ليلة الزلزال

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عبد الرحمن أقريش

يبدو الأمر بعيدا الآن، بعيدا جدا، فقد حدث ذلك منذ زمن بعيد.

الأصيل.

تميل الشمس نحو المغيب، تتوارى أشعتها وراء غابة الأركان الكثيفة، ترسم خيوطها أفقا لغسق ربيعي جميل ودافئ.

تغرق القرية في صمت قوي ورهيب.

في الخلفية بعيدا، يسمع صوت البحر، وبين الحين والآخر تهب نسمات خفيفة من الجنوب.

تجلس النساء والأطفال في البهو المفتوح للدويرية، لا أحد يريد المبيت في البيت القديم بسبب الزلزال، ففي الليلة الماضية اهتزت الأرض بقوة، تشققت الجدران الحجرية، انهارت الأسقف الخشبية، أصيبت النساء بالرعب، واستوطن الخوف عيون الصغار، ولكن الجميع خرج سالما، وكان ذلك سببا كافيا للاحتفال.

يحضر (الحسني) صينية الشاي، يفتح البراد، يدس فيه حبات الخشخاش، وأعواد نباتات أخرى غريبة، يموهها بقطع كبيرة من السكر، يرفع البراد عاليا، يصب الشاي في الكؤوس، يسمع رنينها، ترتفع الرغوة البيضاء، ترسم فقاعات جميلة، مغرية ولا تقاوم، يبتسم منتشيا، يوزع الكؤوس على الجميع، يرفع كأسه عاليا، نقلده، نرفع نحن أيضا كؤوسنا.

ينظر إلينا، يقول بصوت مبحوح وحالم.

  • في صحة الجميع…

يبادر (عدو الله)، يطوف على المجلس، يوزع قراطيس ورقية فيها أجسام جراد مشوية، تبدو شهية ومقرمشة، نأكلها بنهم، نستمتع، نشرب، نصعد الدرج الحجري، نجلس على الدرجة الثالثة، ندخن، نرشف رشفات صغيرة من كؤوسنا وننتظر…

تمر لحظات، يدب المشروب السحري تدريجيا في العروق، يستقر في الخلايا، ينخرط الصغار في ضحكات طفولية مجنونة، تتبرج النساء، يرسمن دائرة بأجسادهن الممتلئة، يرفلن في أثواب ملونة، مفتوحة ومغرية، ترفع (لالة يامنة) أناملها المخضبة بالحناء، تخفي فمها في حركة تمويه، تطلق زغرودة قوية تشق الحجر، يتردد صداها، يتعالى، يسافر، ثم يعود رجعا بعيدا، زغرودة جميلة، مثيرة وجارحة، تبعث الحياة في الأرواح والأجساد الميتة.

ثم، تنخرط العازبات في رقص عنيف ولذيذ.

على بعد خطوات، نجلس نحن الشباب، نتأمل المشهد، نستمتع بصمت، كانت تلك طريقتنا في اقتناص لحظات سعادة مسروقة ومصطنعة، والتعويض عن البؤس والحرمان المنغرس عميقا في أرواحنا.

ثم في لحظة ما، يحدث شيء عجيب.

تقف العجوز (للا عيشة) زوجة (عمي العربي) ترمي عكازتها بعيدا، تستعيد فجأة شبابها، يشرق وجهها وكأنما تسترجع ذكرى بعيدة، تلمع عيناها بضوء بهي وغامض، ترقص رقصا رشيقا وخفيفا، تتمايل نشوى، ثم ترتفع تقاسيم صوتها الرخيم، يمتد، يعلو، يتصاعد، يرسم بداية أغنية جميلة، أغنية حزينة تنضح بالحنين والدفئ.

– تايري تويي أولينو…

إعمر أولينو…

الله يهنيك أبابا…

وايييه وايييه…

( قلبي شردته رياح الحب،

حملته بعيدا،

قلبي طافح،

الوداع يا أبتي…)

ينصت الجميع، يهيمن الصمت، نتشرب صوتها الرخيم، يخترق حزنها الجميل أرواحنا.

أنظر أنا جهة الجماعة، يبدو (بيهي) غائبا تماما، أستعيد أنا هشاشتي المزمنة، أتمالك دموعي بصعوبة، يقاوم (الحسني) حزنه في البداية، ولكنه في النهاية يستسلم، فينخرط في بكاء عصي وصامت.

***

–  بيهي (ابرهيم)

– عدو الله (عبد الله، في قريتنا لا ينطق الباء لأسباب إثنية وأنتربولوجية)

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون