نسرين محمد
مقهى، آنية قهوة، حقيبة، وأوراق مبعثرة، مقال يجب أن يُسلم، تقارير أبحاث لم تكتمل، رسائل ورقية، أحمر شفاه، عطره المفضل.
كل شيء كما يجب أن يكون، إلا المخيلة تتأرجح بين الغد وما كان قبله.
على عتبة الخامسة والعشرين من العُمر، مرور تلك الأحداث قد يُقاس بمقدار المسافة التي بين كوب القهوة وشفتي، لكنها أكثر حرارة في الدواخل منها على اللسان.
في شتاءٍ قبل أحد عشر عاما أو أكثر لا أذكر كم عددهن وقتذاك، قد يقضي الواحد منا عُمرًا كاملا لا يدري عدد أعوامه. تاريخ الميلاد بمثابة شيء لا جدوى منه. ربما لا أحد يكترث له. بمقياس الأرقام، يُقاس عُمر المرء بعدد أبنائه، أو بعدد أبناء أبناء جيله. يكون العُمر هنا بمعيار تقدم السن. قد لا تتجاوز أعوامه الخمسة والعشرين، التي أعيد ترتيبها الآن، لكنها قد تكون كارثة بالنسبة له عندهم، قد تولد من بقائه عازبا أسئلة قد تشكك في رجولته.
يُقرن تاريخ ميلاد كل واحد منا بحدث ما، تاريخ وفاة مثلا، كارثة، رئيس منتخب جديد، انقلاب عسكري.
تجد معظم الأسماء تحمل إشارة على ذلك. أكثرهم بؤسا أولئك الذين ولدوا في عام الجفاف، كلما ذكر تاريخ ميلادهم ذكرت أحوال أمهاتهم حِينذاك. لم تكن المخيلة خربة، كما يبدو لمن يتراءى له حال عيني الغارقتين من أثر السهر وما خلفته تلك الأعوام عليهما. أذكر جيدًا كيف كنا نمحو أثر السباحة عن أجسادنا، لكن احمرار أعيننا كان يفضحنا.
كما تفعل المرآة التي تظهر المسامات بكل وضوح وتفسد على المساحيق لحظاتها السعيدة.
لم تكن تلك المساحيق متوفرة آنذاك، وربما لم نكن نعرفها؛ كنا فقط
فتيات بأجساد ممتلئة، وأثداء تثيرهم كما يذكرون في جلساتهم الخاصة.
لم نكن نصغي إلى ثرثرتهم، لكن الأيدي التي تمتد خلسة والنظرات كانت توحي بكل شيء.
لم يكن بمقدورنا قطعها، خشية أن تُقطع رقابنا.
أتساءل هل ذلك الشيء الوقتي كان انتصارا لهم؟
ما جدوى السؤال؟
حين أصبحت الفتيات أمهات لأبناءهم، في ذلك الشتاء كان كل شيء مميزًا ، حفلات زواج وأخرى للختان وبجانب آخر صيوان عقيقة وزغاريد.
الشتاء موسم معروف للتزاوج؛ وقتذاك
لا أعلم كيف أصبح الحال في هذا الشتاء بعد ستة عشر عاما،
لكن الشتاء هنا عبارة عن قلادة قديمة ومعطف وكوب قهوة.
…………
كاتبة من السودان