المعتوه

المعتوه
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 

المعتوه أخي استغل غياب زوجته و وقف أمام السرير الذي اقتناه حين كان يشبه الآخرين. الآخرين الأسوياء في العلن . قال، حين سألته زوجته عما اقترف عتهه، إنه كان يود أن يعاقب الشياطين .

وقف أمام السرير بهدوء جمّ، و أخرج 'همّه'. (زوجته لا تود أن يُساء بأخلاقها الظن لذلك تسمي ذلك الشيء الذي ينتصب 'الهمّ').

ب'همّه ' الأسود رشّ المعتوه أخي الشياطين  التي قال إنها تنام على سريره.

رشها بمائه الأصفر النتن و قهقه طويلا. كان يضحك عاليا و هو يخاطبها:

أنت تحتاجين إلى الوضوء الأكبر. توضئي من مائي.

أمي التي جاوزت السبعين بقليل أخفت دموعها و حاولت تهدئة خاطر عروستها.

اصبري على أولادك يا بنتي. و لنطلب له جميعا الهداية من عند الله.

ما عدت أستطيع يا لالّة الحبيبة. المعتوه. و اسمحي لي أن أقول لي و لك  إنه معتوه. أحمق. وحش الغابة. كيف يفعلها في غيابي؟ كيف ينتن سريري الذي أنام عليه؟. كيف؟ كرهته يا لالّة. كرهته كرهته. كرهت نفسي. كرهت اليوم الذي رأيتني بالقرب منه. كرهت المْكْتوب الذي وضعني في طريقه.

     أمي لا تقول شيئا. تنظر إلى عروستها التي رفعت كُمّ قميصها  لتمسح عينيها. تنظر إليها و لا تود أن تزيد الملح على الجرح أكثر. غير أنها لا تود أن يُنعت ولدها الذي خرج من رحمها بالوحش. القرد في عيني أمه غزال. و أخي في عيني أمي قرد و غزال. كان غزالا و مُسخ قردا، والله يهديه، و علينا أن لا نحكم على ما لا نعرفه. الله وحده يعرف الأسرار.

 أمي المجروحة التي يفيض قلبها،مثل كل الأمهات، بالحنان تطيل النظر إلى عروستها و تغرورق عيناها بالدموع.

نعتُ أخي بالوحش تعبيرٌ جارح وخاص بأمي. ملكيتها. صحيح أنها تستعمله من نوبة غضب إلى أخرى غير أنها تقلق حين تسمعه على لسان زوجة ابنها. أن يصف أحد ما ولدها الذي أرضعته عامين و كاد خروجه إلى الوجود أن يقتلها قذفٌ و سبٌ في بطنها . تلك البطن، كما أي بطن، التي قيل إنها ‘تخرج الخباز و الدّبّازْ‘.

ـ يا لالّة الحبيبة أنا ما قصدت شيئا. اسمحي لي. أرجوك أن تسمحي لي. لا تقلقي مني.

ـ يا بنتي، لم يكن هكذا حين تزوّجتِه.  أنت تعرفين هذا. كان عاديا و يقطع إحدى عشر كيلومتراً على رجليه كي يذهب إلى عمله. و كان يعود كل مساء إلى البيت ، و المْعلّْم الذي يشتغل معه يشكره و يقول إنه مْساعْفْ و يقوم بكل ما يُطلبُ منه و لا يتهاون في عمله مطلقا. اصبري يا بنتي. و الله ولي الصابرين.

   أخي المعتوه سبق له أن قشّر تراب جدران البيت و أكله،  قتل كلبة و جرائها ، اصطاد غرابا و أكله مشويا، أضرم النار حُمقا في ضريح بحثا عن العسل، باع كل نعاجه العشر بألف و خمس مئة درهم لابن شيخ القرية. كل الشرور الصغيرة و الكبيرة اقترفتها يدا أخي و لم يتدخل الله لإيقافه. أخي امتحان الله القاسي الذي على أمي و عروستها اجتيازه كل يوم.

 حين  تتذمر أمي من تصرفات أخي الخرقاء  وتنتابها نوبة غضب  تصرخ في وجهه :

 – إنك ‘مسخوط ‘. لست جديرا بالحياة. حتى المقبرة المنسية لن تقبلك.

  يقف أخي  كمعتوه حقيقي شارد، و بتينك العينين الصغيرتين التائهتين ينظر إلى أمي  كما لو أنه لم يلتقط من كلامها غير كلمة واحدة: المقبرة

لن ينفع معك إلا المخزن، تصرخ أمي في وجه ابنها المسخوط.

يجر أخي رجليه إلى الوراء ، يعتلي شجرة التين القريبة من المنزل و ينكمش على نفسه. و من هناك، من على ذلك الغصن الغليظ  يحلف بأغلظ الأيمان أنه لن يكرر الأمر. لن يُخرج شيئه  ليعاقب الشياطين عبر رشها بالماء.  سيتركها تمرح و تلعب و تنام آمنة إلى جانب تلك المرأة. سيتركها على السرير الذي يتذكر أنه اقتناه بماله. ماله الذي كسبه من عمله.

 لتفعل الشياطين ما أرادت الآن. صافي. ماشي سوقي فيها، يقول  أخي بجدية.

ترفع أمي يدها اليمنى و توجه له الوسطى.

هاك ألمْبَهْدْل، هاك، تقول له حانقة و في شبه استسلام لقدرها. تتوقف برهة لتسترجع نفسها و تضيف و هي تنظر إلى زوجة ابنها التي توقفت عن البكاء:

لقد ألفتَ الجلوس  و الراحة. أسيادك يشتغلون و يعيلون أسرهم وأنت تعوّل علي و عليها. من يستطيع إعالة غول مثلك؟

 و كما لو أنها وجدت قليلا من الشجاعة تتدخل زوجة أخي و تقول لأمي: إنه  يتهابل فقط.  دليلي في هذا أنني  لم أسمعه مرة واحدة يقول إنه سيقطع ‘همّهُ’  أو لسانه.

ألالّة الحبيبة، قولّي دَبَا  الله يرحم  لك من في القبر، هل سيصير أولادنا مثله؟

العني الشيطان يا بنتي.  العنيه و استغفري  الله.

و كما لو أنها التقطت الإشارة تقوم زوجة أخي،  و تصعد إلى بيتها الذي في السطح لاعنة الشيطان الذي عاقبها و نتّن فراشها.

 

 

 

 

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون