يُعدُّ هذا الخطاب جزءًا من عدة عمليات مجتمعية؛ أولا: كالصراع الذاتي بين عدة أطراف؛ أولا: بين ذات الخطاب ومجموع الشباب المتظاهرين الذين تم احتجازهم أولاً وأفواج الشباب المتظاهرين الآخرين الذين خرجوا من معظم أنحاء الجمهورية، وبين قوة السلطة السياسية التي استغلت نفوذها وسيطرتها استغلالاً سيئًا عن طريق الضرب والسحل واستخدام الغاز المسيل للدموع، ثانيًا: كالصراع بين الذات والقوة السياسية والتي تعلن رفضها من خلال الرصد الذي يهدف من خلال أنظمة معينة إلى بناء عمليات اجتماعية تكشف عملية أخرى وهي عملية الصراع الاجتماعي، ثالثًا: الصراع بين الشباب والكيان الصهيوني الذي قام بحرق القنصلية الإسرائيلية وإنزال العلم من فوقها، وترويجهم لبضاعتهم لضرب العلم الإسرائيلي بخمسة جنيهات؛ وهنا لا يكون التركيز على جوانب البناء الاجتماعي التي تقوم بتشكيل الجانب الأيديولوجي كما يتضح في تناول الجانب المؤسسي، بل سوف يرتكز أيضًا على أسلوب تفاعل هذه الجوانب مع العناصر التي تخضع للتحكم الأيديولوجي فيه، وهذا يوضح طبيعة العلاقة الجدلية بين التحكم الاجتماعي في الذات وقدرة الذات وطاقتها الإبداعية التي شكلها الخطاب.

ويلاحظ وجود أكثر من كتلة مهيمنة في الخطاب كهيمنة قوة السلطة السياسية الشرطية والعسكرية، وهي تجسد سلطة القوانين في المجتمع، وهيمنة قوة سلطة سياسة عليا منها متمثلة في السفارة الإسرائيلية وحمايتها وقصفها لجنودنا المصريين، وهيمنة سلطة وسائل الإعلام في وكالات الأنباء، وتشكيل الأنظمة الاجتماعية لعملية البناء الاجتماعية التي تؤسس لعمليات صراع اجتماعي دائر بين هذه الأطراف، وهذه الكتل تمارس الهيمنة الاجتماعية، ومن ثَمَّ تُوصف العلاقات الاجتماعية بالتحكم والسيطرة، وتستشعر الكاتبة درجات التحكم معها في تحديد العلاقات الاجتماعية التي أضرَّت بها وبالمجتمع، وهي كتل مختلفة في فرض قوة السلطة، فقوة السلطة السياسية تحمل قوة أعلى من باقي الكتل، فقوة الشرطة السياسية الداخلية تملك الضرب والسباب والسحل والسجن، وهو ما أدى بالنتيجة الافتراضية لرفض الذات العنف من خلال رصدها، وقوة السلطة الخارجية لإسرائيل تملك عملية القتل، حتى تحققت سمات خطاب معاصر جديد شكلته بواسطة فكر أيديولوجي قوي، فجاء خطاب الذات مشتملاً على علاقة احتواء بين هذه الكتل المسيطرة اجتماعيًّا، وبين مجموعة العوامل الأيديولوجية والمنطق السليم في النص، مما ساعد على خلق طاقة إبداعية أيديولوجية خلاقة مصاحبة للنص تربط بين الإبداع الفردي وعوامل السيطرة الاجتماعية، فلا تستقل هذه الطاقة الإبداعية في النص عن المجتمع لا سيما المجتمع السلطوي، فدائمًا ما توجد ظروف اجتماعية معينة تدعم الخطاب وتمنحه الفاعلية وتفرض القيود عليه.

…………………….

([1]) عاشور، رضوى، أثقل من رضوى، ص193-194.

مقالات من نفس القسم