”حجاب السَّاحر ” لأحمد الشَّهاوي بين الواقع والخيال

سارة حامد حواس
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

د.  سارة حامد حوَّاس*

صدرت رواية ”حجاب الساحر” في شهر سبتمبر ٢٠٢٢ و هي الرواية الأولى  للشاعر الكبير ”أحمد الشهاوي” الذي ولد عام ١٩٦٠ بمدينة دمياط ثم انتقل بعد ذلك إلى قرية كفر المياسرة التي كانت لها التأثير الأول في حياته، وعانى أحمد الشهاوي من الفقد منذ نعومة أظافره، فقد فقد أمه وهو طفل في سن الخامسة، وكان لذلك تأثيرٌ  كبيرٌ على كتاباته، فدائمًا يهدي كتبه و دواوينه إلى أمه ”نوال عيسى” التي كانت سببًا في تقديسه للمرأة وإيمانه الشديد بها وبدورها في إحياء الروح ونورها.

وللشهاوي مؤلفات كثيرة و متنوعه منها ”كن عاشقًا” و”أنا من أهوى.. 600 طريق إلى العشق” و”نُوَّاب الله ‘ و”الوصايا في عشق النساء” و”أنا خطأ النحاة” وفي الشعر ”ركعتان للعشق” و”كتاب الموت” و”سماء باسمي” و ‘لا أراني” وفي عام ٢٠٢٠ قد صدر له ديوان باسم ‘ما أنا فيه ”.. وقد ترجمت أعمال الشاعر والروائي أحمد الشهاوي إلى العديد من اللغات؛ التركية والإسبانية والإيطالية والإنجليزية ولقد حاز على العديد من الجوائز الدولية منها جائزة اليونسكو في الآداب عام ١٩٩٥ وجائزة كفافيس في الشعر في مايو ١٩٩٨ وشارك أيضًا في العديد من المهرجانات العالمية.

في رواية ”حجاب الساحر” تفوق الشهاوي على نفسه فمن يقرؤها  سيجد أن كاتبها روائي محترف يتقن أدوات و فنون كتابة الرواية ولن يصدق أنها التجربة الأولى له في كتابة الروايات.. تتحدث الرواية عن البطلة العاشقة الفاتنة ”شمس حمدي” الذي وصفها الشهاوي بأنها ”من أحسن النساء وأجمل، ولم تأت امرأةٌ منذ حواء أفتن منها وأجمل”.. هي امرأة خمسينية مثقفة فاتنة درست العلوم السياسية وعاشت حياتها الجامعية  مولعة بالسياسة مناهضة للسلطه مُغرمة بتاريخ مصر القديمة حيث تجسَّدت فيها الإلهة سخمت الإلهة اللبؤة، التي لقِّبت بالمنتقمة من المخطئين كما ذكرها الشهاوي في روايته فهي رمزٌ للقوة  والفتنة، والتي أتت إليها لتخلِّص البشر من الشرور والآلام والأوجاع، وقد تحدثت الرواية عن نموذج من مجتمع البرجوازية، من خلال شخصية شمس حمدي العاشقة المتزوجة والتي تعيش حياة تعسة مع زوجها، وعائلتها، وبرغم ذلك كانت تعيش حياة مستقرة مع زوجها و بناتها إلى أن ضربها السحر وتوالت الأحداث المأساوية عليها وعلى بناتها، ذهبت بعدها شمس إلى حبيبها بطل الرواية ”عمر الحديدي” لتزف إليه خبر إصابتها بالسحر ولم تكن تعلم أنه على دراية كبيرة بالسحر ووعدها بأنه لن يفلت يده منها أبدا وأنه سيساعدها في إزالة ومحو السحر من جسدها وروحها وقد عانت شمس كثيرًا من آثار السحر حيث أصيبت في رحمها وأجرت عملية صعبة لاستئصاله وكان لذلك أثر بالغ في روح شمس المفعمة بالأنوثة والفتنة والجمال والتي يصفها الكاتب بأنها ”امرأة تظهر كل ليلةٍ وكل نهارٌ في شأنٍ، إنها نساءٌ عديداتٌ، وليست امرأةً واحدةً تكرر نفسها، إذ هي تامة تعجبُ كل أحد، تأخذ بصرك جُملةً”..

اجتمعت شمس قبل عملية استئصال الرحم مع العديد من النساء اللاتي اختلفت حكايتهن وهن تسع نساء، لكل واحدة منهن حكاية مختلفة وقد استخدم الشهاوي لغة بسيطة  يغلب عليها حس الدعابة في سردهن لقصصهن المؤلمة ووصفهن؛ ربما لتخفيف وطأة الألم النفسي على المتلقي عند قراءته لأحداث عملية استئصال الرحم، فأخذك الكاتب بكل سلاسة وعذوبة من رحلة الألم إلى رحلة حكايات النساء المشوقة الغالب عليها روح الفكاهة.

وتوالت محاولات عمر الحديدي لإنقاذ شمس حمدي من السحر بدءا من قطفه لمئة حبة من “عنب الديب” الذي ذهب ليجلبه من قريته والذي ينمو “شيطانيا” على حواف جسور الأرض والذي كان معروفا عنه أنه سام، ولكن عمر أكل منه كثيرا منذ أن كان طفلا ولم يتسمم، إلى رحلة ”بلوغ المرام” وهو دخول عمر وشمس إلى هرم خوفو ونومها عارية في غرفة الدفن التي يلفها نور الظلام، وقد برع الشهاوي في وصف غرفة الدفن والمكان المحيط به حيث وصفه بأنه ”ملآن بالنوافذ الكاذبة، والأبواب الوهمية، وعدد كبير من الأبواب مُغلقة بقطعٍ حجرية كبقية الهرم هدفها التمويه و الإخفاء”.

وتبدأ رحلة  الإثارة والتشويق عندما دخلت شمس حمدي تابوت الملك الذهبي خوفو ووجدت عبارة تحيطها من كل الجهات قائلة ”الموت سيقضي بجناحيه السريَّين على من يُدنس تابوتي، أو يعبثُ في قبري متجردا من ملابسه، خصوصًا إذا كان المزعج لي أنثى ”ارتعدت شمس حينها من الخوف مما ينتظرها من جحيم ومصير مجهول إلى أن هدأ عمر من روعها متمتمًا  لروح الملك ”أيها المحب، لم نأت إلا لنسترشد بروحك السامية، جئنا متجردين منصتين مصغيين، فاصفح الصفح الجميل، فما نحن إلا من رعاياك في الأرض التي لم تعد طيبة، وإليك الأمر ”..

وقد أبدع الشهاوي في وصف ما حدث لشمس أثناء نومها في التابوت عندما وصف لحظة ظهور الملكة إيزيس لشمس الذي سبقه ظهور  شعاع أزرق ينزل من السماء يحيط بروحها ثم جاءت الملكة إيزيس بجناحيها الذهبيين الكبيريين تنظف جسدها.. عند قراءة هذه السطور تشعر كأنك عبرت إلى عالم الأساطير الذي يملؤه الأسرار والغموض والمخاطر..

وبعد تلك الرحلة الأسطورية انتقل الحبيبان إلى مدينة الأقصر حيث توجد البحيرة المقدسة، التي خصصت للتطهير والاغتسال للملوك والكهنة وعامة الشعب، نزلت شمس إلى الماء لتتطهر من السحر وظلت تسبح في البحيرة حتى قرأت على سطح الماء ”شمس خيِّرة، تُنير الطريق للآتين من الأزمنة، وقيمتها باقية لم تتزعزع قط من يوم أن خلقت”..وبعد ذلك، ذهب شمس وعمر إلى جزيرة سقطرى، الجزيرة التي ليس فيها كلب واحد، وليس فيها أي من الحيوانات المفترسة، حيث إنها واحدة من من أهم أربع جزر في الدنيا، من ناحية التنوع الحيوي النباتي، وهناك نصح علي العمودي وهو صديق لعمر أنه سيحتاج إلى عود  الند في فكِّ كربة شمس، وهو أجود أنواع البخور ولأن في شجرة عود الند أسرار كثيرة فهي دائمة الاخضرار وطويلة ومعمِّرة.

واللافت للنظر في هذه الرواية أن الكاتب أحمد الشهاوي قد ذكر العديد من الآيات القرآنيه وهذا جعل القارئ يشعر بالطمأنينة والسكينة بأن السحر المذكور في الرواية ليس المقصود به الحث على السحر والأعمال بل هو ذُكر لفكه وإزالته من جسد وروح البطلة شمس وهذا فعل خير وحب وليس فعل شر وبغض، ولإيمان الكاتب بتأثير السحر الأسود المدمر لحياة البشر، و تلك لافتة عبقرية من الكاتب لإدخال الطمأنينة والسكينة إلى قلب القارئ..

وقد استطاع الشهاوي أن يمزج بين الواقع والخيال، وهذا ليس معناه أنها رواية واقعية بل خيالية من الطراز الأول و لكن يوجد بها ظلال من الواقع، وقد قال لي الكاتب إن أسماء السحرة هم من الواقع، وإنه يعرفهم جميعا، لكنهم ماتوا من سنوات، ومنهم محمد الديب الذي لم يكن ساحرا، بل فلاح بسيط ولكن الكاتب تأثر من قصة أكله قلب ذئبٍ، وأيضا الهرم والأقصر و سقطرى وكذا لقاء الثلاثاء للنساء التسع..

ولأن الشهاوي بالأساس شاعر ٌ متصوف هاو و كاتب متمرس في أدب العشق، فنجد أن روايته لم تخل من اللغة الشعرية و التي أذكر منها ما أحببته وتأثرت به:

”لا أنسى رسالتَهُ القصيرةَ المُكثَّفة التي أرسلها إليَّ بعد أول لقاء لنا وكُنتُ عائدةً من المصيف، ما زلتُ أحتفظُ بها، وسأبقى، حتى أنَّني حفظتها من كثرة قراءتي لها: “كانت عيناك بحريْن من فِضَّةٍ جاريةٍ، لم أقدر أن أثبِّت عينيَّ في مائهما السَّماوي، كانتا حيراوين قلقتين حزينتين فرحتين مليئتين بالسرِّ الأعظم. كان لهما من اسمك نصيبٌ وقدْرٌ، فهما تجُولان في السُّرور، وتجُوبان بالحواسِّ في العالم المخفيِّ الذي لا يُدرك إلا بالحدْس”.

” امرأة بلا رحم، و رجلٌ وحيدٌ قلقٌ سيواصلان عشقهما معًا بصورة غير مسبوقةٍ، لها من الديمومة صفة البقاء.سأقول لعمر أني أحب في اللغة العربية كلمة ” معًا” فهي كلمةٌ واحدةٌ تفيد المصاحبة واجتماع شيئين، بينما في أغلب اللغات تتكون من أكثر من كلمة، معًا هي الحلول و الاتحاد فيمن تحب، معًا لا تعني رجلا و امرأة، بل هما معًا في بوتقة نار الصوغ”

“قلتُ لها: أنا لا أساعدُ، بل أسْعِدُ نفسي لأنكِ رحلتي التي بدأتها، ومنها ظهرت طريقي التي لا نهاية لها، ولو كررتُ التجربة، ستكونين أنتِ الرحلة نفسها من جديد..”

”و قالت لي: سأطلبُ أن تحبَّني أكثر، أو تنساني أكثر، لا أعرفُ، لم أعُد أعرفُ. ثم مشت شمسُ نحو سيارتها و سمعتُها تقولُ: ”إذا أحببتَ أحدًا فأخبره ليعلم، وكرِّرها ليطمئن يا عُمر”

رواية ” حجاب الساحر ” ستخلد وسيخلد معها عمر وشمس بحبهما الأسطوري؛ على غرار  قصة حب روميو وچوليت وقيس وليلى وبهذه الرواية أعلن الشهاوي مولده من جديد في ثوب جديد كأنه خُلق له.

………………………

* مدرس الأدب الإنجليزي بكلية الآداب جامعة المنصورة

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم