جمال الغيطانى
حصل الزميل الصحفى والأديب الشاب حسن عبدالموجود على جائزة رفيعة الأسبوع الماضي، هى الأهم على الإطلاق فى العالم العربى، ليس لقيمتها المادية التى تعد الأعلى فى جوائز المهنة، ولكن لطبيعة المؤسسة التى تمنحها، وللشروط الموضوعة لها، وأعضاء لجان التحكيم الذين يتم اختيارهم على أعلى مستوى من الخبرة والأمانة والنزاهة، الجائزة باسم الصحافة العربية، يمنحها نادى الصحافة بدبى، ويشرف عليها اتحاد الصحفيين العرب.
مازلت أذكر اجتماعناً الأسبوعى فى”أخبار الأدب” عندما كلفت حسن بالذهاب إلى وادى النطرون ليقيم ثلاثة أيام مع رهبان الدير وعدد من أبرز أساتذة الدراسات القبطية معظمهم أساتذة مسلمون فى الجامعات المصرية، كانت المناسبة حضور مؤتمر علمى نظمته جمعية مارمرقس القبطية التى أسسها الصديق العزيز الدكتور فوزى أسطفانوس أحد أبرز الأطباء المصريين فى الولايات المتحدة الأمريكية، ورئيس مؤسسة كليفلاند الطبية الأسبق، وهذه المؤسسة متخصصة فى الدراسات المتعلقة بالتاريخ القبطى لمصر، وكان مؤتمرها فى وادى النطرون أول نشاط علمى لها، أمضى حسن عبدالموجود ثلاث ليال فى المقر البابوى بالوادى الذى يقع فى قلب الصحراء الغربية ويضم أقدم مجموعة من الأديرة المسيحية فى العالم، وعاد ليكتب تحقيقاً طويلاً عن الحياة فى وادى النطرون، وكيف اعتمد الرهبان هناك سياسة مضمونها الاقتصاد الذاتى، الذى يؤدى إلى اكتفاء تام، فمن لا يعمل هناك لا يأكل، البعض يزرع أرضاً مستصلحة، البعض يتولى إمداد الآباء والإخوة بالماء. يصف حسن ببراعة ساعدته عليها موهبته الأدبية ما يمكن أن نسميه ثقافة الدير، ثقافة الحياة الرهبانية، وصف العلاقات المتبادلة بين الأحدث والأقدم، قص تاريخ المكان، لعل كثيرين لا يعرفون أن مصر هى التى أهدت العالم نظام الرهبنة، وفى تقديرى أنه مواصلة لتقليد مصرى روحى قديم كان موجوداً فى المعابد المصرية القديمة، إذ يمر رجال الدين بمراحل وأطوار، يتفرغون بعدها للعبادة، وقد استمر ذلك فى الإسلام من خلال الطرق الصوفية التى اعتمدت نظام الخانقاوات فى القرون الوسطى، ذكر حسن تاريخ المكان، وتعرض الرهبان لغارات البربر الذين اعتقدوا بوجود الذهب فى داخل الأديرة، مما أدى بالرهبان إلى بناء حصون تمكنهم من حماية أنفسهم، حيث قاموا بتخزين الغلال والطعام والمياه، تحدث عن ظلام الصحراء والهدوء، وحذّر من الزحف العمرانى تجاه وادى النطرون الذى يهدد عزلة هذه الأديرة، وخصوصية هذا المكان الذى يعد من أبرز الأماكن المتعلقة بالذاكرة الروحية لمصر والمستمرة.
كان ما كتبه حسن عبدالموجود نصاً جميلاً يجمع بين فن التحقيق الصحفى وبراعة الوصف الأدبى، ودقة المعلومة التاريخية. كان نموذجاً للتحقيق الأدبى الذى اختفى من الصحافة المصرية منذ سنوات، والمتابع لـ”أخبار الأدب” يمكنه أن يلحظ التحقيقات الصحفية أدبية المضمون، هذا نوع خاص من التحقيقات تقدمه الصحافة العالمية الكبرى، ولا يمكن أن يقوم به إلا صحفى متمرس وأديب متمكن وحسن عبدالموجود يجمع بين الإمكانيتين.
تذكرت اسمه عندما ظهر لأول مرة فى “أخبار الأدب” عندما فاز فى أول مسابقة للقصة القصيرة أجرتها الجريدة، ثم نشر له أكثر من عشرين نصًا قصصياً فى ساحة الإبداع، كان وقتئذ طالباً بكلية التربية، جامعة جنوب الوادى، قسم اللغة العربية، كانت نصوصه تصل إلينا بالبريد، وكان حماسناً لها متبادلاً، إلى أن جاء حسن عبدالموجود إلى القاهرة، والتحق بأسرة تحرير”أخبار الأدب”، ومع الزمن أصبح من أركانها، وخلال سنوات سبع عمل فيها يمكننى القول إننى لم أعرف الكثيرين مثله فى التفانى المطلق للعمل، أينما جئت صباحاً أو مساء هو موجود، يلبى دائما كل كبيرة وصغيرة فى تفان مطلق وإخلاص عميق، حسن هو أحد أفراد كتيبة “أخبار الأدب” الذين كان لهم الفضل فى أن تصبح هذه الجريدة فى مقدمة الصحافة الثقافية العربية وبدون مبالغة يمكن القول دولياً، فكثير من الصحف الأجنبية الكبرى تنقل عن “أخبار الأدب” وتعلق على ما يكتب فيها خاصة فيما يتصل بدفاعنا عن حرية التعبير، لا أحب الحديث عن النفس، لكن يمكننى القول إن “أخبار الأدب” خلال السنوات المنقضية من عمرها نجحت فى ترسيخ مكانة الصحافة الثقافية المصرية عربياً ودولياً.. وأنها قدمت إلى المهنة مجموعة من أهم المحررين العاملين فى مجال الثقافة، والعمل فى هذا المجال يقتضى مواصفات خاصة، وإمكانيات ليس من السهل أن تجتمع فى شخص واحد، هؤلاء هم الذين يعود إليهم الفضل فى الارتقاء بهذا الإصدار، وحسن فى طليعتهم، وإلى جانب موهبته كصحفى فقد قدم إلى الأدب العربى مجموعة قصصية متميزة “ساق وحيدة” وتصدر له قريباً رواية بعنوان “عين القط”.
إننىأشكر بشكل خاص أعضاء لجنة التحكيم، وحضورهم يضفى على الجائزة قيمة إضافية فهم من كبار أدباء العربية، وليد إخلاصى الأديب العربى السورى، قاسم حداد الشاعر والمناضل العربى البحرينى، حبيب الصايغ الشاعر والمفكر العربى الإماراتى، وجوزيف حرب الشاعر والمفكر العربى اللبنانى.
من حقنا أن نسعد.. وأن نفرح بهذه الجائزة لحسن عبدالموجود، التى هى فى الوقت نفسه جائزة لـ”أخبار الأدب” لدار أخبار اليوم التى أصدرت وتساند هذه الجريدة، من حقنا جميعاً أن نشعر بلحظة سعادة فى زمن وعر.
نشرت بأخبار الأدب
2003