أغلب الظن أن وعي وحيد الطويلة بما يقع خلف ظاهر النص. كان الأولى بالعناية دون سواه، يفضحه في ذلك منذ البدء. هذا الرمز المستقل «خلف النهاية.. بقليل » الذي اختاره ليكون عنوانا معبرا عما تضمنته مجموعته القصصية الأول – في تحفظ – لاثنين وثلاثين عنوانا. لم يكن بوسعي تفهم أسباب بعثرته لستة عشر عنوانا منها، وتجميع الباقي تحت ثلاثة عناوين هي “ديفليه. حجر صحي. زيت على توال “.. وبد خول باب التأويل – عنوة – تدرك أن ما ياتي خلف الأشياء دائما هو بداية جديدة لنلك الأشياء. ومن ثم تصبح مناك ضرورة للخروج هن الوجود المادي المجرد. الى تصور اليقين الأوحد لتلك الأشياء بعيدا عن حفرة الايهام بالحقيقة التي يفرض كلينا الابداع الوقوع فيها.. درب عضيء / هم أول لا يلجأ وحيد الطويلة بتشبعه اياه الى التعامل المباشر مع الأشياء نفسها. وانما يطور أفكاره عن هذه الأشياء للدرجة التي قد لا يستطيع معها أن يرى شيئا أو يعرفه الا من خلال نظامه الرمزي مؤكدا قول ابيكيتيوس : «ان ما يقلق الانسان ويخيفه ليست الأشياء. وانما آراؤه وتخيلاته عن الأشياء»(1).
سنواجه – إذن – زحفا وحشيا يغلف نفسه بغلاف من الأشكال اللغوية والصور الفنية والرموز لاسطورية. يسبغ على الوجود بعدا. ربما لا يعرفه سرى وحيد الطويلة.. ولم لا؟ انه يستهل مجموعته،.هو هدرك لذلك. بمقولة كونفوشيوس : “لا يهم من بحكم. طالما أنا الذي أضع الأغاني”. ومتأملا ذاته يما يقدمه من خلال ابيات شعرية أخرى لجمال لقصاص : هل بدأت / هل تأخرت / أعنت أؤجل براءتي كل هذا الوقت ؟!”.. فبدا وكأنه يسوق الينا سحابة صيفية.لا تمطر أبدا. ولا تفرش ظلها فوق لأرصفة المعجونة باللهب. إلا لثوان قليلة. نحترق بهدها ثم نفرق في بحيرات العرق والمللح (2).. هذا بجعلنا ندخل عالمه ونحن أكر حذرا، فما أشد فدفاعه ناحية الجحيم. إنه ببساطة يطرح بكل لأشياء الجميلة التي حملنا بذرتها منذ لحظة الفرح لأولى، يطرح بتلك الأيام التي حاورنا دهشتها أحلامها وحاورتنا. ولا مانع من أن تتداخل الآلات تختلط النغمات. ويصبح كل شيء خاضعا لمزاج لعازف ومدى مهارته. ولا مانع من أن تتهجى لأيام حروف النشيد وهي بلا أبجدية. لتمتص دم لمسلمات الواقفة على مشارف الحياة بخجل وبراءة بدلية تقترب من الشعر.
يسلمنا هذا من التخلي أحيانا عن معايير النقد لمألوفة ونحن نتأمل هذه المجموعة / السيمفونية الى التماس الاحساس بالارتواء من نفس الاحساس بالظمأ عبر النسيج المجدول من الشكل قالبا وأسلوبا وايقاعا. والمضمون فكرا ورؤيا. وهما لديه وحدة واحدة لا تتجزأ. تفجرها الحساسية النفسية والحساسية اللغوية للنص ذاته. فيتشكل لا من تضافر بين الواقع المادي والمتخيل. في جدلية من ثلاثية الزمن الماضي والحاضر والآتي متوغلا في المكان. بل من تضافر غير المرئي وتأمله في جدلية من ثلاثية الماء والنار والظل. بدرجة هي الى الشعر أقرب منها الى النثر. فتصبح أصالة المبدع لا تعني الصدق النفسي والفني. وعدم تقليده لغيره أو تفرده في الرؤية فحسب. بل صعوبة العثور على تصورات له تنتمي في بعض تجلياتها الى حقول دلالية لدى شوامخ المبدعين(3).. كما تصبح أصالة النص لا تعني فقط مجموعة من التجارب الحياتية أو الخبرات الفنية، إنما ما يعمق تلك العناصر ويثريها فيجعل المتلقي بذلك. أكر عراقة في انسانيته. كما يقول المازني بنفس الدرجة التي يتحول فيها النص بين يدي المتلقي الى عبارة احتواء لمشاعره وهواجسه. اذا انساب وادعا رقراقا لا يصخب ولا يثور أو إذا راودته نزوة التمرد والانفجار.
هذه العراقة الانسانية في العلاقة المتشابكة بين النص وقارئه. هي التي فرضت كما ازعم على وحيد الطويلة الا يتكلف النص، ولا يصطنع الاحساس أو الفكرة، بل دفعته الى التمسك بمكانة العاشق الذي يتنفس الوجود. إنسانا وطبيعة. في مسيرة لا يقلد فيها أحدا. بل يطل فيها وفيا لطبعا ولطقوسه لا يبدلهما، في الاطار الذي وجد نفسه ملتزما فيا بالسليقة أكر منا بالاكساب، فجاء صوتا غنائيا بسيطا متوجها بإيقاعه الصافي الى اكثر المشاعر عضوية، فبدا وكانه يساعدنا على احتمال هذا العالم المريض بفرط الحساسية الفكرية ومطاردة المشكلات الزمنية الصارمة بكل تعقيداتها. تلك التي يطرحها الفكر والفن والأدب. من خلال الأداء الفني المسر.
ولا يعني ذلك بالطبع انا لم يفد من حصيلة معارفه وتجاربه-على اتساعها-ومطالعاته لفنون التراث الانساني في شتى انواعا على اختلاف الزمان والمكان إلا صقل ادواتا التي يعبربها من هذا المخزون المتشكل من فيض ما استوعبتا. ولك الطقوس التي تطابق شخصيتا، خاصة اذا التفتنا الى خاصية اعتماده على استدعاء الذاكرة وهو يكتب في أماكن عامة. المقاهي تحديدا، انما يقترب مما دعا اليه هوشي في كلمته المشمورة “من لا يفني لا يقاتل ” ولأن الغنائية سلاحه. وهي لغة شعورية شاعرية. يأتي التوحيد بين أدته والمجوع. فلا يصدر ابداعهن أحلامه وآلامه وهواجسه الفردية. بل من بحر المجموع الصافي فيصبر النص مرآة صادقة للواقع الجمعي. ومقاربة للجو المحلي في عفريته.. مما يدعوه الى الاقتباس أحيانا من قاموس اللهجة العامية في القصص التي استوحاها من شخصيات أو أجواء ثسبية أو ريفية مثل “حمام جدتي يقرأ التشهد. خلاصة كبد النمل، الشيخ بونابرته. وغيرها”. فلا تغريه غنائيته الى المبالغة والغموض إلا في مناطق قليلة ترتضيها أحيانا الحاجة الفنية دون تعتيد. مثلما لا تغريه أيضا الى ايثار سهولة الألفاظ والتراكيب والمعاني التي تشبا محفوظات الأطفال الهادفة الى أغراض تربوية. بل تظل الورود المتوهجة بأنفاس الحياة هي المقصد / الدافع الى مستوى ابداعي يتمثل في تلك الومضات الشعوبية الشاعرية وهذا ما يحتاج منا الى وقفة.
تكوين جمالي متسق
تزخر المجموعة بالمشاعر الجياشة الملكئة بين المرارة التي تكاد تبلغ أحيانا حافة الاكتئاب والسنوية اللاذعة. كنا لا يسقط في مهاوي الاحباط لأنه مدرك دورة الليل والنهار. بصير بحتمية البداية الجديدة التي تختفي فلف النهاية بقليل. وبين ما تمثله هذه البداية فى عناصر مية مضيئة مقطعة الى فرح يراوغ .. ثم تبلغ شحناتا الشعورية ذروتها في بعض القصص التي تجيء بمثابة ثمرة تجربة امتلأت بها الكأس حتى فاضت. فكانت المشاعر أكثر سيطرة من العقل والتخطيط. مما منحها عفوية الحياة ودفئها مثل “فضاء ضيق. السيارة ليست للبين. مضاف ومضاف اليه. برزخ ” وغيرها. في معمار شعري متقن نسيجه مضفور. لغة وتصويرا. جعل للقصة تكوينا جماليا مستقا وبناء هندسيا محكما بخيوط دقيقة. وجعل وحيد الطويلة شاعرا أضل طريقة الى القصة. ولذلك عدة براهين.
أول هذه البراهين التضمين. وهو من أهم الظواهر الفنية التي استحدثتها القصيدة المعاصرة منذ عصر الريادة في أواخر الأربعينات (5).
حيث يتم توظيفه كعامل اثراء وتعميق للرؤية الشعرية وهو ما لم تألفه القصة القصيرة كثيرا. ولا يكتفي وحيد الطويلة بالتضمين كاسلوب فني عرفه الاسلاف من شعراء العصور المختلفة. بل يعتمد تطوره أيضا وتشعب ابقاءه وتعدد الوظائف التي يقوم بها في بناء القصة / القصيدة. بناء موفيا بأغراضها شكلا ومضمونا حتى اتخذ اسما يكاد يبتعد عن الأصل لكثرة ما جد عليه من تفريعا- وتحولات وهو «القناص » في الأمثال أو العبارات الشعبية أو الأقوال والمأثورات الشعرية وحتى من الأساطير – اسطورة الندامة -وهو يلجأ الى ذلك شعوريا أحيانا ولا شعوريا أحيانا أخرى على سبيل التضاد. أو التوازي. لكنه بحساسيته يعي جيدا أهمية الحفاظ على وهج التجربة الفنية مبتدأ عن كثرة الاحالات المقحمة على النص والتي تؤدي الى ضعف استجابة المتلقي. بل ربما نفوره. فيقول في “أطاف” مثلا “العربات على قلق والريح تحتي” وهو تضمين شعري وفي مضاف ومضاف اليه “الحي أبقى من الميت ” وهو تضمين من الحمر الشعبي. وفي برزخ “تغيب فأسرج خيل ظنوني” وفي تواطؤ “ويعرف أن السماء تخبيء أقمارها في قميصه ” وهو تضمين شعري أيضا، وفي لا تكذبوا.. أنتم لا تعرفون عناق «حامل الهوى تعب » وهو تضمين شعري غنائي.
ضفيرة متماوجة الألوان
وثاني هذه البراهين يتجسد في أسلوب التراسل بين الكلمات وفيه يخلع على الأشياء وصفا ليس من شأنها. ونجد ذلك كثيرا في -التسع والعشرين قصة التي تتضمنها المجموعة يقول مثلا في «أنا حزين.. ويخير» : «تتذكر أنه لم يكن من المناسب أن كترش بضفيرتها المتماوجة الألوان ” و”أطلقت البحر في تنهيدتها ” و”تنتفض كالسمكة على السطح الساخن أمام التفاصيل الصغيرة ” و«كانت المقاعد قلقة تحتنا» و«غجرية الملامح والتضاريس» الى غير ذلك. هذا أسلوب للشعر في الأساس لا القصة. ثم يأتي البرهان الثالث في اشتعال الختام. والشاعر يعرف بختامه لا باستهلاله. لأن براعة الاستهلال وفقا للمقاييس البلاغية القديمة لم تعد شوطا ملزما للشاعر المبدع. إنما تكمن العبقرية في الختام أو الكريشندو اذا استعرنا لغة السيمفونيات. حيث يركزا لمضمون كله. وكثف التجربة التي فجرت العمل الغني. وإذا عدنا الى خواتيم وحيد الطويلة ستلفت انتباهنا أكثر من بداياته.
ويحقق لنا هذا البرهان الثالث تحديدا خاصية أساسية في لغة وحيد الطويلة. هي التنامي المطرد للعمل فيتشابه بذلك مع الدراما بمعناها الذي يرفض أن تكون دوامة تدور حول نفسها. إنما موجات تتتابع وتكبر وتتسع. موجة بعد موجة. دائرة بعد دائرة. وهي التي تمثل لديه لحفلة التنوير. فلا حبكة تقليدية متقنة ولا سرد متسلسلا. إنما هو يصور وينحت ويعزف ويفني. فتتحول الكلمات الى تماثيل ولوحات ومشاهد ومعزوفات بطريقة يجتمع فيها
الكل في واحد. ثم يأتي رابع البراهين في التكوينات الثنائية القائمة عن المفارقة أو التجانس. والمفارقة لا تقوم على تباين السميات في الشكل أو اللون أو الصوت. إنما على تباين الدلالات والغايات. وهذا التباين -وهو الأكثر – يجعل لتلك التكوينات تنوعا متحركا في إطار معرفي متآلف. حيث تتعدد رؤي الوجه الآخر الذي لم يكشف عنه. وهذا زخم شعري (6) يؤثر فيا الشاعر أن يجعل المألوف مثيرا للدهشة. راصدا غير المتاح ليقع في دائرة المعرفة المتاحة.
وخامسها : ظاهرة تشخيص اللغة وهي طاهرة شعرية تتضمن زاويتي نظر متحالفتين. احداهما تكشف عن جوهر المبدع. بينما تضنيا الثانية تحديقا وتلمسا. فإذا انكشف عنه التحديق والكسر عاوده هم التعبير والتحبير (7)… يقول وحيد الطويلة على سبيل المثال في فضاء ضيق : «وحين ترسل لها مع حمامك الزاجل رسالة الهوى تنفش ريشها وتتول انها مازالت صغيرة. وتريد ممارسة الطيران وحدها فترة أهول قبل أن تسكن القنص. تخبي، أعوامك الستة والثلاثين في حزن عابر اعتدت طيا بقلبك الذهبي. وتتساءل بلفة نحاسية أيضا. لماذا تطن هذه اليمامات أنك بلا أجنحة ؟!» انه ذو فبيعة حسية. يستطيع الاحساس بالأشياء عبر تشخيصها. فيسهل له تبين الألوان والظلال وتشمم الروائح وتلمس الأشكال. فيصل الى مستوى من الرؤية الحيوية للكون الذي يبدو أمامه في تخلق مستمر. صيرورة دائمة. بل ومزاوجة ومقاربة وتوالد. ولذا تتجل الصورة الفنية لديه دائما بالرغم من أن رغبتا في التجريب شديدة الحيوية والتألق في التعبير من واقع اجتماعي. فتجسد -هذه الصورة -ملكة الرؤية الشاملة. ولك تحتاج لبنائها ملكة ادراك المفارقة والمشابهة لا ملكة ادراك التمايز وتوحد الأشياء. والملكة الأول يحتاج اليها الشاعر الحساس الذي وصفه العقا، في مقدمة “وحي الاربعين ” بقوله : “الشاعر الحساس لا ينبغي أن يتقيد إلا بمطب واحد يطوي فيه جميع المطالب. هو التعبير الجميل عن الشعور الصادق “. فهل يخرج عرى وحيد الطويلة في مجموعته عن دائرة “التعبير الجميل عن الشعور الصادق”؟!
قاص مرحلة الانتقال
الحق أن وحيد الطويلة – في رأيي- هو قاص مرحلة الانتقال. الذي أجاد الفكاك من عيوب القص المعاصر. بحكم سيطرة الموروث الأدبي. عبر لغة متميزة لا تعتمد على الايحاء بقدر ما تلجأ الى التحديد. المقيد بالتأمل. ولو لانت الألفاظ رموزا لمرموزات تستعمل لدلالتها الايحائية لا لدلالتها الواقعية. كانت لغته -على اتساع منابعها.لسانا يخلع الشاعرية على فتات الحياة النثرية. ونحن لا نستطيع أن نحاسب مبدعا على اتساع عالمه. فتك ميزة تحسب له لا نقيصة تحصب مليه. لكننا نطالبه حين يتسع عالمه أن تكون زاوية رؤيته لهذا العالم المتسع محدودة. بحيث يصبر لكل موضوع زاوية الرؤية التي تنسجم معه وهو ما يفعله – دون أن نطالبه -به. ولأن المسافة التي يعبرها الفن هي المسافة بين الواقع الواقعي والواقع الفني أو المسافة بين لغة الجمود ولغة الحركة. لا يعبر وحيد اللويلة عن تباين شخصياته بتباين المستويات اللغوية -الايهام الشائع المبتذل -وانما بإثارة المعنى واثارة ظلاله وكشفه وان لم يبق منه بقية لحدس القاريء بعد تأمله. وعلى طريقة أن يوليوس قيصر قد يتحدث الانجليزية في مسرحية شكسبير. وأوديب قد يتحدث الفرنسية في صرح اندريه جيد وكوكتو. وايزيس قد تتحدث العربية في صرح توفيق الحكيم. لا يضير وحيد الطويلة أن تتحدث زوجة الأب الفلاحة في «وصية أخرى للقمان » قائلة : ألم أقل لك لا تتعارك معه ؟ الاتعلم أنه أخوك ؟ لغة تنتسب الى العربية الفصحى بأوثق رباط. حرصا على سلامتها وبعد عن علل الترخيص.
وفضلا عن هذا – بعد الاستطراد -تتمثل الخاصية الشعرية السادسة في قصص وحيد الطويلة في التكرار أو الترديد. وهي خاصية فنية عريقة في الشعر العربي وغيره. نجدها عند مالك بن الريب كما نجدها عند توماس إليوت. ووحيد الطويلة لا يجيد توظيفها فحسب. بل يوفق دائما في هذا التوظيف. فيربأ بها عن استخدامها كمتكأ للاسترسال. بل تصبح في كل مرة مثال انبعاث لنشوة المتلقي. والأمثلة كثيرة. وذلك نجده يعتمدها – كما في الشعر – عاملا لغويا من عوامل تجسيد الاستمرارية للمتحدث عنه أو المحور الذي يدور حوله وان تغير- المواقف وهذا نجده أيضا بكثرة لدى امريء القيس. يقول وحيد الطويلة في مفتت ح فضاء ضيق ” في المقعد المواجه في المقهى المعتاد “. وفي السيارة ليست للبيع “في مقعد ليس بعيدا”. هذا على مستوى القصص المتعددة. أما على مستوى القصة الواحدة فيقول مثلا في كوكتيل “على مقهى يليق بالحدث لا بالحديث. ثم «على مقهى يليق بالحديث لا بالحدث ثم على مقهى يليق بالحدث والحديث ». أما في برزخ فيقول “تغيب فأسرج فيل فنوني ». ثم «تغيب فلا أسرج خيل ظنوني». وفي قصة خلاصة كبد النط يعيد «طق طق » في مواضع مختلفة. وفي أنا حزين ويخير يقول : «ماتت التي كانت سنتف بجانبك » ثم «ماتت تركتنا للعراء». وفي نغمى القصة يقول أيضا >تتذكر. كان وجه الصبي» ثم «تتذكر الآن جيدا » ثم «تتذكرانها أطلقت البحر » ثم «تتذكر عندما كنت في النص سأخذا يؤدي الى الاقلال من الاخبارية( 8) لكننا- مع عدم انكار ذلك – لا نفترض وجوءه عند التعامل مع نصوص وحيد الطويلة، عملا بمبدأ القائلين بترك الأمر لما يسفر عنا التحليل. أو بمينة أخرى. مبدأ الانتقال من التقعيد الى الوصف والتشخيص -وهو ملمح سبقت الاشارة اليه -وهو المبدأ الذي نلمحه لدى ابن الأثير حين تعامل مع التكرار في القرآن الكريم. مؤكدا فاشدته في إهار السياق المقالي والسياق المقامي. وهو ما يدل على احتمالية وجود معنى واحد – كما عند وحيد الطويلة – والمقصود به غرضان مختلفان أو أكثر. وهذا يؤكد -من ثم -اثبات الفارق في المعنى، فضلا عن ميزة التكرار في الربط بين أجزاء الكلام وتنشيط ذاكرة المقلتي. استجابة لمركزية يدور في فلكها الايقاع. والنفس البشرية قد تكون – شيء في فبيعتها – قادرة على الاستجابة لايقاعات تتخذ نواة جذرية مركزا لها. ثم تنشأ حول هذا المركز نواة ثانية أو أكثر(9) بمعنى أن الانسان يتفاعل مع عنصر جذري أساي وحيد. يقع في مداره عنصر أو عناصر أقل جذرية ولا يفوتنا. بالمناسبة -أن بنية القصيدة ير شعر أبي تمام كان تعتمد على ذلك.
التجانس الصوتي وكثافته
هذا يعني – بالتبعية -استفادة مبدعنا عبر هذه الخاصية. من قاعدة ازدواجية اللفظ التي تسمح باستعمال عدد معلق من المدلولات من عدد قليل من المدلولات. وهي قاعدة تقود اللغة الى التجانس الصوتي الذي يقترح قرابة في المعنى. وفي الشعر يتم تقييم كل تشابه في الصوت على أساس علاقته بالتشابه في المعنى. ولذلك عند تطبيق القاعدة التي صاغها بوب بقوله : «هل الصوت أن يبدو كما لو كان صدى المعنى »(10) على الكثافة الصوتية للألفاظ التي يحتويها قاموس وحيد الطويلة في مجموعته. سوف تكتسب أبعادا تؤكد حاميات جوهرية في البنية الايقاعية. أهمها تقسيم الجمل الى وحدات تشطيرية أكثر كلما كان هناك وحدات تنتمي الى بنية تركيبية تهييء لقانون التمانل والتراكم. ومن هنا يبدو تحفني الأولي منعلتيا. فعمل فني يضم كل هذه التقنيات لا يمكن بحال أن يكون باكورة أعمال صاحبه وإن كان افترن كثيرا حتى فاض به الكيل. انظر ماذا يقول مثلا في قمت أر نمول «وأنت لست سوى المماحك المتماحك / بين نني العين وباب الروح / لها أن ترشف الشاي والعاشق رائحة النعناع ” وفي قمته شاي مر «أفلتت نسمة من قبضة الأغنياء / حطه البحر أمامي. أفلق أصواتا عرجا، بما يكفي لتنبيهي ». وفي المدينة «بائع الكتب في الزاوية يبيع الكتب والكتاب.ألخ.. وبالتالي فإنه إذا كان الشعر يستجيب لقاعدة التوازي.الصوت. الالته.. فإن لغه وحيد الطويلة يميل الى تجانس الكلمات التي تنتمي الى قطاع واحد.
انها بعض السمات الاسلوبية التي نلحظ منها حرصا خاصا من جانب مبدعنا تجده الألفاظ التي كانت شاغله الشاقل سواء عل المستوى الفردي أو التركيبي- تركيب الجمل – غير أن هذا المرص تمثل عل المستوى التركيبي بصورة أكبر مما هو عليه عل مستوى اللفظ الفرد. ولذلك تظ الألفاظ في تجاذب ستمر. ومن نتاج هذا التجاذب. تشع قيمتها وتنتظ في الالتها. فلا تتحدد أبعاد اللفظ إلا من خلال علاقات التجاذب مع غيره. ومع هذا الخلق. تكثر ذبذبات الايقاع وتتعدد ألوان الشكل فتظل حساسية النصوص النفسية واللغوية مازجة وفي شاعرية بين الماء والنار والظل. مؤكدة أن الحقائق الصفري. هي تلك التي جاءت نسبتها الى صدقها. فليشر وحيد الطويلة براءته مطمئنا الى حيرته. وليجن من عناقيد القصة لم القصيدة ما ينش به أدته. دون أن يتنازل في المستقبل القرب عن الرواية لم القصيدة أيضا. مع صعوبتها، وليمنح الحياة من المعاني الجميلة ما يلهمها الخيال والحب ولنبتسم محتفلين معه في النهاية. بصدور مجموعته القصصية عن مركز الحضارة العربية. ولنبتسم ثانية. فإن في الأرض من التجهم ما يكفي ليثقل قلوبنا، مصداقا لقول الشاعر الأمريكي ويتمان ه احتفل بنفعي واتفنى بنفسي لم وكل ما أدعيه أنا.. عليك أن تدعيه لم لأن كل ذرة تنتمي إلي.. تنتمي اليك “.
المراجع
ا – محمد محمود بدا لرازق -فن معايشة القصة القصيرة -هيئة الكتاب.
القاهرة 1995.
2-محمد الرفاعي – عربة اسمها المسرح -محطات للانتظار محلات للسفر – هيئة الكتاب -القاهرة.997 ام.
3-د. حسن فتح الباب – سمات الحداثة في الشعر العربي المعاصر – دراسات أدبية – هيئة الكتاب – القاهرة 1997م.
4-د. رشاد رشدي – فن القصة القصيرة -مكتبة الا نجلو المصرية -القاهرة. 1959.
5- هنري ودانالي توماس – اعلام الفن القصصي- ترجمة شار نوبة – دارالكتاب المصري 1956م.
6- سلاح عبدالصبور – نبض الفكر – قراءات في الفن والأدب -د.عزالدين اسماعيل – هيئة الكتاب -القاهرة -1998م.
7- د. جميل عبد المجيد -البديع بين البلاغة العربية والسانيات النصية -دراسات أدبية – هيئة الكتاب.القاهرة -1991م.
8- رونالد دافيد لانج.الحكمة والجنون والحماقة -سيرة طبيب نفسي- الألف كتاب الثاني.هيئة الكتاب 209.
9-د. سيرية يحيى المصري- بنية القصيدة في شعر أبي تمام. دراسات أدبية.العيشة 997ام.
10- مذكرات كازانتزاكي. ترجمة ممدود عدوان. دار ابن الرشيد لطباعة والنشر – بيروت – 1980م.