بلاك شوز

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

مروة سعيد*

"بلاك شوز.. بلاك شوز.. وير آر يور شوز". نقولها ثلاثتنا ونحن نشير إلى أقدامنا المتلامسة عند أطراف الأصابع، ننهى جملتنا ونقفز قفزة إلى الخلف. تسقط "هديل" فى السودان وتسقط  "آيه"  فى الإمارات بينما أعود أنا إلى بيتى بالقاهرة.

مضى أكثر من ستة عشر عاما على تلك اللعبة التي كنا نلعبها فى باحة المدرسة المغطاة بالرمال، كنا نظن أن مسافة القفزة لن تتعدى السنتيمترات التى فصلت بيننا وقتها، لكننا فى الواقع كنا نسقط دائما خارج الحدود. تقفز “هديل”  فوق حذائى الأسود الجديد ولكنها تخطئه فتقضى إجازتها الصيفية هنا فى القاهرة. كانت “هديل”  أول من رحل، ذهبت إلى السودان حتى تنهى دراستها الجامعية بكلية الطب، تساءلت: هل ستعود يوما حقا؟!

فى البداية كنت أذهب إلى سنترال حتى أحدثها فى الهاتف أسبوعيا، أقف أمام رجل غريب يسألنى عن الجهة التى أريد محادثتها، أخبره أنها السودان يتعجب قليلا ويطلب الرقم، كنت احدثها فى كابينة خشبية سيئة التهوية ولكننى مع صوتها أحسست برذاذ أمطار السودان الصيفية، كانت تخبرنى عن الأجواء المتقلبة وأن حذاءها لم يعد يجيد السير فى شوارع السودان بدون صحبتى، نرتب لخطط الإجازة القادمة وفى كل مكالمة نزيد قائمة المزارات مزارا جديدا.

” بلاك شوز.. بلاك شوز.. وير أر يور شوز”..

 تعلمت أن أتفادى قفزات الآخرين ولكننى لم أجد القفز على أقدامهم يوما، قفزت على كوتشى آية الأبيض التى لطالما تذمرت هى من اتساخه غير مبرر، أخطئ قفزتى فأسقط أمام بيت آية، كان أشبه بجحرنا السحرى، مخبأنا وقت الحروب، وقت انهيار العالم الواقعى حولنا، كنا نقف أنا وهديل امام شرفتها نهتف باسمها حتى يستيقظ الحى بأكمله بينما هى تتجاهل نداءاتنا عن عمد إلى أن تضطر أن تدخلنا على مضض. تلك كانت طريقة آية فى الترحاب والتودد، كانت تحب أن تسمع هتافنا يطول -هكذا كانت تقول- ولم تشك لحظة أننا سنكف عنه يوماً.

“بلاك شوز بلاك شوز وير آر يور شوز”.

تقفز آيو على حذاء هديل البنى، تسقط آية فى الامارات. كان هذا بعد وفاة طنط مها بعام تقريبا، جمعتنا آية حتى تخبرنا بقرارها الأخير. سترحل عن هنا و ستعمل بالإمارات، ستسافر وحيدة وتبقى هناك وحيدة، أكان يجب عليّ أن أمنعها، أخلع عنها حذاءها فتبقى، إذا كنت تريد أن تمنع شخصا من الرحيل، فاخف حذاءه، هل ستجدى هذه الحيلة مع آية، ظننت وقتها أنني قد كبرت على الحيل فتركتها ترحل.

“بلاك شوز بلاك شوز وير آر يور شوز”.

 تقفز آية على حذائى الأسود، لكننى لم أتحرك تركتها تصيبه تاركة علامة بيضاء على مقدمته، لم أتحرك لأننى مللت القفز فى المكان، أردت أن نقفز ثلاثتنا ولا نعود، أردت أن نقفز لنصل إلى غرفة آية، نتمدد على فراشها، بينما باك ستريت بويز ينظرون لنا من خلال ملصقاتهم المعلقة على جدران الغرفة يسمعونا نغنى بصوت عال “آى وانت ذات واى”، ننهى غناءنا بضحكات هيستيرية غير مبررة، نفقد الزمن والوقت، أردت أن نخفى أحذيتنا قليلا، أو نسقطها من أعلى البناية، ونجول العالم بأقدام عارية.

يعيدنى صوت آية و هى تصرخ فى وجهى مازحة: “بره يا مروه، إنتى آوت “.

 

مايو 2016

 

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون