بلكونات

قصة
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

مي قاسم 

انزعج ثم جلس على الكرسيّ المجاور للنافذة الأخرى، لا يُحب أن يجلس في الاتجاه المعاكس لاتجاه حركة “الترام”، لكنه على كل حال يفضل الجلوس على الكرسي المجاور للنافذة حتى لو عكس اتجاه الحركة. فتح حقيبة ظهره وأخذ يتأمل الكتب الجديدة، فتح أحد المُغلفات ليتحسس الورق.. ليس سيئًا مطلقًا مقارنة بسعره. في مغلف آخر كان كتاب لأحد شعرائه المفضلين.. سيكتشف بعد ذلك أنها رواية وليس ديوان

أخرج الهاتف المحمول.. آها بالطبع.. ثمان مكالمات فائتة.. لن يتوقفوا عن هذه العادة أبدا.. وهو-كذلك- لن يتوقف عن عدم إخراج الهاتف في الشارع والرد.. يثير توتره إمساكه بالهاتف. اتصلوا مرة أخرى-قرر الرد هذه المرة بما إنه قد جلس. –

«ألو! أنا هقولكم الحقيقة بس محدش يزعقلي

 ليأتيه رد أخته الصغرى : أنت فين! إحنا جاعنين

أصل ملقيتش الكتاب اللي عايزه في جليم.. فرحت محطة الرمل..

ثم بضعة كلمات من نظير : طيب طيب.. مش هتأخر.. آه حاضر.. سأتي بالمطلوب.

جلست أمامه.. هذه العادة مرة أخرى.. تأمل عيون الخلق.. لكن عينيها فعلا جميلة، رموشها طويلة، وقد زاد تحديدها بالـ “كمامة” من جاذبيتها، ورسم صورة خيالية لبقية ملامحها في رأسه. تشبه زميلته بالجامعة “مروة” إلا أن عيني هذه أجمل. أراد أن يلتقط لها صورة.. لكن كيف يفعل هذا.. لو أحست الفتاة أو راه أحد الواقفين خلف الكرسي لن يمر الأمر على خير.. لكن ملامحها ملهمة جدا وتستحق أن ترسم كملامح بطلة لأحد قصصه أو رواياته.. من دون المزيد من التفكير أخرج الهاتف وأخرجه خلف النافذة يلتقط صورة لشجرة تبدو بديعة تحت أشعة الشمس.. جديرة تمامًا بأن يُطلق عليه أبله وهو يلتقط صورة لها. ثم قبل أن يعيد الهاتف إلى الحقيبة، وضع الهاتف على إحدى فخذيه كأنه يتأمل الصورة التي ألتقطها، كان لا بد أن يضعه على فخذه حتى تتمكن الصورة من أن تحوي عينها ورموشها.. لأنها كانت خافضة بصرها تنظر في الهاتف. في أقل من نصف دقيقة كان قد التقط الصورة وهم بإدخال الهاتف في الحقيبة.. حين باغتته قائلة

ـــ لو سمحت… هو سيدي جابر اللي جاية؟

 كاد قلبه ينخلع حين ندهت عليه، لكنها الحمد لله، جات سليمة. رد عليها بأن لا يزال هناك بضعة محطات قبلها. وشعر بالإنتصار، وعاد يتأمل المشاهد السريعة التي تمر من جانبه والترام يسرع ويلتهم القضبان. بصره معلق بالـ “البلكونات” تُرى ما أصل هذه الكلمة؟ يفكر في أنه خلف كل شيش حكاية، ولو أن له معجزة تمكنه من التصنت عن الحكايات خلف الجدران، لكان أعظم كاتب قصص. لكنه سيزيد من تدريبات التأمل، وسيلتقط الكثير من الصور العشوائية، سيزيد من مرونة خياله وسيكتب كثيرًا.. لا يحب شيء أكثر من القصّ. وقف الترام بمحطة “السيوف” وأطال الوقوف، لم يلحظ أن هناك عطل أو مشكلة سوى بعدما هم شابين بالهبوط لإكمال المحطة الأخيرة سيرًا على الأقدام، ذهب نحو الباب يتأمل الخبر فعلم أن هناك ترام أخرى تقف أمام التي يركب بها، كان سيهبط ليكمل المحطة الباقية مشيًا لولا أن قدمه كانت تؤلمه من اللف بحثًا عن الكتب،أمام باب العربة كان هناك باب أسود حديدي…

ذكره بافتتاحية القصة التي كتبها عن شاعر تأمل باب عمارته الذي أُزيل طلائه قبل دخول شقته المهملة تحت بئر السلم.. ليتحدث إلى فتاة عشرينية.. يغازلها ثم بعد ذلك يخبرها أن عمره يقترب من الخمسين.. وأن هذه الصور المنشورة له عبر صفحته على فيسبوك تعود لثلاثين عاما مضوا.. وعليه فهما لا يستطعان أن يكونوا معا في حكاية غرامية…. سيكتب بعد ذلك عن فراقهما قصيدة. هذا الباب الماثل أمامه أيضا يصلح كمشهد من قصة. ربما أدمج الثلاث خيوط معا.. الفتاة ذات العيون الحسناء، تعطل الترام، والباب الأسود. لم يتحرك الترام فآثر أن ينزل فعلا ويعود إلى المنزل سيرًا على الأقدم لأنهم لا يكفون عن الصراخ بكونهم جائعين.. ماذا لو كتب قصة عن ابنة قتلت أباها لأنه ذهب واشترى بأخر مائة جنيه معهم… كتبًا؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتبة مصرية 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون