تعرية الأصوات .. مقهى صغير لأرامل ماركس

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أسامة حبشي


 بمقولة الأستاذ نجيب محفوظ" يقول الراوى، ولكن من الراوي، ألا يحسن أن نقدمه بكلمة؟ إنه ليس شخصا معينا يمكن أن يُشارإليه إشارة تاريخية، فلا هو رجل ولا امرأة، ولا هوية ولا اسم له. لعله خلاصة أصوات مهموسة أو مرتفعة، تحركها رغبة جامحة فى تخليد بعض الذكريات" يصدر الشاعر أشرف يوسف ديوانه الخامس" مقهى صغير لأرامل ماركس" الذى صدر بنهاية عام 2015 فى تعاون مشترك مابين دار العين للنشر ودار شرقيات، والديوان الذى يقع فى أربعمائة صفحة، مقسم لأقسام تجاوزت الستة عشر قسما، منها أصوات النساء، وكرسي فى فندق الأرق، ونبية الليل، وعار من الصور، ولنتخيل أنني النزعة التدميرية، ومجازات لغرفة الأوتيل، وكان بودى أن أكتب إليكَ، وقطار لا يوقفه سوي نداء الموت، وقصص متخيلة على لسان عاشقين صغيرين، وقلب يسوع.

 وهذا المقهي الصغير برغم تعدد أقسامه يعد قصيدة نثر مطولة لهمسات، مهموسة أحيانا ومرتفعة فى أحيان أخري، من أجل التذكر على حد قول نجيب محفوظ، ومن المعتاد أن يكون السرد بروح الشعر ولكن أن نجد الشعر بروح السرد فإن ذلك غريب، والحقيقة أن بعض تجارب الشاعر وديع سعادة كانت هكذا، وهنا بديوان"مقهي صغير لأرامل ماركس" نجد بعض قصائده تأخذك للحيز السردى كقصيدة لسان لأنوثة بداخلي" شملني الحزن فى تلك اللحظة، التي تلفتَ حولي فتي شبيه بكَ، كأن روحك ألقت بين يدي مصادفة فى مقهي صغير.. ولكنه لم يكن أنت عندما أطلت النظر ساهمة، وعرفت أن روحي تطال بلسان داخلي "ص 91".


 فى الديوان يتجاور المرئي وغير المرئي، تختلط الأصوات لتخرج لنا مدن الصوت بأشكالها المختلفة، وبالأحري مدن الليل تحديدا، كل قصيدة وكأنها سلمة تفضي إلي أخري كى نصل لسطح الأفكار والتخيل، تجاور مرعب، وكأن القصيدة مابعد الحداثية تنفذ من بين الصفحات، ولكن هناك ما هو أبعد من مابعد الحداثة، "هناك بين السحب في الأعالي، مدينة متخيلة داخل رأس مدمن "ص 22"، "الموظفون يا أخانا القواد أكلوا المدينة.. أكلوها علي إيقاع المساءات الرتيبة للزحام" إن الديوان يدخل فى دائرة الحداثة الزائفة - التى أعلنتْ موت مابعد الحدثة- التى أنهت مشهدية الفرد الذي يجلس عاجزاً ويبدأ بطرح الأسئلة عن الحقيقة كإشكاليات، والحداثة الزائفة، تجعل من مشاركة الفرد شرطاً ضرورياً لتكوين المنتج الثقافي، وهذا يشمل كل النصوص، التي يحدد محتواها وديناميكيتها المتلقي.

 ومن هنا بدأنا نلمح نموذجا الجديد للسلطة والمعرفة، نلمحهما وقد تشكّلا تحت ضغط من التكنولوجيا الجديدة والقوى الاجتماعية المعاصرة على حد قول الناقد الثقافي الإنجليزي آلان كيربي" تعال يا مؤلف الكتب، أيها الرجل المغرور، سأخذك في صياعة منتصف الليل وسأسليك بتلك الخواطر التى يُقال إنها حياتى، بشرط أن تعضني من شفتيَّ كرفيق لم أصادفه" ص 11، إن هذا الإصرار عبر صوت من أصوات النساء ومواجهة الكتابة والكتاب وجها لوجه بهذه الحدة لهو من الحداثة الزائفة القائمة على التفاعل مابين المتلقي وبين الذات الشاعرة سواء عن قصد أم عن غير قصد وما أكد ذلك أيضا بنفس القصيدة هو" أدور بين مدينتين أو ثلاث، من أجل صفاء روحى لم يأت، وسأعبئ روحك الميتة بالخيال، هل تعرف كيف تكون لنفسك ابنا، وأبا وأما فى خيط واحد".


المقهي الصغير لأرامل ماركس الذى ينتظر به قارئ الكف وبه النساء اللامرئيات أيضا، لهو مقهي الاغتراب والاندماج فى آن" ثمة قارئ كف صادفنى الليلة، فى مقهي صغير سميته أرامل ماركس، ولم يبن لي إلا عالما من وهم"، إن هذا الانتظار الذى يتجاوز انتظار جودو لمرحلة انتظار ما هو موجود بالأساس فى دواخلنا ولكننا نغفل عنه، إنه انتظار الروح وليس انتظار الإله، يغوص الشاعر أشرف يوسف فى النفس البشرية مشرحا تارة وتارة أخري متعاطفا، عبر نسائه وعبر قصيدته وعبر الثورة بمفهومها الأدبي والمادى" في البدء كان التراب دليلا علي كوننا أحياء، فنحن من دونه ضائعات، وليست لدينا تسلية، هو رفيق الأيام، وشارتنا التي لا أثر لها فى مدينة البحر، جاء التراب برفقة موتانا نائما، وأيقظناه في حلقات الصداقة والتيهؤات الباهتة" ص 409.


 وأخيرا فإن الديوان هو ديوان مناجاة الأصوات، وهو ديوان المدن التائهة في أفرادها وليس العكس، إنه ديوان الأفكار التى لا تقتل صاحبها فقط، ولكنها تحرضه على خوض معاركها، لذا لم يكن غريبا عنوان الديوان الذى يحمل اسم ماركس،  وهو ديوان نبيات الليل" خرجتِ لي الليلة كالوحش من خزانتي "ص300، وهو ديوان التيه في زمن العبث، لذا لم يكن بالغريب أن يحتل يسوع مساحة من الديوان وقد جاء قسم بالكامل حاملا اسم قلب يسوع" نحن مرايا في قري بعيدة لا يفلح مؤرخو عصر الملاكمة أن تقال لهم حقائق عن موسيقانا "ص353" كم أنتما وحيدان فى العراء ولا أراكما مبتهجين كسليمان عندما رآني فى صوت الهدهد".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 روائي وناقد مصري 






مقالات من نفس القسم