تشكيل المتخيل في قصيدة النثر المغربية

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

د. محمد المسعودي*

إلى روح الشاعر الطنجي الشاب منير بولعيش

 

          تتناول هذه القراءة أشكال حضور المتخيل في نماذج حديثة من قصيدة النثر المغربية انطلاقا من تجربة أربعة شعراء أخلصوا لهذا النمط من الكتابة الشعرية واستطاعوا التميز فيه طيلة عقد التسعينيات وحتى الآن، وهم: محمد أحمد بنيس، مبارك وساط ، وعبد الرحيم الخصار، ومنير بولعيش. وهذه القراءة لا تدعي القدرة على الإحاطة بكل الخصائص الجمالية التي تنطوي عليها تجربة هؤلاء الشعراء بقدر ما تسعى إلى ملامسة بعض ملامح تشكيل المتخيل الشعري في نصوصهم ومدى تفاعل هذا المتخيل مع الحياة والوجود من حوله. وبهذه الكيفية يمكن رصد أوجه الائتلاف والاختلاف في تجربة الشعراء الأربعة من زاوية تشغيل المتخيل وتوظيفه في تمثل العالم والتفاعل معه في إبداعهم الشعري. ولقد كان منطلقنا في هذه القراءة دواوين صدرت في السنوات الأربع الأخيرة من بداية الألفية الثالثة، وهي

:

 

1/ بصحبة جبل أعمى، لمحمد أحمد بنيس، منشورات وزارة الثقافة، الرباط، 2006.

2/ أنظر وأكتفي بالنظر، لعبد الرحيم الخصار، دار الحرف للنشر، القنيطرة، 2007.

3/ فراشة من هيدروجين، لمبارك وساط، دار النهضة العربية، بيروت، 2008.

4/ لن أصدقك أيتها المدينة، لمنير بولعيش، منشورات سليكي إخوان، طنجة، 2009.

……………………

تقوم شعرية قصيدة النثر وأعمدتها التخييلية عند الشاعر محمد أحمد بنيس على أساس جمالي قوامه اللمحة الفكرية التأملية التي تُشعل شرارتها صور شعرية تتخذ من الجمع بين المتنافرات وتشكيلها منطلقا في بناء النص الشعري. ومتلقي نصوص الشاعر يدرك، منذ الوهلة الأولى، أن هذا البناء الجمالي تثوي خلفه مرجعيات متنوعة يمتح منها الشاعر متخيله الفني. ولعل على رأس هذه المرجعيات تأتي الفلسفة والمعارف الفكرية التحليلية والمنطقية، إلى جانب دراية بينة بالفنون البصرية الحسية. غير أن هذه الخلفيات الكامنة وراء النص الشعري لا تبدو في شكل توليفة نشاز غير مترابطة لأن الشاعر يفلح في صهرها وتذويبها في صور فنية شعرية معبرة عن مراميه ومقاصده. والمتأمل في بعض الصور التي سندرسها في هذا الحيز تتضح له هذه الأبعاد جلية واضحة. يقول الشاعر في قصيدة ” وثني كينابيع الماء“:

          « حدث مرة

          أن غفوت منتفخا بالأحلام. فرأيت أني أسرح بين الموتى

بعينين ملوثتين بالحياة. وإذا برئتي تمتلئان بحبيبات

حب كانت تهطل من تحت إبط امرأة، ثم سمعت ملامحي

تتناثر على صفحة نهر أعمى، ولم أنتبه إلى الشاعر

وهو يغادر حنجرتي على متن فرس بيضاء؛ كانت

خسائره تسيل بالجملة على الجدار الذي كان يفصل

سريرته عن أرض ليست كالأرض.

وجاء الناس

وقالوا: مات. وبللوا روحي بعنب كان يتدحرج من ينابيع

خد لم أتبين صاحبته التي بدت برأس تنين. وجاءت

يد معتمة تسعى وكفنتني بحبيبات حب كانت مخبأة

بين شقوق الحياة. وظلت عيناي مضيئتين كعيني

ذئب يحرس حشدا من الآلهة. وسبقتني وعول القصيدة

لتحفر لها بياضا في القبر الذي سيجمعنا…»(ص.39-40)

          يكشف هذا المقطع عن طبيعة التخييل الشعري عند محمد أحمد بنيس الذي يستند إلى عناصر متنوعة في التصوير. إننا أمام صور مركبة متلاحقة لا تقوم، بالضرورة، على المجاز والاستعارة والكناية والتشبيه باعتبارها آليات أساس في التصوير الشعري بشكله التقليدي، إذ يوظف الشاعر وسائل تخييلية أخرى أكثر اتساعا ورحابة في حمل رؤيته إلى الوجود والحياة. وعلى الرغم من توظيف الشاعر للمجاز في تشكيل بعض صوره الجزئية غير أن هذه الصور تلتحم في بوتقة واحدة شاملة قوامها حكاية يسردها الشاعر بطريقته الخاصة، ولا تقع ضمن الفن القصصي بقدر ما تحافظ على شعريتها عبر لغة تجمع بين متنافرات كثيرة وتنتقل بين عوالم الواقع والماوراء، والرؤيا والرؤية، والأنا والآخر، والحلم والحقيقة. إن الشاعر يجسد رؤياه لذاته ولعالمه المحيط عبر متخيل سديمي تطغى عليه مشاهد الموت والانكسار والخذلان والخسران، غير أن الحب الذي تسقيه بحبيباته امرأة مجهولة تجعله متشبثا بالحياة مرتبطا بينابيعها الوثنية.

وبهذه الكيفية نرى الشاعر يوظف عوالم متباينة في تشكيل متخيله تنطلق من الواقع لتمتح من الأسطورة والرمز والفن قصد إبلاغ رؤياه عن الحياة وعن الواقع من حوله. ويظل البعد السردي، هو الإطار والمحتوى الذي يغلف هذه التوليفة الشعرية في إهابه ويمنح القصيدة شكلها المتماسك المتلاحم. وقصيدة النثر عند محمد أحمد بنيس لا تتخلص من الحس السردي، ومن “حبكة سردية” بينة نعثر عليها في صلب جل قصائد ديوانه “بصحبة جبل أعمى”. أما البعد التأملي الفكري فينبثق من عمق الصور التخييلية التي يصوغها الشاعر بدقة وإحكام وتقدم رؤيته لما يقع له وما يقع من حوله. ففي قوله:”… سمعت ملامحي/ تتناثر على صفحة نهر أعمى، ولم أنتبه إلى الشاعر/ وهو يغادر حنجرتي على متن فرس بيضاء؛ كانت/ خسائره تسيل بالجملة على الجدار الذي كان يفصل/ سريرته عن أرض ليست كالأرض.”، نجد الشاعر يصور معاناته في الوجود بحيث إن مجرى الحياة العمياء بصخبها وضجيجها أفقده صوته المتميز ودوره الفعلي في الكون، وجعلت خسائره كثيرة وبالجملة، وسريرته النقية الحالمة يفصلها عن الأم/ الأرض في طهرها الأول وفي براءتها زيف الأرض التي تبدلت غير الأرض الأولى. وهكذا يجسد الشاعر حنينه إلى عالم النقاء: عالم الينابيع الأولى وزمن البدايات. ومن هنا، فإن قصيدة محمد أحمد بنيس تثوي في طياتها لمعات فكرية فلسفية تجسدها صوره التخييلية التي توظف تقنيات فنية عديدة ومتباينة المشارب.

وعند عبد الرحيم الخصار في ديوان “أنظر وأكتفي بالنظر” نجد متخيل قصيدة النثر وشعريتها تستند إلى تفاصيل اليومي التي ترقى إلى معانقة العام والكوني عبر صور شعرية مغرقة في السرد والنثرية، لكن هذا التشكيل التخييلي لا يقع، على الرغم من ذلك، في التقريرية والمباشرة اللتين تضادان الشعر وتفسدان جمال القصيدة. إن صور الشاعر عبد الرحيم الخصار تتسم بروح الحيوية والانسياب وتصنع انزياحاتها الخاصة عبر التداعي وتقصي الجزئيات وتقليب المشاهد وتنويعها. كما نرى في قصيدة “أورتان” على سبيل المثال، يقول الشاعر:

« لقد جبت بك مرتفعات الجنوب

وأنا موقن ألا شئ سيعترض طريقي

عبرت بك تلك الجبال

مثل نسر بين مخالبه فريسة.

كنت أمشي إليك

أطوي الأحراج وأدك الأشواك والحجر

كما لو أني بمفردي

قطعان من الأفيال فقدت الوجهة.

اسألي أسوار الضيعة ومراتع القصب

اسألي المنازل الحمراء في “تيغيساس

والجدار الخلفي للمدرسة العتيقة

اسألي الأركانة التي كان الأمازيغيون

يوقدون الشموع أسفلها كي تتزوج الصبايا

اسألي المزار المهجور في أعلى الهضبة

والجسر المهترئ على نهر فارغ في “أورتان

اسألي أشجار اللوز التي كان حبنا

ينام فيها عند الظهيرة

اسألي طيور الرهو التي كنا نعدها بحسرة

وهي تفلت من الشراك…»(ص.68-70)

تقف الصور التي تنبثق أمام ناظرينا، في هذا المقطع، عند عناصر جزئية تشكل المتخيل في سياق حوار بين الشاعر وحبيبته. وإن منطلق هذه الصور هو الحجاج التخييلي الذي يوظف الصور قصد البرهنة والاستدلال. ولعل هذا البعد الحجاجي الإقناعي ما يشكل طرافة التصوير في القصيدة. إن الشاعر يطلب من حبيبته أن تسأل الأماكن والأشياء عن صدقه وعن وفائه وعن قوة محبته. فهو قد حمل عشقها بين جوانحه أينما حل وارتحل، حمله في عنف وقوة كالنسر حينما يمسك بفريسته، وكقطيع من الفيلة التي تدك كل شئ في طريقها بعدما فقدت الوجهة المقصودة لأن المرام طي النفس وغور الروح. بهذه الشاكلة يوقع عبد الرحيم الخصار معاناته الشعرية ويصنع سدى قصيدته النثرية في سياق سردي وفي توليفة تضع نصب عينيها بلاغة الحجاج التخييلي.

وإذا كانت مرجعيات محمد أحمد بنيس تنهل من الفكر والفلسفة والفنون البصرية إلى جانب الشعر، فإن مرجعية عبد الرحيم الخصار تتنوع، بدورها، لتشمل معارف شتى يشكل الشاعر انطلاقا منها متخيله الشعري. وتظل التجربة الشعرية عنده رهينة اليومي الخاضع إلى التجربة الذاتية والحياتية. ومن هنا، فإن الواقع يلقي بظله على التصوير الشعري عند الشاعر الذي يشكله بطرق فنية متنوعة عبر تتبع مفردات اليومي ومتعلقاته.  

وتغلب لدى مبارك وساط في ديوان “فراشة من هيدروجين” على جل القصائد تقنية المزج بين المتنافرات والمتناقضات في تشكيل صورها التخييلية وبناء دلالاتها الفنية والإنسانية. ومن ثم نرى أن هوية المتخيل متعددة في القصيدة تتمثل في امتزاج الواقعي بالسوريالي عبر توليد المفارقة والمواقف المفاجأة، وبهذه الكيفية تتحدد معالم الصور في القصيدة وتشكل رؤاها للحياة والواقع كما نرى في النموذج التالي، وهو من قصيدة بعنوان: “إن كنت منذ الصباح“:                          

     « لست من يجامل. أترك قلقا ينساب في بلعوم أو في أنابيب

     القصب، حسب الطقس وكيف هو مزاج زهرة الآس على

     كتف النديمة لينا. وإن حادثتكم فبالصدق ذاته، كمن يرقد

     في ضوء شمعته. وإن كنت منذ الصباح في هذه الحانة، جنب

     هذه النافذة، بعظامي التي تتحمس أيام المآسي، فذلك للتعبير

     عن تضامني.

     مع من؟ يسائلني بعينه المخمورة البدين الجالس قبالتي

     وكنت حسبته يعلم

     مع من! مع أولئك الأقزام الذين جعلت منهم الغابة القريبة

     أشجارها القصيرة ! وأن لا يكون الأمر واضحا، هذا ما

     يبلبلني فكيف التخلص من الحنَق؟ أأشيح بوجهي نحو النافذة

     فأتابع القد المشيق وهو يتهادى في الأعالي (تلك حادية

     السحاب، تمشي على حبلها أمام سرب غيوم)، أم أشخصُ

     إلى العصافير المذهولة من رؤية الريح تُسدل براقع على وجوه

     السواقي؟ ».(ص.66-67).

في هذا المقطع نجد شعرية القصيدة تتكئ على بلاغة السرد في تشكيل صورها الفنية وإبلاغ دلالاتها. وهي صور تقوم على تقنية المزج بين معطيات الواقع والمتخيل في أفق سوريالي غير متوقع يستند إلى الغرابة والمفارقة، وتداخل الذاتي بالموضوعي الذي ينظر إليه الشاعر من أفق اللامتوقع واللامنطقي. إن التخييل الشعري، في هذا السياق، يكسر خطية الحدود بين العوالم ليجعلها خطا واحدا مختلطا لا يكف عن الإشارة إلى بشاعة الواقع وهزليته، ومن هنا تتولد المفارقة المرة وتتحول إلى سخرية وتهكم من كل ما يجري في العالم الخارجي في سورياليته وعبثيته. وهكذا نجد الشاعر ينتقل بين العوالم: عالم الحانة بطقوسه، عالمه الجواني الخاص الذي يعلن عن ضجره من كل شئ، العالم الخارجي حيث القد المشيق لامرأة مجهولة يتهادى في الأعالي، وحيث العصافير المذهولة من عصف الريح تسدل على وجوه الحياة براقعها. وبهذه الشاكلة تختلط العوالم في سياق تخييلي قوامه المفارقة والسخرية وتوليد دلالات ذات نكهة سوريالية. ولعل مثل هذه الصور الساخرة لا يوظفها مبارك وساط وحده، بل نلقاها عند شعراء آخرين استفادوا من تقنيات قصيدة النثر وبعض أدواتها الفنية كما كتبت غربا ومشرقا كما لمسنا عند محمد أحمد بنيس وكما نجد عند منير بولعيش.

لا يبتعد منير بولعيش في ديوانه “لن أصدقك أيتها المدينة” كثيرا عن الأجواء الشعرية وعن التقنيات التي توسل بها الشعراء السابقون، غير أن قصيدة منير بولعيش تنزع نحو التكثيف والاختزال، وتصنع صورها في شكل لمحات أو ومضات إشارية نفاذة جارحة، خاصة أن الشاعر ركز موضوع ديوانه على مدينة طنجة بطبوغرافيتها وإنسانها وما شكلته في وجدان سكانها وفي ثقافات أخرى من دلالات رمزية: إنسانية وثقافية. والشاعر يحمل معول الشك في تخييله الشعري ليزعزع التمثلات والرؤى والقناعات التي يحملها الناس عن المدينة. ولعل هذا الحس الساخر الرافض له جذر غميس في شعرية قصيدة النثر كما صاغها جل كتابها في المشرق والمغرب ومن مختلف الأجيال. يقول منير بولعيش في قصيدة “طنجافوبيا“:

« ماذا ستصنع ظهيرة الأحد !؟

هل سترقد كقط خامل

على طوار الشتاء

كي تنصت لطقطقة عظامك؟

هل ستدعو إلكترا

إلى بيرة في دينس بار؟

هل ستنصت إلى الساكسفون

في tanjaz ؟

هل ستودع رفيقك

(معتقل الرأي السابق)

الفائز في قرعة السفر إلى نيويورك

حيث الحرية تختزل في تمثال

هل ستحلم بمدن أبعد؟

هل ستكتب القصيدة

التي ستوقع

معاهدة الصلح

بين السوق الداخلي والسوق البراني

بين هراقليس وآنتي

بين المتوسط والأطلسي..

بين معجم موليير ومعجم سرفانتس

بين محمد شكري وبول بولز

بينك وبينك…»(ص.53-54)

إن هذا المقطع المستشهد به من القصيدة المذكورة يبين طابع التخييل عند منير بولعيش الذي يستند إلى المفارقة والسخرية واللعب بأفق انتظار المتلقي وكسر المألوف في تمثل مدينة طنجة لدى الناس. إن الشاعر يسخر من الواقع الذي يحياه جل أبناء هذه المدينة الحالمين بالهجرة أو الذين يقضون نهارات أيام الآحاد، وغير الآحاد، متسكعين أو متراخين سادرين في متع الكسل. ويكشف المشهد عن تناقضات تنطوي عليها المدينة في توزعها بين أمرين دائما، أو بين شيئين نقيضين يردان في شكل ثنائيات يرمز بها الشاعر إلى دلالات نجملها على الشكل التالي:

السوق الداخلي= الحضارة والمدنية/ السوق البراني= التخلف والبداوة.

هراقليس= التغيير والقوة والمجد / آنتي= المحافظة والانخدال والهزيمة.

البحر الأبيض المتوسط= التقدم والحضارة والتواصل/المحيط الأطلسي= المجهول والعدم والحرية الموهومة..

معجم موليير= هيمنة الفرانكفونية/ معجم سرفانتس= هيمنة الإسبانية.

محمد شكري= الارتباط بالمكان والهوية / بول بولز= الانعتاق من المكان الأصل والإيمان بالآخر.

الأنا والأنا في تعددها وتوزعها بين هذه الأخلاط، وفي حيرتها وتناقضاتها الخاصة.

وبهذه الشاكلة تكشف شعرية القصيدة عن هواجس الذات وأزماتها من خلال تخييل ينطلق من حيرة الذات لتصبح حيرة شاملة تكشف حيرة المدينة وتوزعها بين متناقضات عديدة. وهذه الثنائيات المتناقضة لا يعتبرها الشاعر ميزة، كما يتوهم الكثيرون، بل إنها تشكل مرضا نفسيا و”فوبيا” لدى أبناء المدينة أو المعجبين بها لأنهم في العمق مزدوجو الشخصية يحيون حياة انفصام يتنفسونها مع ذرات هواء المدينة. والناظر في ديوان “لن أصدقك أيتها المدينة” يلفت نظره إمعان الشاعر في الكشف عن مفارقة الواقع وسورياليته في مدينة طالما حلم بها الكتاب والمبدعون واعتبروها جنة من جنان الخلد التي ينعم فيها الفنان بنعم قلما يعثر عليها في أماكن أخرى، غير أن منير بولعيش يكشف عن أوجه أخرى كاذبة زائفة لهذه المدينة التي لم يعد يصدق طهرها وصفاءها. وفي المقطع الذي نتناوله بالتحليل نلمس سردية القصيدة واستنادها إلى تفاصيل وجزئيات تشكل هذه السردية، كما أن جمل النص تتسم بحيوية وحركية وإيقاع سريع لأن الشاعر وظف بلاغة التكثيف والتلميح عبر صور استندت إلى ثنائيات ضدية وإلى طاقتي الاستفهام والتعجب لخلق عوالمها التخييلية.

من خلال كل ما سبق يمكن القول إن قصيدة النثر من خلال النماذج التي انطلقنا منها تستند إلى مقومات نجملها في العناصر التالية:

        الجمع بين المتنافرات وتشكيلها فنيا باعتبار أن هذه التقنية تعد منطلقا في بناء متخيل النص الشعري.

        الاستناد إلى اللمحة الفكرية التأملية باعتبارها طاقة تصويرية شعرية تسهم في تشكيل الدلالة وبناء التخييل الشعري.

        انطلاق قصيدة النثر، أيضا، من الواقع كما تنهل من الأسطورة والرمز والفنون ومختلف المعارف قصد إبلاغ رؤياها عن الحياة وعن الواقع من حولها.

        الاستناد إلى تفاصيل اليومي التي ترقى إلى معانقة العام والكوني عبر صور شعرية مغرقة في السرد والنثرية، لكن هذا التشكيل التخييلي لا يقع، على الرغم من ذلك، في التقريرية والمباشرة.

        استناد القصيدة إلى الحجاج التخييلي الذي يوظف الصور قصد البرهنة والاستدلال، وهذا البعد الحجاجي الإقناعي يشكل طرافة التصوير وجدة التخييل في قصيدة النثر.

        اعتماد القصيدة على بلاغة السرد في تشكيل صورها الفنية وإبلاغ دلالاتها وتوظيفها شعريا.

        امتزاج الواقعي بالسوريالي عبر توليد المفارقة والمواقف المفاجأة، وبهذه الكيفية تتحدد معالم الصور في القصيدة وتشكل رؤاها للحياة والواقع.

        النزوع نحو التكثيف والاختزال، وصنع صور في شكل لمحات أو ومضات إشارية نفاذة جارحة.

 

ـــــــــــــــــــ

*ناقد من المغرب

 

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم