ثلاث جثث لسمر طارق أو الإدانة الشعرية للثورة المضادة

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

علي منصور

ثمة دواوين كثيرة صدرت وأطلق عليها دواوين الثورة، أما هذا الديوان (ثلاث جثث لشخص وحيد) الذي كتبت قصائده بين عامي 2013 و2016 للشاعرة "سمر طارق" فهو ديوان فشل الثورة بامتياز. وفشل الثورات أشد وطأة من عدم قيامها أصلا، لاسيما على الشباب الذي يتطلع دائما لمستقبل مشرق فإذا به بعد أن لاح له هذا الإشراق يهوي في ظلمات اليأس والقنوط والإحباط حتى درجة فقدان الإيمان!!

ماذا على أن أفعل

بعد أن فقدت إيماني؟

ربما أفضل شئ فعلته سمر طارق ، تللك الفتاة العشرينية ، أن كتبت هذا الديوان الممتلئ بالشعر الحقيقي والألم الحقيقي والقلق الوجودي الحاد . كتابة شابة جاءت بلسان فتاة وفتى في ذات الوقت، جاءت بلسان الشباب كافة ، الشباب الذي قتل أكثر من مرة ، قبل الثورة وأثناء الثورة وبعد الثورة، ثلاث جثث لشخص وحيد هو (الشباب).

جثة: مرحبا، هل من أحد؟

جثة: كل الأشياء التي ضاعت في الحريق .

جثة: أهذا كل شئ ؟

تكتب سمر ديوانها هذا من المنطقة التي آلت إليها بعد أن سرقت منها ثورة يناير، وبعد أن وئدت ثورة يناير، وبعد أن ماتت كل الأحلام، وحتى بعد كل هذا لا يتوقف القتل!!

قناص يهدي فتاة ميتة

رصاصة زرقاء.

مع هذا، تبقى الجثة قادرة على طرح التساؤلات، وطبيعي ألا تكون لهذه التساؤلات إلا وجهة واحدة، وجهة زرقاء، سماوية، فالبراءة/ الجثة لم تعد تثق في أحد سوى الله، ولم تعد تعول على أحد سوى الله، ولم تعد تبحث عن إجابة إلا عنده، حتى ولو جاء ذلك عبر ما يبدو إجتراء عليه، وتجديفا في الدين، بينما يعكس ذلك أنه هو وحده الحق، وما دونه هراء وقبض ريح . إنها الإدانة الشعرية الحقيقية للثورة المضادة، المرعبة ، التي لا تدع البراءة الثورية حتى بعد أن أردتها قتيلة بالثلاثة!!

لا أحب أحدا

لا أكره أحدا

المذنب

لاأحد .

براءة الثمانية عشر يوما لا تزال حية هنا ، في هذا الديوان ، في الجثث الثلاث ، تلك البراءة التي ربما كانت سبب فشل الثورة ، فالبراءة التي لا تحب ولا تكره ولا ترى المذنب مذنبا هى في نهاية الأمر كارثية بكل المقاييس. تحب سمر أن تقف على الحياد ، لاتدين ولاتدان ، حتى الأخطاء توزعها بالتساوي ، شأن البراءة التي لا خبرة لها بالتلوث والملوثين.

وافقت على أن أري رفاقي

يشعلون النيران في بيتي

ووافق رفاقي على أن أفسد كل تفاح العالم.

سوى أن ما يعنينا هنا هو الشعر ، وهو باذخ حتى الدهشة ، وثري حتى فيضان التأويل ، وقريب حتى الملامسة . الجثة التي تعرف جيدا كل المتسلطين، القناص والصياد والرسام والرياضي وسواهم ، المتسلطين جميعا بسلطة الأزرق/ السماء/ الله، الجميع يتسلط بالأزرق، سلاحا رصاصة ) وطعما (دودة ) وسجنا (إطارا ) ولعبة ( كرة ) بينما الملعب ليس سوى فراغ كوني هائل ، بلا شباك، وبلا أهداف، الجثة التي تدرك ذلك جيدا تكاد تنكر الأزرق ، فقط نكاية في المتسلطين به

لماذا لم يصنعوا في كل بلدة مترو أنفاق؟

كان من الممكن

أن يتخلص الكبار من ميولهم الإنتحارية

.............

...........

السيدات يضعن أحمر الشفاة

والرجال يبتسمون كالبرتقال

وأنا أفكر بغير الأزرق .

الأهداء الذي افتتحت به سمر عملها الشعري يكشف عن عودة  للقضايا الكبري ، الإنسانية والكونية والفلسفية في آن (إلى الوجوه الصامتة على حافة العالم .. ربما يستجيب الظلام)، إنها تتوجه للواجمين بلا حراك ، من الصدمة ،  ولا تطلب منهم شيئا، بل تنتظر الإجابة من الظلام السديمي الذي يحيط بالإنسان ، عله يسمح لهم بقليل من النور، أو أى بصيص من الأمل ، ولو كان كاذبا ، ولو عبر هجرة في سفينة ممتلئة بالأحجار، وبلا طاقم قيادة .

تتحقق الشعرية في (ثلاث جثث لشخص وحيد) عبر عناصر عديدة ، فاللغة نثرية بسيطة تؤلف صورا شعرية قريبة من المخيلة اليومية ، حتى ما يبدو فانتازيا فهو قريب ، والتجريدى أيضا مطعم بالواقع المعاش بطرافة محببة. وثمة هم إنساني رفيع يقود المشاعر والأحاسيس ، بعيدا عن الهوس الجنسي  الذي اجتاح قصيدة النثر حتى الابتذال، الإمساك بالأحلام الجميلة ، بشاعرية العناق بين ما هو عادي وما هو مستحيل ، كما في نص (قبل النوم) يؤكد أن ثمة روحا شاعرة حية تسكن جنابات من يحاول البعض قتله مرة بعد أخرى .

سوى أن القلق الوجودي الحاد الذي تجسد في نص (ذلك الأمر يقلقني) وألقى بظلاله هنا وهناك يشير إلى أن أزمة هذا الشعر على جماله الفاتن وروعته الآسرة قد تكمن في الرؤية المشوشة التي قد تفتك بالموهبة في مهدها . في المجتمعات الغربية قد تأتي هذه الرؤى بشكل متناغم مع المناخ المجتمعي العام المترع بالحرية اللا محدودة ومن ثم يأتي ثمره حلوا لهم ، ولا أحسب أن هذا الأمر سوف يحدث في سياقاتنا العربية .هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإنني، عل الأقل ، أرى في  البراءة الثورية التي تلتحف بالقلق الوجودي وتحتمي بالعدمية  نوعا من الخيانة الأخلاقية للفن أيضا ، فثمة أجهزة معلومة ، وسلطات بعينها وجناة سافرون كالشمس لا يتم الاقتراب منها في هذه المأساة وتتم الإحالة دائما للمطلق .

لسمر طارق أن تزهو بموهبتها الشعرية الغضة واللافتة والحقيقية ، ولنا أيضا أن نزهو بها ومعها ، ولا ينتابنا القلق عليها سوى من قلقها ذاته .

 يمكنكم تحميل الديوان>> من هنا

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شاعر مصري

 

 

مقالات من نفس القسم