تأكل الطير من رأسه .. تقديم الفانتازيا ببساطة

تأكل الطير من رأسه .. تقديم الفانتازيا ببساطة
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 

"البساطة"  ... لم أجد مفردة تصف مجموعة " تأكل الطير من رأسه " للقاص مصطفى زكي  الصادرة عن  دار العين للنشر  والتي توجت مؤخرا ً بجائزة مؤسسة ساويرس فرع شباب الأدباء – سوى تلك الكلمة، و التي تحوي سر جمال هذه القصص .

 

نسج مصطفى ذكي عوالمه القصصه ببساطة آسرة ، رغم أن الشخصيات تبدو مُضطربة أو مريضة أو تُعاني من خطب ما إلا أن أفعالها شديدة التلقائية تنحى باضطرابطها أو مشاكلها بعيدا ً .

ففي المجموعة الأولى ” نوستالجيا ” :

يبدو واضحا ً من الأسم فكرة العودة إلى الماضي و الحنين لذكرى ما خبت وراء السنين . و الذكرى التي اختارها الكاتب ليسترجعها هي فترة المدرسة و غلف تلك الذكريات في قالب فانتازي . مثلا ً قصة ” فراشات ” يسرد الكاتب قصة مُدرسة الموسيقى التي تُغري التلاميذ بُمشاهدة نيزك يعبر في السماء و يُمكن رؤيته بالعين المُجردة و كل من رأه يتمنى امنية ستتحقق . حتى نصل للنهاية المُباغتة . ويستكمل الحكي في القصة التالية ” أحمد مبروك ” فيحكي عن زميل الدراسة الطيب الذي يصطدم بُمدرس أحمق يجرح كرامته و يُهينه .

أهم ما يُميز تلك المجموعة أنها تتسم بالبراءة و الشفافية مثل الأطفال تماماً . حتى وإن تشابهت نهايات القصص ، فالمقصود منها الاشارة الي رفض الابطال العالم الموحش الذي يحيط بهم و توقهم لعوالم أكثر رحابة .

المجموعة الثانية ” حكايات قديمة ” :

يستند الكاتب على الموروث الديني كعنصر اساسي لبناء القصص ، و يتضح ذلك أكثر في قصة ” صياح أخير للديك ” و قصة ” الأغواء الأخير لرجل عادي ” فتبدو تلك القصتين كأنهما وحدة واحدة يربطهما نسيج واحد مُستندا ً على قصة ” سيدنا يوسف ” عليه السلام .

” يحكون بأن أحد أجدادي البعيدين قد صلب . كان محبوسا ً مع نبي تنبأ له بأنه سيُصلب ، و تأكل الطير من رأسه صُلب بالفعل . يتحدثون عن لعنة أصابت أبناءه من بعده ، صلبوا بالكامل    جيل من وراء جيل . أتقن ابنه الأصغر صناعة الصلبان لينتقم لأبيه . يقولون بأنه قد صُلب على صليب من صنعه هو “

أما قصة ” طوف ” فالمرجع هنا قصة ” سيدنا نوح ” عليه السلام  و الطوفان ، و محاولة سام أو الراوي الهروب من الماء بالصعود على قمة جبل، لكن الماء يصل إليه ايضا ً . لكنه هنا يُعيد كتابة مشهد الغرق بطريقة حداثية . ” هم بأمان الان داخل دائرتهم المغلقة . ليس هناك بلل ولا برد . أرتعش غصبا ً عني ، والصقيع بمنعني عن التفكير . المياه ترتفع و الحركة تزداد صعوبة . أضع اللوح أمامي و أصعد فوقه “

المجموعة الثالثة ” حظر ” :

عبر خمس قصص يرصد مصطفى ذكي حالة التخبط التي تحياها الشخصيات خلال فترة حظر التجوال . ففي القصة الأولى ” حظر ” نجد مشهد الأمطار و الليل مما يسبب رؤية مشوشة و ينعكس ذلك على الراوي الذي يعود مُتأخرا ً ، و أيضا ً على الضابط المكلف بتطبيق قانون الحظر و الأهم زوجة الراوي التي تعود متأخرة هي الاخرى و تردد المقولة الغريبة التي يُرددها الضابط ” أمطار بوهيمية” .. هنا على القارئ أن يُعمل عقله ليستنبط لماذا يُردد زوجة الراوي و الضابط نفس الكلمة .

أما قصة ” خلوة ” و التي نرى خلالها القهر في أبشع صوره ، أنتهاك جسد امرأة مقهورة في علاقة تُدفع لها قسرا ً . ” يقترب منها صول طويل القامة . يقف قليلا ً ليتأملها قبل أن يُشير إليها لتخرج . لم تنظر ورائها ، مشت خلفه بهدوء لاخر المبنى الخانق . قلبها يدق بشدة ولا تتوقف عن أكل شفتيها ” . تبدو تلك القصة يمثابة صرخة مقهور الذي لا يملك حيلة تدفع عنه هذا الظلم ، و قد ساهم السرد الجميل في تعميق هذا الاحساس . 

المجموعة الرابعة ” حلول ” :

تبدو شخصيات تلك المجموعة من القصص مُتعثرة في مشاكلها التي تحيا بينها أو التي تطرأ فجأة في مسار حياتهم .. لكن هل تسعى الشخصيات لتغير مصيرها أم تغرق في مشاكلها ؟

ففي قصة ” بابل ” و التي تُعد القصة الأعذب ضمن قصص المجموعة ، نجد الطفل زياد الذي توحد مع العابه حتى تجرفه معها لعوالمها اللا معقولية ، و التي تصل لنهايتها التي يفقد فيها الأب طفله للأبد .

أما قصة ” تقمص أخير ” نجد أن روح الشخصية التي يؤديها الممثل أمام الكاميرا تتلبسه تماما ً حتى في حياته الخاصة ، لتصل للذروة بفقده رجولته ، نتيجة تقمصه لدور الخصي ، فغرق حتى الثمالة في الشخصية . تُرى ماذا سيفعل البطل ؟

نصل للقصة الأخيرة و هي مصادفة أجمل قصص المجموعة ” ميكي ” الشاب الذي يخفي حقيقة عمله عن أهله و يعمل كميكي أو بطوط حسب أختيار المدير المتسلط ، ذلك اليوم أختار المدير أن يقف أمام الزبائن بشخصية ميكي ، و يترك المدير المحل بعد أن يُغلق على غرفته التي تحوي ملابس الشاب و نقوده ، ويصبح لا مفر من العودة لبيته و هو ميكي . مأساه مكتملة الأركان رسمها مصطفى ذكي ببراعة شديدة و تحديدا ً النهاية التي جاءت على غير المتوقع ، مُعبرا ً عن فكرة التسلط و تحكم القوي في مصير الضعيف .

عبر تسعة عشر قصة طاف بنا مصطفى في عوالم فانتازية أو عاد بنا للتاريخ و أحيانا ً يلتصق بالواقع ، كل ذلك و أكثر نقرأه في هذه المجموعة من خلال قصص مُحكمة البناء و بأسلوب بسيط بعيدا ً عن أي تكلف لغوي لا طائل منه. 

.

 

مقالات من نفس القسم