حكايات بعد النوم .. البراءة والتجربة

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أحمد شاكر*

"أن أغبط مؤلفاً معناه أنه كتب ما كان ممكناً

أن أكتب، أو ما كان ينبغي أن أكتب"

كيليطو- مسار

الكتاب:

تفتتح الفراشة باب الكتاب الأول، ويغلق الوطواط بابه الثاني/الأخير.

الكتاب قسمين: الأول: (حكايات بعد النوم)، والثاني: (قصص صغيرة). تمثل حكايات بعد النوم، لو جاز لنا أن نسميها، حالة البراءة، وتمثل القصص الصغيرة، حالة التجربة، مستدعين أغنيات البراءة والتجربة لوليم بيليك.

في حكايات بعد النوم (البراءة): يظهر الحلم بعالم جميل تسكنه الفراشات، والورود، والسناجب، ونجمات البحر، وأشجار الكرز، والأطفال، إنها الطبيعة ومفرداتها الحالمة والطازجة (1): الفراشات تتكلم، والألوان تتأمل، والوردة تحاور الياسمينة، وعقارب الساعة تردد الأناشيد، وحبار البحر يبحث عن معنى لوجوده، ونجمة البحر تتألم لخروجها من البحر.. في الجزء الثاني (التجربة)، يشبه حالة الخروج من الجنة (2)، وكأننا قد قذف بنا إلى بحر الحياة، فجأة، من مهد الحلم، تغير في الحالة، وتوديع للبراءة: براءة الطفولة، عناوين القصص نفسها تشي بذلك: لافتات، فرصة، قطاران، إلى الجنوب، لحظة، لحظات، ليلة بنية، بين الأمواج، على جانب الطريق، حجر، خطوات، كتلة خرسانية ترى البحر، أوحال، الوطواط. في (التجربة) التي يختتمها الوطواط نجد: محطات الانتظار، واغتنام الفرص، والفرص الضائعة، وحضور الشيطان، واختلاف الوجهات، والبحث عن الحكمة بلا طائل، والعبث، والضياع..

 





حكايات بعد النوم:

على غلاف الكتاب، كتاب مفتوح، تخرج منه نباتات، وطيور، وبرج حمام، وحصان، وفراشات، وفي المنتصف، ناحية اليسار قمر فضي مضيء. جو مثالي للحلم، فالليل، والقمر، والكتاب، ثلاثة دوال مثيرة لقراءة/ تذوق، أي لوحة كانت. إشارة واضحة إلى جو حكايات ألف ليلة وليلة.. حيث كانت الحكايات تبدأ مع الليل وتنتهي عند طلوع الصباح، كانت شهرزاد تنقل/ تروي حكاياتها، تستخرجها من الكتب التي كانت قد قرأتها قبل أن يقع عليها الاختيار عروساً لشهريار. هنا يأخذنا العنوان، لأبعد من حكايات الليل؛ حكايات بعد النوم؛ أي الحكايات التي تروى في الحلم، وقت النوم، (قد تكون تلك الحكايات، قد كتبت من قبل وتقرأ من الكتاب الذي نراه مفتوحا على غلاف الكتاب، أو أنها تحكى شفاهة وستكتب بعد ذلك لنقرأها نحن)، إن تأطير الحكايات من أول العنوان، بجو الليل/ النوم، والاستعانة برسمة الغلاف يأخذنا إلى أننا سنقرأ حكايات أحلام..

الحلم والحكاية:

نحن في فضاء الحلم نستمع إلى الحكايات. إن حكاياتنا تحكى وقت النوم، فهي ليست أحلاماً مباشرة يراها النائم، هي أحلام بحكايات تروى. فالبطل (أيا كان)، يأتي له في الوقت الذي يكون نائماً فيه، من يحكي له الحكاية. ففي كل قصة هناك من يحكي/ يتكلم، ليخبر عن حكاية وقعت، وهناك من يسمع/ينتظر الحكاية: نقرأ في استهلال القصص: في العصور القديمة لم تكن الفراشات تظهر لكل الناس. عند بستان التفاح توقف الأصفر أخيراً طلباً لبعض الراحة. استيقظت الشجرة العجوز ذلك الصباح لتجد ياسمينة بيضاء قد تفتحت. في قرية الحدادين ولد الفتى.. في كل قصة هناك إخبار عن حكاية، لمستمع. فلو كانت تلك الحكايات شوهدت في وقت النوم، من خلال النائم مباشرة، دون وسيط ينقلها له، لاختلفت بدايات الحكايات، وكنا سنقرأ: رأيت فيما يرى النائم، كنت نائما ورأيت، شاهدت في الحلم، حلمت بـكذا.. أو كان، العنوان، على الأقل مغايرا، للعنوان الحالي..

من الذي يحكي، ومن الذي يستمع؟ ومن سيقرأ بعد ذلك؟ يتضح أن المتلقي/المستمع الأول للحكاية،(وليس شرطاً أن يكون شخصاً واحداًفحسب يتلقى، وشخصاً واحداًفحسب يحكي، فقد يكون لكل حكاية واحد يرويها، وواحد يسمعها في النوم، لأنه ليس لدينا ما يثبت، أن واحداً يروي وواحداً يروى له، مثلما هو وارد في حكايات ألف ليلة، أقصد تحديداً بالاسم أو بالصفة)، يأخذ دور المتعلم، أو الجالس في مقعده، أو النائم في سريره، ينتظر سماع الحكاية التي تروى له بطريقة مبسطة للغاية، باستخدام رموز من الطبيعة، واضحة ومعروفة: الفراشة، والوردة والياسمينة، والقمر، والسنجاب، والبحر، والحبار، ونجمة البحر، وبها تدور حوارات بعيدة تماماً عن الإلغاز أو الفلسفة. وكأن الراوي الأول للحكاية يعمد إلى إفهام المتلقي الحكمة من الحكاية بطريقة سهلة وبسيطة، أو إنه يعمد إلى تسليته، في نومه، طالما أنه لم يتمكن من الحضور إليه أول الليل/ قبل النوم ليروي له الحكاية. وسيقوم هذا المتلقي، بدور الراوي الثاني، ليحكي عن حلم الليلة (القصة التي سمعها)، وإلا فكيف سنعرف أن حكاية رويت بالفعل، أو وقعت أحداثاً بعد النوم؟!

والحكايات هنا قصيرة، تنتهي سريعاً، مثل الأحلام؛ دقيقتان، ثلاثة، أربعة على الأكثر. تمر أمامنا، كمشهد في فيلم سينمائي قصير، أو كصورة متحركة.

وهنا، يمكننا أن نتشجع لنطرح فرضية أن المتلقي صبي/فتى صغير، ينتظر الحكايات كل ليلة. والقارئ الضمني أيضاً قد يكون صبياً، فالصغار هم من ينتظرون أو يقعون في أسر مثل هذه الحكايات قبل النوم، أو خلاله، وبالتالي الراوي هو أب/أم، أو جد/جدة، أو أي شخص يمكنه أن يحل محل أي واحد منهم، أي؛ أن لديه التزاماً فعلياً، أو موروثاً بحكاية القصص، قبل النوم..

في القصص التي يظهر بها أشخاص (طبعاًهناك قصص أبطالها رموز فحسب: قصة أصفر، بطلها اللون الأصفر. وقصة ورد وياسمين، لا يظهر بها أي شخص. والسنجاب: سنجاب وفراشة. والحبار. ونجمة البحر. وشجرة الكرز)، يكون البطل طفلاً، أو فتى، ويظهر معه والده: حكاية”ابن الحداد”، ويطلق عليه الفتى. أو يظهر (الطفل)، في القصة مع (رمز)؛ الساعة وعقاربها، كما في قصة”عقارب”، ويشار إليه بالطفل. أو يظهر الولد مع (حكاية)، كما في قصة “الولد والبحر” حيث الحكاية المصاحبة للبطل هي “العجوز والبحر”، رواية “همنغواي” المعروفة، التي بطلها صياد عجوز لم يتمكن من صيد أية سمكة على مدار أربعة وثمانين يوماً، وصبي معجب به، وبحر، تلك حكاية مصنوعة من حكاية أخرى. فـالكتب تتحدث دائماً عن كتب أخرى، وكل قصة تروي قصة أخرى سبق أن رويت، (3)، أو يظهر الولد مع خاتم صنعه له ملك البحر “الولد والخاتم”، عدا قصة “الفراشة”، حيث لا يمكننا تبين على وجه الدقة، المرحلة العمرية التي ينتمي إليها البطل صاحب الفراشات. وإن كنا نلمح إشارة إلى كونه صبياً. إن مثل هذه العلاقات التي تمثل حالة البراءة، تعد مثالية، في القصص التي تروى/تحكى للصغار. وهي أقرب لأذهانهم من الحكايات المأخوذة من الواقع/التجربة. وهذا خلافاً لما سنقرؤه بعد في الجزء الثاني من الكتاب، الذي تظهر به مفردات: الشاب، والشابة، والرجل. ومع ذلك، فالقصص، التي نتكلم عنها، في الجزء الأول من الكتاب ليست قصصاً للصغار وحدهم. أي؛ أن القارئ الفعلي غير الأطفال؛ الكبار، وسنرى ذلك من قراءتنا المفصلة لقصة “الفراشات”.

الفراشات:

في العصور القديمة لم تكن الفراشات تظهر لكل الناس، لكن كان يراها بوضوح معظم الوقت. وفي الأوقات التي لا تظهر فيها كان يستطيع أن يشعر برفرفة أجنحتها الملونة في قلبه الصغير. كان يحدث الآخرين عنها طوال النهار لكنهم لم يعيروا حديثه اهتماماً كبيراً. في الليل كان يحلم بها وهي تطير عالياً إلى القمر الفضي العملاق الذي يتوسط السماء الحالكة.

اندهش كثيراً ذلك اليوم عندما اقتربت منه فراشة تتألق بألف لون ونادته باسمه. قالت له: إنها تعلم أنه يستطيع رؤيتهالأنها ترى أن عينيه تتبعانها في كل مكان. قالت له: لا يستطيع رؤية الفراشات إلا من كان لديه قلب حقيقي. سألها: ” أنتن جميلات حقاً. لماذا لا تظهرن لكل الناس ليشاهدوا جمالكن؟ عندها ستصير قلوبهم حقيقية بالتأكيد”. طبعت قبلة على إصبعه وسألته: هل تذكر قلبك عندما رأيت أول فراشة؟”

وحركت جناحيها مرتين ثم طارت مبتعدة بتلك الطريقة التي تحب الفراشات أن تطير بها.

عندما نلج عالم السرد، يطلب منا أن نوقع على ميثاق تخييلي مع المؤلف، حينها نكون مستعدين لتقبل أن يتكلم الذئب (4)، أو تتكلم الفراشة.

في العصور القديمة لم تكن الفراشات تظهر لكل الناس، فالناس في البداية منقسمون إلى قسمين: ناس تظهر لهم الفراشات، وناس لا تظهر لهم، لكنه كان يراها بوضوح معظم الوقت. مع استهلال الحكاية حدد الرواي زمن الحكاية، ولم يحدده في آن واحد: “في العصور القديمة”، أي عصور؟ لا ندري. لكنها على كل حال قديمة، محددة بالقدم فحسب. “في العصور القديمة”، جملة  تبدو وكأنها تسبغ على الماضي سمواً،(5). إنه يردنا بطريقة مباشرة، وواضحة إلى تلك الاستهلالات الكلاسكية الشهيرة: كان يا ما كان، في أزمنة بعيدة، إنه كان فيما مضى وتقدم من قديم الزمان (6)، لم تكن تظهر الفراشات لكل الناس، لكنه كان يراها بوضوح معظم الوقت. لماذا الفراشات؟ ولماذا كان يراها هو بوضوح معظم الوقت دون الناس؟ هل ثمة اصطفاء للبطل بالذات؟ هذا هو سر الحكاية التي ستنكشف لنا، مع القراءة.

إلى أي شيء تنجذب الفراشات؟ (7) إلى النور، إلى النار، إلى اللهب، إلى المصابيح المشتعلة. وبطلنا لا تفارقه الفراشات، مصدر جذب لها، دون الآخرين، الذين يفتقرون إلى ما يملك من نور، ولهب. حتى أنه في الأوقات التي لا تظهر فيها، لأي سبب لا نعرفه، كان يستطيع أن يشعر برفرفة أجنحتها الملونة في قلبه الصغير، والرفرفة: تحريك الطائر جناحيه وهو في الهواء فلا يبرح مكانه (8)

على اللهيب رفرفت (9). فقلبه تحديداً، هو مصدر/ سر، النور/ النار، اللهب، حتى وإن كان صغيراً، فالمرأ بأصغريه. هذا عن النهار، أما ليلاً، فإنه كان يحلم بها وهي تطير عالياً إلى القمر الفضي العملاق الذي يتوسط السماء الحالكة. ها نحن نقف ثانية أمام لوحة الغلاف، ردنا إليها قمر القصة الفضي.

وكان يحدث الآخرين عنها طوال النهار لكنهم لم يعيروا حديثه اهتماماً كبيراً. وهم لم يهتموا بحديثه، لأن الفعل الذي يذكره، فعل الرؤية، أو ظهور الفراشات خارق بالنسبة إليهم، وحصري بالنسبة إليه، وهو لا يملك دليلاً ليثبت لهم صحة ما يرى. “كيف يريهم الفراشات؟ وهل بوسعه شيء ليفعله؟ سنعرف”، إن علاقة صاحب الفراشات هذا بالناس تشبه علاقة الرسل بأقوامهم. كانوا يبلغون الرسالة، ويستخف بهم الناس، أول ما يخبرونهم بما حملوا.

اندهش كثيراً ذلك اليوم عندما اقتربت منه فراشة تتألق بألف لون ونادته باسمه. هنا الفراشة مميزة، غير الفراشات التي كانت تأتيه، فوصفها بأنها تتألق بألف لون، وصف يدل على فرادتها، عن سائر الفراشات، “قالت له: إنها تعلم أنه يستطيع رؤيتها لأنها ترى أن عينيه تتبعاها في كل مكان”. هو شخص مميز، وهي أيضاً، هو يرى الفراشات معظم الوقت، ويشعر برفيف جناحيها ويحلم بها، بل وتناديه باسمه، وهي تتألق بألف لون، وألف لون كثير جداً على فراشة عادية، جناحاها محدودان، وصغيران، وجسمها أيضاً، “قالت له: لا يستطيع رؤية الفراشات إلا من كان لديه قلب حقيقي”. نحن هنا أمام نقطة انقلاب في حياة بطلنا، ونقطة تحول كبيرة في مسيرة حكايتنا القصيرة. لقد نادته الفراشة باسمه.

كانت علاقة البطل بالفراشات قبل اليوم علاقة انجذاب فحسب. إنها تنجذب إلى مصدر اللهب/قلبه، وهو يستمتع برؤيتها ومتابعتها نهاراً وليلاً وفي كل مكان. لماذا اصطفته هو بالذات ونادته باسمه؟ هنا اصطفاء فوق اصطفاء. اصطفته أولاً بالظهورله، ومرة أخرى بمناداته باسمه، وتكليمه.. وقبل أن ينطق بشيء، ويسأل لماذا أنا؟ كانت قد أخبرته بسر الاصطفاء: “لا يستطيع رؤية الفراشات إلا من كان لديه قلب حقيقي”. إذن القلب الحقيقي، هو شرط لظهور الفراشات وتجليها. القلب الحقيقي، هو شرط الاصطفاء، وهو مايميز إنسان عن إنسان آخر.

ولأنه ذو قلب يشع نوراً، وناراً، وعرف لذة رؤية الجمال المتمثل في رؤية الفراشات، وتكليمها، وعرف أيضاً أن ظهور الفراشات له دون الناس تأكيد على معدن قلبه/ نوره، وهو يريد الخير للمجموع/قومه، يريد أن يرى الكل الجمال بعينه، فيسألها: “أنتن جميلات حقاً. لماذا لا تظهرن لكل الناس ليشاهدوا جمالكن؟ عندها ستصير قلوبهم حقيقية بالتأكيد”. طبعت قبلة على إصبعه وسألته: هل تذكر قلبك عندما رأيت أول فراشة؟” وحركت جناحيها مرتين ثم طارت مبتعدة بتلك الطريقة التي تحب الفراشات أن تطير بها.

معروف أن الفراشات، لا تقترب من اللهب/النار وتعود ثانية، لتطير. الفراشات تلقي بنفسها في اللهب محترقة، ومفنية ذاتها فيه. أما فراشتنا الأخيرة، التي كلمت بطل قصتنا ونادته باسمه، ثم قبلت إصبعه، وطارت بتلك الطريقة التي تحب الفراشات أن تطير بها، فإما أنها اقتربت، واحترقت، وتحولت رمادا ثم عادت، وقبلت اصبعه، وطارت، كي تعود إليه مرة أخرى: (وكلما سقطت في الأرض محرقة/ عادت كما هي داعي سرها جهراً(عبدالغني النابلسي: ديوان الحقائق ومجموع الرقائق)، فـ”كل فناء لا يعطي بقاء لا يعول عليه” (ابن عربي). ولأن “الخلق سلسلة من التجليات الإلهية: كل حلقة منها ابتداء ظهور صورة من صور الوجود واختفاء صورة أخرى”) (10) أو أنها، لفرادتها، المتمثلة في تألقها بألف لون، وخاصية التكليم، لم تحترق، مخالفة طبيعة الفراشات كلها، إنها تحمل/ تبلغ رسالة، واضحة إلى بطلنا الذي تشبه علاقته بالناس، علاقة الرسل بأقوامهم: لا يستطيع رؤية الفراشات إلا من كان له قلب حقيقي، تثبيتاً له، وتأكيداً على رؤيته للفراشات، التي لا يصدق الناس ظهورها لهم.

وفراشتنا الأخيرة، المتفردة بألوانها، قبل أن تغادر صاحبنا، تسأله: “هل تذكر قلبك عندما رأيت أول فراشة؟”، رداً عن سؤاله: “لماذا لا تظهرن لكل الناس ليشاهدوا جمالكن؟”  ثم تركته ليجيب بنفسه، لنفسه. استدراج للبحث عن إجابة، والتنقيب في ذاكرة القلب الأول؛ أول رؤيته للفراشات.. (وكأن الفراشة هنا معلمة، والبطل متعلم)، سؤال يستحث المتعلم أن يفكر، ويجيب لنفسه..

القلب أولاً.. القلب أولاً..

وقدر في السرد (11):

“من الهراء المضني الفقير أن تؤلف كتب ضخمة وأن تمط فكرة في خمسمائة صفحة بينما يستغرق عرضها الكامل شفاهة عدة دقائق” (12)، والكاتب هنا، يقتصد إلى أبعد حد في استخدام الكلمات، فيعمد إلى الايجاز والتكثيف. قصته القصيرة جداً”فترة” لا تتجاوز 18 كلمة. و”فرصة” 21 كلمة. وأطول قصص المجموعة، آخرها، قصة “الوطواط”: 730 كلمة تقريباً، وإن كنت أرى أنه كان بإمكان الكاتب، أن يختزلها، ويبدأ تلك القصة من سطرها رقم 27، فما ذكره قبل هذا السطر تقدمة كان يمكنه الاستغناء عنها (260 كلمة)، دون أن يخل ببناء القصة، أو مضمونها. فـليس الحذف نقصاً، بل زيادة، إضافة، إنه عملية بناءة وضرورية. حياة الكتابة في إتلافها، إنها دوما كتابة بالمحو، جزئياً على الأقل (13)

على كل، فنحن أمام 38 قصة، تتراوح بين القصيرة، والقصيرة جدا، مكتوبة بـ 12000 كلمة تقريبا، وهذا يلخص، بوضوح شديد طريقة تعامل الكاتب مع الكلمات: الاقتصاد الشديد.

يمكنكم تحميل المجموعة >>> من هنا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

(*) نشرت هذه المقالة في العدد الأول من مجلة فكر العربية- المغرب

(1): من مقدمة أغنيات البراءة والتجربة، ترجمة وتقديم حاتم الجوهري، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 2013م.

(2): المصدر السابق.

(3): أمبرتو إيكو: آليات الكتابة السردية، ت: سعيد ينكراد، دار الحوار- سورية، الطبعة الأولى 2009

(4): أمبرتو إيكو: 6 نزهات في غابة السرد، ت: سعيد بنكراد، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى 2005

(5): عبدالكبير الخطيبي: في الكتابة والتجربة، ت:محمد برادة، منشورات الجمل، الطبعة الأولى 2009

(6): ألف ليلة وليلة، دار صادر،الطبعة الثانية 2008، بيروت.

(7): في موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي: الفراش يطير حول المصباح إلى الصباح ويعود إلى الأشكال فيخبرهم عن الحال بألطف المقال ثم يمرح بالدلال طمعا في الوصول إلى الكمال؛ ضوء المصباح علم الحقيقة، وحرارته حقيقة الحقيقة، والوصول إليه حق الحقيقة؛ لم يرض بضوئه وحرارته، فيلقي جملته فيه، والأشكال ينتظرون قدومه ليخبرهم عن النظر حين لم يرض بالخبر.

(8): ابن منظور: لسان العرب، دار صادر، الطبعة الثالثة 1414

(9): محمد اقبال:الأعمال الكاملة، رسالة الشرق، ت: عبدالوهاب عزام، دار ابن كثير دمشق- بيروت، الطبعة الثانية 2005

(10):من مقالة حول رمز الفراشة بصفته أداة للمصالحة والتنازلات السياسية في الشعر الديني في أواخر العصرالعثماني، عبدالغني النابلسي (1143ه/ 1730م)نموذجا، بقلم: م. م. أباحسين، موقع معابر الالكتروني

(11): قرآن كريم- سورة سبأ، الآية 11

(12): خورخي لويس بورخيس: قصص، ت: محمد أبوالعطا، المركز القومي للترجمة- القاهرة، الطبعة الأولى 2008

(13): عبدالفتاح كيليطو: مسار، دار توبقال للنشر- المغرب، الطبعة الأولى 2014

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ناقد مصري


مقالات من نفس القسم