ثلاث قصائد

إبراهيم عمار
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

إبراهيم عمار

أرقُ اليمامة

هناكَ حائطٌ مُغرقٌ بلعابِ الكلابِ
والجنودِ،
وطفلٌ يلعبُ بطابةٍ من الاسمنتِ
والكبريتِ،
وسيدةٌ بثيابِ الصلاةِ تقرأُ أوّلَ الصفحاتِ
من سفرِ التكوينْ:
أولاً كانَ الله
وكانَ ظلامٌ
ونهرٌ قد أسدلَ بعباءته على الأرضِ،
وقوسُ قزحْ.
أستعيدُ كلَّ ما أعرفْ:
لمسةُ حبيبتي قبلَ أن أنامْ،
صفحتي المفضّلةُ من كتابٍ كانَ مقدّسْ،
أجملُ لوحات سليمان منصورْ،
الفراغُ البسيط بينَ حجارةِ سورِ المدينةِ،
دمٌ تخثّر على مصطبةِ المدرسةِ،
عشائي الأخيرْ.
أنامُ قليلاً،
لا أعرف لماذا تسبقني الكوابيس
وتفتح أمامي حدائقَ منْ جُثثٍ
وتُلقي بأسرابِ حمامٍ أمامي؟
أنامُ كما أنامُ دائماً،
أَرقٌ لا ينقطعْ،
مسافةٌ قصيرةٌ تفصلني عنْ موتٍ عاديّْ.

٢٠٢٣/١/٢٨
*
الخروج من طقوسِ القربان

أكتبُ أسمَكَ فَوْقَ جبالِ القدسِ/
أقاسمكَ اللونَ البريِّ وأرسمُ قاموسَ الوردِ بلا تعريفٍ عاديٍّ
أو شوكٍ او لؤلؤتي/
مِسكُ ملاكٍ يتأرجحُ فوق النارِ بلا خوفٍ/
هل نُنهي مشوارَ اللَّه بِلا زنزانةْ؟/
عنقودٌ من زئبقْ/
جبلٌ من تفسيرِ الحرزِ يُخاتمنا،
ينفضُ نهراً، يعبرُ بالسرِّ على عذراء لا تملكُ
إِلَّا التمرَ البريِّ
وحافلةُ التاتارِ يُعيدونَ المجزرةَ على أَهْلِ حلبْ/
طفلٌ يرقُدُ فَوْقَ الدبّابةِ ينتظرُ
الخبزَ من الأممِ المتّحدةْ/
مَنْ سمّاكَ بديلَ اللَّهِ لَدَيْنا؟/
مَنْ أعطاكَ النبعَ وسلَّمكَ الميزانْ؟/
ينتفضُ أميرُ القلعةِ قُدّام الْمَلِكِ، يُغَنّي كالقردِ المأجورِ/
يُصادِقُ عفريتاً، يأخُذُ كُلَّ الذهبِ، يَعُدُّ القِطَعَ
وينعفُها/
مبروكٌ للآتي دونَ مواعيدٍ أو دُونَ حدائق ورديةْ/
*
للقبّةِ رائحةُ الحبقِ/
يُزَيّنُني وجهُكِ والنكبةُ تتراقصُ بين الوحلِ
وبينَ التاريخِ بكُلِّ الصُوَرِ المنسوبة للعتمةْ/
من أينَ يُناسبُني المقداحُ ويرمي بي في البَيدَرِ
ذرّاتٍ من سمسمِ ساحرْ؟/
أزحفُ نحوَ الطنطورة والدمعُ يسابقني/
للساحلِ رائحة الغيرِ،
فَقاربناكَ وودّعنا كلَّ الجُزُرِ، رسمنا خطّاً يوصِلُنا
للفارقِ بينَ الكرملِ أَوْ صفَدي/
أسبحُ بالسرعةِ حتّى لا أغرقَ في الذاكِرَةِ المُرّةِ/
تلحَقُني قنبلةٌ زيّفناها بِاسْمِ القادمِ من جبلِ المعبدِ،
صلّينا،
أينَ نشيّعُ جثمانكَ حينَ نعودُ مِنَ المجزَرَةِ الى
ساحةِ بلدٍ لا نعرفَ منها غَيْرَ الاشباحْ؟/
*
مَنْ يقرأَ تفسيرَ الاحلامِ بلا خجَلٍ أَوْ يترجّل
من خلفِ الجدرانِ لينقشَ تفْصيلَ العصرِ الحاليِّ
على أبوابِ المُدُنِ المُغتصبة؟/
شُقَفٌ يتنفّسها شيخٌ قَدْ عادَ لِتَوٍّ من غزوِ فُتاتٍ
يَتْركُها ملكُ العهرِ لنا/
نقرعُ بابَ الهيكلِ، قِرْطاسٌ يتلوّث بالدمعِ خلالَ
طقوسِ القربانِ، زفافُ عريسٍ نحوَ المجهولِ/
تَناقضُ كونٍ لا كونَ لَهْ/
تنكشفُ الأسرارُ ونمْتَدُّ بها نحوَ الآخِرَةِ/
ونسرقُ شرفَ زناةِ المسجِدِ قَبْلَ شُروقِ الشمسِ/
ونَغسلُ بالرَّملِ الساخنِ بصمَةَ عارٍ نسّقَها
قردُ الصحراءِ بلا تمويهٍ أَوْ عطرٍ ينسَكِبُ
على جِذلِ اللوزةْ/
يَتَدلّى شعرُ حبيبةِ سيّدِنا قُرْبَ مسارِ مجيدو،
فَنَعّدُ الخطواتَ، نلمُّ قصائدَنا ونُرَتّبها فوقَ المذبحةِ،
ولا خوْف على سيّدِنا/
مجّدْناكَ، بحثْنا عَمّنْ يرتكبُ جريمةَ قرنٍ مرَّ بدونِ
ظِلالٍ/
قبَّلناكَ، بحثْنا عَنْكَ وعنْ مقصلةٍ تحملُ اسمَ خليفَتِنا
في القدسِ وفي بغداد وفي حلب وفي نهرِ النيلْ/
مَنْ أنتَ، لِتُغْرِقَ في عمقِ الأعماقِ تراتيلَ الإنجيلِ
وتحصُرنا قُدّامَ القُدّاسْ؟/
مَنْ أنتَ لِتَكتُبَ فينا آخرةَ الموتِ وتَسْكُبَ ما يتبقّى
منْ حطّين على جبلِ الجرمقْ؟/
مَجّدناكْ.
مجّدناكَ أيا موْلانا.
مجّدناكَ الى آخرةٍ تَرْسو فَوْقَ النهرِ بلا قُرْبانْ/

٢٠١٦/٩/٢٨
******

في الطريقِ إلى البئرْ

أسمعُ صراخَ النساء يتسرّب
بلا خجلٍ من وراءِ المقامِ،
أُزيلُ تلكَ القشرة التي تفصلُني
عن حبٍّ خياليٍّ يظهرُ لي في المنامِ
وفِي طبقاتِ التراب التي لا زالت
تحملُ أسرارَ الإمبراطوريات.
أبحثُ دائماً عن ذلك الخط الذي
يفصلُ الملائكةِ عن الشياطين وتجار
الكلمات الرخيصة،
وحتى الآن لم أَجِد ذلك الحدّ، ذلك
الخطّ الوهميّ الذي يتكاثر فيه
المرتّلون والمنظّرون وحاملو الرّايات.
أسمعُ ذَلِكَ الصّراخ تمراراً
وأترقّبُ أن تخرج الناحبة من كابوسها
لتزرع الزنابق التي ستضيء المسار
السريّ.
*
أقفُ تحت شجرة الجمّيز العجوز،
أتخيّل بكلّ ما بي،
أتخيّل مختار الحارة ينحتُ أسماءَ
كلّ من تسلّق تلك التلّةِ على صخرةٍ
وضعها المماليك تحت الشجرة.
هل ننسى الكلمات والصور والمنابر
وتكتّل الغبار على غابة اللوزِ
التي تحيط القصر الذي كانْ؟
ألعنُ الجمّيزة
وأَلْعَن البحرَ
والتابوت الذي يحمل رمادي بعيداً
عن الأَرْضِ مروراً بالكُركبِ البريّ
وبالتّينِ المُجفّفْ.
*
في الطريق الى البئر،
تساقط التاريخ بين أصابعي وترك
شقوقاً تمتدّ من صفّورية وحتّى أسدود
مروراً بخارطة لم يتبقّى منها سوى
لون الرصاصْ.
أعترفُ بأنّ خطوط السماء تُثبتُ أنّي
كنتُ هنا،
وأنّي لن أنحني.
لن أشرب من ذلك النبع إِلَّا إذا انكسرت
الأقواس وكشف شجر الصنوبر عن
مئذنة الجامع التي كانت هنا.
لن أعبر فوق حجارة المقبرةِ،
لن أُبَارِك البيت الذي أصبح مكتبةً
تنسج تاريخاً جديداً.
أستنشقُ رائحةَ الزعترِ البرّي وأتلمّس
كوزَ الصنوبر وأنا أبكي.
*
تحتَ سماءٍ تنزفُ أسماءً تختلفُ كثيراً
عمّا هو واضحٌ في دفاترنا،
فَوْقَ رمالٍ تختلط بقهوةٍ سكبها الملّاح
على شظايا رخامٍ،
أُنهي الحديثَ الرقيق عن بنفسجةٍ التقطها
غاسل الجُثثِ في ساحة الإعدامْ.
قَالَتْ،
ما لون المساءِ حين ينشقّ الصفصاف
عن سماءٍ التصقت بها رائحة الشمسْ؟
قَالَتْ،
ماذا عن تلك البقعة السوداء التي تكمنُ بين
البحر والسرابْ؟
هكذا تتجلَّى الألوان لي،
في لحظةٍ تسكنُ فيها صورٌ ملوّثةٌ
بالصقيعِ وبالنداءِ الذي لا ينقطعْ.
*
هذا المساءْ،
أفتحُ كلَّ الْكُتُب وأقرأُ بأعلى صوتْ:
لعلّ المساء المزيّن بدمكِ الرخيص،
لعلّ الآلهة الناعمة الملمس،
لعلّ البحيرات القبيحات،
لعلّ كلّ شيء ينتهي بإسمكِ
وأنتِ خاضعةٌ للضبابِ وللرّحيق اللزِجْ.
هكذا نكتبُ مآسينا
ونرسمُ تاريخاً يُلغي كلَّ ما لنا
وما غابَ عن خيوط النرجسِ السّام
وعن مسيرةِ العنكبوتْ.
هذا المساءْ،
أقفُ في عتمةِ الذاكرةِ بلا مرافقْ.
*
في حيفا،
أتصفّحُ كلَّ الكتبِ التي أحرقها
جنجيس خان العصريّ،
أُفتّشُ في دمار البيوتِ عن الأسماء
المنسيةِ،
أتساءلُ ،وأحقّقُ بدقّةٍ، عن ذلك البيت
في آخرِ شارع ستيلا ماريس،
من كان هنا في اوّلِ الحربْ؟
في آخرِ الحربْ؟
من شيّدَ الحائطَ المزيّن بالرموزِ
البيزنطية والكنعانية؟
ومن سيّج حاكورةَ الزيتونِ التي زرعها
القدّيس الأوّلْ؟
حيفا تبقى كما هِيَ،
تتأرجحُ بين الموتِ وبين الغروبِ وبينَ
البحرِ وبين الهروبِ مِنَ الآنْ.

مقالات من نفس القسم

خالد السنديوني
يتبعهم الغاوون
خالد السنديوني

Project