جيتون كلمندي شاعر من كوسوفو يكتب باللغة الألبانية ، ولبلاد كوسوفو وألبانيا صلات مزدوجة مع الشرق والغرب ، فهي تبدو كمصهر للثقافات الشرقية والغربية وللدينين المسيحي والإسلامي ، ولذلك فهي تمثل سبيكة نادرة في عالمنا المعاصر.
القصائد الحديثة التي كتبها كلمندي تندرج ، عموماً ، في تيار الشعر الحديث الذي عمً العالم ولكن شعره ينبضُ ، هنا وهناك ، بالطبيعة المحلية لبلده ، فهو يشير لحياتها الخصبة ولتاريخها العريق ولشخصيات من بيئتها ، وهو يصف طبيعتها وناسها ، وهذا ماجعل للقصائد طعماً خاصاً.
تعتمدُ أغلب قصائده على المفاجأة التي تظهر في سطورها الإخير ، حتى لو كانت القصيدة طويلة ، فهو يأسر بها القارئ ويجعله يفكر بعمقِ وقد يعيد قراءة القصيدة لكي يزداد معرفةً بسبب دهشته ، ويظهر هذا واضحا في أغلب قصائدهِ القصيرةِ وفي القصيدة الطويلة ، نسبياً، التي تتصدر بداية المجموعة :
وصلتً أخيرا إلى بَابَ الروح
شُعَاعَان كَانَا بِأنتِظَارِي
مَرْحَبا ً
هَا قَد إلتَقَيْنا مُجَدّدا ً
أنْت َو أنا و أمِيرَتي
لَكن لا بُدّ لِي مِن تقبّل
حقِيقَة وُجودِكِ داخِل نَفْسِي
نَفْسِي أنَا و كُلّ هَذِه الرّحْلَة
كَانَت مِن أجْل الوُصُول إلى نفسِكِ أنْتِ.
ولطالما يُدهشنا كلمندي بطريقته هذه فهو يتحدث عن شيءٍ فنكتشف في نهاية القصيدة أنه شيءٌ آخر ، هذا الأسلوب الذي ينتشر في المجموعة كلها يعطي صفة خاصةً بالشاعر.
أغلب قصائد كلمندي قصائد حب ، فهو يرى الحب في كل شيءٍ ، يفتش عنه ويمسك به ويعيشه ويمضي معهُ ، بل هو ينادي الحب بأن يعلمه متى يجب أن يحب :
أيّها الحُب
عَلّمْنِي مَتَى يَجِب أنْ أحِب
فالكُل قد توقف
ليَقِيس الأمور وِفْقا ً لمَعاييرِه
والجّميع مُدْرِكُون تَمامَا ً
أهَمِيّة الحَيَاة
لكِن هُنالِك مَنْ بَقِي صَامِتا ً.
يجد كلمندي الطبيعةَ مدخلاً للمرأة والمرأة مدخلاً للطبيعةِ ، ولذلك فهو يلجأ الى خلطهما والجمع بينهما بطريقةٍ شعرية جذابةٍ ، حيث تحلّ تلميحات الطبيعة في المرأة وحضورها :
حبيبتي السمراء هي
نزهتي الأولى
تحت خيالها ينبت العشبُ .
وفي مقطع آخر:
إهدأي حبيبتي
فسأجلب لكِ السماءَ من أنفاسي .
بهذه اللغة الطرية يكتب الشاعر قصائد الحب وغيرها ، وتنتشر في نصوص الشاعر الأسئلة الحائرة التي تسأل أحيانا عن البديهيات وتنتظر من شاعرها إجابات غير عادية ، وهناك أسئلةٌ من نوعٍ آخر تظهر في قصائده تجعلنا نصغي لبوحه العميق أو لحيرته المباغتة :
أيّامٌ عَدِيدَةٌ
بِإنتِظَار
الشُحرور لِيَأتِي
و يُغَطِي نِصْفَ السَمَاء بِجَناحِهِ
لكِن لِمَن سيتبقى النِصْف الآخَر
يُمكِنُني الآن رُؤيَة نَفْسِي
فِي كَفّ يَدي
و أتسائل
مَنْ سَنسْتَدعِي غدا ً ؟
مثل هذه الدهشات ومثل هذه الإنتباهات الغضّة تجعل لغة الشاعر حميمةً ودافئة تتوغلٌ في شرطنا الإنساني القائم على الأسئلة والدهشات المتواصلة .
القلق والإنتظار والحلم والأسئلة ثيمات أساسية في شعره ، وغالباً مايبقي على هذه الأسئلة وعلى حيرته وأحلامه دون إجابات أو حلول أو تفسيرات ، هذا هو فضاء الشاعر جيتون كلمندي الذي يأسرنا بانتباهات جديدة ويجعلنا نتعرف على شعر جديدٍ قادمٍ من بلادٍ عريقةٍ يصل الى القلب والعقل معاً ويضيف لرصيدنا في معرفة الشعر
………………..
*ناقد عراقي
* عن ديوانللكاتب والشاعر الألباني جيتون كلمندي (أحلام داخل الجدار) ـ ترجمة ياسمين العاني