راما غيث
العين الأولى: من الأرض للسماء
ممسكًا في يد أمهِ، وهي تتبضّع من السوق، تابعت عينيّ الصغير عصفور؛ هبط ليلتقط الفتات من جانب الجدران، وفجأة طار، أشار بيده ولم يكمل جملته:
– العصفورة طا..
قطع جملته رجّة قوية للأرض، وسادت الفوضى، حملت الأم صغيرها، انطلقت خطواتها مسرعة وهي لا تعرف لها وجهة، انكسر القفل المعدني للباب الخشبي بدكان عم حسن، فانفتحت الدرفتان، تدحرجت كرة صغيرة للرصيف، سقطت فتاة بعجلتها متألمة تنظر حولها خائفة، بالتزامن مع مروحة معلقة في ركن القهوة المطلة على ناصية الشارع، فتسببت في كحت دهان الجدار، يهرول القهوجي من القهوة قائلًا:
– لا إله إلا الله تسونامي ده ولا ايه يا جدعان!
السماء تتلوّن فجأة باللون الرمادي دون سابق إنذار، حبات كبيرة من المطر تتقاذف فوق الرؤوس، هرولة وجري بين الناس يمينًا ويسارًا، يخرج فجأة من باب بيت رجل كبير يرتدي بدلة قائلًا:
– كتبت وصيتي وأخليت زمتي يا رب.
هواء شديد يجلب معه بقايا خشب وقمامة طائرة، البعض يحتمي داخل سيارته، والبعض يقاوم الهواء الراغب في اقتحام دفء المنازل بغلق النوافذ، يمسك أحدهم رأسه النازفة في اتجاه أقرب مستوصف.
سيدة عجوز متربعة الرصيف لم تتململ من مكانها، صرخت وهي ناظرة للأعلى:
– اتقوا اللــــــــــه.
**
العين الثانية: من الداخل للخارج
داخل المنزل أعاني من خدمة الانترنت الغير مستقرة، فجأة اسمع عواء الرياح بالخارج، أفتح النافذة فيدفعها الهواء البارد للداخل، أنقذ ما هو مرصوص على حبل الغسيل من الطيران، تدور أمامي أوراق الشجر المخلوعة فروعها، السماء رمادية، دوامة هواء تقترب، وفي الأسفل هرولة الشباب المتنطع على الناصية، والجارات يتبادلن الظنون:
– ده ايه الشتا اللي جاي في الصيف ده
– مش عارفة ده معداش علينا الشتوية اللي فاتت
– وهو اللي فات ده كان شتا
– باين له تسونامي وهنغرق خلاص
– لمي الغسيل يختي لاحسن يطير ويطلع اللي بيقولوا عليه استمطار وبيجربوا فينا
– وده يطلع ايه الاستمطار ده كمان.
– ابقي اسألي المحروس ابنك.
تجمع كل سيدة منهن ما لها، نجحت إحداهن في غلق نافذتها بينما استعانت الثانية بابنها قائلة:
– يا واد اتحرك واقفل لي الهباب ده وقولي ايه الاستمطار ده بقى.
**
العين الثالثة: تاريخ النهاية.
أسهر كالمعتاد في الشركة أغلق باب المكتب، أدير ظهري للنافذة المطلة على المدينة من الطابق الثالث، هربًا من التشتت عن المهام المتراكمة والمطلوب الانتهاء منها، أشغّل الليلة الكبيرة حيث صوت المولد الذي يخلق ونس وحماس الإيقاع، كلما اندمجت أكثر كلما أنجزت أكثر، مع دقات الساعة الثانية صباحًا، وجدت عامل الأمن يقتحم المكتب فجأة، أوقفت الأغاني، نظرت لملامحه الفزعة متسائلًا:
– خير يا عم محمود في ايه؟
– عربيتك يا مستر وائل، اتدغدغت.
لوهلة أظنه يمازحني، فما إن أدرت ظهري للنافذة إلا ورأيت الهواء المحمل بالأشياء الطائرة، فقلت بنبرة صوت مذهولة:
– هو احنا في شهر كام؟
– مايو يا مستر، المهم جاي لي تعليمات تبعد عن أي شبابيك ازاز، فالأحسن نخلينا تحت في المدخل.
نزلت أشغلت سيجارة وأراقب العالم من خلف الباب الزجاجي، الجميع يهرب لأقرب مدخل تطأه قدمه، اسأل الواقفون:
– هم أعلنوا عن حاجة؟
– محدش قال تفاصيل غير إنها عاصفة قوية.
– مش تسونامي يعني؟
– والله سمعت إن في كافيهات طارت من على البحر.
دائما أخبرونا ان نهاية العالم تقترب في تواريخ متطابقة الأرقام مثل 5 / 5 / 2025، 2/2/2012، 20/2/2020، فأقطع الصمت للجميع متسائلًا:
– هو التاريخ النهاردة كام؟
– 30 مايو.
– أتمتم محدش قال إنها هتخلص 30 / 5 /2025.
…………………………………
*القصة الأولى نتاج ورشة منين نبتدي الحكاية