جماليات البناء الفني في رواية كف المسيح لـ د. أمنية صلاح

كف المسيح
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد عبد الحميد خليفة

تتعدد الحكايات الإنسانية ويلمس منها القلوب ما كان منها يردد أصداء النفس الإنسانية وأزماتها, ولكم ظلت الرواية منذ نشأتها تحكي عن علاقة الإنسان بقدره المحتوم ولعل أكثر هذه الروايات إثارة للتعاطف الإنساني ما وجدنا فيها البطل أسيرا لسلطة ما لا يستطيع عنها فكاكا وتظل هذه السلطة تأكل نفسه وتلعب به لعب الرياح بالريشة التي لا حول لها ولا قوة.

 ورواية كف المسيح واحدة من تلكم الروايات التي يجد الإنسان فيها صورة لنفسه الأسيرة لواحدة من هذه السلطات الاجتماعية كسلطة الخرافة وسلطة المجتمع.

تحكي الرواية قصة(سو) وهو اختصار لاسمها (سو سنة) الذي لا تحبه بحروفه الكاملة فتختصره إلى( سو) هربا من فضول السائلين, وهربا من طيف جدتها التي منحتها هذا الاسم, والفتاة (سو), هي فتاة جامعية ذات تربية محافظة دينيًا واجتماعيا متعادلة المشاعر لا تملك أهدافًا محددة تسعى إلى تحقيقها وإنما تعيش كما أريد لها أن تعيش في دائرة ضيقة ومفرغة من أية عواطف وهي مركز دائرة الرواية تتصل بشخوص الرواية اتصالا يضعف أو يقوى لكنه على أية حال هو اتصال يكرس من طبيعتها الهادئة في حياتها الرتيبة, تموت أمها (تريزة) بداء السرطان بعد موت أبيها جمال الذي عاش ومات بعيدا عنها وفي هدوء تام, غير أن جدتها سوسنة التي تنتمي إلى جيل الخمسينيات وما قبلها والتي نالت حظا من التعليم لم يتوافر وقتها لقرينتها بتشجيع من أبيها (إبراهيم أرمنيوس) جعل منها شخصية مؤثرة وقوية وحازمة تبسط رأيها على من حولها, بحسن تدبيرها ورجاحة عقلها, ولما مات ولداها تريزة وجمال أصبحت تتحكم في حفيدتها التي هي جزء من اسمها ( سو) فلم تستطع سو التي غادرت قرية الصيادين بالماكس هي وأمها وأبيها إلى منطقة رشدي الانعتاق من أسر جدتها تلك التي انتقلت لتعيش معها وتمارس سطوتها عليها بعد موت والديها, ولكم كانت سوسنة على عقليتها الراجحة أسيرة لخرافة صدقتها من إحدى العجائز كالنبوءة التي أكدت لها أنها لن يكون لها بعد أربعين عاما من نسل إذ سوف ينقطع ولن يكون لها امتداد فلم تجد إلا حفيدتها سو لتحيطها بسجنها ذعرا وخوفا عليها أن تذهب كما ذهب أبواها ولم يعودا.

أما سو الفتاة الجامعية فتشتبك بخيوط تربطها بشخصيات حاضرة كما ربطتها من قبل خيوط أخرى ربطتها بالماضي مع أمها وجدتها, الخيط الاول يربطها بصديقتها الجامعية المسلمة (تقى)

التي حاصرتها السلطة الاجتماعية المتمثلة في خالتها التي تزوجت بأبيها بعد وفاة أمها فمارست ضغوطها عليها, والخيط الثاني يربط (سو) بأستاذها الجامعي المسلم أيضا ( علي الوايلي) الذي أحبها وكان هو الآخر أسيرا لسلطة الماضي في طفولته إذ فارقته أمه الإيطالية الأصل وهو طفل تاركة إياه لأبيه وقد توزعت عاطفته بين الأمومة الهاربة بجسدها ودينها وأبيه المريض.

ويظل خيطها الرئيس يربطها بجدتها التي أحبتها غير أن رعايتها لها وإحاطتها إياها كان كالسوار لينتج سو الفتاة الطيبة الرقيقة والتي لا هدف لها أو لا تعرف لها هدفا في هذه الحياة, كذلك تربطها جدتها بخيط إضافي بالقس دانيال رجل الدين المسيحي الطيب صديق الأسرة الذي يحاول التواطؤ مع جدتها التي ألحت عليه بأن يسبحث لها عن زوج مناسب هربا من نبوءة الفناء التي تطاردها في أحلامها ويقظتها, وعندما نمت قصة الحب بينها وبين أستاذها علي الوايلي سرعان مايكتشف هو استحالة الزواج من سو إذ كان عليهما معا أن يجابها التقاليد والمجتمع وإشكالية الاختلاف الديني بينهما وتشعر سو برقتها أنها كانت سببا في موت  أمها مبكرا بعدما عرفت حكليتها وهنا يتعاظم الذنب في نفسها وتطلب من القس دانيال  العون والتطهير بالاعتراف ليجد لها مخرجا بأن تنغمس في أعمال الكنيسة وتتجه إلى الأعمال الخيرية بها بدلا من سلك الرهبنة الذي كانت تفكر فيه والذي أثار جدتها حينما علمت به وأهاجها لتصب غضبها عليها وعلى القس معا غير أن سو بمعاونة القس وبجرح حبها الذي أجهض تتجه للكنيسة وتفارق جدتها , وتاختتم الرواية بجدتها التي شعرت بهزيمتها أمام صلابة حفيدتها وتصيبها الكآبة والمرض بعدما أعرضت عنها سو والحق أنها كانت قاسية معها فتموت الجدة وحدها مهزومة لا يشعر بها أحد.

وهذه الرواية لا تجد لدلالة عنوانها ( كف المسيح) وجودا متحققا على المستوى الواقعي داخل السرد, وإنما تجد للعنوان ظلاله أي تجد أثر كف المسيح الحانية تربت على كتف سو وتعالج جراحها النفسية عن طريق مبعوث كف المسيح وهو القس دانيال.

ولقد أدارت المؤلفة روايتها على بناء زمني يتناسب وطبيعة الحكاية التي تبدو من جانب وكأنها رواية أجيال الأجداد والجيل الأوسط وجيل سو الحاضر, ومن جهة أخرى هي رواية تجكي حكاية سو وارتباطها بخيوط اجتماعية بكل من حولها لذلك فهي تشبه من جهة رواية تعدد الأصوات إذ أخذ السارد العليم يحكي عن كل شخصية على اختلاف جيلها الزمني , ثم يعاود الحديث عن الشخصية مرة بعد مرة فهذه الخلخلة والقص المتعمد لشريط الحكاية جعلها متشظية على مراوحات زمنية بين الماضي وشخوصه والحاضر بشخوصه أيضا وهنا تستعين المؤلفة بشتى أنواع التقنيات السينمائية في عرض الحكاية عن طريق الكولاج والقطع المستمر للسرد  لدى كل شخصية ثم معاودة القص فالقطع وهكذا تظهر الشخصية فتحكي جانبا ثم تغيب لتظهر أخرى ثم تغيب لتظهر ثالثة أو نعود إلى الأولى في حركة تقطع وكأنك تشعر أن المؤلفة قد كتبت أولا روايتها في متنها الحكائي وفقا للزمن الخطي الطولي ثم عادت بمقص الفن لتقطعها مشاهد صوتية ثم تعيد خلط هذه المشاهد فتقدم وتؤخر بإدراك واع لصيرورة الحكاية محكمة قبضتها على خيوط الحكاية وإعادة تشبيكها في ذهن القاريء, لتحقق المبنى الحكائي للرواية,  لذلك كان الاعتماد على الاسترجاعات الزمنية الداخلية والخارجية. لذكر حادثة قديمة أو موقف قديم أو إضاءة القاريء بخلفيات بعض الشخصيات ذات الأدوار البسيطة الخاطفة ، ثم كان الاستباق تقنية أخرى لتحقيق الإلماح والإرهاص بحدث سيأتي لاحقا. كما أفادت من تقنية المونتاج الزماني والمكاني الذي يعطي الفرصة للشخصية وهي قابعة في المكان بأن يتحرك وعيها في الزمان البعيد أو القريب. كل هذه المراوحات الزمنية جاءت في لغة  عليا وجمالية استطاعت بها أن تعبر عن المشاعر الإنسانية والحكاية برمتها لتحقق بها تأثيرا يتولد معه خلق جسر بين القاريء والشخصية يتحقق فوقه التعاطف والتواصل وهنا تتحقق الإبلاغية والإنشائية معا.

وهنا يمكننا الوقوف عند تمركز سلطة الخرافة على الإنسان, فمأساة  (سو) كانت نتيجة لخضوع جدتها سوسنة لخرافة تصورتها نبوءة فتتحقق وهي أن نسلها سيفنى بعد أربعين عاما, تحكي سوسنة الجدة لحفيدتها سو قصة تلك النبوءة التي وقعت لها على شاطيء البحر عندما كانت برفقة حنة صديقتها وأم جمال والد سو, (أغمضَت عينيها وتراجعت برأسها إلى الخلف كمَن يستعيدُ ذكرى بعيدة، وقد تقلَّص وجهها قليلًا، وقالت في ضعف:

“كان نهارًا غائمًا، سماؤه مُلبَّدة تنذر بموجةٍ من الصقيع، وبرغم ذلك ساقَتني “حَنَّة” إلى الشاطئ، تلحَّفتُ بشالي الأسود.. أتذكرينه؟ وذهبتُ معها، وكأنني كنت على موعدٍ مع قَدَري هناك.. جاءت السيدة.. افترشَت الأرض أمامي وسألتْنِي عن طلبي.. قلت لها: الغيب.. اقرئي لي طَالعي، قالت: لا يملك الأقدار سوى اللـه يا فتاة.. إنما هو يُمرِّر علمه لأوليائه وأحبَّائه، قلتُ لها بنفادِ صبرٍ: إذًا دَعيني أنهل منه.. أريحيني.. ماذا ينتظرني؟

تناولَت كفِّي يا “سُو” بيدٍ متعرِّقة، مضيِّقةً عينيها ومُتفحِّصة، أخذَتني قسَماتُ وجهها العجوز.. كانت ممتلئة بالتفاصيل، لا زلت أذكرُها للآن، تأتيني في منامي.

“يا رحمن يا رحيم”، قالَتها فانتبهْتُ وخالجتني الظنون.. هتفْتُ بها: “أريحيني!”.

أتذكَّر كلماتها حرفيًّا.. قالت: سينتهي نسلُكِ في العالم بعد أربعين.. وإلى العدم تذهبين! كانت تُنذرني بفقدانكم جميعًا.. واحدًا تلو الآخر..!

جُنَّ جنوني يا “سُو”، تعرفينني كَمْ أحبكم، زاغَت عيناي وداهمَتني البرودة للحظةٍ فارتعشْت.. هتفت بي “حَنَّة”: ماذا بكِ! وهتفت: فلنرحل من هنا. لم تصدِّق حرفًا مما قِيل.. مسكينة!”) ولقد أصبحت هذه الحادثة هي بؤرة المأساة خاصة وأن سوسنة كانت تحلم بها دوما, وأصبح الحلم يطاردها ويشعل خوفها الدائم على نسلها المهدد بالفناء, هنا تؤكد المؤلفة موقف الدين الرافض خضوع الإنسان لمثل هذه الترهات وهذا ما تكفل به القس دانيال الذي تعاطف مع سو ضد خزعبلات جدتها, يقول القس دانيال لها مستنكرا:

 (- لم يخطر ببالي للحظة أن تُسلمي نفسك لتلك الخزعبلات، بل تسمحين لها أن تتحكم في..

لم تعِ “سُوْسَنَّة” باقي الجملة، فقد نطق كلمة “خزعبلات” في لهجةٍ حملت لمحةً من الازدراء، فقطَّبَت جبينها لحظةً ثم لم تلبث أن التفتَت بحركةٍ حادَّةٍ إلى “حَنَّة” التى ظلَّل وجهَها سحابةٌ من الخجل والحزن؛ فأطرقَت أرضًا. أكمل “دانيال” في لهجةٍ حازمة، وإن بدَت متعقِّلةً في ظاهرها:

– أنا أثق في عقلكِ تمامًا، لا تستسلمي لألاعيبِ نفسكِ وتعتقدين في الوهم). ولعلنا هنا قد وقفنا على رسالة الحكاية التي تريد المؤلفة أن ترسلها إلى قرائها وملخصها أن الإنسان قد يقع أسيرا لسلطة الوهم التي تفسد عليه الحياة بجمالها وتفوت عليه الاستمتاع بحياته التي خلق لها.

وكان إلى جانب السرد الكاشف دون استغلاق عن الحكاية تلكم الحوارات التي كانت إلى جانب السرد تخفف من سرعته حينا وتنهض بمسؤلية جمالية حينا آخر. الحوارات في هذه الرواية ربما كانت من أكثر التقنيات لفتا للقاريء بعد المراواحات الزمنية إذ نجحت المؤلفة في بناء حوارات غنية نجحت في الكشف عن أمرين هما مهمة الحوار، و قدرة الحوار على الإسهام في تطوير الحدث الدرامي، والكشف عن ملامح الشخصيات المتحاورة نفسيا وثقافيا، ومما زاد جمالية الحوار أن لغته الفصحى لم تكن حائلا دون تحقيق ذلك كما أنها لم يشعر القاريء إزاءها بانفصال عن واقعية الأحداث،

وبعامة فإن لغة الحوارات نجحت في تحديد ملامح الشخصية وقيمها مابين حزم عند سوسنة، أو براءة ولا مبالاة عند سو وعقل علي الوايلي وتدين وطيبة الأب دانيال وواقعية تقى إلخ, كما أن المؤلفة أضافت تحديثات على الحوارات الروائية الخارجية إذ لم تكتف بحوارات سو مع تقى أو حوارتها مع على الوايلي أو القس دانيال بوصفها حوارات مباشرة بل نقلت لنا حواراتها معهم عبر دردشات الانترنت من خلال الكتابة المتبادلة على لوحة المفاتيح, ومن ذلك حوار دار بينها ليلا وبين علي الوايلي في بداية قصة الحب بينهما يسألها عن صديقتها المقربة تقى (فَتَحَت حسابها على Facebook لتجد علامة خضراء أمام اسمه تفيد بأنه مُفَعَّل، فتحَت صندوق الدردشة بينهما وكتبت له: “It’s Sousanna” وأرسلت بجانب الجملة وجهًا يُخرج لسانه، ما كادت ترسلها حتى وَجَدَت ردَّه قد وصل في الحال:

– كنت أنتظرُكِ!

– ولمَ.

– سَبَق وأن قلتِ لي إنكِ تخافين الرعد، وبما أن الطقس الليلة كما ترين، فتوقعت أن تحاديثني.

ابتسمَت، ثم سرعان ما أخفت ابتسامتها وكأنه سيراها من خلف الشاشة الزرقاء، ولم تُعقِّب.

– لماذا سكتِّ؟

– أريد أن أسألك سؤالًا.. وتجيب بصراحة.

– قولي لي أولًا كيف تعرفتِ إلى تقى بالصدفة؟

– وستجيب؟.

– أكيد.

أخذَت نَفَسًا عميقًا ثم جرَت أصابعها على keyboard تكتب:

– كان أول يوم لي في الكلية، وكنت أجلس متقوقعةً على نفسي.. أنت تعرف.

– “أعرف”، أرسل لها الرد وبجانبه وجه يخرج لسانه.

– المهم.. كنت أجلس في صمتٍ حينما وجدتُ مَن يقول: “لِمَ التوتر؟” ارتجفْتُ من الصوت الملاصق لي والتفتُّ.. لأجد تلك المحدِّقة أمامي، فتاة ذات ملامح عادية ولكنها لوثَتها بطبقةٍ سميكةٍ من المكياﭺ الفاقع، وترتدي سروال جينز ضيقًا تربط على حزِّه قميصًا مفتوح الأزرار أسفله كنزة بيضاء اللون. يعتلى رأسَها حجابٌ يُظهر ربع شعرها المصبوغ بالحمرة الدَّكْناء،…. إلخ) هكذا كانت حوارات الرواية ناجزة استطاعت من خلالها إلقاء الضوء على طبيعة الشخصيات المتحاورة وثقافتها, كما أسهمت هذه الحوارات أيضا في دفع حركة السرد إلى الأمام وتطوير الحدث الدرامي كما قامت بعض الحوارات بدور لافت في تعزيز البعد المعلوماتي والمعرفي تجاه بعض الظواهر أو القضايا كما تظهر من خلال تعريف القاريء ببعض الطقوس الكنسية وما تحمله من رمزية كما يحدث في قداس قيامة المسيح خلال حوارات سو مع صديقتها المسلمة تقى خاصة عندما زارت الأخيرة الكنيسة لأول مرة في حياتها  وشهدت قداس القيامة, كذلك قضية الرهبنة والتصوف الذي كان موضوعا لبعض حواراتها مع علي الوايلي والقس دانيال , وقضية الحجاب لدى المسلمات والمسيحيات التي كانت موضوعا لحوارها المتسائل والشائك بينها وبين صديقتها تقىحينما كانتا في الجامعة وأخذ سو الفضول عندما رأت إحدى المسلمات تعدل من حجابها فلم تجد سوى صديقتها تقى لتفضي إليها بأسئلتها المحبوسة بحكم اختلاف الديانة وهو من أهم وأخطر الحوارات في الرواية.

(- ظللت أتابع فتاة في التواليت تعدِّل من وضع حجابها.. كان اللـه في عونِك، الموضوع يبدو صعبًا جدًّا.

أومأَت “تقى” ضاحكة:

– صعب فوق ما تتصورين.

ابتاعت شايًا لكلتيهما وجلستا ترتشفانه. شردَت “سُو” لبرهة، ثم قالت بتردد:

– أتعلمين؟ كنت دائمًا إذا ما رأيت محجَّبةً في الشارع، تشكَّلَت في عقلي خواطر لا أُظهرها لأحد.. فمثلًا، أليس غرض الحجاب هو التحجُّب؟ أعني أن الغرض منه في الإسلام هو أن تُخفي الفتاة به شعرها؛ بغرض الابتعاد عن الفتنة. أليس كذلك؟

– تقريبًا.

طرقعت “سُو” بالإبهام والوسطى هاتفة:

– لماذا إذًا تختار الفتيات ألوانًا زاهية لهذا الحجاب؟ بل وتُناسِبه مع لون شفتيها؛ ليبدو الوجه في أفتَن صورة. أوَليس المقصِد من الأمر هو إخفاء هذا البهاء بالتستُّر؟

قالت “تقى” ضاحكة:

– تستُّر وتحجُّب؟ من أين أتيتِ بتلك المصطلحات؟

ضحكت “سُو” ثم قالت:

– هكذا سمعتُ المُفتي يقول في التلفاز.

ضحكتا معًا، وصمتت “سُو” للحظة، ثم استطردت في شبه غمغمة:

– ولكن حقًّا يا تقى، تلك الأسئلة تظلُّ تؤرِّقني ولم أجرؤ على الخوض فيها مع أحد.

ارتشفَت رشفةً من الكوب ثم واصلَت من حيث انتهت مُلوِّحةً بيديها:

– أعني أنه إذا كان مبدأ التزيُّن موجودًا لدى الفتاة، فلماذا تغطي شعرها؟ في حين أنها لو تزيَّنت به لكان أفضل لها من تلك البهرجة كلها! لا أقصد طبعًا أية إساءة، ولكني بالفعل لا أفهم، كيف تختار إرضاء الرب بكامل إرادتها وتغطِّي من أجله جزءًا منها، ثم تقوم بتزيين الظاهر ليعوِّض ما هو مُغطًّى.. لماذا غطته من الأساس إذًا!

قطبَت “تقى” جبينها مُفكِّرة، ثم قالت بعد برهةٍ وهي تختار كلماتها:

– الأمر ليس بهذه البساطة، أنتِ ترينَه من الخارج وحَسْب، أي فتاة تحب أن ترى نفسها جميلة كيفما ارتأى لها، لا مثالية هنا. كما أنه… أنه ليس كل الفتيات يغطين شعورهن إرضاءً للـه، هناك أسباب أخرى.

– مثل؟

تلعثمت “تقى” للحظات، ولوَّحت بيدها الممسكة بكوبِ الشاي باحثةً عن إجابة مناسبة، ثم قالت ببطء:

– لا أعلم بالضبط..؛ ربما كي لا تبدو غريبةً ومختلفة، ربما ليشهد لها المجتمع بالأخلاق، ربما هو تقليد تعوَّدت عليه منذ الصِّغَر وأصبح التغيير الآن محالًا، وربما أيضًا إرضاءً للـه.

– وأنتِ؟)

 أما ما ساقته بغرض معرفي عن ضريح الشيخ شيخون بأسوان, فكنت أتمنى أن يأتي الحديث عن بئر شيخون من خلال حوار وليس من خلال إيراده كمعلومة يتدخل السارد لإلقائها إلقاء في سياق سرده. 

ورغم نجاح الرواية على هذا النحو إذ أسستها المؤلفة على لغة السارد العليم فإنني فقط أتساءل هلا فكرت المؤلفة في أن تكتبها بضمير المتكلم لدى كل شخصية؟, على أية حال فإن المؤلفة حرة في اختيار الأسلوب الذي تحكي من خلاله حكايتها وتنقل رسالتها الموضوعية والجمالية, وهذا في ظني ما حققته أمنية صلاح باقتدار.

مقالات من نفس القسم