حوار مع الشاعر والمسرحي الإنكليزي وليم شكسبير

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 50
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

كتابة وحوار: أسعد الجبوري

لم يكن قدره أن يكون كاتب مسرحيات، تعلمها من الآلام والخيانات والجوع والمرض والصراع الكوني على العروش، بل تعدى دورهُ خشبة المسرح، ليكون منصة شعرية للغناء المبثوث مع الريح في تلك الفضاءات التي قضت الأوضاعُ أن تختبرهُ لغةً وتمثيلاً وتعبيراً في ما يُسمى بناء العالم كمسرح شمولي.

كان موعدنا مع وليم  شكسبير (15641616) في منطقة تُسمى بـ “خيمة الحياة”  بعد منتصف الليل. وحدث ذلك دون عقبات. فما أن وصلنا إلى هناك على ظهر ذلك الزورق الإلهي الذي يشتغل بطاقة التنفس، حتى وجدنا المسرحي والشاعر وليم، وهو يدخن الأركيلة بصحبة عشرات الفتيات الساحرات اللائي كنّ يحتسين معه الجعة بانتعاش واضح.

لم تمنعنا تلك الطقوسُ من إجراء الحوار مع الرجل الذي سرعان ما طلب من الفتيات التزام الصمت أو الذهاب إلى حقول الغيوم المغناطيسية. أصابتنا الدهشةُ مما كان يجري حول  شاعر مُمَسرحٍ مثل شكسبير في تلك الأثناء. لذلك لم ننتظر طويلاً.

فتحنا معه الطريق إلى الحوار بالسؤال التالي:

■ عندما اخترتَ الأرضَ مسرحاً وجودياً لمخلوقاتك المتنافرة. كيف عشت معهم هناك؟

ـــ يوم كنت ممثلاً ثانوياً، لم أدرك بادئ الأمر، إن المسرح الذي صعدتُ على خشبته، سيتحول فيما بعد إلى سرير شعري في الجحيم.

■ لماذا حدث ذلك، هل بسبب اللعب بجرائم الوقائع؟

ـــ ربما. فلم يصمد عقلي من صدّ موجات توسنامي التي كانت تحمل لرأسي أمواجاً من الجرائم النائمة في أعماق البشر.

■ هل من أجل ذلك أطلق عليك بـ“شاعر الوطنية” و “شاعر أفون الملحمي” على سبيل المثال؟

ـــ لا. ليس من أجل ذلك بالطبع، إنما لأنهم اكتشفوا بداخلي تلك القدرة التي تستطيع تحويل بذرة الآمال السوداء إلى زهرة رومانسية قابلة للزراعة في النفس وفي التربة على حد سواء.

■ كم كان تأثيرات مدينتك “ستراتفورد أبون أفون “ على تجاربك الأدبية؟

ـــ الشئ الكثير بالطبع.  فقد رُفع الغطاء عن رأسي هناك، لتملأني تلك المدينة الزخم الفني الحادّ.  بعبارة أدق، هي من أدخلتني في مدار العواصف.  

■ عواصف الورق أم الأرواح؟

ـــ كلاهما. فما الأرواح إلا نسخاً من ورق إلهي ما يزال غامضاً.

■ هل السيد شكسبير مؤمنٌ في معتقدك الديني؟

ـــ الديانات كوميديا سوداء. وأنا لم أضع قدمي على باب كنيسة. وإذا ما كنت مؤمناً، فأنا أعرف متى أقيم له الصلوات وفي أي مسرح وأين.

■ أليس هذا تجديفاً؟

ـــ الحكي عن القتل والصراعات الدينية والمآسي التي ترسخت في العقول،  لا تعد تجديفاً أو كفراً. بالعكس. فالربّ يأمرك أن تفتح في رأس الطاغوت نافذةً للتنفس. وإن استعصى الأمر عليك، فيكون من الأفضل رمي جمجمة الظالم بحجارة أو بسهم.

■ هل من أجل ذلك نقلت مآسي هاملت وعطيل والملك لير وما كبث إلى روح الإنسان الشعرية على الرغم من شراسة الشر ونموه في الداخل البشري العميق؟

ـــ أجل. وكانت غايتي،  أن أهزّ شجرة الرماد التي كانت قبل ذلك جسداً آدمياً مملوكاً للآلام والخراب والتسويف والقهر والإرهاب.

■ لماذا تظهر الحياة كما لو أنها كوميديا تراجيدية برأي شكسبير؟

ـــ لأن الجنازة المرمية على الأرض، لا تنبعث منها رائحة الثوم، بل الزفير الحارّ للدم المهدور بالمجان. الأرض، ومثلما بدأت بجريمة مبكرة ما بين هابيل وقابيل، سوف لن تنتهي إلا بالموت الجماعي.

■ القنبلة الذريّة تقصد؟

ـــ لو كان عند عطيل قنبلة من ذلك النوع، لاستخدمها بقتل الوحش الذي كان داخل نفسه،  بعد أن اتضح له بأن تدنيس طهارة زوجه ديدمونه،  كان عملاً مدبراً من قبل القائد كاسيو. وما كان عليه خنق حبه أبداً.

■ هل يمكن تطهير الخطيئة بالشعر؟

ـــ خطايا الحب فقط.

■ لماذا خطايا الحب على وجه التعيين. هل في هذا الاستثناء ما يقود إلى شيء هام؟

ـــ أجل. فالشعر قلبُ الحب وجلدهِ بالضبط. وكل خطيئة حبّ، سرعان ما تكبر في قلب العاشق، لتخرج بعد ذلك من مسام جلده، وإلا الانفجار والهلاك.

■ هل مرّ شكسبير بمثل تلك التجربة؟

ـــ أبداً. لقد زوجنّي أبي في الثامنة عشر ة من آن هاثاواي التي تكبرني بسبع سنوات مبكراً لتلافي فضيحة حمل غير شرعي.  

■ قيل أن بعضهم أجبرك على الزواج من هاثاواي، لتضع طفلتك (سوزانا)بعد ستة شهور من ذلك الزواج؟

ـــ ذلك ما حصل.  بعدها أنجبت لي توأمين (هامنت وجوديث) في 2 فبراير 1585.  

■ وبعد ذلك بدأت مرحلة الانفصال، فهجرت الزوجة والعائلة، ولجأت إلى التمثيل في مسارح لندن؟

ـــ لم يكن أمامي إلا التخلي عن عروض المسرح العائلي، والانتقال إلى مسرح الشعب. تلك هي الجمرة التي أشعلت موهبتي، لتنفجر بكل الطاقات.

■ هل تأتي المواهبُ من الفراغ؟

ـــ ماذا تعني بالضبط؟

■ أقصد أن والدك سحبك من المدرسة المجانية  نتيجة ظروفه الاقتصادية بعد المرحلة التي عاش فيها مسؤولاً عن أمن المدينة وعضواً في مجلسها وذائقاً للجعة.  

ـــ لقد وقع أبي في أكثر من شرك، لينال منه الإفلاسُ أولاً، وليصنف بأنه من الرجال الملحدين، ممن  يستنكفون الحضور للكنيسة لتأدية الصلوات. ولكنني ثأرت له بعد وفاته، فاسترجعت بعض أملاكه وحقوقه المدنية. إما فيما يخص تربيتي وتعليمي، فاشهد أنني مررتُ بمراحل حياتية صعبة، أجبرتني على أن أتعلم النزر اليسير من اللاتينية واليونانية كما قال ذلك عني (بن جونسون ) وهو يستعرض أحوالي العامة.    

■ ثمة ملاحظات لريتشارد ديفيز، دوّنها عنك، أكد فيها بأنك كنت “ كثيراً ما كان سيئ الحظ في سرقة الغزلان والأرانب،  وبخاصة من سير توماس لوسي الذي كان غالباً ما يجلده بالسوط أو دخول السجن “ هل كنت لصاً للحيوانات؟

ـــ كنت كمن يجرّب أن يكون شاعراً في محاكاة الطبيعة، وماهراً بالصيد أو بسرقة –الحيوانات- أو ما يمكن تسميتها بالأملاك المسروقة من الطبيعة والمحجوزة عند الغير. بعبارة أدق، كنت أتشبث بصناعة البطولات المسرحية دون خوف.  

■ هل كان شكسبير مُزوِّرِاً للأعمال الأدبية أم مُزوّرَاً؟

ـــ هذا سؤالٌ متعبٌ وتافهٌ. ومثلما هو سخيف، فطالما فتح في نفسي الطريق الواسع للضحك. إذ كيف لشخص غير متعلم أو ضحل التعليم والثقافة، أن يحقق في حياته القصيرة كل هذا المنجز المسرحي والشعري؟؟

صحيح. فهل حدث ذلك نتيجة الضغط النفسي للدم التراجيدي الذي كان يجري في عروق شكسبير، بعيداً عن فكرة أن تكون مؤلفاً منتدباً، يتحمل أوزار كاتب آخر؟

ـــ تعني إن شخصاً يؤلفُ ويكتب مستعيراً اسمي؟!!

■ ذلك ما تتحدثُ عنه الوقائع والإشاعات والتقارير.

ـــ كل تلك الأفكار  والتصورات والتخيلات المريضة،  عادةً ما تأخذ طريقها إلى صناديق القمامة. فلم يكن سوايّ محكوماً بالمآسي التي أغرقت البشرية بآلامها على مسارح العالم. نقطة على السطر.

■ لماذا يفترس رأسكَ الهوسُّ بكل هذه العواصف التراجيدية المهولة. هل كنت مريضاً بها؟

ـــ لا أعرف. ولكنني اشعر بأن كائنات تخرج من رأسي ليلاً، لتتناول الجعة معي على طاولة تشبه صحراء شاسعة تملأ رمالها الأفاعي.

■ ومن أجل تلك المشاهد التي تزدحمُ تحت جمجمتك، جعلت من المسرح مستشفى للأمراض العصبية؟

ـــ كلّ غير مؤمن بالمسرح، ملحدٌ.

■ ملحدٌ بماذا يا شكسبير؟

ـــ بالشعر.

■ أنت كمنْ يحاول أن ينقل الشِعرَ إلى الجرائم بقطارٍ ضال، ومن بعد ذلك يُمسرحهُ على طريقة مكبث الذي هبط بخنجره على قلب دانكان ملك اسكتلندا، ليستفرد بالعرش.

ـــ وماذا يريد الشاعر غير أن يكون طاغيةً، تحيطُ به السيوف والرماح والدبابات والصواريخ والجماجم والقردةُ والأبواقُ؟!!

■ لا تبدو ثقافتك إلا تعبيراً عن حياة القراصنة بمعاركهم البحرية ومشاعرهم الملتهبة باحتلال خطوط المياه وموانئها.  هل كنت عنصراً من جماعات الفايكنغ بالقتل وبالسبي والسرقة وقطع الرؤوس يا شكسبير؟

ـــ أظن ذلك. فالشجاعة تجعلني منتمياً افتراضياً لمجموعات فرسان البحار التي تحدثت عنهم وأسميتهن بالقراصنة أو الفايكنغ.  أنا محارب من أولئك، إن لم أكن سفينةً لهم.

■ ولكنك لم تكتب توضيحاً عن ذلك، يومَ عشت في الدنمرك، وكتبت هاملت في قلعة كرونبورغ الواقعة في بلدة هيليسينكور الدنمركية.

ـــ عندما كتبتُ “هاملت”لم أكن وقت ذاك واعياً لما فعلته من جرائم تراجيدية عظيمة، لم تتوقف حتى هذه اللحظة. لقد صنعت للمسرح موتاً شاقاً. موتاً مركباً ومتداخلاً وشنيعاً. أشهر مسرحياته عالمياً،  وصور فيها الوضع الإنساني من عظمة وجبروت وضعف في الوقت
ذاته.  تحكي «هملت» قصة الأمير الدنماركي الذي يقع ضحية إجرام عمه وضعف أمه وحقيقة
أن والده قُتل على يد عمه.  يعيش هملت في حيرة وضياع في صراعه بين تردده في اتخاذ
قرار الانتقام والإقدام عليه واندفاعه الذي يحطم كل من حوله.  ولايزال صراع هملت
المرير وتردده يشغل الكثيرين من النقاد والمفكرين وعلماء النفس والكتاب،  ويولد
جدلاً زاخراً بالتفسيرات والدراسات والاجتهادات التي ماانفكت تضيف إلى الإرث
الكبير من النقد الأدبي لهذا النص ولأعمال شكسبير عامة.  وتعد «هملت» الأهم بين
أعمال شكسبير من حيث استخدام اللغة،  إذ تعكس لغة المناجاة الداخلية dir=LTR>soliloquy والتحليل ومخاطبة
الجمهور في حديث جانبي”

■ وهل من أجل ذلك دخلت الشعر من باب “السونيتات”  تكفيراً عما فعلته من عنف تراجيدي في أغلب المسرحيات التي ألفتها؟

ـــ لقد قرفتُ حياتي من طقوس المسرح وعوالمه القائمة على الميلودراما المفزعة، لذلك حاول إصلاح الروح بالشعر الغنائي، تنظيفاُ للرماد الذي خلفته جرائم النصوص التي نقلت حروبها من الورق إلى صلب الحياة، فكان المسرح عرضاً لعضلات الشر.   

■ هل وقعت بالحبّ، لتمضي بكتابة ذلك النوع من الشعر الغنائي صاحب الأطياف الغرامية ما بين المحب والمحبوب؟

ـــ ليس هو الحب بالتأكيد. ولكنه الطاعون.

■ الطاعون حباً مجازياً تعني؟

ـــ لا. ولكنه الطاعون المرض الذي اجتاح انكلترا، وأدى إلى إغلاق مسارح لندن بين ة 1593 _ 1594 وقطع أنفاس المسرحيين برياحه القاتلة.

■ ثمة من يؤكد أن الكثير من السونيتات تتضمن انعطافات واسعة في حياتك. فـ “  الجدل الأهم الذي عرفته تلك الأبحاث يتعلق بحقيقة غزل الشاعر بالشاب الارستقراطي ودلالته من حيث علاقته بالشذوذ الجنسي. “ ما تعليق شكسبير؟؟

ـــ قد يكتب شاعرٌ ما قصيدة بيضاء، ولكنها تتضمن خيطاً أحمر رفيع من الانحراف العاطفي. لا أعتقد بأن ذلك خطأ استراتيجي يقوم على مرض بيولوجي بعينه.

■ ولكن..  ألا يؤيد هذا الشعر المثلي، بأن قصة هروبك من حياتك الزوجية في مدينة “ستراتفورد أبون أفون “ إلى مدينة مفتوحة مثل لندن، لم تكن تحت ذريعة الانشغالات المسرحية؟!

ـــ ليس الأمر مهماً كما أرى، فيما لو اعتبرنا الشذوذ جزءاً من التراجيديات التي تخص المسرح.

■ أنت بدأت بكتابة نصين شعريين  «فينوس وأدونيس» و«اغتصاب لوكريزي».  و” بحسب بعض نقَّاد شكسبير،  يجنح النصّ الأوّل نحو التصوّف والبراءة،  والحبّ العذري.  وذلك،  عبر رفض أدونيس للمساعي الجنسيَّة لفينوس.  بينما في النصّ الثاني،  هناك فعل جنسي فاحش.  وكلا النصّين هم في الوجد والحبّ والجنس والأخلاق والقلق والحيرة والوجود. “ هل أنت مع هذه النظرة الخارجية لشعرك؟

ـــ كل قصيدة تشبه بْرُوفة ملابس لقياس الجسد جمالاً وروحاً ومعنى. فالجسد الذي لا يفيضُ بالشعر،  لا يستحقُ الكتابة عن تفاصيله.    

■ لقد جعل شكسبير من السونيتات،  أشبه ما تكون بالمنازل الخاصة بالمتأملين المصابين بملوثات العشق والشهوة والخوف والعدم. لماذا فضلت الكتابة بتلك الطريقة؟

ـــ فعلت ذلك، لأن الشعر، هو المسرح الداخلي التي تؤدي على خشبته الأنفسُ البشرية أدوارها البطولية في الحب والعنف. في الدم وفي العطر. في الكلمة وفي الرصاصة. فأن يكون المرء شاعراً، فهو متأملٌ عميق للوجود، وليس مجرد مُسطر للكلمات.  

■ لماذا انتقدكَ روبرت غرين، عندما وصفك بـ “ مجرد ممثل يتعدى على مهنة الكتابة. “ في حين  امتدحك الناقد – بِن جونسون-  معتبراً إياك المصور “الصادق للطبيعة البشرية” على الرغم من عدم  التزامك القواعد التقليدية (الكلاسيكية) في الكتابة “؟

ـــ لا أحد يشبه نقاد انكلترا أكثر من رعاة المواشي في السهول. فأن تضع بين أصابعهم العصيّ، فذلك أكثر لذّة عندهم، من أن تضع أعينهم على كتاب تجريبي. هم حكماء العهود السلفية، ونادراً ما يشتهون النصوص الجديدة.    

■ وهل أصبحت ضدّ أسلوب الشاعر الايطالي “بتراركا Petrarca “ في تأليف السونيتات؟

ـــ لقد مضيت بالسونيتات في غير المجرى الإيطالي الذي سبق وأن كتب بأسلوبه شاعر ايطاليا “بتراركا”. أنا حاولت أن أتحرر ولو قليلاً من الزمن الإيطالي ومن تلك الروح المستندة لطقوس العشق والجنس والهلاك الغرامي ما بين خطي الحضور والوداع.   

■ماذا سيحدث لسونيتات شكسبير،  لو اقتحمها عطيل أو ماكبث أو الملك لير؟

ـــ كل هؤلاء لا ينتمون إلا لشعر النار والحرائق والسيوف. وليس بإمكاني ضمانة أحد من هؤلاء الذين تتدفق في أوردتهم العواطف العظمى و المآسي التي تصنع في الرؤوس بيضها، كما لو أنها شموس غير قابلة للانطفاء.

أنت في السماء الآن. غادرت قبرك وأصبحت بين يدي الله. هل تعتبر الموتَ مسرحية كوميدية لا تنتهي إلا بتذويب اللحوم والعظام؟

ـــ لم أر في السموات سوى حركات المواكب الجنائزية وهي قادمة من الأرض.

■ كأنك ذلك الأوروبي مُغتَرباً عند الله؟!!

ـــ لا تسرف بالأسئلة كثيراً.  ففي كل سؤال حفرةٌ، وقد أقع فيها، ومن ثم تبتلعني السماءُ، وأعود ثانية للأرض.

■ أليس شيئاً جميلاً أن تحزم قبرك، فتعود للأرض من جديد يا شكسبير؟

ـــ وماذا أفعل على الأرض اليباب التي خلفها ت. س. إليوت للبؤساء. لم يبق لي هناك مأوى أو مسرح أو منصة السونيتات. لقد باتت العودة للأرض حلماً.   

■ ما من شاعر إلا ويشكو  من فراغ هنا، مثلما كان يشكو من الفارغات هناك. هل هذه هي طبيعة الشعر التي تُفرغ صاحبها الشاعر من محتوياته، لتبقيه خاوياً إلا من حرائق اللغة مثلاً؟

ـــ ليس ذلك الأمر معياراً ينسحب على شعراء الأرض، بل يعني شعراء المخيّلة وحدهم، أولئك الذين يرفضون التعامل مع الزمن كعلبة فارغة، لأنهم ورثة المعاني الممتلئة بالصخب والآلام والحرية والأرواح الشيطانية التي يغلب عليها الطابع الشعري الساحر.

■ هل مررت بمرحلة الشيطان؟

ـــ أجل. وفي أكثر من مرة. لقد وضع المسرحُ بداخلي أكثر من بيضة للخيانة. ولذلك تكاثرت الأرواح الشريرة في روحي وفي النصوص على حد سواء.

■ وأين موقع الحبّ في حياتك؟

ـــ في التراب الذي عدتُ إليه مع ملايين من الديدان التي سبق وأن أرجعتني صفحةً من العدم في مقبرة الله.

■ هل التقيتَ بالمخرج قسطنطين ستانسلافسكي هنا؟

ـــ أبداً. فقد قيل لي أنه لم يخرج من مكان دفنه في “نوفو ديفتشي “ القريبة من موسكو بعد.  

■ وماذا تراه يفعل في تلك المقبرة برأيك؟

ـــ ربما ما زال ينتظر وصول ميخائيل غورباتشوف إلى المقبرة، ليدرّبه مع الموتى على الخروج من خديعة  البيريسترويكا.

ولكن الانتظار قد يطولُ،  بعد أن أصبحت الفودكا الروسية هي الأخرى، علماً وعولمة من العلوم التطبيقية في العالم المعاصر.  

ـــ لا خوف على مسرح الموتى. فكل أبطاله تراجيديون من الدرجة الأولى. وكما أعتقد، فقد يكون ستانسلافسكي قد كتب لعشاق الكرملين مسرحيةً جديدةً: “ اخرج من جثمانك حبيبي لينين “.

■ هذا يُذَكّرنا بقانون نفي النفي.  ولكن ما علاقة  مفهوم النفي الديالكتيكي بجثمان الرفيق لينين؟

ـــ المسرح السياسي ليس غير.

■ وهل لدى شكسبير مفهوم عن المسرح الإلهي؟

ـــ أغلبُ ظنّي أنّ الربّ هو من جعل الأرض مختبراً مسرحياً بالدرجة الأولى.  

■ والديكور؟

ـــ ليس غير النساء هنا وهناك. فأنت لو جمعت ما بين تربة السماء وتربة الأرض، لوجدت إنهما عبارة عن فائض شهوة، تتشكل منها الأشياء والكائنات.

■ هل وضعَ بيدكَ أحدهم مفتاحَ الجنة؟

ـــ أجل. وكان مفتاحاً هُلامياً من الجيلاتين.

■ وماذا فعلتَ به؟

ـــ فتحتُ به نفسي لأستريحْ.

مقالات من نفس القسم