“سراى نامه”.. الدرويش الذى هزم سلاطين الفتنة

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

مفاجأة سارة .. كلمتان تعبران باختصار عن حصاد قراءة رواية "سراى نامه .. الغازى والدرويش" لمؤلفها محمد عبد القهار. من النادر أن تجد رواية بهذا النضج والإتقان لكاتب فى عمله الأول، وخصوصا أنه يتصدى لكتابة رواية تاريخية، ولكن عبد القهار نجح الى حد كبير فى رسم معالم مكانه وزمانه وشخصياته، وألوان عواطفهم وطموحاتهم، وأمسك بفكرته فلم يفلتها، وامتلك القارئ من السطر الأول الى السطر الأخير ببناء متماسك، ولغة جزلة مصورة وشاعرية أحيانا، وقبل وبعد كل ذلك، فتح بابا للحوار حول لعبة الدين والسلطة والسلطان بكل تجلياتها القديمة والحديثة.

ربما تشعر بعاطفته الدينية، بحلمه بعيد المنال فى حكم رشيد، وفى فرسان حقيقيين، ولكن الرواية  عموما  تفضح (عن قصد أو عن غير قصد) حقيقة ما يسمى بالخلافة العثمانية التى تقنّعت وراء الدين والدعوة، لتنتهى الى صراع دموى على السلطة والمال والنفوذ، “سراى نامه” هى كتاب عن حكايات ودسائس القصر أو السراى، السلطان أحمد يقرر أن يقتل شقيقه الدرويش السجين مصطفى، تنفيذا لقانون محمد الفاتح، الذى اعتبر أن قتل السلطان الجديد لإخوته “فريضة” لمنع الفتنة، وتوريث الحكم بدون مشاكل، الفاتح نفسه قتل 19 من إخوته مستندا الى فتوى من مشايخ السلطان، دفنهم بدم بارد، وفى طقس مهيب، ضحى بهم من أجل استقرار الدولة كما زعم،  ولكن السلطان أحمد يكسر هذا القانون، شقيقه مصطفى مجرد درويش يعيش فى عالم التجليات والإشراق الصوفى والروحى، لا يشكل خطرا، ولا يريد السلطة وإن كانت أمه هندان تريدها، وكوسم، زوجة السلطان أحمد، تريد الحكم لابنها، والأمير عثمان وشقيقه الأمير محمد، أولاد السلطان أحمد الأكبر سنا من أم أخرى، يحلمان أيضا بالكرسى السلطانى، عندما يموت أحمد، تسقط كل الأقنعة، يصوّر عبد القهار لعبة الحكم ببراعة، وعندما يوضع الدرويش مصطفى فى السلطة، تبدأ الدسائس والمؤامرات، يدخل دائرة الأطماع داوود قائد الإنكشارية، وراء كل طرف جنود وأغوات وخدم وحشم ومشايخ، ووراء الجميع تاريخ أسلاف مخضب بالدماء، وقتل الإخوة، وانتصارات الحروب، وهزائم النفوس والارواح.

الرواية فخيمة مثل عصرها وزمنها، مزينة الحواشى والأطراف بالنقوش والخطوط، الصراع فيها منسوج بذكاء، وعلى مستويات مختلفة، صراع داخلى فى العقول، وآخر خارجى فى شكل حروب تقود السلطان عثمان الى معارك ضد الصفويين الشيعة والبولونيين، ثم انقلاب جنوده الإنكشارية عليه، يتقاطع ذلك مع تجليات مصطفى الدرويش المنفصلة، ذكرياته عن الآخيان، وهم جنود زاهدون وشجعان ورثهم الإنكشارية والسباهية، فحوّلوا الفروسية الى تجارة وصراع للبقاء، أصبحوا يفنون فى ذات السلطة مثلما يفنى الصوفى فى ذات الله، الكل يتحدث عن القتل باعتباره وسيلة تحقيق نظام العالم، وحماية الدولة، بينما هو يريد أطماعه ومصالحه هو، الرواية التى يصف فيها الأتراك خصومهم الصفويين الشيعة بالفُرس، ويصف الأتراك فيها خصومهم البولونيين بالكفار، بينما يصف البولونيون الأتراك بنفس الصفة، تبدو فى النهاية كجدارية ضخمة للفوضى، ولذلك تفتتح صفحاتها بصور مقلوبة لمعجزات مقدسة، طوفان نوح وعبور موسى للبحر، العالم وقد لعبت به خمر السلطة، فضاع المعنى والإنسان، “سراى نامه .. الغازى والدرويش” رواية خطيرة ومدهشة، تستحضر الماضى لتتكلم عن اليوم، تنتهى وقد وصلت السلطة الى صبى جديد، اول ما يفعله هو أن يقتل بيديه الصدر الأعظم (رئيس الوزراء)، بينما يعود الدرويش الى قفصه وتجلياته الأبدية.

 

 

 

مقالات من نفس القسم