حكاية

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

هيثم عبد الشافى

فى المطبخ كانت نافذتك الصغيرة مغلقة، فتحتها وقابلنى ظلك عند الباب، المغرفة فى يدك وحبل الشفاط بين أصابعى، السكين فى مكانه، ونفسك يصعد ظهري.. حتي خطك على برطمان السكر طال روحي، فضحكت، وسألتك وأنا أطرقع صوابعك كيف ترسمين حرف الـ«ك» بهذه الطريقة..؟! كان غريبا، ملفوفا ومتشابكا، يشبه رقم 5 فى حضن حرف «ل»، ساعتها جلسنا طويلا، يدك تمسك أصابعي وأنا أرسم الحرف وأقلد طريقتك.. "حرف ل ورقم 5 فى النص وشرطة كده لـ فوق"، ثلاث محاولات فقط وخرج من يدي حرف «ك» عفويا ومجنونا يشبه حرفك على برطمان السكر..!.

 

وقتها فكرنا فى الأمر، وكان اسم “حكاية” ألطف 1000 مرة، تخيلته قبلك على جلاد أصفر لطفلتنا الأولى، واخترت كتاب القراءة، أما أنت فكان لك كتاب آخر ولون أكثر رومانسية للجلاد، ولكن فى الحالات كلها اتفقنا أن يكون بيدك أنت، فطفلتك يزين اسمها «ك»، ونبدأ حكايات قبل النوم بحرف «ك»، وسُكَّرُكِ فى البرطمان يتوسطه كاف ثالثة.

فى الحمام رتبت فقط أشياء سخيفة، وفتحت الباب لأول مرة دون أصوات تهدد راحتى، فى غيابك أفعلها دائما وأكرر تصرفات غريبة لا علاقة لها ومزاجي السيئ، أكتب على مرآة الحمام مثلا أو أشرب شاي بعد وجبة خفيفة أو أجرب العد من واحد لـ 100 فهناك الوقت يمر سريعا وكل تفاصيلك بداخله تنعش ذاكرتي القوية.

لأول مرة أحدثك بهذا السر.. كرسي الحمام البلاستيك ورغم فتحاته الصغيرة التى تؤذى مؤخرتي يذكرنى بـ “بدندنة”، “دندنة” أغنية وردة تذكريها..؟، سمعتها من كاسيت أبى وأنا فى 5 ابتدائي، ولما أعجبني مزاج بليغ كان كرسي الحمام الأحمر بديلا رائعا للعود، فقط ثبت أرجله الأربعة بـ “استك فلوس”، وبدأنا العزف والدندنة “أنا  أنا  أنا.. فى حد يتعب من الهنا.. لأ يا أنا”.

وردة هي الأخرى كانت تمارس الدلع علينا، تردد ” لأ لأ لأ.. لأ يا أنا” ونذهب لآخر الدنيا، كنت أسحب الكرسي الأحمر وأقف لجواره فى شباك الدور التاني.. وردة خلفنا تكرر الكوبليه الأخير وأنا أراقب كيف يطبق جفنه ويهز يرأسه، كان ثابتا، كفه على كتفي ويحمل جبينه بخمسة أصابع، لم يفكر لحظة فى صوتها المتقطع طوال الثلاث دقائق الأخيرة فالرجل أصلح “الهِد” التقيل 20 مرة وتأكد أن النسخة القديمة لا تحتمل النقل فى علبة أخري، فقط سلم نفسه وترك العالم وقابلها وهو يغني.. تسأله في حد يتعب من الهنا..؟ ويرد عليها لأ يا حببتي، يرد ويعترف ” ياااه.. ده أنا كنت جعان مزيكا”.

تخيلته مدخنا ولم أخبره بأن الحالة تستدعي التدخين ولو سيجارة واحدة، فأنا أعرف أنه يكرهها، ولم يجرب التدخين سوي مرة تقريبا، أما محاولات فتحي فحكى مرة كيف أنهاها أيام الإعدادية، ولا أذكر تفاصيل الليلة، وفى الشباك كان يكتفي بـ الشاي ويسكت، وأكتفي أنا بالأغنية التى عرفتني على عَرقه المخلوط برائحة قطن “الفانلة النص”، كنت أشمها على شماعة الحمام مرة أو وأنا أجمع الملابس البيضاء لأمي كل جمعة، وفى تانية إعدادي قاسمته 4 فانلات دفعة واحدة.

مملة جدا الصالة.. واتفق معك على درجة كآبتها، منظر علب اللبن الفارغة أعرف أنه يغيظك، واللعب مع السمكة ليلا يربكها، والشاي والقهوة والسجائر مرض، والعتمة الخفيفة تضغط على روحك، وموجات الراديو المتداخلة تستفزك، أما صورك التى وزعتها للتو على الكراسي لن أجمعها إلا بعد ساعتين، برأيك أي صورة سأضع لها نجمة..؟ وأي منها سيذكرني بضحكاتك وأغاني الشوارع..؟!

سيد شحاتة عزمني على واحد شاي على قهوة غريبة فى آخر فيصل، عرضه كان مباغتا يشبه الصداع الذي يزوره فى المكتب، فعلا الصداع لا يعرف رأس سيد إلا فى المكتب، يصلي الظهر ويترك الشغل على رأسي، يصلي العصر ويسألني: مش هتصلى بردوا..؟، صدقني هتتخن لو صليت، انت مش سامعني، أنا أسمعه كل مرة الحقيقة، وأعرف أنه يسكت بعد 10 دقائق ويستسلم لصداعه.

الصايع بيعرف قهوة تحفة، وطلع بيشرب شيشة وشاي أخضر كمان، ليلتها كانت فرصته الأخيرة، “لى” الشيشة القص يحك ذكره ويهرش: بص بقي أنا عايز أسألك من زمان بس خايف تزعل.. أأأنت ملحد؟، كان تافها كمقاطع اليوتيوب السخيفة وشيوخ عذاب القبر، طلب “حجر” رابع لأصدق حرصه على أن ندخل الجنة معا وسكت كعادته، أنا قلت له صلي أنت ياسيد وأتركني فى حالي، أنا أحب ياسين التهامي وصديق المنشاوي أكثر من خطيب مسجدك وكل مقاطع اليوتيوب التي زرعت الصداع برأسك..!.

شاي القهوة كان ينقصه مزاجك العالمي، وموضوع سيد انتهي، لكن سجادة الصلاة تجذبني أكثر وأنتِ ترددين وطفلتك سورة الإخلاص بعد صلاة العشاء، لا يفارقني هذا العالم، دنيا جديدة هادئة وملونة  تحمل رائحة أول زيارة لـ الحسين وآخر لحن دندنة أبى قبل النوم.

 

ــــــــــــــــــــــ

هيثم عبد الشافى

قاص – مصر

ـــــــــــــــــــــ

خاص الكتابة

  

مقالات من نفس القسم