حوار بين أحمد يماني وياسر عبد اللطيف

82.jpg
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

ياسر عبد اللطيف

طلب مني الشاعر الصديق محمد أبو زيد أن أكتب مقالاً أو شهادةً عن أحمد يماني، واعتذرت له بالحجة المعهودة، أنّه من الصعب أن يكتب المرء عن أناس شديدي القرب منه، ولكن في لحظتها، برقت في رأسي فكرةٌ: أن أقيم مع يماني حواراً على سبيل "الدردشة" بين صديقين قديمين، حول شعره وحياته وأشياء أخرى، يضم أسئلة قد أكون أريد أن أطرحها على نفسي قبل أن أطرحها عليه.

أعرف يماني منذ عام 1989. تعرفنا للمرة الأولى في كلية الآداب جامعة القاهرة، وكان أول حوار بيننا على ما أذكر حول الشاعر السوريالي جورج حنين، والحوار الثاني كان في دار الأوبرا المصرية حيث ذهبنا لنسمع محمود درويش. سألني يماني أن أعطيه سيجارةً، وقال ساخراً: وظيفتك في الحياة يا ياسر أن تعطيني السجائر... رددت عليه بسرعةً: بل وظيفتك في الحياة يا يماني أنتأخذ مني السجائر. وضحكنا معاً، ومن يومها صرنا صديقين. وقد أصدرنا كتابينا الأولين معاً في مطلع عام 1995، بطريقة تعاونية لطيفة إذ كنا ندخر النقود مع المرحومة والدته. حتى تجمع المبلغ اللازم فطبعنا الديوانين في مطبعة أحد الأصدقاء.

ياسر عبد اللطيف

طلب مني الشاعر الصديق محمد أبو زيد أن أكتب مقالاً أو شهادةً عن أحمد يماني، واعتذرت له بالحجة المعهودة، أنّه من الصعب أن يكتب المرء عن أناس شديدي القرب منه، ولكن في لحظتها، برقت في رأسي فكرةٌ: أن أقيم مع يماني حواراً على سبيل “الدردشة” بين صديقين قديمين، حول شعره وحياته وأشياء أخرى، يضم أسئلة قد أكون أريد أن أطرحها على نفسي قبل أن أطرحها عليه.

أعرف يماني منذ عام 1989. تعرفنا للمرة الأولى في كلية الآداب جامعة القاهرة، وكان أول حوار بيننا على ما أذكر حول الشاعر السوريالي جورج حنين، والحوار الثاني كان في دار الأوبرا المصرية حيث ذهبنا لنسمع محمود درويش. سألني يماني أن أعطيه سيجارةً، وقال ساخراً: وظيفتك في الحياة يا ياسر أن تعطيني السجائر… رددت عليه بسرعةً: بل وظيفتك في الحياة يا يماني أنتأخذ مني السجائر. وضحكنا معاً، ومن يومها صرنا صديقين. وقد أصدرنا كتابينا الأولين معاً في مطلع عام 1995، بطريقة تعاونية لطيفة إذ كنا ندخر النقود مع المرحومة والدته. حتى تجمع المبلغ اللازم فطبعنا الديوانين في مطبعة أحد الأصدقاء.

ياسر: مرت القصيدة لديك بتحولات متعددة بإمكاني أن أرصد من بينها ثلاثة انتقالات أساسية: فهناك قصائد يماني الطالب، وقد تخلصتَ منها قسراً، على الرغم من احتوائها على شعر جميل لا يزال صالحاً من وجهة نظري، ولا زلت أذكر قصائد كـ “تذكري أنّ ضواحٍ عديدة قد استغرقتها خشونة يديك.. تذكري رأسي وهي تخرج من مروحة الحائط.. وكيف أبدو سخيفاً كجمجمة.. وابتسمي ولكن سريعاً لماكيت الشهوة” أو “إلى الليل.. حيث تقود الضباب إلى سرية أخيرة.. كان لتمضي بينما قطعةٌ من الهواء حدثت هناك فجأةً”، وقصائد أخرى عديدة كقصيدة “المستشفى”، و”وجود” وحتى قصيدة “الهالات” الهزلية التي كنا نتندر بها. ثم هناك مرحلة ديوان “شوارع الأبيض والأسود” وقد استمرت ساحبةً معها الديوانين التاليين “تحت شجرة العائلة” و”وردات في الرأس” ثم هناك أخيراً مرحلة تبدأ ملامحها مع “أماكن خاطئة” وتتبلور بوضوح في الديوان الجديد “. اللافت للنظر أن الانتقالات ليست على مستوى تعمق الرؤية ونضجها فقط، لكنها انتقالات شكلية وبنيوية أيضاً في القصيدة. هل بإمكانك الكلام عن هذا؟.

يماني: دعني بداية أحيي ذاكرتك يا صديقي وهي ذاكرة لطالما أدهشتنا جميعا وهي تخص بالتأكيد عمق علاقاتك الإبداعية والإنسانية وأشكرك كذلك على هذا الحوار. تبدو لي الآن قصائد البدايات ونحن طلاب في الجامعة كتمرين على الكتابة استمر لأعوام كنت أحاول من خلاله البحث عن كتابة قريبة مني، كتبت قبلها قصائد موزونة وقصائد عمودية ولكن لا أعرف أين هي الآن، مرة قال لي الصديق الشاعر أمجد ريان إنه يحتفظ بها. هناك أيضا قصائد كتبتها بعد صدور ديواني الأول ولم أضفها إلى أية دواوين لاحقة، ربما يرجع هذا إلى فكرة الكتاب وهي أنني تصورت دائما أن الديوان أو المجموعة الشعرية لابد أن تكون متجانسة، أن تقدم شيئا يشد بعضه بعضا، إن شئت القول. ربما لم أجد في قصائد البدايات هذه الفكرة فهناك أشكال تعبيرية وجمالية قادمة من مناطق مختلفة وإن كان الكثير من عناصر تلك القصائد ظل مصاحبا لي حتى الآن، كانت لدي مجموعتان من القصائد أو ديوانان قبل نشر ديواني الأول، الذي نشرناه سويا مع ديوانك “ناس وأحجار”، أفكر الآن أنه كان حسنا أنهما لم ينشرا. الديوانان الأخيران تحديدا “أماكن خاطئة” و”منتصف الحجرات” كُتبا بالكامل في إسبانيا، اللغة الإسبانية فتحت لي عوالم كثيرة، الحياة نفسها، البشر والأماكن، لا أعرف بالضبط كيف أثّرّ هذا في قصائدي ولكن هناك تغير ما بالطبع حدث لي.

 

ياسر: في البدايات التصقت بك، وبنا جميعاً من “جيل التسعينيات” الشعري في القاهرة تهمةً لا تُنفى بالتأثر بشعر وديع سعادة وسركون بولص، ومعظم شعراء حركة المهجر الجديد، حتى تحولنا نحن أنفسنا إلى كتاب وشعراء مهاجرين. إلى أي حد علاقتك لا تزال مستمرة بذلك التراث من قصيدة النثر؟ وكيف تراه الآن؟ وهل نحن بصدد رعيل جديد من شعراء المهجر؟ وأين تراها تتحرك مرجعياتك الجديدة؟

يماني:أتصور أن شعر المهجر الجديد كان مضيئا لي كثيرا، هذا كي لا أقول لنا بصيغة الجمع، كان هو الشعر الأقرب لذائقة تكونت في لحظة مليئة ومحتشدة ونحن في بداية العشرينيات من العمر ولم يكن الأمر يخص فقط من كانوا يتعاطون الكتابة في تلك الفترة بل شمل الأمر أصدقاء آخرين، أذكر مثلا ديوان “الحياة قرب الأكروبول” لسركون بولص وكيف كنا نتبادل قراءته والنسخة التي لدي الآن كتب صديقنا سعيد عبد الحافظ كلمات في صفحتها الأولى أقرب ما تكون إلى الشعر ولا تزال تثير فيّ مشاعر طيبة، كان شعر السبعينيات المصري ملهما أيضا في فترة سابقة على هذه أو موازيا لها. أعود بين الحين والآخر إلى هذا الشعر، هناك بالطبع قصائد لا تزال تحتفظ بطزاجة مدهشة خاصة عند سركون بولص والذي أراد الكثير منا بصورة أو بأخرى أن تكون لنا حياته نفسها وسفره ومغامراته الحياتية والإبداعية، فسركون يمثل حالة التطابق الكامل بين شعره وحياته إن جاز القول، ولكن يمكنني القول إنه لم تعد لي مرجعيات ثابتة، تعددت القصائد التي أحبها وتعدد الشعراء وأصبحت أكتشف بنفسي أيضا وبمساعدة الآخرين قصائد جديدة وكتابات متنوعة، أصبحت أنعم بحرية القراءة وليس ما هو متاح فقط. لا أعرف إن كان هناك جيل مهجري جديد لكنني ألتقي مع حساسيات شعرية كثيرة داخل البلاد العربية وخارجها وأظن أن هناك أصواتا منفردة وأن فكرة الأجيال بدأت تتلاشى أساسا ومن ثم فكرة التجمعات والجماعات.

 

ياسر: بخلاف الرثاء المبثوث لأسامة الدناصوري، وكلنا نعرف عمق علاقتك به، تسيطر على ديوانك الجديد “منتصف الحجرات” علاقة حب عنيفة حد المرض. كيف ترى مقاربة موضوع شائك كالحب في قصيدتك، وهل لا يزال يماني على رومانتيكيته القديمة، وهي ليست سبة على فكرة؟

يماني:مقاربة موضوع الحب في الشعر هي قديمة بالطبع قدم الشعر نفسه، ولكن ربما ما حاولت أن أفلت منه في هذا الديوان، أحيانا بشكل واع وأحيانا غير واع، هو التخلص من نوع من الهشاشة العاطفية، نوع من المبالغة يتحدث عنها بورخيس كشرط للحب نفسه. كان الأمر صعبا أن تكتب عن شيء ملتهب ومبالغ فيه حقيقة وواقعا وفي الوقت نفسه تحاول تصفية هذا الالتهاب في كلمات تود أن تكون هادئة وملاحظِة لما يحدث في علاقة يومية تجرب فيها المشاعر كلها تقريبا بكل تطرفها وتقترب فيها من قاموس صوفي ومن مراتب العشق كلها في يوم واحد، ربما خلصتني هذه العلاقة وهذا الديوان الأخير من كثير من رومانتيكيتي، ربما لأنها كانت قمة العاطفة التي وصلت إليها في حياتي في علاقة حب ومن ثم كان لابد من الخروج منها أو كان من المتوقع أن تنفجر هذه العاطفة في وجهينا معاوقد حدث والشعر ساعدني على ذلك بكل تأكيد، على الانفجار وعلى الخروج منه.

 

ياسر:كانت قصيدتك قديماً تتسم بحدة ما، ربما كانت ترجع لطباعك الشخصية نفسها، وألحظ مؤخراً أن تلك الحدة قد هدأت وأصبحت النصوص أكثر استدارة، وذلك تحديداً منذ “أماكن خاطئة” ما هي التجارب التي تقف خلف ذلك التحول؟

يماني:ربما أنا شخصيا لم أعد أكثر حدة، لا أدري هل لهذا علاقة بالسن أم بالحياة في مكان آخر، لنقل إن هناك سلسلة من الأحداث الحياتية، من بينها الزواج مثلا لسنوات عدة وبعده الطلاق والتعايش الدائم مع كائن آخر والخروج بوعي من التمحور حول الذات، فكرتي عن نفسي وعن الآخرين تبدلت بمرور الوقت، لم أعد متطلبا كثيرا، أصبحت أكثر تسامحا وأكثر قبولا وتفهما للآخرين ولنفسي. اكتشفت ببساطة أن العالم واسع كفاية وأننا جزء بسيط من حياة مدفوعة منذ ملايين السنين إلى الأمام، مع ذلك يصفني بعض الأصدقاء والصديقات هنا في إسبانيا بالراديكالية في مواقفي. تعجبني كثيرا مقولة للمفكر الإسباني سلبادور بانيكر، قرأتها مؤخرا ويتحدث فيها عن “مجاوزة الأنا”، يقول “إن على المرء أن يقضي الشطر الأول من حياته في تشكيل أنا قوية وإلا فإن جارك سوف يلتهمك. في الشطر الثاني عليه أن يتخلى عن هذه الأنا، لأنه دون أنا فإن موضوع الموت يتلاشى”.ربما أجد نفسي الآن في الشطر الثاني من حياتي.

 

ياسر:ترجمت الكثير من الشعر في الفترة الأخيرة، وفي الاتجاهين (من الإسبانية للعربية والعكس) ألا تنوي الدخول في مشاريع ترجمة أطول بعد ترجمة رواية الكاتب الأرجنتيني الكبير بيوي كاساريس الشهيرة “اختراع موريل” والتي لم تر النور إلى الآن؟ أم أن فتوراً ما أصاب علاقتك بفن الرواية كما سبق وقلت لي؟

يماني: في الحقيقة هناك أمران أولهما كما ذكرت أنت يتعلق بفتوري تجاه الرواية بشكل عام، مع أنني أواصل قراءة الروايات ولكن بإيقاع بطيء، وثانيها أنني أحب ترجمة الشعر وأرى فيه كمترجم تحديات لا تنتهي على علاقة بمفاهيم وتصورات لغوية وجمالية وحياتية كثيرة. رواية كاساريس هي رواية شعرية بدرجة كبيرة وربما هذا ما جذبني إليها من البداية، إضافة إلى أن الرجل لم يُترجم إلى العربية من قبل وكذلك كان وعدا مني لصديقنا مصطفى ذكري أن أترجم شيئا لكاساريس فقد طلب مني ذكري في بداية علاقتي بالإسبانية أن أنقل شيئا إلى العربية من كاساريس لنتعرف عليه وكانت “اختراع موريل” التي كتبها وهو في السادسة والعشرين من عمره وظلت هي عمله الأكثر بروزا، لا أنكر أن تعطل نشرها في دار الجمل لصاحبها الصديق خالد المعالي أصابني بالإحباط قليلا ولكن عاجلا أو آجلا فسوف تنشر. كانت لدي مشاريع عدة لترجمة روايات أخرى ولكن أمور النشر لم تسر على ما يرام. الآن أترجم من حين إلى آخر بعض القصائد ولكن يمكنني القول إنه لا توجد لدي مشاريع كبيرة حاليا للترجمة وأحاول أن أستغل الوقت القليل الذي أصبح متاحا لي في القراءة والكتابة.

 

ياسر: أعرف عن تجربة أن العمل الإعلامي يعطل العملية الإبداعية بشكل ما، كيف هي خبرتك مع عملك الجديد في الإذاعة الإسبانية، وما الذي أضافه لك هذا العمل على المستوى الإنساني؟

يماني: هذا ما سألتني إياه زميلتي الأمريكية أليسون هيوز والتي تعمل في القسم الإنجليزي فهي كاتبة أيضا، تكتب القصة تحديدا وتعمل في الإذاعة منذ سنوات طويلة، سألتني أليسون بعد شهرين أو ثلاثة من التحاقي بالعمل عن كيفية توفيقي بين كتابتي الخاصة وعملي الإعلامي، وقلت لها وقتها إنني أواصل الكتابة حاليا ولكن لا أعرف بعد عدة سنوات أخرى ما الذي سوف يحدث. في الحقيقة أحاول أن أنسى عملي بمجرد الخروج منه حتى أنني أستغرب أحيانا عند العودة من عطلة نهاية الأسبوع من أنني أعمل هنا أو أنني أعمل أصلا فكما تعرف ظللت لسنوات طويلة بلا عمل ثابت في إسبانيا والغريب أنني تحصلت على هذا العمل في ظل أزمة اقتصادية طاحنة دفعت عشرات بل ومئات الآلاف من الإسبان إلى الهجرة خارج البلاد. هناك جزء من عملي يتعلق بالعالم الثقافي فأنا أقدم برنامجا أسبوعيا اسمه “المشهد الثقافي” وقد استضفت فيه العديد من الكتاب والفنانين، سواء مباشرة أو عن طريق الهاتف، كذلك أعد فيه أخبارا ومواضيع تتعلق بعالم الفن والكتابة في إسبانيا وفي أمريكا اللاتينية وفي العالم العربي.

هناك أشياء لطيفة صغيرة يقدمها العمل أيضا، فنحن نذهب لتناول طعام الغداء معا يوميا، مجموعة تتكون عادة من ستة إلى سبعة أشخاص من بلدان مختلفة، وهناك وقت التدخين الذي نذهب إليه جماعيا عادة. كما أننا نعمل في صالة كبيرة تضم جنسيات متنوعة ولا يعدم الأمر وجود حوارات ممتعة وتبادل للأفكار من حين إلى آخر.

 

ياسر: كيف تتعامل مع فكرة المهجر، هل هناك شيء من النوستالجيا؟ هل تنوي العودة في يوم من الأيام إلى مصر، وكيف تتحدد علاقتك الآن بالمكان القديم، في ظل أحداث كبيرة ومؤثرة كموت والديك وخلو بيتكم القديم في الهرم من ساكنيه تماماً، ثم “الثورة” في مصر وكل التغيرات القائمة؟

يماني:النوستالجيا تبقى موجودة كحنين دائم إلى مناطق بعينها في الذاكرة وإلى أشخاص وإلى مواقف، أفضل كلمة “حنان” تجاه هذه الأماكن والأشخاص والروائح، ربما لا تود العودة إلى عيشها من جديد لكنها تبقى مناطق مؤثرة في وعيك وذاكرتك. نحن اخترنا أن نعيش في بلاد أخرى غير مجبرين، عندما أرى أصدقائي الذين أجبرتهم الظروف السياسية على الهجرة من بلدانهم بل وأن بعضهم لا يمكنه العودة فإنني أفكر كم أنا محظوظ. لم أستطع العودة إلى مصر أيام الثورة لأسباب مادية بحتة، أي بسبب النقود، وأنت تعرف هذا بالطبع، كذلك لم أر أمي إلا قبل وفاتها بعام ولم أستطع حضور جنازتها وبعدها بعشرة أشهر مات أخي الكبير أيضا. وضعتني كل تلك الأحداث في مأزق أحاول حتى الآن الخروج منه. جربت موت والدي أولا وكان مؤلما للغاية ولكن موت أمي جعل من فكرة الموت نفسها أمرا مقبولا وقد يكون محببا، فعندما حكت لي أختي كيف أن أمي كانت سعيدة يوم وفاتها وكيف نظفت البيت كاملا وحدها وكيف اتصلت بأختي للمرة الأولى لكي تأتي لتأخذها إلى بيتها وكيف توفيت في دقائق معدودة مريحة رأسها على صدر ابن أختي، كل هذا أعطى للموت وجها رحيما لم أكن أفكر فيه من قبل أو لم أكن أره. وبدون أدنى مبالغة فأنا مدين لأمي بكل شيء في حياتي وحتى بموتها.

الثورة، بعد ثلاثة أشهر من موت أمي، أعادتني إلى مناطق داخلية كنت أجهلها، ربما لأنني لم أختبرها من قبل، لا يتعلق الأمر بحس وطني يشبه التدين في عدم الاختيار الحر، بدأت أكتشف من جديد علاقتي ببلدي وأكتشف مشاعر هاطلة كان عليّ أن أضبطها أيضا في مسارات أخرى، حاولت أن أشارك في الثورة من هنا، ولكن كان لدي طوال الوقت ولا يزال هذا الحس بفقدان شيء كبير، وكما قلت أنت مرة فيما معناه أننا من يعيشون في الخارج فقدنا بهجة عظيمة بعدم وجودنا في مصر أيام الثورة.

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم