دستينو .. جنون عالمٍ تحكمه المادية!

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

ولاء الشامي

حينما تفتنك رواية ما وتكون أول ما قرأتَ لكاتبها، يظل الفضول يُلح عليك بعدها ويراودك لتقرأ مرة ثانية لهذا الكاتب ؛ لتحدد هل كان تقييمك في المرة الأولى موضوعي أم أن الرواية جاءت جيدة بضربة حظ وما بعدها سيخذلك أو سيغير رأيك، بالنسبة لكاتب لم تخبر قلمه سوى مرة يكون لزاما عليك كقارئ أن تمحص تقييمك.  

 بعد"التدوينة الأخيرة" وعالمها السحري المتخيل تصدمني "دستينو" وهي الرواية الثانية التي أقرؤها للقرملاوي بعالم واقعي غارق في كفره بالمبادئ والقيم آخذا من المصلحة والنفوذ والمال دينا له. لعبة وقحة بطلها " الرجل الأبيض " كرمز للرأسمالية التي تكتسح كل شئ، كما تأسست أمريكا تماما بالتطهير العرقي تأسيساً خالٍ من كل القيم الإنسانية، فمن يملك ما يبيعه يكون الأقوى على الدوام "الأقوياء لا يدَّعون.. عندما يسعون لافتراءٍ ما، يُعلنونـها صراحةً، لا يوارون، قد يضعون العناوين البراقة والشعارات الـمُلتهبة لينالوا المزيد من التصفيق، ولكنهم بصراحةٍ يعلنون: سنقصف العراق، سندكُّ جبال الأفغان زارعي الـمُخدِّرات، حاملي الأسلحة الـهزليَّة والعمامات الـمُضحكة، سنفقأ عين جالوت، سنسخر من مقام الحجاز، سنضرب العُربان تحت أحزمةٍ تربط خناجرَهم إلى كروشٍ مُتدلية، وبعدها ربـما نضطر لأن نشُقَّ كروشهم بالخناجر تلك، كي نفرغها من زيتها الأسود ..هكذا يُعلنها الأقوياء، صريحةً وساخرة."

 في ليلة واحدة ، ومن خلال حفل تنكري من تنظيم مؤسسة أميركية، تتغير مصائر أبطال الرواية ربما إلى الأبد، يُفاجأ الجميع باضرارهم لخوض مسابقة "دستينو" – دستينو تعني القدر-، وبضربة قدرية تُقلب الأمور رأساً على عقب، يساق سبعة أشخاص يقع عليهم الاختيار ليجبروا على خوض اللعبة والثمن مكافأة باهرة ولا ذنب لهم سوى دخولهم دائرة الكولونيل، تبدأ اللعبة وتبدأ معها كل معاني الإهانة والاحتقار لقيمة الإنسان، ففي نظام " الرجل الأبيض " ماهو إلا مفعول به عبد مسخر ليخدم المصلحة وسطوة النفوذ .

حتى لا يلاقوا مصير الشخصية التي تنكروا في زيها أكملوا المسابقة على مضض  بداية ، ثم ما لبثوا أن وجدوا في أنفسهم رغبة في مواصلة اللعب لتحقيق مطامعهم الشخصية ، حتى يلغي البعض إنسانيته ليفوز بالمادة .(كلنا فاسدون.،لا أستثني أحدًا , حتي بالصمت العاجز الموافق قليل الحيلة)تجعلك الرواية تنظر هكذا لأبطالها فالكل فاسد والكل يتحين الفرصة لينقض على الأضعف لينال أكثر مما نالوا.

"صدمت في البعض..أو بالأحري في الجميع باستثناء البعض. فأوليتهم ظهري وسعيت مغاضبا في اتجاه شحيحةٌ هي الخيارات، مستحيلةٌ هي العودة، فالساعة لا تعود إلي الوراء .إن أرجعتَها عنوةً ، فلن يطاوعكَ الزمن.بل سيُكمل طريقه نحو تحوُّلكَ الشامل،وعذابك المستقر،ولن يعبأ بمشيئتك."

ممدوح الرحال -أو "الكولونيل" كما يفضل أن يسميه المقربون- يتحول من أقصى اليمين لأقصى اليسار يبيع مبادئه ولا يقبض ثمن،يضيق على نفسه الحصار ويخنق دائرته،معللا بأن الخيارات شحيحة،ينساق إلى جحيم سطوة "الرجل الأبيض"بمحض إرادته ،يظن أن النفوذ والسلطة والمال بعضا من كرامته المهدرة ، ميكافيللية خالصة يتبعها الكولونيل،لاشئ سوى المنفعة الخاصة والرغبة المسيطرة عليه للمكسب فحسب،يتبع سبيل التنمية البشرية وظن نفسه قد سيطر على كل من حوله ثم يتأكد كذب مسعاه .

 الرحال هو مثال على عالمنا المحموم بصراعات دونيه منحيا جميع المبادئ الإنسانية السامية والأهداف الهامة . "فما بال الناس يداومون على تسمية أبنائهم بإسم قابيل ؛ بينما لا أذكر أن قابلت شخصا مرة يدعى هابيل ؛ مما يدل على إعتراف البشر بمبدأ قابيل"

أما راجي فرمز مضاد لكل ما هو مادي ونفعي ، يؤثر داليا حبيبته على نفسه ، ويعرض نفسه للخطر في سبيل إنقاذه من اللعبة التي تأبى إلا أن تفترس لاعبيها .

قلما تجد رواية عربية قد تناولت هذه الفكرة أو ما شابهها متماسكة بالدرجة المطلوبة، بالحد المقبول تماسكت هذه الرواية.

رغم منطقية النهاية واتساقها مع الأحداث إلا أنها لم تكن بقوة البداية ، إنك تشعر بأن الشخصيات غير فاعلة يتحدد مصيرها لتشاهده هي وكأنها عرائس ماريونيت موجهة نحو مصيرها بلا أي سعي نحو التغيير .


-
تفتكر يونس عاش ازاي جوه بطن الحوت ؟
-
حضرتك انا مفكرتش في قصة سيدنا يونس قبل كده ، وكنت جاي عشان آخد رأي حضرتك في حاجة مستعجلة .
-
يونس قدر يعيش في بطن الحوت عشان كان راضي عن مصيره ، شايف انه يستحقه .. حتى في دعاءه لربنا ، كان بيلوم نفسه على خياراته ، وكان من جواه موافق ان وضعه ده يستمر ..

فمن ماهيزو في التدوينة الأخيرة وضعف موقفه رغم امتلاكه لكل أدوات الثورة وقدرته على السفر لأرض العصاة المحرمة تصطدم هنا أيضاً بشخصيات تركن إلى الاستسلام والسلبية ، وبسؤال الكاتب أجابني : "بتأمل رواياتي الثلاث الأولى، أدركا أن أبطالي يشتركون في مواقف انسحابية لا تتسم بإيجابية كافية في بحثهم عن حلم التغيير. وقد يكون في تلك الصفة انعكاس لمواقفي الشخصية، أُسقطه على أبطالي الإصلاحيين. فأنا أعتقد أن درس الثورة المصرية علمني صعوبة قيادة الجموع لتغيير حقيقي ضد معتقداتهم الأصلية مهما بدا الموقف منطقيا من خارجه، حيث ولدوا وتكون وجدانهم داخل صندوق مغلق من الأفكار، قالب فكري متماسك يحكم منطقهم بطريقة قد تخالف تماما منطق المتأمل الخارجي " .

قلت من قبل أن القرملاوي يكتب كساحر وتأكد لي هذا بعد هذه الرواية سحر ينتابك وعصاه تقيدك ،والدليل أني أنهيت هذه الرواية في جلسة واحدة وهو ما لم أتوقع أني سأفعله أبداً .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 كاتبة مصرية 






مقالات من نفس القسم