محمد العبادي
عزيزي المخرج السينمائي.. بالتأكيد الأوسكار هي أشهر الجوائز السينمائية عبر العالم.. والطبيعي أنك – مثل كل أبناء مهنتك – تتمنى الفوز بها يوما ما.. لكن.. يجب أن تعلم يا عزيزي أن الأمر لا يرتبط فقط بمهاراتك الفنية وجودة عناصر الفيلم.. بل هناك عامل آخر أكثر أهمية بكثير.. ذائقة الأكاديمية.
ليس سرا أن الأوسكار لا تُمنح عبر لجنة تحكيم.. لكن عبر التصويت السري لأعضاء الأكاديمية الأمريكية لعلوم وفنون السينما (يبلغ عددهم حوالي 7000عضو).. لذا ففي النهاية يعكس التصويت “الذائقة” الفنية لأعضاء مجتمع الأكاديمية…
لهذا عزيزي المخرج.. نقدم لك هذه النصائح الذهبية التي انتقيناها لك بناء على ذائقة الأكاديمية الواضحة في تاريخها واختياراتها في منح جائزة أحسن فيلم:
- من لم يهتم بخبر الأمريكيين فليس منهم:
إنها الأكاديمية “الأمريكية” يا عزيزي.. بالتالي ليس مستغربا أن تكون الأفلام المهتمة بـ”الشأن الأمريكي” لها أفضلية خاصة في الفوز أو الترشيح للأوسكار.. ويا حبذا لو تبنى الفيلم وجهة النظر “الشعبية” الأمريكية في تحليله لموضوعه.. سواء كان موضوع الفيلم قضية معاصرة، جزء من التاريخ الأمريكي أو تحقيق صحفي هز المجتمع.. فالأفضلية دوما ممنوحة لما ذكر اسم أمريكا عليه.
ربما كانت هذه النقطة هي السر وراء مجموعة من أكثر النتائج تحيزا في تاريخ الأوسكار.. لدينا مثلا:فوز فيلم “12عاما عبدا.12 Years a Slave”.2013 بجائزة أحسن فيلم، رغم فوز منافسه الأبرز “جاذبية. Gravity”.2013 بجوائز الأوسكار لأحسن إخراج، تصوير، ومونتاج!.. فكيف يكون “العبد” هو أحسن فيلم بعدما اعترفت الأكاديمية نفسها بتميز “جاذبية” في مختلف جوانب صناعة الفيلم؟.. الأمر ببساطة أن “العبد” فيلم أمريكي بامتياز.. بقصة مستوحاه من التاريخ الأمريكي عن الكفاح ضد العبودية.. بينما “جاذبية” هو فيلم خيال علمي ذو رؤية أكثر إنسانية.
تكرر نفس الأمر وبصورة أكثر قسوة بعد عامين حين فاز “بقعة ضوء.Spotlight”.2015 بأوسكار أحسن فيلم ولم يحمل في جعبته سوى جائزة واحدة هي أحسن سيناريو أصلي.. بينما اقتنص منافسيه “ماكس المجنون.Mad Max “.2015 و”العائد.The Revenant”.2015 نصيب الأسد من جوائز الأكاديمية.. لكن الأفضلية مرة أخرى كانت للأكثر أمريكية، فـ”ماكس المجنون” فيلم خيال علمي يدور في عالم ما بعد المحرقة.. بينما لم يشفع الموضوع التاريخي الأمريكي لـ”العائد”.. لأن موضوع “بقعة ضوء” المرتبط بحرية الرأي والصحافة كان أكثر قربا للنخبة الهوليودية.. خصوصا في عام الانتخابات الرئاسية.
ربما لو عدنا للماضي نجد أثر لهذا التحيز عبر تاريخ الجائزة.. فمن أبرز الأمثلة هو فوز “روكي.Rocky”. 1976 بجائزة أحسن فيلم.. على حساب “سائق التاكسي.Taxi Driver”. 1976 الذي لم يشفع له حصوله على السعفة الذهبية لمهرجان كان.. ربما لأن “روكي” هو فيلم يدعم فكرة “الحلم الأمريكي” الذي يعطي فرصة النجاح لكل من يريد.. بينما “السائق” يضرب هذه الفكرة في مقتل.
- الموضوع.. ثم الموضوع.. ثم الموضوع:
ربما تكون قد استنتجت هذه النصيحة من سابقتها.. فرغم أن السينما فن الصورة في الأساس.. إلا أن موضوع الفيلم له أهمية خاصة في تقييمه لدى الأكاديمية.. هناك مواضيع معينة لها أفضلية خاصة في “ذائقة الأكاديمية”.. في الماضي كان أبرز موضوع محبب عند الأكاديمية هو إبادة النازيين لليهود في الحرب العالمية الثانية.. لدينا مثلا ستيفن سبيلبرج الذي رُشح للأوسكار عن أربعة أفلام.. لكن لم يفز بها إلا حين صنع فيلمه الملحمي عن محرقة اليهود: “قائمة شيندلر.Schindler’s List”. 1993.. لدينا أيضا رومان بولانسكي الذي فاز بجائزة الإخراج عن “عازف البيانو.The Pianist”.2002،الفيلم الذي تعالج قصته الإبادة الجماعية لليهود في بولندا، فاز بها بولانسكي لكن لم يتسلمها أبدا.. كونه هارب من تهمة اغتصاب فتاة قاصر في الولايات المتحدة منذ السبعينات(يبدو أن الأكاديمية لم تكن تكره المتحرشين آنذاك).. ماذا أيضا؟.. لدينا الفيلم الإيطالي “الحياة حلوة. La vita è bella“.1997 الذي فاز بثلاثة جوائز أوسكار ونافس على أربعة أخرى منها أحسن فيلم وأحسن إخراج.
أزيدك من الشعر بيتا؟: بولندا رُشحت تسعة مرات لجائزة أحسن فيلم أجنبي لكن لم تفز بها إلا عن فيلم يرتبط موضوعه بالمحرقة اليهودية: إدا. Ida2014.
لكن يبدو أن فكر الأكاديمية صار أكثر طليعية وحداثة عما مضى.. فصارت هناك مواضيع جديدة أكثر مجاراة لروح العصر. مثل:
المثلية الجنسية والانتقال الجنسي: فاز “ضوء القمر. Moonlight”2016 بجائزة أحسن فيلم، بالإضافة لترشيحات متعددة لأفلام تناقش نفس الموضوع: “جبل بروكباك.Brokeback Mountain”. 2005، “الفتاة الدنماركية.The Danish Girl “. 2015، “كارول. Carol”. 2015، “نادني باسمك. Call me by your name”. 2017.. وأيضا الفائز بجائزة أحسن فيلم أجنبي لهذا العام: “إمرأة رائعة. Una Mujer Fantástica“. 2017.
الملونين وقضاياهم: لا يغيب عن فطنتك ارتباط هذه النقطة بـ”النظرة الأمريكية”.. فمع تاريخ طويل من الصراع ضد العنصرية.. ومع الاتهامات التي وجهت للأكاديمية نفسها بالتحيز ضد الملونين.. صارت قضايا الملونين والأقليات والمهاجرين ووضعهم في المجتمع الأمريكي من المواضيع الأساسية في ترشيحات وجوائز الأوسكار.. كأنما تنفي الأكاديمية عن نفسها شبهة التحيز للبيض.. ولا نغفل البعد السياسي للأمر بعد فوز “عدو الأقليات رقم واحد” دونالد ترامب بالرئاسة. نجد من الأفلام التي حبذتها الأكاديمية ولها ارتباط بالملونين والأقليات: “المساعدة. The Help”.2011، “أسيجة.Fences”. 2016، “أرقام مخفية. Hidden Figures”. 2016، وبالطبع الفائز بجائزة أحسن فيلم: “ضوء القمر”.2016.
حرية الإعلام: بالفعل.. فـ”بلاد الحرية” أصبحت الآن تصنع أفلاما لتمجد – بل وتطالب – بحرية التعبير.. بالطبع كرد فعل للتهديد الذي يشعر به صناع السينما من الوضع السياسي الراهن مع وصول “عدو حرية التعبير رقم واحد” دونالد ترامب للسلطة.. لكن من السخرية أن أغلب الأفلام التي تعالج هذا الموضوع تضطر للعودة للماضي.. فبالتأكيد التهديدات الحالية لحرية التعبير والإعلام في الولايات تبقى أقل بكثير من أن تصلح لعمل صراع يكفي لفيلم درامي.. فنجد أن أغلب الافلام التي عالجت نقطة الإعلام وحريته وقوة تأثيره تعود لفترات سابقة في التاريخ الأمريكي.. بالذات لفترة “المكارثية” في نهاية الأربعينات، أو فترة حرب فيتنام.. فنجد لدينا أفلام مثل: “ذا بوست.The Post “2017 الذي تدور أحداثه في السبعينات، و”ترومبو.Trumbo” 2015 الذي يمجد الكفاح ضد المكارثية في الأربعينات والخمسينات’ ويبقى أحدثهم في زمن أحداثه هو “بقعة ضوء”. 2015 الذي تدور أحداثه في بداية الألفية.
- الممثلون:
أولا: إدارة الممثلين: تعتبر إدارة المخرج لممثليه من أهم النقاط الإيجابية في تقييم الأكاديمية للفيلم ولمخرجه.. فظهور أداء الممثلين في حالة ممتازة يدل على قدرة المخرج على التعامل معهم وإظهارهم في أحسن صورة فنية.. ورغم أهمية هذه المهمة للمخرج لكنها ذات قدر أكبر من الأهمية عند الأكاديمية.. حتى نرى بعض المخرجين ينالون ترشيحاتهم فقط تقديرا لتميزهم في إدارة فريق العمل.. حتى لو كان هذا على حساب الجوانب الفنية الأخرى (ديفيد أو راسل مثلا).
ثانيا: اختيار الممثلين: هناك نمط معين من الممثلين له أفضلية خاصة عند الأكاديمية.. وجودهم يضيف ثقل إلى ترشيحات الفيلم، ربما يأتي هذا بسبب “ذائقة الأكاديمية” الخاصة في الأداء التمثيلي (لكن هذا موضوع يحتاج إلى مقال مستقل).. يمكنك أن تدرك الممثلين المرضي عنهم ببساطة من عدد مرات فوزهم وترشحهم للجائزة.. أيضا دخل عامل آخر مهم في السنوات الأخيرة.. فالانتقادات التي اتهمت الأكاديمية بالتحيز للبيض أثرت في أفضلية الممثلين كما أثرت في أفضلية المواضيع.. فبعد خلو قائمة المرشحين عام 2016 من أي ملونين وما أثاره من انتقادات.. تم علاج ذلك في السنتين التاليتيين.. لكن عموما نلاحظ في السنوات الأخيرة تزايد التقدير للممثلين والممثلات الملونين في الترشيحات.. فوز وسبع ترشيحات لدينزل واشنطن، ثلاث ترشيحات لفيولا ديفيز، فوز وترشيحان لأوكتافيا سبنسر، وترشيح لناعومي هاريس.
- الميزانية:
هي نقطة شائكة ومحيرة حقا يا عزيزي.. لكن دعني أقول لك.. إن كانت الحكمة أن “خير الأمور الوسط”.. فالأمر نفسه لا ينطبق على الأكاديمية.. الأنسب هنا أن تبتعد عن الوسط.. فالمبالغة في كلا الاتجاهين قد تكون أنسب…
للأكاديمية تاريخ طويل من الانبهار بالأفلام ضخمة الإنتاج عالية الميزانية.. لكن في السنوات الأخيرة تغير الوضع.. وأصبحت هناك اهتمام أكثر بالأفلام (المستقلة) ومحدودة الميزانية. ربما يعود هذا إلى استجابة الأكاديمية للانتقادات التي طالتها دوما لتجاهلها للأفلام التجريبية والصغيرة…
إذن فإما ميزانية مليارية.. أو آلاف بسيطة.. القرار قرارك…
- الدعاية:
الأهم من ميزانية “الإنتاج” هو ميزانية الدعاية.. والمقصود هنا ليس الدعاية الموجهة للجمهور العادي.. بل الدعاية الموجهة للجوائز والقائمين عليها.. وأولهم طبعا أعضاء الأكاديمية.. فالأمر ليس مجرد فيلم جيد يلفت انتباه النقاد والمحكمين ليفوز.. بل يحتاج الفيلم لحملة دعائية أقرب للحملات الانتخابية لينافس في موسم الجوائز.. حملات منهجية تتكلف عشرات الملايين من الدولارات وتخصص لها شركات التوزيع الكبرى ميزانية خاصة لتلفت نظر الأكاديمية لها.. يكفي أن نعرف أن فيلم “جزيرة شاتر.Shutter Island”.2010 لم يشارك في موسم الجوائز عن عمد.. لأن شركة الانتاج عجزت عن توفير ميزانية حملة دعاية الجوائز للفيلم.. والتي قدرت بما بين خمسين إلى ستين مليون دولار.
بالإضافة إلى هذا النوع من الدعاية مدفوعة الأجر يبرز أيضا الدعاية المجانية التي قد يقوم بها النقاد أو بعض جماعات الضغط لأسباب غير سياسية.. برز هذا مثلا في الحملة التي قادت لترشيح ثم فوز فيلم “خزانة الآلام”.2008 رغم ميزانيته الصغيرة ومجال عرضه الضيق.. لكن تبني الفيلم لوجهة النظر الأمريكية في حرب العراق جلب له دعم ضخم من الوسط السينمائي الأمريكي.
- الصورة:
رغم أن السينما هي فن الصورة في الأساس.. لكن صدقني يا صديقي.. بمضي الوقت تتضاءل قيمة “الصورة” كعامل تقييم لدى الأكاديمية.. في مقابل سطوع عوامل أخرى مرتبطة بـ”المضمون”.. سيكون من المتعسف أن نتهم الأكاديمية أنها تتجاهل عوامل جودة الصورة من تصوير ومونتاج وإدارة إنتاج.. لكن في النهاية تبقى الأفضلية عند الأكاديمية لتقييم المضمون.. حتى لو كان تفضيله لأسباب غير فنية.. ولهذا صار من المعتاد في السنوات الأخيرة أن تذهب جوائز الصورة – وعلى قمتها جائزة الإخراج – لفيلم .. ثم تذهب جائزة أحسن فيلم لفيلم آخر.. رغم أن المنطق يقضي بأن الإخراج هو العامل الأساسي في تكوين الفيلم.
أصبح تقييم أحسن فيلم يُبنى على “ما” يقوله الفيلم.. وليس “كيف” يقوله.. ولنا الحق أن ننتقد طريقة التقييم التي تصلح لتقييم مقال رأي.. وليس عملا فنيا…
- ابتعد عن المؤثرات الخاصة:
إذا أردت أن تحوز على رضا الأكاديمية فابتعد قدر الإمكان عن مؤثرات الصورة الخاصة.. فلازالت الأكاديمية ملتزمة بالنظرة الكلاسيكية تجاه المؤثرات الخاصة باعتبارها مجرد “خدع” تعمل على إبهار المتفرج وتخفي عيوب المخرج وضعف موهبته.. ربما من المنطقي أن نتقبل هذه النظرة من الأكاديمية إذا عرفنا أن متوسط أعمار أعضائها يتجاوز الستين.
ربما تكون نظرة الاحتقار للمؤثرات الخاصة قديمة قدم الجائزة فنجد أن الجائزة قد تجاهلت في الثلاثينات فيلم “كينج كونج.King Kong”. 1933.. وفي الستينات تجاهلت الجائزة تحفة ستانلي كوبريك “2001: أوديسا الفضاء.2001: A Space Odyssy”. 1968فخرج بدون حتى الترشيح لجائزة أحسن فيلم.
وربما تكون نظرة الاحتقار لحيل الصورة أقدم حتى من جائزة الأوسكار نفسها.. يظهر هذا في التجاهل الذي تعرض له رائد فن الحيل والمؤثرات: الفرنسي “جورج ميلييس” على مدى سنوات طويلة.
- النوع:
بالتأكيد.. فكما للأكاديمية ذائقة معينة في المواضع.. يتسع الأمر ليشمل نوع Genre الفيلم.. ففرصة الفيلم التاريخي للفوز تختلف عن فرصة فيلم الرعب.. وكلاهما يختلف عن فيلم الخيال العلمي مثلا…
فإذا أردت أن تنال رضا الأكاديمية يجب أن تعرف ما تحبه وما تكرهه من الأنواع الفنية…
الأنواع المفضلة: تفضل الأكاديمية الأفلام الدرامية، الاجتماعية، الأفلام التاريخية والسير الذاتية (ويا حبذا لو كانت مرتبطة بالتاريخ الأمريكي بالطبع)، الأفلام الحربية، الإستعراضية.
الأنواع المكروهة: ابتعد عن الكوميديا، الأفلام العائلية، الأفلام الدينية، أفلام الرعب والخيال العلمي (لا تنس كره الأكاديمية للمؤثرات الخاصة يا عزيزي).
بالمناسبة.. لا يغرنك فوز “شكل الماء.The Shape Of Water”.2017 بأوسكار هذا العام وما قيل عن كونه أول فيلم خيال علمي يفوز بالجائزة.. فمن الممكن جدا اعتباره فيلم فانتازيا رومانسية.. كما أنه يدين بفوزه بقدر كبير للعديد من نقاط الجذب للأكاديمية التي زرعها المخرج في الفيلم (حرب باردة، ملونين، تاريخ، عسكر…)
- كن متفائلا:
فرغم كل شئ.. لا زالت لديك فرصة للفوز حتى لو لم تنفذ أي من هذه النصائح.. فقد تشفق عليك الأكاديمية وتعطيك جائزة تعويضية في النهاية.. لكن هذا قد يحدث بعد عشرات السنين من التجاهل والترشيحات بلا فوز كما حدث مع مارتن سكورسيزي الذي لم يحصل على رضا الأكاديمية بـ”سائق التاكسي”.1976 و”الثور الهائج.Raging Bull”1980، “الرفاق الطيبون.Goodfellas”. 1990،”الإغواء الأخير للمسيحThe Last Temptation Of The Christ”. 1988 وغيرهم كثير.. لكن في النهاية حصل على “جائزة ترضية”.. حين فاز فيلمه المتوسط المستوى: “الراحل.The Departed”.2006 بالجائزة.. كان من الواضح إن الجائزة ليست تقديرا للفيلم.. بل تقديرا لشخص مخرجه.
في النهاية لا تبتئس يا صديقي حتى لو لم تفز بالجائزة يوما.. فكما ترى فالأوسكار هو تمثال يحمل من الدعاية والسياسة أضعاف ما يحمل من الذهب…