د. مصطفى الضبع
مابين واجبين ضائعين يعيش المعلم المصري: واجب النقابة تجاهه وواجبه تجاه دوره التعليمي، والواجبان متلازمان، فمن المنطقي أن تعمل النقابة على تطوير المعلم برعاية مصالحه و تولي شئونه مما يمنحه الفرصة لأداء دوره على أحسن وجه، وهو دور تنص عليه رؤية النقابة نفسها وما حددته لنفسها من معايير تنص على:” نطمح في مشاركة معلمي مصر في إحداث نهضة في العملية التعليمية، وأن يكون للنقابة دورها الريادي عربيا وإسلاميا ودوليا، والعمل على رفع شأن المعلم اقتصاديا ومهنيا واجتماعيا وثقافيا وخدميا ليكون معلما ربانيا صاحب رسالة إصلاحية في المجتمع، وتكاتف الجهود والتعاون مع النقابات المهنية الأخرى لإيجاد كيان يمثل بيوت خبرة تتكامل لبناء وطننا العزيز” تضعك الرؤية أمام تطلعات تبدو في ظاهرها براقة ولكنها تؤكد على المنطقي وتتناسى الجوهري، أن يكون المعلم ربانيا (لنفهم التعبير بوصفه داعيا للأخلاق الحميدة) فهذا أمر منطقي لا يتطلب نصا، ولكن الرؤية تتجاوز ماهو جوهري في إعداد المعلم إعدادا عصريا يتناسب مع ما يفرضه العصر وتتطلبه طبيعة اللحظة التاريخية مما يدفع قارئ الرؤية للسؤال: أين رؤية النقابة لتطوير أفرادها وترسيخ الإيمان بدور المعلم الذى لا يقلل من خطورته إهمال الوزارة، ذلك الإهمال الذي من المفترض أن يكون القضية الأولى للنقابة، هنا لابد من تذكر العقود الطويلة التي كان فيها وزير التربية والتعليم هو نفسه نقيب المعلمين (على الرغم من أن مهمة النقيب الأولى محاسبة الوزير ورعاية حقوق المعلمين) فكأن الوزير منقسم على نفسه وكأن الوزير يلغي النقيب لصالح ماهو ضد مصلحة المعلم، وهو الميراث الذي لم يكن في مصلحة المعلم ولم يحقق – على مدار العقود الماضية – ما من شأنه أن يطور المعلم أو يعمل على تجاوز معاناته وهو ما يطرح علامات استفهام أزلية حول صمت النقابة المريب عن النهوض بالمعلم على الرغم من أن رسالتها تتضمن مفردات واضحة وصريحة تنص على:
- تحسين أحوال المعلمين المادية.
- تحقيق التنمية المهنية المستدامة للمعلمين.
وهو ما يطرح أسئلة منطقية عن مدى تحقيق النقابة لرؤيتها ورسالتها التي ارتضتها لنفسها دون وصاية أو إلزام من أحد وإلى أي مدى ينعكس أداء النقابة على أداء أفرادها بوصفها من أكبر النقابات المصرية إن لم تكن أكبرها على الإطلاق، ويمكن اكتشاف ذلك بالمقارنة بين نقابة المعلمين ونقابة الأطباء أو المهندسين أو الصحفيين، على مستوى الكم ترجح كفة نقابة المعلمين ولكن على مستوى الكيف والأداء والفاعلية تتوارى نقابة المعلمين في مقابل النقابات الأخرى.
الواقع يضعنا أمام صورة مؤسفة، تكشف عنها أحوال المعلم في مصر مما يؤكد غياب دور النقابة وافتقاد المعلم السند الاستراتيجي للقيام بدوره، فتقصير الوزارة من المفترض أن تعوضه النقابة التي من المنطقي أن تكون مع وليس ضد أفرادها على طول الوقت، والضدية هنا لا تعني الخصومة ولكن تعني التقاعس عن أداء الدور وهو دور له شقان أساسيان: تنمية إحساس المعلم بدوره ووضعه في المقدمة بوصفه الشخصية الأهم في بناء أي مجتمع متحضر، وتنمية الوعي المجتمعي لتغيير النظرة إلى المعلم، ذلك الشخص القادر على تشكيل وجدان أمة بكاملها فلن يستطيع معلم يبخسه المجتمع حقه الإنساني ومكانته الفكرية أن يقدم للمجتمع سوى شخصيات على شاكلته، تقف على حدود الحياة دون أن تشارك فيها.
يظل الواجبان ضائعين أو قل مضيعين لحين إشعار آخر، إشعار لن يأتى مالم نشعر جميعا ومن قبلنا نقابة المعلمين بأهمية دورها الأهم في واقع ليس غير التعليم من قوة قادرة على أن تجعله يتجاوز مشكلاته ويتحدى كوارثه.
وللحديث بقايا