مهيب البرغوثي
إلى روح أمي
أيها الموت!
ألم يتعبك وجع قدميك؟
ما بالك تعوي وتفتك بنا مثل وحش أيقظه فجأة ألم يقطع أوصاله؟
ها أنت تفقد ماهيتك، عنوانك، هويتك. تستجمع شجاعتك وتفتك بالعجائز والأطفال
أيها الموت!
لقد فقدت معنى رجولتك
أيها الموت!
لماذا -أيها الموت- أصبحت عدونا فجأةً؟
لماذا أصبحت لصاً ماهراً تسرق والدموع تملأ عينيك؟
زاحفاً، سارقاً، ترقص فوق الجثث وتتباهى بالانتصار.. أي لعنة هذه؟!
أيها الموت!
تريث قليلاً
تسرق الأصدقاء، تفتك بالأهل، تصيبني في أخي، وأختي، وأبي، وأمي.. ما بالك.. تريث قليلاً.. هل جننت؟ هل قتلتُ لك أحداً ما؟ لم تريد أن تنتقم مني؟
أعرف أننا سنموت كلنا.. لكن، أعطنا القليل من الوقت لنرى عيوننا حين تدمع، أو تحب
أصبح طقس الموت عاديّاً جداً.. تمهل.. استجمع أنفاسك للحظة، أعد ترتيب حقيبة ظهرك، تفقد أوراقك.. قد لا تعود ثانية
أيها الموت!
اترك لنا لحظة انتظار مشهد الوداع الأخير
أيها الموت!
كم هو غريب ومُرّ هذا البكاء
أبيض كنعشك،
لقد فقدت واجهتك أيها الموت.. ألم تعد لك أية وظيفة سوى الموت؟
أجلس أنا وإخوتي حول جسدها، أو ما تبقى منه، بعد أن أنهكتها الأمراض اللعينة. كل آلات تعذيب المرضى جاهزة. الساعة لم تتجاوز منتصف الليل بقليل.. تفتح عينيها قليلاً وتحاول أن تقول شيئاً ما.. ثمانية وجوه.. ست عشرة أذناً تسترق صوت أنفاسها عبر الشاشة المنصوبة في الواجهة، ست عشرة عيناً تبكي وتراقب حركة الشفتين.. وعيناها تنظران بنصف إغفاءة.. نصف موت.. خاتم القلب يحركه نبض اليدين
أمي..
حاول الأطباء إنعاشها بكافة أشكال الإنعاش.. لكنها أصرت: موت كامل السيادة.. لا لنصف موت بنصف ذاكرة
أيها الموت!
تريث قليلاً.. فأمهاتنا لم يعرفن أسرارك والحديث بطقوسك بعد!
أيها الموت!
تريث قليلاً لنمضغ هذا الفتات، ونشرب جرعتين من حلكة الليل
أيها الموت!
هل نضحك قليلاً لنكون معاً؟