تشعرني بالدُوَار: العشق الممنوع بين ألبير كامو وكازارس

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 94
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

ترجمة: سعيد بوخليط

بالنسبة للأقل صبرا على مواصلة قراءة رسائل قاربت صفحاتها ألفا وثلاثمائة صفحة، ويسكنهم مع ذلك فضول نحو معرفة تفاصيل العلاقة الغرامية التي جمعت بين ألبير كامو وماريا كازارس،  يمكنهم الاستعانة برواية فلورانس فورزيت:تشعرني بالدُوَار(2017،    عن منشورات لوباسور )صدرت ضمن سلسلة الجيب سنة 2018.  

قدم جان بيير كاستيلاني يوم 9مارس 2018على صفحات مجلة ”دياكرتيك”، عرضا حول الرسائل الغرامية بين ألبير كامو وماريا كازارس الصادرة عن دار غاليمار. وقد ميز بين نوعية قراء جذبتهم أساسا شهرة بطلي تلك الرسائل، فيسترقوا النظر قليلا،  ثم آخرين افتقدوا تماما شغفا بخصوص رسائل العشق.  لكن يلزمهم حتما الشغف بكامو وكازارس حتى يكملوا غاية النهاية، الإحاطة بفقرات ثمانمائة وخمس وستين رسالة، دون إهمال أي واحدة.

هذا الإعجاب المنقطع النظير والمفرط، بين كامو وكازارس كشفت عنه نبرة بداية مقالة إيستيل لينارتويس على صفحات مجلة ليكسبريس يوم 3 دجنبر2017:”إزاحة اللثام عن تلك المراسلات العظيمة بين ألبير كامو وماريا كازارس، أظهرت قوة حب مدهشة، بقي طاهرا وراسخا مثل صخر لأزيد من خمسة عشر سنة”.  

منذ 6  يونيو1944، أول لقاء جمع بينهما في باريس، عند ميشيل ليريس، بمناسبة التئام نقاش حول قطعة فنية لبيكاسو، وصولا إلى تاريخ 30شهر دجنبر  1959، حينما بعث كامو بعد عودته من لورمارين، رسالة  إلى ماريا كازارس،  تحدد تاريخ لقاء جديد في باريس.  فهل يمكننا الإقرار دائما بهذا الخصوص، أن حبهما ظل طي الكتمان، مادام كل العالم كشف خبايا علاقتهما؟يكفي قراءة سير ذاتية من قبيل:

 *إيربير لوتمان: ألبير كامو (1985).

  *أوليفيي تود: حياة ألبير كامو(1999).  

ماريا كازارس نفسها تحدثت في سيرتها الذاتية سنة 1980، عن “سر متداول”.   

سيبتهج أنصار كامو عندما يكتشفون جوهرا آخر للرجل، مختلفا شيئا ما عن ماتطويه ذاكرتهم، لكن ينبغي القول،  بأن تلك السير الذاتية الصادرة منذ حقبة قضمت ذلك.

كتب جان بيير كاستيلاني، بكيفية صائبة تماما:”نسجا دون توقف سجالا، حول إنجازات متواصلة،  سباق جامح كي يلتقيا ثانية أمام طاولة بينغ بونغ دراماتيكية،  وفق المعنى المسرحي للمفهوم، خلف الأبواب الموصدة. هذا الخطاب الغرامي المهووس والرتيب قليلا،  يعكس ترقبا دؤوبا أكثر منه انتشاء سعيدا.  (…) نشعر كما لو أن روح الثنائي كامو/ كازارس، تعيش خارج الزمن التاريخي، يسكنهما اضطراب، جراء حوادث تلك السنوات: حروب خارجية، كما الشأن مع حرب الجزائر،  انطلاقا من سنة 1954، وقد عاشها كامو بكيفية مؤلمة جدا، ولم يلمح إلى أمره سوى نادرا،  التدخل السوفياتي في هنغاريا سنة1956، ثم أحداث ماي 1958، مع عودة الجنرال ديغول وتأسيس الجمهورية الخامسة. نحس كما لو تضمهما فقاعة، نفقد أثرهما  قليلا وسطها. . .  يدرك الحس النقدي عبر المسار التاريخي لتلك المراسلات، فترات زمنية يناجي خلالها كامو نفسه، ثم تحققت أخرى تعكس وضعا أكثر انصهارا، وأخيرا نلاحظ تراجعا واضحا بعد سنة 1951، على مستوى الوتيرة وكذا الصيغة: تراجعت الرسائل خلال العامين الأخيرين(1958 -1959)، مابين سبع وثلاثين وثمان وأربعين رسالة، مما يعكس انكفاء واضحا بخصوص اندفاع أحدهما نحو الثاني، وإن انبعث ثانية، نتيجة مفعول السعادة التي أثارها لقاء جديد في باريس شهر دجنبر 1959 ”.   

بين صفحات سيرتها الذاتية المذهلة والمفاجئة، المعنونة ب: إقامة مميَّزة، منشورات فايار سنة(1980)، دبَّجت ماريا كازارس مضامين الصفحات الممتدة بين(231- 255)،  بكيفية فاقت روعة كل رسالة، وقد تحررت أخيرا من ”الصمت” وكذا ”المنع” اللذين أجبراها لفترة طويلة على الصمت أمام كل متكلم عن هذا الموضوع، سواء مادحا أو منتقدا.

تحكي كازارس بإسهاب عن سنة 1944، بحيث لم يتضمن مجلد الرسائل، أي رسالة  منها إبان تلك الفترة:”بفضل الفهم والتقدير المتبادلين، وافتخار أحدنا بالثاني، تحقق الاستيعاب والتحفيز من الجانبين، ونستهلك نحو الأفضل تلك الأيام، التي تأتت لنا، نمرح ونتألم معا، حيث أحدنا هو الثاني، نرقص مثلما نتقاسم الحزن باستخفاف، ونتحمس معا نحو الأفضل، يتحقق مختلف ذلك ضمن إطار براءة مطلقة، وحرية لانهائية اختُلست من الزمان، مثل فرعين منحدرين من ذات الغصن دون أي انتماء ثان سوى للشجرة التي تحملهما، قويين معا،  حسب  قرار اتخذه هذا الطرف أو ذاك، المتمثل في أن نلهب معا عبر هذا الاقتراب من شعلة بالحياة،  الأيام المتبقية لنا كي نحياها معا، غاية  انتهاء فترة الحرب”.   

ثم في موضع ثان، كتبت كازارس بالحرف الايطالياني، التالي:”لقد عشنا لحظات رائعة سنة 1944، مع ذلك ورغم تآلفنا، تسرب إليها الكبرياء طويلا، بفعل الطرفين. هكذا يفسر كامو إخفاقنا الأول-عشق الكبرياء في رفعته- لكنه افتقد لليقين المقلق للعشق/الهبة” ثم جاء جواب كامو في رسالة تعود إلى سنة:1951″ يعشق أحدنا الثاني على شاكلة صنيع القطارات حين تقاطعها عند مفترق طرقها نحو المحطات” ”.  

عندما نستحضر هذا الحب، لانحتفظ لماريا كازارس سوى بصفة: ”الحب الكبير لألبير كامو”، ثم ننسى بأنها اعتُبرت واحدة من أكبر فنانات حقبتها، في مجالي المسرح والسينما، مثلما كتب مرة أخرى كاستيلاني:”تكمن قيمة هذه المراسلات مع كامو، أننا نستعيد بفضلها تاريخ المسرح الفرنسي ومحطات مثيرة للاهتمام خلال فترة مابعد الحرب عبر سرد لكازارس مستفيض وجذاب،  بخصوص جل مغامراتها المسرحية وجل العلاقات التي جمعتها مع كبار الممثلين ومدراء الفرق المسرحية وقد رسمت لهم بورتريهات ممتعة ”.  

عموما، رواية فلورانس فورزيت، التي تحمل عنوان” تشعرني بالدُوَار: العشق الممنوع بين ألبير كامو وكازارس”، صارت متوفرة حاليا ضمن إصدارات منشورات الجيب،  بحيث تقدم تخيُّلا وثائقيا من طرف صاحبة العمل، وهي باحثة مهتمة بالمسرح وصديقة لماريا كازارس.

نلاحظ بأن مجلد الرسائل الصادر عن غاليمار، تبنى أساسا ترتيبا لاسمي الفاعلين على النحو التالي:ألبير كامو/ ماريا كازارس. ترتيب لايرتبط حتما بمجرد هاجس ألفبائي.  بينما سنلاحظ مع رواية فلورانس فورزيت، أنها منحت المقام الأول للشابة كازارس،  بإدراجها لعنوان فرعي وفق تسلسل:  ماريا كازارس/ ألبير كامو.  

فلورانس فورزيت،  كاتبة، ممثلة، ومخرجة. ساهمت في إنجاز العديد من الإبداعات والمشاريع الثقافية. فيما يتعلق بجانب التأليف، نستحضر مشاركتها في تهيئ كتابي: “الأخوات برونتي”، و”تاريخ الشغف  العاشق”. كما اشتغلت على عمل عنوانه:ماريا كازارس،  فنانة القطيعة(2013).  وقبل سنتين من ذلك، ناقشت رسالتها لنيل درجة الدكتوراه في جامعة باريس3 /السوربون بأطروحة تناولت موضوع:”ماريا كازارس تطلعات وتحولات فنانة”.   

أيضا كتبت مقالات أخرى حول ماريا كازارس. كما الشأن مثلا بخصوص دراستها: “كامو والحب”، الصادرة  يوم 24دجنبر2017على صفحات موقع:  The dissident تعتبر من وجهة نظري بمثابة تتمة لروايتها” تشعرني بالدُوَار: العشق الممنوع بين ألبير كامو وكازارس”.   

حينما طرحت شارلوت مايير سؤالا، على فلورانس فورزيت، بخصوص دواعي هذه الرواية، وكيفيات تبلور إطارها؟أجابت الأخيرة بقولها:

”كانت كازارس المنحدرة من أصول إسبانية، واحدة من أكبر ممثلات التراجيدية في  فرنسا خلال القرن العشرين. ولعبت أدوارا تحت إشراف مخرجِين حداثيين أساسيين:جان فيلار، جان كوكتو، جورج لافيلي، باتريس شيرو وآخرين. إنها الممثلة التي جسدت فوق الخشبة مفاهيم نصوص ألبير كامو، وجان جنيه، الذي رأى فيها الممثلة المناسبة لتشخيص كتاباته المسرحية، مثلما هيأ لها بيرنارد ماري كولتيس عدة مسرحيات. أيضا، تخيل بصددها مصمم الرقصات موريس بيجار مشاهد تستلهم موسيقى الباليه، عرضت في الفناء الرئيس لقصر البابوات خلال مهرجان أفينيون. لقد تعرفتُ لأول مرة على ماريا كازارس في مدينة ليون فترة تقديم مسرحية راسين:  “Britannicus”على خشبة مسرح دي سيلستان، بحيث اكتشفتُ شيئا مختلفا فيما يتعلق بحضورها على المسرح مقارنة بباقي الممثلين الآخرين. بدت منتصبة مثل عمود يبعث اهتزازات، وفي نفس الوقت تحافظ على تجذرها في الأرض. تمتلك خاصية معينة، يمكن مقارنتها قليلا بمنحوتة ألبرتو جياكوميتي، “الرجل الذي يمشي”.  أتذكر بأني قلتُ لها ذلك، ولم تنكر المقارنة. ميز ماريا حضور أرضي، ثم خاصة، صوت استثنائي عميق، يأتي من بعيد جدا يضمر صدى لقاء بين لغتين وثقافتين، الاسبانية والفرنسية، لا تتداخلان بل تتعايشان ويخترقانها. أريد الإدلاء بشهادة في حق هذه الممثلة، وأخبرها بأني سأتذكرها إلى الأبد. لقد حدثني عن حكايتها الجميلة مع كامو، مؤلمة حقا، لكنها مثيرة ومحظورة، مادام كامو كان متزوجا. تسرب خبر عشقهما وعلمت به مختلف مكونات الوسط الثقافي الباريسي. لاتتحدث ماريا عن علاقتها الغرامية تلك سوى نادرا جدا، غاية اليوم الذي أتت فيه لزيارتي قائلة على الفور:”اليوم،  سنتكلم عن كامو” !  تناقشنا طيلة فترة بعد الظهر. بدأ يعرف أحدنا الثاني، والمدهش، طريقتها في جعل كامو كما لو أنه على قيد الحياة. امتلكت طريقة بسيطة،  لكنها جذابة،  بخصوص سرد حكايتها المتحفظة جدا … عشرون سنة بعد وفاة ماريا،  كشفتُ عن ذلك للناشر كريستوف ريمون، فأبدى حماسا كبيرا.  بالتالي كتبتُ هذه الرواية بناء على مضامين أحاديث ماريا ثم ماأعرفه عن تلك الحقبة. اعتقدت بضرورة حماية تاريخ علاقة هذين كائنين اللذين التقيا وعشق أحدهما الثاني،  من كل تلف أو إهمال”.  

انقسمت رواية ” تشعرني بالدُوَار: العشق الممنوع بين ألبير كامو وكازارس ” إلى ثلاث فصول:حالة الطوارئ،  توالي الوقائع،  أبعد قليلا. توقفت الرواية طويلا عند سنوات الحرب، حيث عاش هذا الحب جزأيه الأولين، وبالتالي شغل مضمونه خلال تلك الحقبة حيزا قارب 4/3 الرواية. نعاين حوارات عدة بين كامو وكازارس،  بجانب كذلك شخصيات أخرى،  نستعيد معها شخصيات فعلية. حوارات،  تخلَّلتها حكايات تنسج صلة بين متواليات مميزة وكذا أوصاف تستلهم جدا لغة الإشارة.  تمَّ التأريخ لمختلف الوقائع بدقة. نصادف عند منتصف الرواية تقريبا، فقرة جميلة جدا، بمثابة حوار طويل مع ماريا حول غرامها، وحقيقتها ومايتعلق بمستقبلها. اتسمت الصفحات الثلاث الأخيرة، برصانة واضحة، لأنها تطرقت إلى الحديث عن الموت المفاجئ للكاتب من طرف حبيبته:الانهيار، الذكريات،  ثم استعادة الحياة: تخليد عظيم  لقوة الحياة أو حياتها.  نصادف ثانية الكثير من التفاصيل، والأقوال والذكريات يمكن قراءتها في سيرة كازارس: ”إقامة مُمَيَّزة”.

لاتعفي رواية: ”تشعرني بالدُوَار:العشق الممنوع بين ألبير كامو وكازارس”،  من العودة إلى قراءة الرسائل،  مع ذلك يلزم بهذا الصدد تقديم إعلان خفيف مفاده: يمثل هذا النص الروائي قراءة حقيقية خلال فصل الصيف… وقد حددت أفقه من الصفحة الأولى غاية الأخيرة،  ماريا كازارس تلك المرأة المتصالحة مع نفسها.  

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

*مرجع الحوار:    Diacritik:11 juillet 2018           

                                                        

مقالات من نفس القسم