“تخيل ! أمين معلوف صديقا شخصيا له ” قالت ،هتفت ” أمين معلوف !!” “كان يظن أن لي أصولا إيطالية !!” “أهاااا من حقه طبعا عندما يري هذا الجمال ” ضحكَت ، “تصور باسم عند نهاية حوارنا أخرج آلة حاسبة كي يعد الكلمات التي منحني إياها !! “لقد جعلتِني أطيل الكلام. يستحسن أن تلغي بعض الفقرات عند كتابة النص“ هكذا قال لي في ثبات و نظرة إخترقتني !! و ضحكنا،وصلنا ، جلسنا ، و أكلنا الكباب بالكرز (أكلتها المفضلة ) ، ثم توقفت عن الكلام و سألت في توجس سؤالي ببطء ” هل .. هل قرأها ؟؟ ” رفعت نظرها من الطبق و تركت شوكتها و لوت شفتيها ، الان .. فهمت ، طلبت من النادل ماء و طلبنا الشاي ، ثم مالت علي حقيبتها و اخرجت منها المظروف ، ذلك المظروف الذي كتبت ما يحويه ،كان الوحيد الذي كتب له أن يذهب إلي إيطاليا و يعود كما كان ، أتذكره جيدا ، مددت يدي و أخذته منها ، تنهّدت ، ثم فتحت المظروف ببطء و التقطت ورقتي التي .. نعم كتبت له خطابا ، نعم أنا شخص ساذج !! لماذا سيقرأ خطابي أنا !!
عزيزي الساحر
“إذا أعطتك تلك الآلة الاجابة بسهولة ، علي الفور لن تتعرف عليها لان قلبك لن يكون قد تنقّي بعد بواسطة التساؤلات العميقة “
كنت أتساءل ، لم يجعلني الجمال سواء في الكلمة او في قطعة موسيقية أو في وجوه الاطفال و النساء الجميلات يجعلني أبكي ؟ كنت ساعتها أتصور لان الجمال يطهّرنا ، و لكن في الحقيقة ، عندما تكون مع الشيء الجميل و تبكي هو تعبيرا عن الغربة حيث انت و هذا الشيء الجميل وحيدون في هذا العالم ، هذا بالضبط ما شعرت به عند قراءة عبارتك السابقة المبهرة التي قد لا يفهم كثيرون الكامن خلفها و غيرها و غيرها ، باختصار ، ما جعلتي أقدم علي تلك المحاولة الجريئة لاكتب خطابا أعرف أنك لن تقرأه هو التشابه الذي وجدته بيني و بينك – ما الفارق الشاسع و لا مقارنة – عندما قال لك البروفيسور تعليقا علي إطروحتك للدكتوراة و أنت بعد في الرابعة و العشرين “من الواضح أنك لم تزل شابا للغاية، اذ انّ باحثا متمرّسا كان ليجري البحوث ويستخلص منها الاستنتاجات التي تشكّل مادة أطروحته، أما أنت فقد صغت الأطروحة كما لو أنك تروي لنا قصّة بوليسية“ هذا ببالضبط ما كنت افعله و أنا أتناول بعض مواضيع الدراسة صبيا ، هل ممكن أن أسرد قصة بسيطة لشخص اعرفه ؟
و أخيرا ، بعد معاناة قاربت العامين ، في صراعٍ مع شيء لم يكن يفهمه ، كان ذلك الصبي ، يستثقل الزمن ، و كل يومٍ يحاول أن يجد حلا لنفسه ، و يتسائل : متي الخلاص ؟ ولكن ،لم تكن تجدي الحلول ، ظن بنفسه العجز ، استثقل عامين من الالم اللامبرر ، و تعجب لمعاناة كاي جاميسون ثلاثين عاما و إنتصارها في نهاية المطاف ، ذلك الصبي ، كان يخطط أن يختار لنفسه مهنة لا تعطله عن مأربه ، كان يري حياته ، و قد تنحي عن الدنيا قليلا ، لا خوفا من المواجهة و لا زهدا و لكن ، بحثا و تنقيبا و إستكناهً لما قاله من أتو من قبله علي هذي الأرض ، ليري ، كيف كان يري كل منهم العالم ، يحدوه في ذلك ، ظمأ لا للمعرفة فحسب ، و لكن ، للجمال الذي لا ينتهي و لا تفني صوره ، ذلك الصبي ، إجتذبته الطوائف ، كلٌ يزعم أنه الفرقة الناجية ، و يحتكر النجاة لنفسه ، كبر الصبي ، ثم أتسع وعيه قليلا ، وضرب بأفكار من أجتذبوه عرض الحائط ، وآثر أن يبحث بنفسه ، أغوته فينوس ، فطفق يخطب ود بناتها ؛ فصار يقتفي أثر فان خوج و دالّي ، و يتسائل : لماذا تلك النبرة في سونات الكمان الخاصة بباخ ، و ما هو ذلك السحر الذي وضعه شوبان في نوكترناته ، و ما سر إنجذابه لعقل جوسيبي تورناتوري ، و من أين كان يغترف جلال الدين الرومي عسله ، و يتسائل عن فرناندو بيسوا و شياطينه الأربعة ، و شخصياته السبعين ،و كيف لجابيتو بعد أن أصابه الخرف و قارب التسعون أن يكون قلبه مازال قادر علي بذل احب ، ذلك الصبي ، وجد نفسه في الطريق وحيدا ن فإنبري يبحث عن أشباهه معتمدا علي قانون الطبيعة : الجذب ، وجد بعضهم ، منهم من لم يتحمل حدّة إدراكه ، و تركيزه مع تفاصيل الكون الصغيرة ، فآثر هو الانسحاب ، و مازال الزمن يلقي له علي جوانب الطريق ببعض الرفقاء بين الحين و الآخر ، توأم روح ، يكسبه شيئا ، ثم قد يختفي من حياته بعد أن يكون طبع فيه شيئا من روحه ، هاه ، و لا يبقي غير الذكريات ، ذلك الصبي ، كان يبكي عندما يري شيئا جميلا ، ربما لانه يحس أنه في حضرة هذا الشيء أنهما غريبان و وحيدان في هذا العالم- الغربة شيءٌ مؤلم ، تقاذفه أولو العلم كلٌ منهم يفتي في أمره ، يصدق هذا ، ثم لا يرتاح فينتقل لغيره و لا حيلة له ، و ما أن وقع علي مكمن المشكلة تقريبا بعد عامين من اللافهم و اللاشعور إن شئت قل : مشاعر غير بشرية لم يكن يفهمها ، ذلك الصبي الذي في خلال ذلك الوقت لم يكن يستطيع النظر في المرآة لا خوفا من المواجهة و لكن ، لأنه حقيقةً ، لم يكن يدري : من هو ! ذلك الصبي الرافض لأن يكبر مقاتلا للاحتفاظ بروح الطفولة داخله كي يحتفظ بالدهشة و يري الكون في كل مرةجديدا حتي يستثيره للبقاء ، ممنونا الآن لكل من بقي معه أو فارقه ، فهوي الان صورة لتكاثف الماضي علي روحه ، نعود فنقول : ذلك الصبي ، ممنون الآن لوجود من يعتبرونه ذا أثر فعّال في حياتهم : من نظروا له نظرة إهتمام ، أو إبتسموا له بصدق أو آمنوا به حتي لو بضع لحظات يقول لهم : كم أحبكم ، ولكن ، بعد عاميّ الألم ، ذلك الصبي آثر أن يصمت قليلا و أن ينسحب محاولا ترميم البناء .
أتعرف ، لم أري أن القراءةو الكتابة قد زادتني شيئا سوي تعميق الاحساس بالغربة في هذا العالم و أستثارة الاستعداد المسبق للتمرد ، و الكتابة كما يقول خوان ميّاس أظنك تعرفه : مثل فتح الجروح ثم كيّها ، و لأن ميّاس هو في الاصل شخص مجنون كُتِب له أن يصيرا كاتبا و صار له مريديون و مدمنون ،فالامر معي كان هو عبارة عن تعميق الاحساس بالالم عن طريق إستشفاف آلام البشر و الأشياء ، أن تكتب رواية يعني تقريبا أن تقدم علي محاولة إنتحار ذهنية ، و كما قالو قديما : يبقي المرء بعقله إلي أن يكتب كتابا أو يؤلف ديوان شعر ( و أزيد أو أن يقع في الحب ) ، لذ لما في الامر من معاناة قد يراها من خارج الدائرة نوعا من المبالغة – قررت يا صديقي أن أتوقف ريثما نستعيد صحتنا العقلية و الروحية و النفسية و ريثما نستعيد التوازن ، أو أن نجد يوما ما من يعيدنا إلي المضمار و لا أدري هل سأكتب مرة آخري أم ماذا
حاشية : أرفقت خطابي بنص قصير أرجو أن تقرأ، و لا يهم أن تضيع الوقت في تقييمه فقط يكفيني أن عينيكِ مرّت عليه ،شكرا لوقتك
المخلص الذي لم يلتقيك
باسم
كنت قد أرفقت الرسالة بنص قصصي رمزيّ أحبه كثيرا ، أبدت جمانة إعجابا بليغا به بعنوان ” فنان ” و إقترحت عليّ ” ما رأيك ؟ نرفقه بالنص في نفس المظروف و أظنه سيعجب بجراءتك هاه ما قولك ؟؟” بالطبع وافقت ، فقط يكفيني أن قد تكون ورقة بها كلماتي قد وصلت ليديه و قرأها ،أعطتني مظروفي فتحته خائب الوفاض أنه به رسالتي و رفض أن يقرأها ، فتحته و ألتقطت الورقتين و لكن .. هناك ورقة ثالثة !! لحظة لم أكتب سوي ورقتين ، نظرت لجمانة ، فاتسعت ابتسامتها و هزت رأسها و رمشت بعينيها أن أفتحها
أهلا باسم ،
تقول أنك قد توقفت بصورة تقريبا شبه كلّية عن ممارسة الكتابة بسبب المشاكل العالقة و المترسبة لم أرك و لكن ، أظن أنك سوف تخرج منها أقوي مما أنت عليه الآن ! أشفق عليك يا صديقي الصغير و لكن ، بما ستجديك الشفقة ؟ و لكن ذلك لا يمنع أن تعوّض ما لم أحصل عليه أنا بسبب عدم تفهّم النقاد لأعمالي تفهّم و ما سوف تضيفه لي تلك الجائزة البائسة ، شأنها كشأن أي دكتوراة من شهادات الدكتوراة الفخرية التي جاوزت الثلاثين التي نلتها من مختلف جامعات العالم ، هه ! يعتبرونني أكتب للصفوة و أنني لست كاتبا جماهيريا كالمدعو دان براون و لكن أليس دير إدسو دي مالك شاهدا علي النقيض ؟
أكتب إليك لأخبرك أنه رغم ما أنت فيه ، لا تنسي أن تضيف اسبوعيا أو حتي شهريا جملة أو سطرا في خطاب نوبل الذي ستلقيه أنت في 2046 و لكن ، تعلم ، سني قد جاوز الثمانين – ورغم ذلك ، بعد ستة أعمال روائية استغرق كتابة كل منها ما لا يقل علي ستة إلي ثمانيةأعوام ، رغم ذلك أعتبر نفسي روائي ناشيء في بداية الطريق ، و لكن و لا أعتقد أني قدأعيش لتلك السنة لاراك علي المنصة وحتي لو عشت سوف لا أكون بكامل إدراكي لكي استشعر تلك اللحظات الرائعة التي ستكون تتويجا لما قد كتبت و لكن حذار أن تعتبرها النهاية و تتوقف بعدها ، علي كل ٍ ، حين نلتقي في العالم الاخر حتما ، سأسمع منك الخطاب و سنتحادث سويا كما نتحادث الان روحيا عبر الاثير ما رأيك أن حادث بواسطة الاسقاط النجمي ؟
تذكر دائما ما قلته : ” الواجب علي من يريد الخير للبشريةأن يجعلها تضحك من الحقيقة ، ثم يجعل الحقيقة تضحك فيتحرر الانسان ”
أومبرتو إيكو
أنا ؟ أهتم بالرد علي ؟؟ ” جمانة !! أنت من كتب الخطاب ” سألت بعصبية ، ردت ” أقسم أن لا ، هو كتبه و لكن أتعرف … قد يكون علي سبيل الصدقة هاهاهاها ” إذا كتبه !! لي أنا !! حلم ؟؟ لا أدري أكاد أصاب بالدوار ، هببت واقفا من علي كرسيّ و هتفت : لابد أن اطير “النهار” كي أريهم ما كتبه لي إيكو جمانااااااااا ” فجأة جحظت عيناها و أمسكت بطنها وأنّت وصرخت صرخة مكتوبة يبدو و كأنها ستتقيّا ثم و كأنه أغمي عليها ، فزعت جمانة “ما بك ؟؟ ما بك !!!” ألقيتُ الخطاب وهرعت و ناديت النادل ليحضر ماء و أي شيء معطّر ، ثم عدت فوجتها ممسكة بالخطاب و مبتسمة و بنظرة متحدّية ” هل ظننت أن تفلت بفعلتك و لا تدفع الحساب” كتمت غيظي ثم أبتسمت ،
آه منكِ يا ليليت !