المليونير.. قليل من المنطق كثير من العبقرية

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام
يقف فيلم "المليونير" في مكان وسط بين أفلام إسماعيل ياسين الكوميدية، فلا هو بعبقرية "إسماعيل ياسين في الأسطول" و"الآنسة حنفي"، ولا هو بسوء "العقل والمال" و"ملك البترول"، ربما لأن مخرج الفيلم حلمي رفلة هو الآخر ليس بعبقرية فطين عبدالوهاب، ولا بتواضع حسن الصيفي وعباس كامل.

تتر الفيلم وحده “أعجوبة” من أعاجيب زمن السينما بداية من ترتيب الأسماء، فنجد اسم الممثلة “كاميليا” سابق لاسم إسماعيل ياسين، ربما التفسير الوحيد لذلك هو عرض الفيلم في سبتمبر 1950 أي بعد شهر واحد من وفاتها في أغسطس من ذات العام في حادث طائرة غامض، كنوع من التكريم.

و”كاميليا” فائقة الجمال فعلا، لكنها متواضعة جدا كممثلة، يحيط بنشأتها وأصلها بعض الغموض والتضارب، ولكن المؤكد أنها ولدت في الإسكندرية لأم مسيحية كاثوليكية مصرية من أصل إيطالي اسمها “أولجا لويس أبنور” وأنها حملت بـ”كاميليا” من علاقة بدون زواج.

وربطت بين “كاميليا” وبين “رشدي أباظة” إشاعات قوية عن علاقة غرامية بينهما، وتطور الأمر إلى إعجاب الملك فاروق الشديد بها، بعد أن رآها على أغلفة المجلات، ومع نشوب الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، وبالنظر إلى الوضع الديني المعقد لها حيث تحمل اسمًا يهوديًا وديانة مسيحية وشائعات قوية حول ارتباطها بالملك وفي الوقت نفسه بأجهزة مخابراتية، كان من الطبيعي أن تكون مستهدفة من الجميع في هذا الوقت، لكن تظل الوفاة الطبيعية نتيجة الحادث أمر وارد.

في خانة التأليف، نجد ثلاثة أسماء مهمة جدا في تاريخ السينما المصرية، الأول هو أبو السعود الإبياري صاحب الدويتوهات المميزة مع إسماعيل ياسين، ككاتب لحوار الفيلم، كما نجد أيضا اسم أنور وجدي والذي يعتبر من أشهر وأمهر صناع الفن السابع في مصر، كاتبا للسيناريو إضافة إلى كونه منتج الفيلم، بينما الاسم الثالث هو الشاعر والأديب الكبير مأمون الشناوي ككاتب للقصة.

في التتر أيضا، أسماء ثلاثة مخرجين صاروا فيما بعد من كبار مخرجي السينما، اثنان منهم ساعدوا رفلة في الإخراج وهما “عاطف سالم وسعد عرفة”، بينما يظهر اسم “كمال الشيخ” كمونتير للفيلم.

قصة الفيلم ساذجة وتم تناولها في عدد كبير من الأعمال السينمائية. فيظهر إسماعيل ياسين بشخصيتين، الأولى (جميز) والثانية (عاصم الإسترليني)، حيث يتبادل الاثنان أدوارهما، فالاسترليني رجل ثري يعيش مع زوجته وشقيقته. يغازل أحد الشباب زوجته فيقتله، ويوصي رجاله بدفن الجثة سرا، ثم يقضي سهرة بأحد الكباريهات فيلتقي بالمنولوجست جميز شديد الشبه به.

تأتي عاصم فكرة أن يستغل هذا الشبه في أن يقوم كل منهما بحياة الآخر في الحياة. يوافق جميز بعد تردد وبعد أن يعده عاصم الثري بأنه عندما يحتاجه ينادي “جزر” فيجده أمامه، وعندما لم يستطع أن يساير حياة عاصم المختلفة عنه يهرب من المنزل، يكتشف عاصم أن الشاب الذي كان يغازل زوجته هو شقيقها الذي تخفي عنه وجوده فهو فقير ويتضح أنه لم يمت، يعود عاصم لزوجته الجميلة ويعود جميز لعمله الفني، بعد لقائهما في السجن.

أعتقد أن قيمة هذا الفيلم في أربعة لوحات استعراضية شديدة الفكاهة والجمال والعمق. الأولى التي غناها ومجموعة السكارى في البار الفقير الذي طلب من سائقه التوجه إليه فور دخوله عالم الثراء، وهي “سيدي على يانّي وخمرة يانّي”، وفيها يقيم جميز (الذي أصبح لتوه عاصم الاسترليني) مجموعة حوارات ساخرة مناسبة للحالة مع عدد من الشخصيات التي تتردد على البار، ومنهم شحاذ دخل يطلب الإحسان بجملة عبقرية “حسنة يا فندي .. وأحب غاندي”، بينما يدخل بائع الفشة والممبار ينادي على بضاعته قائلا “لسان ومخ نضيف.. وعندي لحمة راس تمام.. تهزأ الروزبيف”.

ينتهي الاستعراض بدخول شاويش، مع صوت البروجي العسكري كدليل على الانضباط الآتي بدخوله، فيبدأ في إعطاء المخمورين في البار درسا في القيم والأخلاق فيقول في نغمة أشبه بالنشيد الوطني “شطب يا خمورجي يا بتاع السم.. فِز إنت وهو ياخي جتكو الهم… بدل ما توجع كرشك بمنقوع البراطيش.. ولادك أولى بقرشك”، فيرد جميز مكملا شطر الجملة الشعرية “في صحتك يا شاويش”، لتنتهي اللوحة برقصة جماعية لكل المخمورين في البار على كلمات “النوبة يا شاويش.. معلش يا شاويش …. إلخ”، في صورة تدعو للبهجة والسعادة، وفي تحد كبير لسلطة رجل البوليس انتصارا للحرية الممنوحة لهؤلاء.

11165888 10153788257050016 1860177835 n

ثاني اللوحات هي “يا عيني ع العز”، التي غناها جميز “الذي تحول إلى عاصم الاسترليني” بالاشتراك مع سعاد مكاوي، الصوت النادر الجميل، بينما كانت كاميليا ترقص وكذا خدم وسفرجية قصر الاسترليني.

يصف “جميز” في هذا الاستعراض حاله الذي تبدل. دراميا هناك خطأ كبير في هذه اللوحة الغنائية، حيث أنه يعترف بكل براءة وهدوء أنه جميز الفقير وليس الاسترليني.

أما ثالث اللوحات فهي “عايز أروح”، والتي غناها إسماعيل ياسين في مطبخ قصره مع سعاد مكاوي، شاكيا حاله من الحياة الصعبة التي يعانيها في القصر بعد أن أعلن تماما أنه ليس الاسترليني الغني بل هو جميز الفقير ما تسبب في اعتقاد زوجته “كاميليا” بأن الجنون قد أصابه.

دخل جميز إلى مطبخ قصره فوجد الخادمة معلنا “عايز أروح”، فترد الخادمة “ماتروحشي”، ثم يبدأ في الشكوى فيعلن “لو هستنى هنا هتوفى.. م الحقن اللي باخدها في جسمي.. بعد يومين دمي هيتصفى.. وأخرج من هنا ميت رسمي”، ويضيف “شوفي دراعي يا عيني دراعي.. 50 حقنة من غير داعي”.

تتساءل الخادمة بمنطق شديد “أنا مش فاهمة تروح فين؟.. ما هو ده بيتك يا سيدي البيه”، فيرد بمنتهى العمق ملخصا حكمة الحياة “فين الفول فين الطعمية .. فين الفجل فين الكرات.. إن كاد كده شرط البهوية.. يحيا العدس 10 مرات.. أكل دقة وأعيش متهني.. ولا أكلش كباب راح يقتلني”.

لأسباب فنية ودرامية غير منطقية يدخل جميز مستشفى الأمراض العقلية. فتأتي اللوحة الكوميدية الاستعراضية الأعظم، ربما في تاريخ السينما المصرية وهي “العقلاء” والتي يقدم فيها الإبياري بصفته كاتبا لكلمات الاستعراض لقاءات عديدة بين جميز وشخصيات من التاريخ مثل “نابليون ونيرون وعنترة بن شداد”.

ديالوجات الاستعراض عبثية للغاية، وتعكس حالة اللاعقل واللا منطق في هذا العنبر فـ “ركوب القطة والبطة التاكسي” هي من أسرار نابليون، بينما يغني نيرون “تعالي لي يا بطة”، بينما يأتي عنترة بصوت نسائي لا يعكس شخصيته الحقيقية القوية المعروفة عنه في التاريخ.

11130690 10153788257085016 1048220588 n

ألحان اللوحات الأربعة مشتركة وفقا لـ”التتر” بين عزت الجاهلي ومحمد البكار، ولم يتسنى لي معرفة ملحن كل أغنية على حدى، اللهم إلا أن المتداول أن استعراض “عنبر العقلاء” هو للجاهلي.

لابد من الإشارة لثلاث لوحات استعراضية أخرى، الأولى في الكازينو الذي شهد أول لقاء بين عاصم وجميز، والثانية التي غناها لعائلته التركية، والأخيرة في نهاية الفيلم.

11149037 10153788257030016 575348806 n

لن ننسى أيضا الحضور الهام لاستيفان روستي “زكي بشكها” وفريد شوقي عندما جاءا يهددان عاصم الاسترليني (في صورة جميز) لأنه كتب لهما شيكا بدون رصيد بقيمة 3000 جنيه، فاقترح عليهما لعبة “السيف” بالكوتشينة، فإذا فازا أخذوا بدلا من الـ 3000 جنيه 6000، وإذا فاز هو حصل على الشيك، وهو ما حدث بالفعل، بفضل مراهنته على ورقة (9) بالكوتشينة، الأمر الذي أدى إلى خروجهم بالملابس الداخلية.

         

مقالات من نفس القسم