شريف عبد المجيد يكتب فانتازيا الواقع

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 7
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

د. مصطفى الضبع

شريف عبد المجيد كاتب مصري، شاب،  قاهري، له مشروعه الثلاثي المتبلور في ثلاثة أضلاع تمثل مشروعه الإبداعي:

المسرح:

  • كونشيرتو الزوجين والراديو – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة 2003.
  • حشو مؤقت – دار النسيم للنشر والتوزيع – القاهرة 2014.

التصوير والكتابة التسجيلية:

أقام أربعة معارض فردية للتصوير الفوتوغرافي، وله ثلاثة كتب في التصوير، تعتمد مادتها على أحداث الواقع :

  • أرض. أرض، حكاية ثورة الجرافيتي – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 2012.
  • الحرية جاية لابد، جرافيتي الأولتراس – دار نهضة مصر- القاهرة 2012.
  • مكملين، حكاية ثورة الجرافيتي 2– الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 2013.
  • سيوة ظل الواحة – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 2015.

القصة القصيرة:

  • مقطع جديد لأسطورة قديمة – ميريت – القاهرة 2002(25 قصة )
  • خدمات ما بعد البيع – ميريت-القاهرة 2007(16 قصة ).
  • فرق توقيت -نهضة مصر-القاهرة 2010.(16 قصة )
  • جريمة كاملة -نهضة مصر-القاهرة 2010.(96 قصة قصيرة جدا )
  • تاكسي أبيض – الدار المصرية اللبنانية-القاهرة 2014 (14 قصة).

والأضلاع الثلاثة لا تنفصل عند الكاتب، تتواشج فيما بينها لتمثل وجوها للحقيقة،ـ فالصور في تجربة الكاتب كانت تتعامل مع أحداث سابقة تعمل على تصوير فعل الواقع، فيما تقوم النصوص السردية على صناعة الحدث الموازي للواقع وأحداثه، الصورة سرد بصري منتزع من سياقه يختزل جانبا من حكاية مما يجعل الحدث في الصورة كامنا، خلية خاملة حد النوم، والقصة تحمل حدث ديناميكيا أكثر منه استاتيكيا والكاتب يتعامل الوجهين إذ الاثنان لا يتعارضان وإنما يتكاملان ويؤثر كلاهما في الآخر (تأخذ بعض النصوص طابع الصورة، وتتضمن بعضها علامات مباشرة على الصور كما في قصة “جرافيتي “التي لم يكتف عنوانها بتصدر القصة وإنما انتقل لتصدر قسم كامل من أقسام مجموعة الكاتب الأخيرة ” تاكسي أبيض “.

في الرسم يتدخل الفنان لتشكيل الواقع وإعادة تنظيم مادته، وفي التصوير يكتفي المصور باختيار زاوية تبرز جوانب خاصة في الصورة وفي المسرح يقف الممثل مواجها المشاهد / المتلقي ليقول له من يكون كاشفا له عن طبيعة واقعه والجوانب الخفية منه، الصورة تأخذك من المتحرك إلى الساكن، والقصة تأخذ طريقها المغاير من النص الساكن إلى الخيال المتحرك.

في قصصه القصيرة يجمع شريف عبد المجيد بين قدرات المصور وريشة الفنان، يلتقط المصور الزاوية ويقوم الفنان التشكيلي بتقديم العناصر الدالة، المصور لا ينتقي وإنما يعتمد على تركيب الضوء على العنصر المراد إبرازه، والفنان التشكيلي يقوم عمله على انتقاء العناصر والقدرة على إبرازها لتكون قادرة على إنتاج خطابه الكلي.

يأخذك السارد  إلى الشارع المصري متنقلا بين تفاصيله التي تبدو صغيرة بما يبدو عليه موقعها من الواقع ولكنها تبدو كبيرة بما تكتنزه من تفاصيل ثرية قادرة على تشكيل وعي المتلقي ليكون مهيئا لإدراك هذا الواقع الذي يتحرك فيه والذي تجعله النصوص يجد نفسه في لحظة ما وقد انتقل من خانة الهو (حين يقرأ عن الآخرين ) إلى النحن (حين يتكشف لك أنك داخل منظومة العالم وفق ترتيب السارد ) مما يجعلك تشعر أنه داخل منظومة محكمة الانغلاق ويكون عليك أن تعرف كيف تراها رؤية صحيحة لتعرف من ثم كيف تجابهها أو تتوافق معها.  

تقوم تجربة الكاتب على فنتزة الواقع (الفنتزة مصطلح إجرائي منحوت من الفانتازيا أي رؤية ماهو خارق للطبيعة في الحياة اليومية ) وربما كان المصطلح مرتبطا من جهة ما بالأسطرة (رؤية الواقع من زاوية أسطورية ) وتفسير العالم تفسيرا أسطوريا يمثل بقايا فكر قديم لم يندثر وإنما يتجدد مطورا أدواته مع أشكال التطور البشري متسارعة التغير خالقة أسطورتها العصرية.

يحسن شريف عبد المجيد قراءة المشهد الواقعي، والتقاط المشاهد ذات الطرح الفانتازي المتجاوز أي منطق،  في قصته “اعترافات سارق الونش” تنطلق القصة من واقعة معروفة (سرقة الونش من معدات مترو الأنفاق في القاهرة نهاية الثمانينيات ) وتبدأ بما يوحي بتجاوزها الواقع و منطقيته:” بدا الأمر كنكتة سخيفة أو شائعة رائجة لا أساس لها من الصحة وفي أحسن الأحوال بدت القصة كلها مجرد فرقع إعلامية أو كـ “كذبة أبريل” لن استطيع حتى أن اقصها عليكم ولم تطاوعني يدي لأكتبها ” (ص 47 من تاكسي أبيض ) والقصة شديدة الدلالة على الواقع المصري تتحرك في مساحة شاسعة منه جامعة كل طوائفه، وحاملة إدانة لكل طبقاته وفئاته: الإعلام – الحكومة – الطبقة الوسطى – الطبقة الدنيا ) فالجميع مدانون والونش في رمزيته تطرح فكرة سرقة ماهو واضح وفي وضح النهار وما بين الونش والهرم الأكبر مساحة تكشف عن طبيعة الفنتازيا الاجتماعية التي لا يصعب على متابع الحياة المصرية اكتشافها والوقوف على منجزها المؤثر سلبا – بالطبع – على مجريات الأمور.

في القصة يطرح الكاتب عددا من البدائل التي يسوقها على لسان الصحفي وهو يجتهد في صياغة خبر اختفاء الهرم الأكبر، وتكون بمثابة تأويلات شديدة الدلالة:

  • سرقة الهرم الأكبر في أغرب حادث سرقة في التاريخ.
  • في غفلة من الزمن تمت سرقة الهرم الكبير.
  • الهرم الأكبر لم يعد موجودا في مكانه، لقد تم نشله من مصر المحروسة ” (ص 48 )

والأخبار المقترحة يجمع بينها سمتان أساسيتان تعملان على تشكيل صورة واضحة المعالم للمشهد الواقعي:

  • العلامتان اللغويتان:الهرم الأكبر – السرقة.
  • كونها رؤى مختلفة لا تحمل وجهة نظر الصحفي حول حادثة اختفاء الهرم، وإنما هي نتاج لثقافة مجتمع، يمثله الصحفي عبر وجهين أساسيين: كونه معبرا عن هذه الثقافة، وكونه علامة على سقوط مجتمع لم تكن قضيته اختفاء الهرم فقط وإنما مشكلته في أنه لم يكتشف اختفاء الهرم (تاريخه الضارب في العمق ) فالاكتشاف جاء بعيون أحد السائحين (ليس شرطا جنسيته ) ولكن كونه سائحا يعني أنه غربي (اعتمادا على ان السياحة العربية ليست معنية في مجملها أو في غالبيتها العظمى بزيارة الأهرام ) :

” مجموعة من السائحين إلى منطقة الأهرامات وأبي الهول، وبينما كانوا يحاولون التقاط صور لهم في منطقة أهرامات الجيزة صرخ أحدهم: أين الهرم الأكبر ” (ص 48).

جاءت الصيحة من وعي مغاير، وعي الغريب القادر على الاكتشاف، وهو يطرح فكرة أن الاختفاء ليس وليد اللحظة وإنما هو فعل قديم عجز وعي المقيم على اكتشافه وتحقق الاكتشاف على يد الغريب القادم من ثقافة مغايرة (أليس الأمر نفسه ينطبق على كثير من مكتشفات التراث الفرعوني ممثلا في المقابر والمعابد الفرعونية ؟)، وقد كان للاكتشاف صداه عند المسؤولين الذين تحركوا حركة تمثل رد الفعل ليس إلا.

والقصة في موقعها تقيم علاقة دالة مع قصة “أجابودو” حيث ينتقل السارد إلى مكان / ثقافة مغايرة حيث القادم من الغرب هو المكتشف لطبيعة المشهد، تلك الطبيعة التي تكشف عن سمة من اهم سمات المجموعة أو لنقل التجربة السردية للكاتب أعني الحركة، فالسارد يأخذنا إلى أمكنة تمثل للوهلة الأولى فضاء قادرا على احتضان السرد ومنحه فرصة الاستمرار والنمو، حيث يتحرك السرد عبر دوائر متداخلة: داخلية – خارجية /خاصة – عامة / أمكنة عبور – أمكنة استقرار / محلية – دولية، وجميعها تمنح السرد قدرته على النمو فلا ينجح المكان رغم ما يضمه من عوامل الإعاقة في التأثير السلبي على نمو الحدث، ومن ثم العمل على توسيع دائرة الخطاب السردي وإنتاج دلالته الثرية، وهو ما يتكشفه المتلقي  عندما مقاربة هذا العالم وتأمله بالقدر الذي يكشف عن مستويات عمقه.

ينوع الكاتب في مجال رؤيته للواقع مما يجعل من نصوصه مشهدا متعدد المسارات متنوع الدلالات تبدو فيه القصة القصيرة نتاجا لحركته في المشهد الواقعي والتقاطه خيوط عالم تنجح النصوص في تشكيل وجدان القارئ من خلاله.

إنه الخيال الخصب الذي تكشف عنه نصوص كاتب موهوب يدرك تماما كيفية تشكيل نصه وكيف يجعل من متلقيه شاهدا على لحظته التاريخية التي يعتمدها نظاما معرفيا لإنتاج الفن السردي.  

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized
ترقينات نقدية
د. مصطفى الضبع

تناغم (22)