حاوره : صبري الموجي:
في لغةٍ شاعرة تأخذ بشغاف القلب دون أن تغفل المضمون، صاغ يراعُه دراساتٍ نقدية وأكاديمية رصينة، ودواوين شعر تموج بالخيال والصور. احتضنه مجلس العلامة محمود محمد شاكر، فتربَّى على يديه، وصُنع على عينه. اقتفى أثر شيخه في الذَّب عن حياض اللغة، وإماطة اللثام عن بدائع التراث، فصنَّف أكثر من 40 كتابا في الأدب واللغة والفكر، إضافة إلى دواوين الشعر . من أعماله: (جبال البحر، تمر أو جمر، في مقام القراءة والكتابة، الأمثال العربية القديمة: دراسة نحوية، إذا صحَّ النص، وغيرها، وكان ديوان( لبنى) أول دواوينه الشعرية). يؤمن بأنَّ المبدع هو مجموع الموهبة والصَّنعة معا، ويطالب بمرونة المبدع؛ تماشيا مع طبيعة التجربة، يحتفي في أعماله بالعقل دون إهمال العاطفة، ويدين بالفضل لوالده معلمِه الأول وأخته، وأساتذة دار العلوم، والعلامة محمود محمد شاكر . يؤكد أنَّه لا تعارض بين الحداثة والأصالة، ويطالب بالاستفادة من الذكاء الاصطناعي في الارتقاء بالدرس اللغوي .. وإلى نص الحوار مع أ د. محمد جمال صقر الكاتب الأديب اللغوي الأستاذ بكلية دار العلوم جامعة القاهرة .
في قول الحُطيْئة: الشعر صعب وطويل سلمه / إذا ارتقى فيه من لا يعلمه .. طعنٌ للموهبة في مقتل واحتفاء بالصَّنعة والقواعد .. فأيهما برأيك أكثر أهمية بالنسبة للشاعر؟
لا بقاء للموهبة وحدها، وإلا جفت وذوت وسقطت كما تسقط الزهرةُ الجافة من حضن برعمها. وطالب الشعر فيها مثل طالب الموسيقى مثلا وطالب الرسم، … لابد له من التعلم ثم الممارسة؛ فبتعلم الشعر على أساتذته من كبار الشعراء على مدار الزمان يتحول من الموهبة إلى المقدرة، ومن ممارسة التجريب بعد التجريب بعد التجريب، يتحول من المقدرة إلى المهارة؛ هذا واجبٌ لا مهرب منه، وإلا مرَّ بنا، ولم نشعر به؛ إذ لم يختص بما يخلد ذكره.
بدأت شاديا للشعر فكان ديوانُ (لبنى) باكورةَ إنتاجك ثم عرجت للعديد من سكك الإبداع والنقد .. فهل قصّر الشعرُ في التعبير عن ذاتك وإبداعك؟
بل لِنتُ لطبيعة التجربة؛ فإذا كان الشعر هو مسارها المناسب مضيت فيه، وإذا كانت القصة هي مسارها المناسب مضيت فيه، وهذا شأن أنواع النصوص المختلفة التي أعالجها، بل أعالجُ الآن أنواعا شديدة التركيب من الفنّ، يختلط فيها المرئي بالمقروء والمسموع في وقت واحد معا، وما زلت أومن بأنَّ الشعر هو ديوان المشاعر، يكفي أننا نفتش عنه كلَّ الفنون، نبحثُ عن الشعر الذي فيها!
تتباين الأسلوبية عند الرافعي والعقاد وشاكر الذين احتفوا بالعقل والمنطق، عنها عند المنفلوطي الذي أكبر العاطفة .. فإلى أيِّ مدرسة يميل د. صقر ؟
أميلُ إلى استيعابهم جميعا، ثم إضافة خبرتي، لأُخرج شيئا فيه لونُ عيني، وبصمة إصبعي، ونفثة صدري؛ فربما وجدته عندئذ يميل إلى التنسيق العقلي كما قيل لي في بعض قصائدي، وربما وجدتُه يميل إلى الاستبطان المثالي كما قيل في بعض مقالاتي، وربما وجدته يميل إلى الاستقصاء الواقعي كما قيل في بعض أبحاثي.
اتهم العلامة محمود شاكر بالعصبيّة والغلظة في النقد وهما اتهامان يتعارضان مع الموضوعية إحدى سمات النقد الجيد .. مدى تأييدك ورفضك لهذا الاتهام .. وما هي سمات النقد البناء ؟
محمود محمد شاكر، أستاذنا أستاذ الدنيا – رحمه الله، وطيب ثراه!- فنانٌ عالم، لا يخلو عمله العلمي من منزعه الفني، وهو ما يؤدي به أحيانا إلى الضجر والشدة والفتك، وما إليها من أحوال؛ فمن أراد نتاجه الفريد فليصبر على ذلك، وإلا فليتحول عنه إلى من لن يجد عنده ما يجده عنده.
والنقد البناء هو الذي إذا استوعبته عرفت ما ينبغي لك عمله في الفن إذا كنت فنانا، وفي العلم إذا كنت باحثا، ويكفيك في رؤيتي لشاكر – رحمه الله، وطيب ثراه!- ناقدا بناء، أنني كنتُ كلما عاقتني العوائق ألجأ إلى نتاجه لأستعد وأنطلق إلى تذليلها!
في رحلة دفاع شاكر عن التراث راجت شائعاتٌ عن رفضه المطلق لمفهوم المعاصرة ومعاداة الحداثة .. موقفكم من المعاصرة وهل وجودها يعني إقصاء الأصالة؟
هذا خطأ صريح شائع؛ فالحداثة والأصالة صفتان غير متضادتين بحيث تمنع إحداهما الأخرى؛ فإن الذي ضد الحداثة إنما هو القدامة، وإن الذي ضد الأصالة إنَّما هو الزّيف، وفي الحَداثيّين الأصيل والزائف، ولم يرد منهم شاكر – رحمه الله، وطيب ثراه! – إلا أن يكون الحداثيُ أصيلا، أن تتخرج حداثته في قلب الخصوصية، ولا تمتنع معها استفادة كلِّ ما يمكن استفادته من عند غيره وإضافته إلى نفسه، لا زائفا ناقلا عن غيره دون استناد إلى ثقافته الخاصة.
بدأ شاكر من الشكّ للوصول لليقين شأن الغزالي تماما .. أليس هذا عزفا خارج السرب وطعنا لفكرة تكامل النتاج الفكري والبناء على ما بدأه السابقون؟
بل أنكرَ شاكر هذا النمط من الشك المدعى فيه الانخلاع من كل شيء، وآمن بضرورة الاعتصام بأصول علم الوجود، والانطلاق منها إلى تقليب الرأي في كلِّ ما نتلقاه، لا من أجل أن ننكره، بل من أجل أن نتوصل بحسن نقده وترتيبه والاستنباط منه، إلى القول الفصل الذي نركن إليه ونبني عليه.
من أعمالك (هلهلة الشعر العربي القديم .. جزالة أم ركاكة ؟) .. عنوانٌ غامض يحتاج إلى توضيح خاصة أنَّ الهلهلة صفة ذم واستفسرت عنها بصفة مدح .. جزالة؟
بل اختلف علماؤنا القدماء في مصطلح الهلهلة، فكان منهم من اتخذها منقبة، ومنهم من اتخذها مثلبة؛ ولهذا وضعت كلمتي الجزالة والركاكة في العنوان لترديد المتلقي بينهما في الإخبار عن الهلهلة. ولقد كان المراد بهذا المقال في الحقيقة نقد الجزالة والركاكة، وتنبيه المتلقي على كثير من الدعاوى الباطلة المشهورة عن مفهوميهما، من مثل أنَّ الجزالة هي الصعوبة والركاكة هي السهولة، ولكنني دخلت إلى مرادي بعرض مشكلة الهلهلة، ولاسيما أنها متعلقة بشعر أحد كبار شعرائنا وفرساننا وأساطيرنا القديمة المهلهل (الزير سالم)، الذي قيل إنه إنما سمي مهلهلا بهلهلته شعره !
قيل إنَّ أجمل الشعر أكذبه وفي العبارة رفضٌ لفكرة المباشَرة والسطحية واحتفاءٌ بالخيال والصور .. فما هو الشعر الجيد من وجهة نظرك؟
الشعر الجيد شيء كثير، ولكنه غير مستغنٍ في أحواله كلها عن تحصيل التجربة الخاصة والتعبير الخاص، ثم في خلال ذلك يحرص على بناء الجمال على الصحة؛ فلا يهمل أصول العروض واللغة طيشا وجهلا، بزعم أنها تعوق كلمة فطرته السوية، لا بل يطمئن في أصول العروض واللغة، ثم يجترئ على ما يريد، واعيا جريئا مدهشا.
الشلل والمسابقات والمجاملات الرخيصة أسهمت في انتشار أسراب من الشعراء الباحثين عن الجوائز وهو ما جاء على حساب الإبداع الجيد .. رأيك في هذا الواقع المأزوم؟
لقد ذكرتَ علة العلل وسر الفشل؛ فقد استشرتْ التعصُّبات الانتفاعية، وتسربت إلى طوايا أعمالنا كلها فنية وعلمية؛ فأفضى ذلك إلى توسيد الأمور كلها غير أهلها، فلما صار ذلك كذلك عزف عنها من كان أولى بها من غيره، ولم يعد من سبيل إلا استمساك الجديرين بهذه الأمور بعضهم ببعض، وتصبير بعضهم لبعض، وتشجيع بعضهم لبعض، ومعاونة بعضهم لبعض، إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا؛ فلعل بعضهم أن يتمكن من أحد تلك الأمور، فيستعين بهم، وينشئوا جميعا معا عملًا يفرح به كلُّ حريص على واقع أمتنا ومستقبلها.
لم يعزف كبارُ المبدعين كالعقاد وشاكر وكذلك الغربيون كـ(سارتر) عن السياسة والتشابك مع مشكلات العصر وتوارى هذا المنهج مع مبدعي اليوم .. السبب برأيك؟
بل ما زال من الأدباء والفنانين على وجه العموم من يداخل السياسة والسياسيين، وليس شرطا لذلك أن يكونوا من المعارضين؛ فمن الأدباء والفنانين مؤيدون، ومنهم معارضون، ومنهم مستقلون، كما في علاقة فئات السياسيين أنفسهم بالحكومة، ولكنك كأنك تفتقد أصحاب الأعمال الكبيرة المهيبة، وهذا صحيح، ولعله من آثار التخصص؛ فقد صار الأدباء والفنانون مثلما صار العلماء والباحثون جميعا، يميلون إلى الاشتغال بجزء جزء الجزء من كل شيء، مشاعر أو حوازب أو جواذب!
المعركة بين الشعر العمودي وقصيدة النثر مازالت حامية الوطيس ويتطلع أنصارُ كلّ لون لحمل لواء الشعر .. فأيُّ كفة ترجح؟
لا معركة في عمق الحقيقة؛ فكل منهما في طريق، ولا غنى بأيهما عن الآخر، ولا تعجل باستغراب كلامي هذا؛ فمفهوم قصيدة النثر مطروق من قديم ولكن بمصطلحات أخرى؛ فلن أنكره لمصطلحه الحديث؛ أتُراك إذا سميتَ الماء خمرا يُعرِض عنه الصَّدْيان، أم تُراك إذا سميتَ الخمر ماء يُعرِض عنه السكران!
ألا قاتل الله المتنبي بحسن تدسسه إلى هذا المعنى، قائلا:
ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمرُ ولا تسقني سرا إذا أمكن الجهرُ
مؤخرا سحبتْ القصةُ والرواية البساط من تحت أقدام الشعر .. برأيكم أسباب ذلك؟
بل يقرؤهما قارئهما حين يقرؤهما مفتِّشا فيهما عن الشعر! نعم؛ فالشعر شيء لا يزول ولا يهمل، ولكنه يتنقل! فاصبر على القصة والرواية، واقرأهما؛ فلعلك تجد فيهما من الشعر ما لا تجده في دواوينه المعروفة، ثم افتح ذراعيك، وتلق ما يرِد عليك!
المزاوجة بين عملك الأكاديمي والإبداع مجهودٌ شاق .. وضح لنا منهجك في تحقيق تلك الموازنة؟
دعنا نتكلم هنا عن الفن والعلم، ولنتخيلهما يؤمّان غاية واحدة – وهما كذلك حقا – فسنجدهما يسلكان إليها مسلكين مختلفين: أما أحدهما فيجمع المعلومات ويرتبها على منهج خاص توصلا إلى غايته – وهذا هو العلم – وأما الآخر فيُفرَق له عن غايته مثلما يُكشف للصوفي عن حقيقته، وهذا هو الفن . ذانك مسلكان مختلفان ينبغي أن يتجهز لكل منهما صاحبُه تجهزا خاصا، أن يلبس له لبوسه الخاص، ولن يلبسه حتى يخلع الآخر، متى أراد أن يخلص المسلك؛ فهو إمَّا فنان كبير، أو عالم كبير، وربما لبسهما معا، أو لبس أحدهما دون أن يخلع الآخر تماما، فهو عندئذ إما فنان كبير عالم كبير جميعا معا – وهذا نادر- وإمّا فنان كبير عالم غير كبير، أو عالم كبير فنان غير كبير، هكذا تسير الأمور. أمَّا أنا فأنجح أحيانا في هذا، وأنجح أحيانا في ذاك، وأنجح أحيانا في ذلك، وكل أولئك أعمالي التي أتركها للمتلقي، فربما أعجبه ما أعجب غيره، وربما أعجبه ما لم يعجب غيره، على أن أفرغ أنا أولا من تحري اليقين الإخلاص والإتقان والثبات والرضا، هذه المناقب التي اتخذتها معالم أنطلق منها وأنتهي إليها وأدور عليها.
عناوين أعمالك يكتنفها الغموض مثل (سرب الوحش) وخمسينيات، وغيرهما .. نود إلقاء الضوء على هذين العنوان، وسبب شغفك بالإغراب ؟
في العنونة فني وعلمي: أما العنوان العلمي فتصريحي، وأما العنوان الفني فتلميحي، نعم، ولكن ربما اختلط في العمل الواحد المنزع العلمي بالمنزع الفني – وهو ما سبق أن ذكرته في باب المزاوجة بين الأعمال الفنية والعلمية – فكان حسنا أن تختلط فيه التصريحية بالتلميحيَّة.
وإذا كان التصريحي مباشرًا مباشرة الصَّدْع بالحقيقة، فالتلميحي مغربٌ إغراب الاستخفاء بها! وإذا كان المراد بالتصريح القطع بالوصول، فالمراد بالتلميح الإدهاش عن الوصول!
نتاجك الثري له بدايات ومعلمون أخذوا بيد صقر العربية .. شكلوا عقليته النقدية والفكرية، وأزالوا أمامه العقبات؟
قيل قديما: من لم يكن له أستاذ فأستاذه الشيطان، ولعل قائل العبارة أراد أنَّك إما أن تتعلم على الملائكة وإما أن تتعلم على الشياطين! ولقد تعلمت على الملائكة والشياطين جميعا! تعلمتُ راغبًا على ملائكة من البشر تستمع لهم أو تقرأ فتحس أنك في الجنة – جعلنا الله جميعا من أهلها – وتعلمتُ راغمًا على شياطين من البشر تستمع لهم أو تقرأ فتحس أنك في الجحيم -عافانا الله منها! – فعرفت الخير بالشر، على طريقة قول أبي فِراس:
“عرفتُ الشر لا للشر لكنْ لِتوقّيهِ / ومن لم يعرفِ الشر من الخير يقعْ فيهِ”!
لكنه يدل بيتاه على أنه عرف الشر راغبا – وهذا شأنه وحده – أما أنا فعرفته راغما! كنت كلما أعجبني شيء من أعمال ملائكة البشر تحريت أن أحوز مثله، وإذا أسخطني شيء من أعمال شياطين البشر تحريت ألا أحوز مثله! وهذه نصيحة قديمة.
أورثني أبي ميراثه الفني والعلمي، وساعدتني أختي، ونبهني أساتذتي الابتدائيون والإعداديون والثانويون، وفتحت لي ذراعيها كلية دار العلوم من جامعة القاهرة، واتسع لي مجلس محمود محمد شاكر أستاذنا أستاذ الدنيا – رحمه الله وطيب ثراه!- وزادتني الأسفار؛ فيا ما أعظم فضل ربنا، عز، وجل، وأنعم، وأفضل!
تجنح أحيانا إلى مفردات غير متداولة في لغتنا المعيشة مما يجعل بينك وبين القارئ حاجزا إلى حد ما .. فهل اللغة عندكم وسيلة أو غاية؟
كنت – وما زلت – أنصح نفسي وتلامذتي هذه النصيحة: حفظ الغريب علامة إخلاص، واستعماله علامة عِيّ (ضعف بيان). ولكن اللغة كصاحبها، أو هي صاحبها؛ إذا غمض غمضت، وإذا وضح وضحت؛ وربما تنازعتنا أحوال الوضوح والغموض نَفْسًا ولغةً! ولقد أفضت بي السن والخبرة إلى نمط من التفكير والتعبير يؤثر الإنسي على الوحشي، والعُمقي على السطحي!
التَّضفير بين الفصحى والعامية، أتراه ظاهرة صحية تثري الإبداع أم هو تعد على حياض العربية وتعطيلٌ لآبارها؟
أذكر كلمة نفيسة لنجيب محفوظ – رحمه الله، وطيب ثراه!- متاحة على الشبكة، يقول فيها: إنه كان دائما حريصا على الفصحى، وقد أورثه هذا أسلوبا أخصب من أسلوب غيره ممن استسلم للعامية، من حيث استفزه إلى تفجير طاقات الفصحى، على حين اكتفى غيره بطبيعة دلالة العبارة العامية على صاحبها.
ينبغي أن نعرف لكلتا الفصحى والعامية مجاليهما: أما العامية فمجالها المجتمعُ الخاص، وأمَّا الفصحى فمجالها الأمَّة كلها، ولكل منهما شعرها ونثرها وتقاليدها، وقد وجدنا من المعروف المقبول أن تتضمن العامية الفصحى، ومن المعيب المتروك أن تتضمن الفصحى العامية، إلا أن يكون المتضمَّن عبارة منقولة لا يجوز تغييرها.
ولن أفشي سرا إذا تمثَّلتُ الآن برواية “رباط المتنبي” للكاتب المغربي حسن أوريد – وهو على أمازيغيّته مغرم بالفصحى إلى حد بعيد – كيف استغلقت عليَّ فيها بعض التعبيرات المغربية التي لم يستطع أن يستعيض عنها!
ألا يعرف الكاتب بالفصحى أنه يخاطب الأمة العربية، وأن أسلافه شركاؤه، إذا قال كلمة شهد عليه امرؤ القيس والمتنبي والمعري والجاحظ والتوحيدي…، مثلما يشهد عليه اليمني والعماني والعراقي والشامي والمغربي .
وبالنسبة للدرس اللغوي في الواقع الأكاديمي .. حدثنا عنه بين الواقع والمأمول وهل تراه معدا لإفراز خريج قادر على التعامل مع النص الإبداعي أم أنه بحاجة إلى تعديل ؟
ينبغي أن نتفق أولا على أن نهضة الأمة نهضة واحدة، يتفرق دمها في القبائل، ومهما قيل من توفيق في شيء دون شيء، تظل الحاجة ماسة إلى التوفيق العام الذي ينقل الأمة حالا بعد حال، وينبغي أن نتفق ثانيا على أولوية التعليم؛ فهو الذي إذا صلح، صلح الجسدُ كله، وإذا فسد، فسد الجسدُ كله! وينبغي أن نتفق ثالثا على أن إصلاح التعليم كما قال أبو العتاهية:
“لن تُصلح الناس وأنت فاسدُ / هيهات ما أبعدَ ما تُكابدُ”!
و يا ما أحسن كلمة الرئيس السادات التي قالها بَدْأَةً في بيان حركة الجيش عام 1952: “أصلحْنا أنفسَنا”! كيف تنتظر صلاح تلامذتك ولا خيل عندك تهديهم إياها ولا مال، ولا نطق ولا حال!
ينبغي أخيرا أن نتوقف في أنفسنا، ونستقطب خيارنا المنتثرين في أرجاء العالم، يشاركون في تنمية الأمم وأمتهم أحوج إليهم، ونمكنهم وحدهم من منصات قيادة تلك الأمور الذي ذكرناها من قبل، ونشجعهم، ونفرح بهم، ونصبر عليهم.
ولن أخلي الختام من كلام صريح فيما ينبغي أن يشتغل به اللغويون من المشاغل البحثية العلمية، فهذا زمان توظيف الذكاء الاصطناعي في خدمة الذكاء الطبيعي، ينبغي ألا نترك أعداءنا يُحَوْسِبون لنا لغتنا ويبرمجون أجهزتنا الثقافية، حتى إذا ما وظَّفنا آليات الذكاء الاصطناعي أنتجت لنا ما يهدم علينا أصولنا اللغوية ويفسد علينا حياتنا الثقافية! ينبغي أن يتجه شباب الباحثين اللغويين هذا المتَّجه، فيحوسبوا هم لغتنا، ويبرمجوا أجهزتنا الثقافية، ليمكنونا من خدمة حضارتنا العربية الإسلامية التي لا يعرف الناس حتى حَمَلَتُها، أنها السبيل الوحيد إلى عودة الإنسانية إلى هذا العالم الوحشي، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!












