حكايةٌ قصيرةٌ جدًّا

(بابا همنجواي) الذي ينقذ القطط
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

إرنست هيمنغواي

ترجمة: محمد عبدالهادي

حملوه، في إحدىٰ أمسيات بادوڤا الحارّة، إلىٰ السقيفة، حيث استطاع أنْ يَرى المدينة مِن علٍ. كانت السماميّات تملأ السماء. نزل الليل بعد برهةٍ، وأضيئت الكشّافات. هبط الآخرون، وأخذوا معهم زجاجات الشراب. كان بإمكانه، هو ولَز، سماعهم في الشرفة بالأسفل. جلست لَز علىٰ طرف السرير، كانت لطيفةً ونضرةً في الليل الحار.

لثلاثة أشهر، بقيت لَز في الخدمة الليليّة، كانوا ممتنّين لها: حينما أجروا له جراحةً، جهّزته لطاولة العمليّات؛ وكانت لديهم مزحةٌ عن صديقٍ، وحقنةٍ شرجيّة. حين راح في غفلة المخدّر، كان يقاوم نفسه بشدّةٍ، كي لا يثرثر بأيّ شيءٍ أثناء الوقت السخيف للهذيان.

اعتاد، بعد أنْ أصبح علىٰ عكّازين، أنْ يقيس درجات الحرارة، كي لا تضطر لَز للقيام من الفراش. فقط، كان هناك القليل من المرضىٰ، وكان الأمر مفضوحًا. كانوا جميعًا معجبين بلَز. وبينما يسير عائدًا، علىٰ طول الردهة، لم ينفكّ يتخيّل لَز في سريره.

قبل أنْ يعود إلىٰ الخطوط الأماميّة، عرّجوا علىٰ الكاتدرائيّة وصلّوا. كانت صلاةً خافتةً وسريعةً، خصوصًا في وجود مُصلّين آخرين. أرادا الزواج، لكن لا وقت لإعلانه، بينما لا يحملان وثيقتين للميلاد. وعلىٰ الرغم مِن إحساسهما كزوجين، أرادا لو يعلم الجميع، وأنْ يفعلاها رسميًّا بدلا مِن ضياع الأمر.

كتبت له لَز عديد الخطابات، التي لمْ تصله أبدًا، إلا بعد الهدنة. باقةٌ من خمسة عشر خطابًا، وصلت دفعةً واحدةً إلىٰ الخطوط الأماميّة، فرتّبها حسب التاريخ، وقرأها بالتتابع. كانت جميعها عن المشفىٰ، وكم تحبّه، عن استحالة المضيّ قدمًا دونه، وكم كان فظيعًا افتقادها له طوال الليل.

اتفقا، بعد الهدنة، علىٰ ضرورة عودته للوطن، كي يحصل علىٰ عملٍ يساعدهما علىٰ الزواج. لن تذهب لَز قبل أنْ يجد عملًا مناسبًا، ساعتها ستأتي إلىٰ نيو يورك لملاقاته. كان من المفهوم أنّه لن يعاقر الخمر، ولا يريد أنْ يتسكّع مع أصدقائه، أو أيّ أحدٍ آخر في الولايات. فقط الحصول علىٰ عملٍ، والزواج. في القطار من بادوڤا إلىٰ ميلان، تشاجرا بسبب عدم استعدادها للذهاب معه الآن. وحال وقت الوداع في محطة ميلان، تبادلا قبلةً، دون أنْ ينهيا خلافهما. لقد شعر بالضيق لوداعهما هكذا.

رحل به قاربٌ من چنوه إلىٰ أمريكا، بينما عادت لَز إلىٰ بوردينوني لتفتح مشفىً. كان المكان موحشًا ومطيرًا، وكانت كتيبةٌ من الجيش الإيطاليّ تتمركز في المدينة. وفي حياة المدينة المطيرة، الموحلة في الشتاء، أقام قائد الكتيبة علاقةً غراميّةً مع لَز، التي لم تَخبر الإيطاليين مِن قبل.. وأخيرًا، كتبت إلىٰ الولايات، تقول إنّ المسألة لم تتعدّ حكاية صبيٍّ وفتاة. إنها آسفة، وتعلم احتماليّة ألّا يتفهّم الأمر، لكنّه، ربما، يغفر لها يومًا، وأنْ يمتنّ لها، وكيف تتوقّع، فجأةً بالطبع، أنْ تتزوّج في الربيع. إنّها تحبّه كما تفعل دائمًا، لكنّها اكتشفت، الآن، كيف كان حبًّا طفوليًّا. وأَمِلت له مستقبلًا عظيمًا، لأنّها، قطعًا، تؤمن به، وتَعْلَم أنّ هذا الوضع هو الأفضل.

لم يتزوّجها القائد في الربيع، ولا في أيّ وقتٍ آخر. لَز لم تتلقّ ردًّا، أبدًا، علىٰ خطابها إلىٰ شيكاغو. فبعد وقتٍ قصيرٍ، أصيب بالسيلان مِن بائعة متجرٍ مُتعدّد الأقسام، أثناء ارتحاله في عربة أجرةٍ، عَبْر لينكولن بارك.

مقالات من نفس القسم