محمد العبادي
ربما لا يحتاج القارئ أن يعرف اسم مؤلف مجموعة “دموع الألوفيرا” ليعرف أنها من ابداع امرأة، فمجموعة الكاتبة “مرفت يس” هي مجموعة أنثوية بامتياز، المرأة هي “البطل” الحقيقي للمجموعة منذ النص الأول وحتى الأخير، المرأة بصورتها الشاملة: أم تارة أو إبنة، أخت أو زوجة، لكن في كل الأحوال هي “هي”.. هي المرأة بكل مشاعرها وعاطفتها وغرائزها، من الصفحة الأولى تنبئنا الكاتبة أننا أمام تجربة مختلفة، التصدير القادم من عالم “عزت القمحاوي” يبدو أقرب لإشارة بداية تنبئنا أننا مقبلين على عالم المرأة، تحديدا عالم المرأة المقهورة التي تتآكل أحلامها يوميا لتتحول إلى “كوابيس اليقظة”، وتعيش غربتها حتى داخل جدران المنازل.
النص الأول “ألوفيرا” هو مفتتح ممتاز لهذا المشروع، نص ترويه أنثى عن معاناة أنثى، تعرض الراوية لمعاناة أختها الأكبر التي شبهت حياتها بالزهرة: تصل لقمة بهائها ثم تبدأ في تساقط أوراقها.. حتى الموت، في النص تنمو الزهور سريعا ثم تسقط، ينما تعيش الألوفيرا “الصبار” طويلا مع ما تحتويه من مرارة وأشواك.
ورغم اختلاف الرواة عبر نصوص المجموعة، ما بين راو مشارك وراو عليم، بل وتعدد الرواة داخل نفس النص، تبقى “المرأة” مسيطرة على السرد، حتى إن وجدنا راويا مذكرا في بعض النصوص لكن تبقى المرأة في بؤرة الحدث، أو لنقل: في بؤرة المعاناة.
حتى في النصوص التي استخدمت فيها الكاتبة الراوي العليم، يوجهنا هذا الراوي تجاه المرأة، فمنها وإليها تعود الأحداث، في نص “روبوت” مثلا نجد الشخصية الرئيسية هي امرأة ممزقة بين دورها كزوجة وأم وبين عالمها الخاص بالكتابة والكتب.. عالم صغير مختبئ تحت مرتبة السرير، عنوان النص هنا منتقى بذكاء ليكون عنوانا مكملا للنص، وكأن المرأة هنا منقسمة لقسمين، الأول بلا شخصية ولا فكر ولا أحلام: روبوت يقوم بطلبات البيت والأسرة بدون تفكير، والقسم الآخر المختبئ هو المرأة المثقفة الكاتبة. وفي “حينما يأتي الموعد” الذي يبدو لأول وهلة نص عن رجل يقترب من الموت إلا أننا نكتشف هنا أيضا أنه نص عن المرأة.. المرأة المغدورة باسم الشرف، رغم أن الحقيقة الخفية أن قتلها كان باسم المصلحة من أخيها الذي انتفع من وراء الجريمة التي ارتكبت في حقها.
أنثوية المجموعة هنا ليست مرتبطة فقط باختيار المواضيع أو تقديم الشخصيات، بل تبدو الأنثوية أيضا في لغة النصوص، من جانب نلاحظ أن السرد له طبع أنثوي، فنجد الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة والتعامل معها بشكل حميمي دافئ، ومن جانب آخر عمدت الكاتبة الي اختيار كلمات النصوص قادمة من عالم المراة، سواء في اختيارها للعناوين أو في الألفاظ المستخدمة داخل سرد النصوص نفسها، لكن رغم هذا الاهتمام الانثوي بالتفاصيل تظهر حرفية الكاتبة في نجاحها في الالتزام بقالب القصة القصيرة، وما يفرضه من تكثيف ووحدة للانطباع.
هي مجموعة أنثوية وليست “نسوية” فرغم أن المرأة هي الموضوع الأساسي لمشروع “دموع الألوفيرا” إلا أن المرأة في كتابة مرفت يس قد تثير الجدل إن حاولنا تأويلها من منطلق “نسوي”، المرأة هنا من لحم ودم، لها مشاعرها ورغباتها الجسدية التي يعرضها الراوي بلا خجل، ففي نص “وسادة” ورغم نجاح المراة في الحصول على استقلالها وانفصالها، إلا أن الراوي يعرض لحرمانها الجسدي، كذلك في “خروج” تعترف الراوية لنفسها أن انجذابها الجسدي لزوجها حولها في النهاية لجارية له بلا شخصية، هذا العرض للجانب الجسدي من المرأة قد يتعارض مع بعض الآراء ” النسوية” لكن رأيي أن هذا العرض الشجاع هو الأجدر، فليس من المنطقي أن نكتب المرأة على شكل تمثال من الرخام خال من الرغبة والإحساس.
………………….
*دموع الألوفيرا. مرفت يس. ميتابوك للنشر. الطبعة الأولى 2023